ديوان الإفتاء [286]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى جميع المرسلين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام! السلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء، أسأل الله أن يجعلها نافعة مفيدة.

تقدم معنا الكلام في فضل التفقه، وتقدم معنا الكلام كذلك عما ينبغي للمسلم فعله من أجل أن يحصل ثقافة شرعية صحيحة، وبقي أن أقول: إن الفتوى هي الإخبار بحكم شرعي جواباً عن سؤال سائل، وهذه الفتوى منزلتها من الدين عظيمة، فقد تولاها رب العالمين جل جلاله بنفسه فقال سبحانه: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [النساء:127]، وقال تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176].

وتولاها كذلك خير البشر وسيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، فحين كان يسأل الصحابة رضوان الله عليهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن الأشربة، وعن الألبسة، وعن الأنكحة، ويسألونه عن علامات الساعة وغير ذلك، كان صلى الله عليه وسلم يجيبهم.

وكذلك تولاها من بعده أكابر أصحابه وفضلاؤهم كـأبي بكر و عمر و عثمان و علي و أبي بن كعب و معاذ بن جبل و عبد الله بن عباس و أبي هريرة و أبي موسى الأشعري و عبد الله بن عمر رضوان الله على الجميع.

والمفتي كما قال الإمام القرافي من المالكية: هو ترجمان عن الله عز وجل، فعده القرافي ترجماناً عن الله.

وكذلك الإمام ابن القيم رحمه الله عده موقعاً عن الله، ولذلك كتب سفره القيم الذي سماه: إعلام الموقعين عن رب العالمين، وقال: إذا كان التوقيع عن الملوك بالمكان الذي لا يجهل، والمنزلة التي لا تنكر، فكيف بالتوقيع عن رب الأرض والسموات، يعني: لو أن ملكاً من ملوك الأرض خول واحداً من الناس سلطة التوقيع عنه في القرارات والمراسيم لكانت منزلة عظيمة، فالمفتي حين يقول: هذا حلال وهذا حرام، فإنما يوقع عن رب الأرض والسموات جل جلاله.

خطورة القول على الله بغير علم في الفتيا

ومن هنا أقول: إن من أعظم الذنوب القول على الله بغير علم، فينبغي للواحد منا أن يتوقف وأن يتردد قبل أن يقول على الله ما لا يعلم، ونعوذ بالله من أن نتكلف ما لا نحسن أو نقول على الله ما لا نعلم، وربنا جل جلاله قال: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال سبحانه: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117]، وقال سبحانه: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:68-70]، وقال سبحانه: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

والشرك حقيقته قول على الله بغير علم كما قال سبحانه: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:4-5].

ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار )، وكان صلوات ربي وسلامه عليه وهو أعلم الناس، وأفقه الناس، وأتقى الناس، وأخشى الناس، كان يسأل عن الشيء أحياناً فيقول: لا أدري، وكان يسأل عن الشيء أحياناً فيصمت حتى ينزل عليه الوحي، فلما جاءه رجل وسأله عن شر البقاع سكت عليه الصلاة والسلام وقال: لا أدري حتى أسأل جبريل، فلما جاء جبريل سأله عليه الصلاة والسلام فقال: لا أدري حتى أسأل ميكائيل، ثم أتى بالجواب فقال عليه الصلاة والسلام: ( إن أحب البلاد إلى الله المساجد، وإن أبغض البلاد إلى الله الأسواق )، ولما سأله رجل عن الساعة سكت عليه الصلاة والسلام حتى ظن الصحابة أنه قد كره مسألته، ثم قال: ( أين السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، غير أني أحب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: أبشر، فإن المرء مع من أحب ) ، وتلا عليه قول ربه جل جلاله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69-70].

ولما جاءت امرأة سعد بن الربيع رضي الله عنهما فقالت: ( يا رسول الله! إن سعداً قد هلك يوم أحد، وقد ترك بنتين فجاء عمهما فأخذ مالهما، ولا تنكحان إلا بمال، فسكت عليه الصلاة والسلام حتى نزلت آية النساء: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11] إلى آخر الآية، فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم عم تلك البنتين وقال: أعط البنتين الثلثين وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك ).

نماذج من تورع السلف عن الفتيا

وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أورع الناس في الفتيا، فقد روى الإمام الدارمي رحمه الله في سننه: باب تورع السلف عن الفتيا، وذكر بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسأل أحدهم عن الفتيا إلا ود لو أن أخاه كفاه، ولا يحدث أحدهم بالحديث إلا ود لو أن أخاه كفاه.

وروى عن الشعبي رحمه الله أن رجلاً سأله قال له: كيف كنتم تصنعون إذا عرضت لكم فتيا؟ فقال: على الخبير سقطت، كان الواحد يحيل على أخيه، والآخر يحيل على الآخر حتى ترجع إلى الأول.

والإمام أبو عبد الله مالك بن أنس رحمه الله لما جاءه رجل من أهل اليمن، وسأله عن ثمانٍ وأربعين مسألة أجابه مالك في ست عشرة مسألة، وقال في اثنتين وثلاثين: لا أدري، فقال له الرجل: جئتك من اليمن وتقول: لا أدري، قال: نعم لا أدري، فقال: وماذا أقول للناس؟ قال: قل لهم: مالك بن أنس لا يدري، فقال له: أما تستحي؟ فقال له مالك رحمه الله: لكن الملائكة ما استحت حينما قالت: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32].

والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه نشأ في بيت علم ودين وهدى، هذا الرجل المبارك لما سألة بعض الناس عن مسألة، فقال له القاسم بن محمد : لا أدري، فقال له شيخ من قريش جالس: ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم، فقال له القاسم : والله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول على الله ما لا أعلم.

وكان علي رضي الله عنه يقول: وا بردها على الكبد! قيل له: وما ذاك؟ قال: أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول: لا أعلم.

وقال عبد الله بن مسعود : إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون، وقال: أيها الناس! من كان عنده علم فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم، فقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86].

وللعلم إنما أقول هذا الكلام لأن كثيراً من الناس يجترئون على الفتيا، فقد تجد الواحد منهم قليل البضاعة يسير العلم، وقد تجد بعضهم لا علم له أصلاً، وإنما يتقحم الأمر تقحماً، ويجترئ عليه جرأةً غير محمودة، ولذلك ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله لما دخل عليه بعض الناس وجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ قال: استفتي من لا علم عنده، لبعض من يفتي هنا أولى بالسجن من السراق، يعني: أنها جرت عادة الناس أن السارق يسجن، فيقول: إن بعض الناس يفتي وهو أولى بالسجن من السراق.

الحذر من الفتيا بغير علم في كتاب الله وسنة رسوله

ويشتد الأمر خطورة إذا تعلق الأمر بتفسير القرآن، فالواجب على المسلم أن يتوقف، وأن يتحسس ما يقول، وأن يتأمل فيما ينطق به؛ لأنه يتحدث عن أفضل الكلام وأعلاه وأغلاه وأحسنه، نعوذ بالله أن نقول على الله ما لا نعلم، فتجد بعض الناس يُسأل، فيقول: هذه الآية واضحة ثم يقتحم بغير علم، وفي الحديث: ( من قال برأيه في كتاب الله فأصاب فقد أخطأ )، وهؤلاء أكابر العلماء وأجلة الفقهاء وسادات المسلمين كانوا يتورعون، فأبو بكر رضي الله عنه لما سئل عن آية قال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم، ولما سئل عن قوله تعالى: وَفَاكِهَةً وَأَبًّا [عبس:31]، ما معنى الأب؟ توقف رضي الله عنه. وكذلك عمر بن الخطاب لما كان على المنبر، فقرأ قول الله عز وجل: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:45-47]، قال: التخوف؟ ثم قال: وماذا على ابن أم عمر أن يجهل آية في كتاب الله، وهكذا عبد الله بن عباس و علي بن أبي طالب ، وغيرهم رضوان الله عليهم، رغم علمهم بلغة العرب، ورغم معاصرتهم للتنزيل، ورغم مخالطتهم للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، كانوا يتوقفون ويترددون قبل أن يقولوا في كتاب الله ويتكلمون.

ولذلك أقول: لا ينبغي للإنسان أن يجترئ على الخوض في تفسير القرآن بغير علم.

وقل مثل ذلك في رواية السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن بعض الناس ربما جاءه حديث في بريده الإلكتروني مثلاً، أو ربما وجد ورقة توزع مكتوباً فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيطبعها، وينسخها ويبدأ يوزعها قبل أن يسأل: هل هذا الكلام يصح نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام أو لا؟ وهل تحل روايته أو لا؟ فلا يتثبت منه ولا يتوقف عنده، بل يخبط خبط عشواء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين )، ويقول بعض التابعين: صحبت عبد الله بن مسعود سنة، فما سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة، وتغير وجهه، وتصبب منه العرق، ثم قال: أو فوق ذلك أو دون ذلك، يعني: هذا الكلام الذي قلته لكم قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال ما هو أزيد من ذلك، أو هو ما دون ذلك، وهذا من ورعهم رضوان الله عليهم.

فينبغي أن نتورع حين الخوض في تفسير القرآن، ونتورع في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ينبغي أن نتورع حين نقول: هذا حلال وهذا حرام.

وللأسف الآن يتجرأ كثير من غير المختصين على الخوض في المسائل الشرعية بدعوى أنها خفيفة سهلة، وربما بعض الناس تحت ضغط الواقع يقول: هذا حلال أو هذا حرام دون أن يتثبت ودون أن يتبين، ولذلك علينا أن ندعو دائماً بأن يسلمنا ربنا، وأن يسلم الناس منا حتى نخرج لا لنا ولا علينا.

أسأل الله أن يحفظنا والمسلمين أجمعين.

ومن هنا أقول: إن من أعظم الذنوب القول على الله بغير علم، فينبغي للواحد منا أن يتوقف وأن يتردد قبل أن يقول على الله ما لا يعلم، ونعوذ بالله من أن نتكلف ما لا نحسن أو نقول على الله ما لا نعلم، وربنا جل جلاله قال: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال سبحانه: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117]، وقال سبحانه: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:68-70]، وقال سبحانه: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

والشرك حقيقته قول على الله بغير علم كما قال سبحانه: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:4-5].

ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار )، وكان صلوات ربي وسلامه عليه وهو أعلم الناس، وأفقه الناس، وأتقى الناس، وأخشى الناس، كان يسأل عن الشيء أحياناً فيقول: لا أدري، وكان يسأل عن الشيء أحياناً فيصمت حتى ينزل عليه الوحي، فلما جاءه رجل وسأله عن شر البقاع سكت عليه الصلاة والسلام وقال: لا أدري حتى أسأل جبريل، فلما جاء جبريل سأله عليه الصلاة والسلام فقال: لا أدري حتى أسأل ميكائيل، ثم أتى بالجواب فقال عليه الصلاة والسلام: ( إن أحب البلاد إلى الله المساجد، وإن أبغض البلاد إلى الله الأسواق )، ولما سأله رجل عن الساعة سكت عليه الصلاة والسلام حتى ظن الصحابة أنه قد كره مسألته، ثم قال: ( أين السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، غير أني أحب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: أبشر، فإن المرء مع من أحب ) ، وتلا عليه قول ربه جل جلاله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69-70].

ولما جاءت امرأة سعد بن الربيع رضي الله عنهما فقالت: ( يا رسول الله! إن سعداً قد هلك يوم أحد، وقد ترك بنتين فجاء عمهما فأخذ مالهما، ولا تنكحان إلا بمال، فسكت عليه الصلاة والسلام حتى نزلت آية النساء: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11] إلى آخر الآية، فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم عم تلك البنتين وقال: أعط البنتين الثلثين وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك ).