ديوان الإفتاء [325]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء، أسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن ينتفعون بما يقولون وما يسمعون، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وفي بداية هذه الحلقة نذكر بأن هذه الليلة المباركة هي ليلة الجمعة، التي يستحب فيها الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه في الحديث أنه قال: ( إن من خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة علي فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ -يعنون بليت- فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ).

أجر يوم الجمعة وفضله

أيها الإخوة الفضلاء! يوم الجمعة هو خير يوم طلعت عليه الشمس، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فيه خلق آدم، وفيه أسكن الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة فرقاً من قيام الساعة إلا الجنة والإنس )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( وفي يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه, وأشار صلى الله عليه وسلم بيده يقللها ) .

المطلوب من المسلم أن يغتنم هذا اليوم المبارك (يوم الجمعة)، وأن يحرص على ذكر الله عز وجل والاستكثار من الطاعات، وليحذر تمام الحذر من التهاون بأمر الجمعة؛ فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين )، وقال صلى الله عليه وسلم: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه ).

فليس يوم الجمعة يوماً للالتهاء بالأسواق، وليس يوماً للخروج للنزهات، وليس يوماً لتضييع الأوقات، وإنما هو يوم عبادة وذكر وشكر.

وقد رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على يوم الجمعة أجراً عظيماً، فثبت عنه في الحديث أنه قال: ( من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر صيام سنة وقيامها، وذلك على الله يسير ).

فقوله: ( من غسل يوم الجمعة واغتسل )، أي: غسل ثيابه واغتسل في جسده، ( وبكر وابتكر )، بكر إلى المسجد (وابتكر) أي: حضر الموعظة والخطبة من أولها، ( ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت )، أي: اقترب، وحرص على الصفوف الأولى، واستمع إلى الخطبة استماع منصت يريد أن ينتفع ويستفيد, فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:17-18].

الحكمة من قراءة السجدة والإنسان في صبح الجمعة

وكان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة أنه يقرأ في صلاة الصبح بسورتي السجدة والإنسان، قال أهل العلم: لأن في هاتين السورتين ذكر أمرين عظيمين، وهما: خلق آدم وقيام الساعة، وكلاهما كانا في يوم الجمعة.

خلق آدم مذكور في سورة السجدة يقول الله عز وجل: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:7-9].

وفي سورة الإنسان يقول الله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:1-2].

وكذلك في سورة السجدة حديث عن القيامة، بداية من الموت، قال تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ * وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:11-12].

وفي سورة الإنسان ذكر أن الأبرار الطيبين كانوا: يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8]، كانوا يفعلون ذلك فرقاً من ذلك اليوم فيقولون: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان:9-11].

الأعمال المستحبة في يوم الجمعة

ويستحب في يوم الجمعة قراءة سورة الكهف، ووقتها يبدأ من غروب شمس الخميس، أي: دخول ليلة الجمعة، وينتهي بغروب شمس الجمعة، فهذه الأربع والعشرون ساعة وقت لقراءة سورة الكهف.

وأيضاً مما يستحب في يوم الجمعة: الاغتسال، والتطيب، ولبس الثياب الحسنة النظيفة، والتبكير إلى المسجد، وأن يجلس المرء حيث انتهى به المجلس، ولا يتخطى الرقاب ولا يفرق بين اثنين، وأن يصلي من النفل ما كتب الله له أن يصلي، فيصلي اثنتين، أو أربعاً، أو ستاً، أو عشراً، أو عشرين، حسبما ييسر الله عز وجل له، ثم بعد ذلك إذا صعد الإمام المنبر فإنه يجلس ويستمع وينصت وينتفع، ولا يتشاغل بشيء عن الخطبة.

ثم بعد ذلك إذا انقضت الصلاة فإنه يأتي بالسنة البعدية، إما أن يصلي في المسجد ركعتين، وإما أن يصلي في المسجد أربعاً، وإما أن يرجع إلى بيته فيصلي اثنتين، أو أحياناً يفعل هذا وأحياناً ذاك، وبعد ذلك إذا قضيت الصلاة لا بأس بأن يبتغي من فضل الله عز وجل.

بعض ما يحذر منه في يوم الجمعة

إخوتي وأخواتي! لنحذر تمام الحذر من التهاون بالجمعة، لنحذر تمام الحذر من أن نؤذي المصلين يوم الجمعة، فلا يأتي أحدنا إلى المسجد وقد أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً، أو تناول شيئاً مما تستقبح ريحه، وكذلك لنحذر من تخطي الرقاب, ( فإن رجلاً جاء يتخطى الرقاب ونبينا صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال له: يا هذا اجلس، فقد آذيت وآنيت )، ولنحذر تمام الحذر من أن نتشاغل بشيء في أثناء الخطبة، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال لصاحبه والإمام يخطب: أنصت فقد لغا, ومن لغا فلا جمعة له )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( من مس الحصى فقد لغا ).

وخطبة الجمعة جعلت للانتفاع والتذكر والاعتبار، فينبغي أن ننصت إليها ولو كان الكلام معروفاً لدينا، لربما يحضر الواحد منا في مسجد يلقي إمامه موعظة هو بها عالم، وقد سمعها من قبل أو قرأها، لكن الإنصات في ذاته عبادة.

وهاهنا أيضاً لا بد من وصية لإخواننا الأئمة والخطباء، بأن يقتدوا بسنة خير الأنبياء عليه الصلاة والسلام الذي كان يقصر الخطبة ما استطاع ويطيل الصلاة، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم: ( أن قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الإمام )، ( وكان كلامه صلى الله عليه وسلم فصلاً لو شاء العاد أن يحصي كلماته لفعل ).

فما كان من هديه صلوات ربي وسلامه عليه أن يطيل الخطبة، ولا أن يطيل الكلام، بل ( كان كلامه قصداً )، وكانت موعظته قصداً صلوات ربي وسلامه عليه، وكان يقرأ في ركعتي الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون، ولربما قرأ بالأعلى والغاشية، أو بما تيسر من القرآن.

وخاصة في فصل الصيف وقد اشتد الحر، وكثير من المساجد قد ضاقت بالمصلين، فتجد الجم الغفير من الناس يصلون تحت حرارة الشمس اللاهبة، فقمن بالأئمة أن يخففوا على الناس، وأن ييسروا ( فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً )، وقد أوصانا بقوله: (يسروا ولا تعسروا, وبشروا ولا تنفروا ).

أسأل الله عز وجل أن يبارك لنا في جمعتنا، وأن يجعلنا فيها من الغانمين الذاكرين الشاكرين. والحمد لله رب العالمين.

أيها الإخوة الفضلاء! يوم الجمعة هو خير يوم طلعت عليه الشمس، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فيه خلق آدم، وفيه أسكن الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة فرقاً من قيام الساعة إلا الجنة والإنس )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( وفي يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه, وأشار صلى الله عليه وسلم بيده يقللها ) .

المطلوب من المسلم أن يغتنم هذا اليوم المبارك (يوم الجمعة)، وأن يحرص على ذكر الله عز وجل والاستكثار من الطاعات، وليحذر تمام الحذر من التهاون بأمر الجمعة؛ فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين )، وقال صلى الله عليه وسلم: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه ).

فليس يوم الجمعة يوماً للالتهاء بالأسواق، وليس يوماً للخروج للنزهات، وليس يوماً لتضييع الأوقات، وإنما هو يوم عبادة وذكر وشكر.

وقد رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على يوم الجمعة أجراً عظيماً، فثبت عنه في الحديث أنه قال: ( من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر صيام سنة وقيامها، وذلك على الله يسير ).

فقوله: ( من غسل يوم الجمعة واغتسل )، أي: غسل ثيابه واغتسل في جسده، ( وبكر وابتكر )، بكر إلى المسجد (وابتكر) أي: حضر الموعظة والخطبة من أولها، ( ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت )، أي: اقترب، وحرص على الصفوف الأولى، واستمع إلى الخطبة استماع منصت يريد أن ينتفع ويستفيد, فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:17-18].


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2824 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2650 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2508 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2477 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2466 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2444 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2407 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2407 استماع