ديوان الإفتاء [276]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

وأسأل الله أن يوفقكم لحسن السؤال، وأن يسددني في الجواب، وأن يجعل ما نقول وما نعلم حجة لنا لا علينا، إنه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.

أذكركم بداية بأن مثل هذا اليوم من الأسبوع المقبل إن شاء الله يوم السبت وسيكون هو اليوم التاسع من شهر الله المحرم، واليوم الذي يليه يوم الأحد, وسيكون هو العاشر، وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على صيامهما، ( فلما كان يوم عاشوراء بعث منادياً ينادي ألا من أصبح صائماً فليتم صومه، ومن أصبح مفطراً فليمسك بقية يومه ).

وسبب ذلك ( أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم! فقالوا: ذاك يوم نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه، فقال عليه الصلاة والسلام: أنا أولى بـموسى منكم، فصامه وأمر المسلمين بصيامه).

وأمرنا بأن نصوم التاسع معه من أجل أن نخالف اليهود الذين كانوا يفردون العاشر، فنحن نصوم التاسع والعاشر معاً، أو نصوم العاشر والحادي عشر معاً، ومن صام العاشر وحده فلا حرج عليه إن شاء الله، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن (صيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة ماضية).

وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم للناس بالصيام تنبيه على جملة من المسائل:

أولها: أننا معشر المسلمين نؤمن برسل الله جميعاً، كما قال تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285], وأننا نوقرهم جميعاً، ونحتفي بهم جميعاً، ونفرح بانتصارهم جميعاً؛ ولذلك نصوم يوم عاشوراء؛ لأنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه.

ثانياً: أننا معشر المسلمين أولى بهؤلاء الأنبياء والمرسلين ممن يدعون أنهم أتباع لهم؛ كما قال الله عز وجل: إِن أوْلى الناسِ بِإِبْراهِيم للذِين اتبعوه وهذا النبِي والذِين آمنوا والله ولِي الْمؤْمِنِين [آل عمران:68]، فلذلك إذا ذكرنا الرسل نسلم عليهم، ونُعنَى بمعرفة أخبارهم، وتتبع قصصهم، والنظر في آيات القرآن الواردة عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ثالثاً: أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم جاءت رسالته متممة ومكملة لما كان قبله من الرسالات، وأنزل الله عليه الكتاب مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، فقام صلى الله عليه وسلم بالمهمة خير قيام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

السؤال: قبل أسبوع تقريباً في صلاة الفجر, كان الإمام يقرأ سورة العلق، وكنت في الصف الخامس فتذكرت وسجدت في الآية الأخيرة، فاكتشفت بأن الإمام لم يسجد بعد أن قام من الركوع وقال: سمع الله لمن حمده، فما حكم هذه الصلاة؟

الجواب: لا شك بأن الإمام -غفر الله له- مسيء، فما كان ينبغي له أن يقرأ آية السجدة لئلا يلبس على الناس، وحين قرأها كان ينبغي له أن يسجد، ولكن لعل الإمام -والله أعلم- مالكي، والمالكية ليس عندهم سجود في المفصل، فلا يسجدون في آخر النجم، ولا يسجدون كذلك في آية الانشقاق، فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ [الانشقاق:20-21]، ولا يسجدون كذلك في آخر العلق، وكذلك السجدة الثانية من الحج لا يسجدونها.

فيا أخي! إذا قمت فركعت، ثم رفعت وتابعت الإمام في بقية صلاته، فما عليك حرج إن شاء الله؛ لأنك ما تعمدت مخالفته, والعلم عند الله تعالى.

عندي سؤالان:

السؤال الأول: أسال عن الصلاة السرية، فمثلاً: الإمام يقرأ سورة، وأنا تابعته فقرأت سورة كاملة وانتهيت قبله وهو لم يركع بعد فماذا أصنع؟

السؤال الثاني: كيف نتعامل مع الذي يسب الدين؟

الجواب: لو أنك فرغت من السورة يا أبا طارق ! والإمام لم يركع فادخل في سورة غيرها؛ لئلا تخلو صلاتك من ذكر، فمثلاً: لو أنك قرأت سورة الطارق يا أبا طارق ! وانتهيت منها، والإمام لـمَّا يركع، لأنه يقرأ مثلاً سورة أطول، فافتتح التي بعدها، مثل سورة الأعلى، أو افتتح غيرها من السور لئلا تقف صامتاً، ومن أجل أن تكون صلاتك كلها معمورة بالذكر، ولئلا يخلو الركن من ذكر، وإذا لم تكن تحفظ سورة سواها فلا مانع من تكرارها، وهذا كله داخل في قول ربنا جل جلاله: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20].

الشيخ: أما قولك: بأن شخصاً ما يسب الدين, فمن يسب الدين فهو عدو الله، ولا ينفع أن يقول: أنا كنت غضبان أو لم أقصد؛ لأن الله تعالى قال: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66] فهذا الشخص الذي يسب الدين ينبغي أن نبغضه في الله عز وجل, وأن نبين له خطورة ما فعل، وأن الواجب عليه أن يجدد إسلامه، وأن يشهد شهادة الحق، فإن حصلت منه هذه التوبة فبها ونعمت، وإن لم تحصل فينبغي أن ننابذه، وأن نقاطعه من أجل أن يرتدع عما هو فيه من الضلال المبين، ونسأل الله السلامة والعافية.

السؤال: أكلت سبع تمرات من تمر المدينة، وشربت ماء زمزم، فما ثواب هذا الفعل؟

الجواب: أما كونك أكلت سبع تمرات فهنيئاً مريئاً إن شاء الله, لكن ليس عندك ثواب، وإنما أكلتها وانتفع بها جسمك، وإذا أكلتها على الريق فإن شاء الله لا يضرك في ذلك اليوم سم ولا سحر بإذن الله. وأما ماء زمزم فكما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم: ( بأنه طعام طعم, وشفاء سقم، وهو لما شرب له )، لكن لو أنك أكلت هذا التمر يا علي ! وشربت من الماء اتباعاً لهدي النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وطاعة له، وتعظيماً لسنته، فأنت مأجور إن شاء الله, أما إذا أكلت البلحات السبع، وشربت ماء زمزم شهوة ليس إلا؛ فليس لك ثواب ولا عليك عقاب، وإنما هو شيء مباح أنت قد فعلته.

السؤال: الكريمات المبيضة للبشرة, سمعنا أنك تقول بحرمتها، فما الدليل على ذلك؟

الجواب: أنتِ تُقَوليني ما لم أقل، فأنا ما قلت بأنها حرام، ولا أستطيع أن أحرم إلا ما حرمه الله، أو حرمه رسوله صلى الله عليه وسلم, وربنا جل جلاله قال: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117], فالتحريم هو حق لله جل جلاله ولنبيه صلى الله عليه وسلم.

وبالنسبة للكريمات المبيضة للبشرة أو لغيرها، الكلام الذي قلته أنا بأن المرجع في ذلك للأطباء، فإذا ثبت من كلام الأطباء الثقات الحذاق بأن هذه الكريمات مضرة! فما ينبغي للمرأة استعمالها, لا في بيتها، ولا خارج بيتها، وقد ذكرت بأن بعض الأطباء في الأمراض الجلدية قالوا: بأن من ضررها بأنها تسلخ الجلد، حتى إن بعض النساء اللائي أدمن استعمالها ربما تظهر الشعيرات الدموية من وراء الجلد، فلذلك أقول: بأن هذا يحتاج إلى تثبت، فإذا ثبت فإنها تمنع؛ لأن الشريعة جاءت بمنع كل ما هو ضار.

أما إذا لم تكن ضارة فلا حرج على المرأة أن تستعملها في بيتها أمام زوجها ومحارمها، أما أن تخرج بها إلى الشارع لتفتن الناس فلا، والعلم عند الله.

السؤال: كنت أغتسل غسل الجنابة، فانتهى علي الماء قبل أن أغسل الركبتين وما دونها، ثم ذهبت وأحضرت ماء، وأكملت باقي الغسل، فهل الغسل صحيح؟

الجواب: الغسل له أركان لا بد من الإتيان بها؛ وهي: النية، وتعميم البدن بالماء، والدلك، والموالاة، فلا بد أن يقع الغسل متوالياً. فأخونا عبد الله لو أنه أتى بالماء مباشرة, وما طال الفصل بين غسل جزئه الأول وجزئه الثاني فغسله صحيح إن شاء الله ولا حرج عليه. أما إذا طال الفصل فلا بد أن يستأنف من جديد، ولا بد أن يبدأ الغسل من جديد من أجل الموالاة.

والإنسان إذا اغتسل أو توضأ، أو تيمم، أو أتى بخصال الفطرة من قلم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، والاستحداد، وما إلى ذلك، ينبغي له أن يستحضر قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]، ويستحضر كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما في ذلك من الأجر، وأن الطهارة تحت الذنوب قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا توضأ العبد فمضمض فاه، خرجت كل خطيئة أصابها بفمه مع الماء، أو قال: مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت كل خطيئة أصابتها يداه مع الماء، أو قال: مع آخر قطر الماء حتى تخرج خطاياه من تحت أظافره )، فالإنسان يستحضر هذه المعاني، ويجتهد في غسله أن يتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم, وكذلك في وضوئه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: ( من توضأ نحو وضوئي هذا )، فاحرص على أن تتشبه في غسلك وفي وضوئك بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ ليقع أجرك على الله كاملاً.

المتصل: عندي سؤالان:

السؤال الأول: عن البسملة في الصلاة الجهرية في الفاتحة، وفي السور التي بعد الفاتحة، هل الأفضل أن يجهر بها، أو يسر؟

السؤال الثاني: إذا دخلت المسجد، وشرعت في تحية المسجد، وأقيمت الصلاة، فهل أكمل التحية، أو أقطعها وأدخل في الإقامة؟

الشيخ: وإياك.

المتصل: عندي خمسة أسئلة:

السؤال الأول: شيخ عبد الحي نسأل عن حق الجار؟

السؤال الثاني: عن تارك الصلاة؟

السؤال الثالث: عن قاطع الرحم؟

السؤال الرابع: عن تعليق الصور على الجدار؟

السؤال الخامس: فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟

الشيخ: طيب، سأجيبك إن شاء الله.

المتصل: عندي سؤالان:

السؤال الأول: أذكار الصباح، لو أني لا أحفظها وأقرؤها من كتاب الأذكار، فهل يجوز ذلك؟

السؤال الثاني: زوجي لا يصلي كل الصلوات، وأنا صابرة عليه؟

الشيخ: طيب، ستسمعين الإجابة.

المتصل: عندي سؤال: الإمام سها في آخر ركعة عن السجود, فسجد سجدة واحدة، فهل صلاته صحيحة وعليه سجود السهو؟ وهل سجود السهو بالنسبة للفرض يكفي؟

الشيخ: بالنسبة لأخينا عوض يسأل عن البسملة: هل الأفضل الجهر بها أم الإسرار؟

نقول له: بل الأفضل الإسرار؛ لأن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين )، و أنس رضي الله عنه قال: ( صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، و أبي بكر و عمر فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ). فدعاء الاستفتاح يسر به، والاستعاذة والبسملة كذلك، ولو أن الإمام جهر بها أحياناً ليبين للناس الجواز فلا حرج إن شاء الله.

وكذلك في بداية السورة؛ فلو أن الإمام قال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7], آمين، ثم يريد أن يفتتح الم [البقرة:1], فأيضاً يسر بالبسملة.

الشيخ: أما بالنسبة لك إذا بدأت بتحية المسجد، ثم أقيمت الصلاة فنقول: لو استطعت أن تكملها متجوزاً، أي: مخففاً؛ فهذا هو المطلوب لقول الله عز وجل: أطِيعوا الله وأطِيعوا الرسول ولا تبْطِلوا أعْمالكمْ [محمد:33]. وبعض أهل العلم يقول: لا بد أن يقطعها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ).

الشيخ: أخونا محمد أحمد يسأل عن فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة. فنقول: جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له نور إلى الجمعة التي تليها )، وهذا الحديث في سنده كلام، لكن أطبق أهل العلم على العمل به؛ ولذلك يستحب للمسلم يوم الجمعة، أو ليلتها أن يقرأ سورة الكهف، أي: من بعد غروب شمس الخميس إلى غروب شمس الجمعة، فهذه أربع وعشرون ساعة، وقت لقراءة سورة الكهف, ففي أي وقت من ليل أو نهار أتى بها فقد أتى بالمطلوب.

وسورة الكهف أيضاً يستحب للمسلم أن يحفظ عشراً من أولها؛ لأن ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف وقاه الله فتنة الدجال ).


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2824 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2650 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2534 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2508 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2477 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2466 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2443 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2407 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2407 استماع