ديوان الإفتاء [318]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة، أسأل الله سبحانه أن يجعلها نافعة مفيدة، وبعد ساعات إن شاء الله سيتوجه الناس في هذه البلاد إلى صناديق الاقتراع ليختاروا رئيساً، وولاة، ونواباً في البرلمان الوطني، ونواباً في البرلمانات الولائية، ونحن ندعو الله عز وجل بأن يولي على الناس خيارهم، وألا يجعل ولايتهم إلى شرارهم، ونسأل الله أن يجعل بلادنا آمنة مطمئنة سخية رخية، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وإن كان من كلمة في هذا المقام فإنني أحث إخوتي وأخواتي على التوجه إلى صناديق الاقتراع، والإدلاء بأصواتهم أو بشهاداتهم، وكما قال ربنا جل جلاله: سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:19] ، وكما قال سبحانه: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283].

أقول: أما انتخاب الرئيس والوالي فمعلوم أنه لا بد للناس من إمرة برة كانت أو فاجرة، ولا بد أن يكون على الناس حكام يسوسونهم ويقضون في خصوماتهم، ويفصلون في نزاعاتهم، ويمنعون التعدي فيما بينهم، ومن الخير الذي يسوقه الله عز وجل بوجود هؤلاء الحكام: أن تمنع الفوضى، وأن يحال بين الناس وبين أن يسفك بعضهم دماء بعض، وأن يتعدى بعضهم على بعض، وأن ينتهب بعضهم أموال بعض، وكما قيل:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا

ولذلك لما توفي خير الحكام وأفضلهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يشتغل الصحابة الكرام بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه صلوات ربي وسلامه عليه، اجتمعوا ليختاروا حاكماً، وقال قائلهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به، فاختاروا الصديق أبا بكر رضي الله عنه بناء على ترجيح أعملوه، ونصوص سردوها، واجتهاد بذلوه، وكان اختياراً طيباً موفقاً، وقام بالأمر خير قيام عليه من الله الرضوان.

أقول: لا بد للناس من حاكم، ولو نظر الناس حواليهم لرأوا بلاداً فقدت الحكم، أو فقدت الحكومات، رغم أنها كانت حكومات باغية ظالمة، لكن حين فقدوا تلك الحكومات الباغية وأولئك الحكام الظالمين، جاءهم الشر والفساد، وشيوع الفوضى، وانعدام الأمن، أضعاف أضعاف ما كانوا تحت الحكومات الباغية.

فأقول: لا بد للناس من حكومة، وطالما أنه قد أتيحت للناس فرصة ليختاروا من يحكمهم من رئيس أو والٍ، فما ينبغي لهم أن يقصروا، بل كل منهم يتقي ربه، ولا يألوا جهده في اختيار من يراه قوياً أميناً حفيظاً عليماً، يحقق الغرضين الرئيسين من إقامة الحكم، وهما: حفظ الدين، وسياسة الدنيا به، فالإنسان يجتهد في أن يبذل صوته لمن كان محققاً لتينك الغايتين العظيمتين.

مصالح الانتخابات البرلمانية

ثم بعد ذلك الانتخابات البرلمانية، سواء كان البرلمان الوطني، أو البرلمانات الولائية، كذلك نقول بأن الناس عليهم أن يتخيروا من بين المرشحين من كان أمثل طريقة، وأهدى سبيلاً، وهذه البرلمانات كما لا يخفى فيها مصالح عظيمة، فهي منبر للحسبة، منبر للاحتساب على الحاكم، رئيساً كان أو وزيراً، منبر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا كانت الرقابة موجودة فهذا خير عظيم، بدلاً من أن يسيح الحاكم ومن معه في مال الله عز وجل وفي أرض الله، ويعدونها ملكاً خاصاً لهم، يكون هناك هيئة رقابية منتخبة ممثلة لجماهير الناس، فتمارس دور الاحتساب على هذا الحاكم، وأيضاً من المصالح التي تترتب على قيام هذه البرلمانات: أنها وسيلة لعرض دعوة الإسلام، وبيان مزاياه؛ فالبرلماني أو النائب الذي دخل على هدي الإسلام، ونور الإسلام، وذلك نصرة للإسلام، يستطيع من خلال محاوراته، ومن خلال عرضه في البرلمان أن يبين للناس مزايا هذا الدين العظيم، وأن تطبيقه كفيل بتحقيق سعادة الدنيا والآخرة.

وبعض الناس يتكلم، أو يوزع أوراقاً، يقول بأن الدخول في هذه البرلمانات مستلزم للرضا بتحكيم غير شرع الله، وليس هذا بلازم، فالنائب في البرلمان له أن يعارض، وله أن يقاطع، وله أن ينسحب، وله أن يبدي رأيه بما يكفل له النظام من حصانة، وبما يكفل له من حرية تتيح له أن يبدي رأيه فيما يعرض من القضايا، أما لو تبع الناس مثل هذا الكلام بالمقاطعة والنأي والبعد بدعوى أن هناك مخالفات شرعية في اتفاقية نيفاشا، أو في كذا، أو في كذا، يعني: مما أبرم من معاهدات، أو مما حصل من اتفاقات ونحو ذلك، سيفضي هذا إلى شر عظيم، إذا نأى أهل الخير والإيمان، ونأى كل تقي، ونأى كل إنسان داعية إلى الله عز وجل، نأى بنفسه عن هذا الأمر، سيفضي ذلك إلى أن هذا البرلمان أو تلك البرلمانات الولائية يسيطر عليها من لا خلاق لهم، ولذلك نقول: لا نأل جهداً، ولا ندخر وسعاً، في اختيار القوي الأمين الحفيظ العليم، بحسب ما يبدو لنا من ظاهره، والله يتولى السرائر، كما قال الله لفرعون: وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر:28].

فأقول: الناس يجتهدون بحسب ما يبدو من ظاهر هذا المرشح، وبحسب ما يترجح من قناعات في البرنامج الذي طرحه، والأسلوب الذي عرضه، ونحو ذلك، وللناس عقول يميزون بها، ويختارون من خلالها.

التحذير من الاختلاف حال الانتخاب

وأخيراً لا بد أن نقول: بأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وأن الله عز وجل جبل الناس على الاختلاف، والذي يريد أن يجمع الناس كلهم على رأي واحد، على شخص واحد، على حزب واحد، على طريقة واحدة، ما يعرف سنة الله عز وجل في كونه، فربنا سبحانه قال: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118-119] بعد ما قال: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً [هود:118]، فالله جل جلاله قادر على أن يخلق الناس جميعاً وهم على رأي واحد، أو على دين واحد، لكنه جل جلاله قضت حكمته بأن يكون الناس مختلفين؛ آراؤهم متباينة، وسعيهم شتى، لكن بعد ذلك كل إنسان يتحمل مسئولية اختياره، ومسئولية معتقده. فأقول: لا ينبغي للناس أن يحولوا الاختلاف حول الأشخاص، أو حول البرامج إلى صراعات تجر مفاسد وشروراً وآثاماً وتنافراً، بل الواجب أن يرضى كل امرئ بما قدر الله عز وجل، وأُذكر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ، وأيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله ) ، وبقول الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].

وأُذكر بأن الساعي في مصالح الناس، والذي تقدم ليكون حاكماً عليهم، أو نائباً عنهم في البرلمان عليه أن يراجع نيته، وأن يتفقد حاله، وأذكر هؤلاء جميعاً بآية وحديث، أما الآية فقول ربنا جل جلاله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء:18-19]، وأما الحديث فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له )، فلنتفقد نياتنا جميعاً، ولنراجع أعمالنا جميعاً، ولنعلم بأن الدنيا قصيرة يسيرة، أنفاس معدودة، وأيام محدودة، ثم بعد ذلك المنقلب إلى الله عز وجل، قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8] .

وأخيراً: أدعو فأقول: اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليك، ويذل فيه عدوك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.

ثم بعد ذلك الانتخابات البرلمانية، سواء كان البرلمان الوطني، أو البرلمانات الولائية، كذلك نقول بأن الناس عليهم أن يتخيروا من بين المرشحين من كان أمثل طريقة، وأهدى سبيلاً، وهذه البرلمانات كما لا يخفى فيها مصالح عظيمة، فهي منبر للحسبة، منبر للاحتساب على الحاكم، رئيساً كان أو وزيراً، منبر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا كانت الرقابة موجودة فهذا خير عظيم، بدلاً من أن يسيح الحاكم ومن معه في مال الله عز وجل وفي أرض الله، ويعدونها ملكاً خاصاً لهم، يكون هناك هيئة رقابية منتخبة ممثلة لجماهير الناس، فتمارس دور الاحتساب على هذا الحاكم، وأيضاً من المصالح التي تترتب على قيام هذه البرلمانات: أنها وسيلة لعرض دعوة الإسلام، وبيان مزاياه؛ فالبرلماني أو النائب الذي دخل على هدي الإسلام، ونور الإسلام، وذلك نصرة للإسلام، يستطيع من خلال محاوراته، ومن خلال عرضه في البرلمان أن يبين للناس مزايا هذا الدين العظيم، وأن تطبيقه كفيل بتحقيق سعادة الدنيا والآخرة.

وبعض الناس يتكلم، أو يوزع أوراقاً، يقول بأن الدخول في هذه البرلمانات مستلزم للرضا بتحكيم غير شرع الله، وليس هذا بلازم، فالنائب في البرلمان له أن يعارض، وله أن يقاطع، وله أن ينسحب، وله أن يبدي رأيه بما يكفل له النظام من حصانة، وبما يكفل له من حرية تتيح له أن يبدي رأيه فيما يعرض من القضايا، أما لو تبع الناس مثل هذا الكلام بالمقاطعة والنأي والبعد بدعوى أن هناك مخالفات شرعية في اتفاقية نيفاشا، أو في كذا، أو في كذا، يعني: مما أبرم من معاهدات، أو مما حصل من اتفاقات ونحو ذلك، سيفضي هذا إلى شر عظيم، إذا نأى أهل الخير والإيمان، ونأى كل تقي، ونأى كل إنسان داعية إلى الله عز وجل، نأى بنفسه عن هذا الأمر، سيفضي ذلك إلى أن هذا البرلمان أو تلك البرلمانات الولائية يسيطر عليها من لا خلاق لهم، ولذلك نقول: لا نأل جهداً، ولا ندخر وسعاً، في اختيار القوي الأمين الحفيظ العليم، بحسب ما يبدو لنا من ظاهره، والله يتولى السرائر، كما قال الله لفرعون: وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر:28].

فأقول: الناس يجتهدون بحسب ما يبدو من ظاهر هذا المرشح، وبحسب ما يترجح من قناعات في البرنامج الذي طرحه، والأسلوب الذي عرضه، ونحو ذلك، وللناس عقول يميزون بها، ويختارون من خلالها.