ديوان الإفتاء [558]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة، أسأل الله أن يجعلها نافعة مفيدة وأن يسددنا في أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجه الكريم.

السؤال: أسأل عن التحصين والتسبيح في جوف الليل من غير طهارة؟

الجواب: أجمع أهل العلم على أن ذكر الله عز وجل وأعني بذلك الذكر المطلق لا تشترط له طهارة، فيجوز للجنب وللحائض أن يذكرا الله تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً وتكبيراً، وأن يقولا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن يصليا ويسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من الأذكار، سواء في ذلك جوف الليل وغيره.

السؤال: وضعت قبل رمضان بأيام قليلة وبالتالي لم أصم رمضان، وكان ذلك قبل خمس سنوات فسألت، فقيل لي: عليك القضاء، فقضيت بحمد الله وعونه، فهل هذه الفتوى صحيحة؟

الجواب: نعم، هي صحيحة إن شاء الله، فالحامل والمرضع كالمريض والمسافر جميعاً يلزمهم القضاء وليس عليهم شيء سوى القضاء عند جمهور العلماء.

السؤال: في معنى الآيات: (واهجروهن)، (واضربوهن) ما هي الأخطاء التي توجب ذلك في الشرع؟

الجواب: الآية بينت ذلك، قال الله عز وجل: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً [النساء:34-35].

فبين ربنا جل جلاله أن الخلافات الزوجية لا بد من أن يسلك الإنسان فيها هذه السبل الأربعة قبل أن يسارع بإيقاع الطلاق، وهذا ما يغفل عنه كثير من الناس الآن، فإن الواحد منهم لأدنى خلاف يوقع الطلاق، وربنا جل جلاله يقول: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، نشوز المرأة: ترفعها على زوجها ومعصيته، والتكبر على خدمته، وعدم الاستجابة له إذا دعاها إلى فراشه، هذه كلها أسباب تؤدي إلى وصفها بالناشز، فأمر ربنا جل جلاله بوعظها بأن توعظ ويقال لها: اتقي الله، ويقال لها: عظمي حق الزوج واعرفي ما ينبغي عليك نحوه، ويبين لها سيرة الصالحات والتقيات ويبين لها الآيات، وإن كان الزوج لا يحسن فإنه يستعين بمن يحسن.

ثم بعد ذلك تأتي المرحلة الثانية وهي: الهجر في المضجع، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا تهجر إلا في البيت )، فإذا لم تصلح تأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة وهي: ضرب غير مبرح، وهذا لصنف خاص من النساء لا تقتنع بزوجها إلا إذا قهرها، نسأل الله العافية، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا تضرب الوجه ولا تقبح )، وفي الحديث الآخر قال: ( واضربوهن ضرباً غير مبرح )، وهو الضرب الذي لا يكسر عظماً ولا يقطع لحماً ولا يسيل دماً، ولا يقصد منه الانتقام والإعاقة، وإنما يقصد به الزجر والتأديب.

ثم تأتي المرحلة الرابعة: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا [النساء:35]، أي: الحكمان أو الزوجان قولان لأهل التفسير، إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً [النساء:35].

السؤال: ما حكم تربية الشعر؟ وما حكم قراءة البراق؟

الجواب: أما تربية الشعر فلم يرد في الشريعة منع ولا حث، أعني: بالنسبة للرجال، فلو أن الإنسان أطلق شعره، أو أنه حلقه فالأمر في ذلك واسع، لكن الاعتبار بالنية، فبعض الناس قد يربي شعره عادة، وبعض الناس قد يربي شعره؛ لأنه سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبلغ شعره جمته، وأنه ما كان يحلق إلا في النسك، وبعض الناس قد يربي شعره تقليداً لفلان أو فلان من المغنين أو الممثلين أو اللاعبين من المؤمنين وغير المؤمنين، فكل بنيته يجازى.

لكن الممنوع التشبه بالكفار في طريقة تصفيفه وترجيله، الممنوع القزع، بمعنى: أن يحلق الإنسان جوانب الرأس والخلفية ويترك المنطقة التي في النصف، هذا هو الممنوع المحظور.

أما قراءة البراق فإنني أقول: يا مسلمون! ( اقرءوا القرآن فإن لكم بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها )، أما البراق أو غيره مما كتبه الناس كم فيه من الحسنات؟ الله أعلم. أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة:61] .

السؤال: الساعة كم تكون صلاة الضحى؟

الجواب: صلاة الضحى من بعد شروق الشمس بنحو ربع ساعة يبدأ وقتها، بمعنى: لو كانت الشمس تشرق في يومنا هذا في السابعة إلا ثلثاً، فمعنى ذلك : أنه من السابعة إلا خمس دقائق دخل وقت صلاة الضحى.

السؤال: هل يجوز صوم الستوت والقضاء معاً؟

الجواب: نحن في هذا اليوم الذي قد ختم فيه شوال، فهذا اليوم الذي غربت شمسه كان المتمم للثلاثين من شوال، وقد انتهى وما بقي سبب للسؤال عن الستوت، إن شاء الله في العام القادم إن أحيانا ربنا نجيب هذا السائل.

السؤال: ما بال الكثيرين أصبحوا يكافئون الميت بعرض أغنياته؟

الجواب: والله هذا السؤال يوجه إليهم، لكن الميت إذا مات وهو راض عن ذلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله، أما إذا كان الميت قد تبرأ من ذلك، وتاب إلى الله عز وجل فليس مسئولاً عما يعرض بعد موته.

السؤال: هل ينقض دم الحيوان المذبوح الوضوء، علماً أني أعمل في فحص اللحوم؟

الجواب: لا ينقض الوضوء، لكنه نجس ينبغي غسله قبل الصلاة، بمعنى: أن الإنسان لو كان يعمل بالطبابة طبيباً كان أو ممرضاً، أو محضراً أو مخدراً، أو كان يعمل بيطرياً في فحص اللحوم المذبوحة، أو كان يعمل جزاراً فأصاب ثيابه دم، فإنه لا بد من غسل هذا الدم قبل الدخول في الصلاة؛ لأن من شرط صحة الصلاة طهارة المكان والبدن والمحمول، أي: الثياب.

السؤال: في الآية الرابعة عشرة من سورة التغابن متى يكون الأزواج والأبناء أعداءً لنا؟ وكيف يكون الحذر منهم؟

الجواب: السائل يسأل عن قول ربنا جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن:14]، هذه الآية -كما قال الصحابة- نزلت في شأن جماعة من الناس أرادوا أن يهاجروا إلى المدينة، حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخوانه من المؤمنين، ولكن أزواجهم وأولادهم تعلقوا بهم فمنعوهم، ثم لما فتحت مكة رأى أولئك الممنوعون من الصحابة رضي الله عنهم كيف أن إخوانهم قد تفقهوا في الدين، وقطعوا شوطاً بعيداً في التقرب لرب العالمين، فشهدوا المشاهد وغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحموا بيضة الإسلام، وكانوا من السابقين الأولين فحنقوا على الأزواج والأولاد، فقال الله لهم: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن:14].

فالأزواج والأولاد أعداء إن منعوا الأب من طاعة الله أو حملوه على معصية الله؛ ولذلك مطلوب منا أن نرعى أزواجنا وأولادنا، وأن ننفق عليهم وأن نترفق بهم، وأن نعطف عليهم، ولكن ليس على حساب الدين وإرضاء رب العالمين.

السؤال: عاهدت الله ألا أسف السعوط فصعب علي ذلك، فما الحكم؟

الجواب: الحكم أن تجاهد نفسك، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، وكم من إنسانٍ كان مبتلى بشرب الخمر أو تناول المخدر أو شرب الدخان ونحو ذلك، ثم عزم وصبر فأعانه الله عز وجل، وأقلع عن تلك العادات الذميمة والأمور القبيحة، وصار من خير الناس؛ ولذلك أنت مطلوب منك أن تجاهد.

أما إذا كنت قد عاهدت الله ثم ضعفت نفسك ورجعت إلى سف هذه المادة الخبيثة فعليك أمران:

أولهما: جدد التوبة إلى الله.

وثانيهما: عليك كفارة يمين؛ لأن الإنسان لو قال: أعاهد الله على كذا كأنه قال: والله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا.