خطب ومحاضرات
ديوان الإفتاء [298]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.
أما بعد:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة، أسأل الله عز وجل أن يجعلها نافعة مفيدة، فقد تقدم معنا الكلام في الأعيان النجسة التي ينبغي توقيها، وتكلمنا كذلك عن المعفوات التي حكمت الشريعة بالعفو عنها رغم كونها نجسة، وبقي معنا الكلام عن تطهير النجاسة كيف يكون؟ وخلاصة ما هنالك: أن إزالة النجاسة واجبة عن بدن المصلي، وثوبه، ومحموله، والموضع الذي يصلي فيه؛ لأن الله عز وجل قال في شأن الثياب: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] ، وقال في شأن المكان: طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125] ، وقال في شأن البدن: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] ، وقال الله عز وجل في شأن المرأة إذا حاضت: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] ، فلا بد أن يكون بدن المصلي سالماً من النجاسة، وكذلك ثوبه، وما يتصل به من أشياء يحملها، وكذلك الموضع الذي يصلي فيه.
وإزالة النجاسة واجبة مع الذكر والقدرة، فمن صلى بالنجاسة عامداً عالماً وجبت عليه الإعادة أبداً، أما من صلى بالنجاسة جاهلاً، كأن لا يدري أنه حامل لنجاسة، أو صلى بالنجاسة عاجزاً عن إزالتها؛ فإنه يستحب له الإعادة في الوقت متى ما زال عذره، والأصل في ذلك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس في نعليه، فخلعهما -أي: في أثناء الصلاة- فخلع الصحابة رضوان الله عليهم نعالهم، فسألهم عليه الصلاة والسلام: ما بالكم قد خلعتم نعالكم؟ قالوا: يا رسول الله! رأيناك فعلت ففعلنا. فقال: إن جبريل قد نزل علي فأخبرني أن فيهما نجاسة ) ، والشاهد من الحديث بأن نبينا عليه الصلاة والسلام ابتدأ الصلاة وفي محموله نجاسة، لكنه لا يعلم عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك لما أُخبر بنى على ما مضى من صلاته، ولم يستأنفها من جديد، فدل ذلك على أن إزالة النجاسة واجبة، لكن مع الذكر والقدرة، فمن صلى بالنجاسة ناسياً، أو صلى بالنجاسة عاجزاً عن إزالتها، ففي هذه الحالة تصح صلاته، ولا تلزمه الإعادة.
الأمور التي تكون بها إزالة النجاسة
فإن قال قائل: بم تكون إزالة النجاسة؟
فنقول: إزالة النجاسة تكون بالماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على الماء، ( لما جاء أعرابي فبال في طائفة من المسجد، فقام الصحابة لينهوه، قال صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه، لا تقطعوا عليه بولته، وأريقوا عليه ذنوباً من ماء ) ، وكذلك لما سئل صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه دم الحيض، قال: ( إنما يكفيك أن تقرصه بالماء ) ، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما شكي إليه المذي، قال: ( اغسل مذاكيرك وتوضأ )، قال أهل العلم: وذكر الماء يدل على تعينه. فكون النبي صلى الله عليه وسلم عين الماء في تطهير الأرض، وفي تطهير الثوب، وفي تطهير البدن، دل ذلك على أن الماء متعين، وأنه لا يجزئ غيره.
وسائل إزالة النجاسة
لكننا نقول: بأن النجاسة تزال بواحدة من وسائل:
الوسيلة الأولى: الغسل، وذلك فيما لو أصابت النجاسة البدن، أو الثوب، أو الأرض، فإن هذا الموضع النجس يصب عليه الماء، ويدلك حتى تزول عين النجاسة وأثرها، ولا يكفي إمرار الماء على الثوب المتنجس، بل لا بد من أن يتبع دلكاً حتى يزول العين والأثر، وحتى تنفصل هذه الغسالة طاهرة، أما إذا انفصلت متغيرة، فمعنى ذلك أن النجاسة لا تزال باقية، وإذا عُلم الموضع الذي أصابته النجاسة من الثوب فإنه يغسل، أما إذا لم يُعلم الموضع فإن الثوب يغسل كله؛ لأن غلبة الظن بالنجاسة كاليقين، فإذا غلب على الظن حصول النجاسة فهو كاليقين.
الوسيلة الثانية: النضح، وذلك في المذي الذي يصيب الثوب؛ لأن كثيراً من الناس يقول: إني مبتلى بالمذي، ولا أدري الموضع الذي أصابه من الثياب خاصة إذا كانت ثياباً مما يلي البدن، أو مما يسميها الناس الملابس الداخلية، فيشق على الإنسان أن يغسل هذه الثياب كلما أراد أن يصلي، وخاصة إذا كان في عمله، لكن هذه الحالة قد خفف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث سهل رضي الله عنه قال: ( كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر الاغتسال منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما يكفيك الوضوء. فقلت: يا رسول الله! وما كان قد أصاب ثوبي؟ فقال: يكفيك أن تنضحه )، فها هنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب الغسل، وإنما طلب النضح، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن النضح كاف، ومن هنا نقول: بأن النجاسة تطهر بالغسل حتى تنفصل الغسالة طاهرة، وتطهر كذلك بالنضح، كما في شأن المذي.
وكذلك إذا بال الصبي الذي لم يطعم سوى اللبن، فإنه ينضح ويكفيه ذلك.
الوسيلة الثالثة: المسح، فالنجاسة تزول بالمسح في كل ما كان يفسد بالغسل، كالنعل، والمرآة، والسيف -مثلاً- فربما يُخشى عليه لو غسل أن يصدأ، ففي هذه الحالة يكتفى بأن تمسح عنه النجاسة؛ ولذلك لما جاء الغلامان الأنصاريان الطيبان رضي الله عنهما وكلاهما يقول: ( يا رسول الله! أنا قتلت أبا جهل. قال صلى لله عليه وسلم: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا، قال: أرياني. فجاء كل منهما بسيفه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: كلاكما قتله ) .
وكذلك المرأة إذا كان ثوبها طويلاً للستر حين يجر على الأرض، فلربما أصاب ذيل الثوب نجاسة، فيطهر بما بعده، فلو أنها مشت بعد ذلك في موضع طاهر -وهذا هو الغالب من حال الأرض بأنها طاهرة- فإن سيرها على الموضع الطاهر يذهب ما أصاب ثوبها في ذلك الموضع النجس.
وكذلك النعل، فقد ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب النعل نجاسة. فقال صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده ).
وهذا الكلام ستأتي له بقية إن شاء الله، لكنني أختم بالقول: بأن شريعة الإسلام قد خففت في هذا الباب جداً، وما ينبغي للناس أن يتعلقوا بالوسواس، وليعلموا بأن الله عز وجل قال: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6] ، ولنعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: ( بعثت بالحنيفية السمحة ) ، حنيفية في العقيدة، وسمحة في الشريعة.
أسأل الله عز وجل أن يعيذنا من مضلات الفتن، وأن يحيينا على سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يمتنا على ملته.
فإن قال قائل: بم تكون إزالة النجاسة؟
فنقول: إزالة النجاسة تكون بالماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على الماء، ( لما جاء أعرابي فبال في طائفة من المسجد، فقام الصحابة لينهوه، قال صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه، لا تقطعوا عليه بولته، وأريقوا عليه ذنوباً من ماء ) ، وكذلك لما سئل صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه دم الحيض، قال: ( إنما يكفيك أن تقرصه بالماء ) ، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما شكي إليه المذي، قال: ( اغسل مذاكيرك وتوضأ )، قال أهل العلم: وذكر الماء يدل على تعينه. فكون النبي صلى الله عليه وسلم عين الماء في تطهير الأرض، وفي تطهير الثوب، وفي تطهير البدن، دل ذلك على أن الماء متعين، وأنه لا يجزئ غيره.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
ديوان الإفتاء [485] | 2822 استماع |
ديوان الإفتاء [377] | 2648 استماع |
ديوان الإفتاء [277] | 2534 استماع |
ديوان الإفتاء [263] | 2532 استماع |
ديوان الإفتاء [767] | 2506 استماع |
ديوان الإفتاء [242] | 2475 استماع |
ديوان الإفتاء [519] | 2464 استماع |
ديوان الإفتاء [332] | 2442 استماع |
ديوان الإفتاء [550] | 2406 استماع |
ديوان الإفتاء [303] | 2405 استماع |