أحداث في بلاد المسلمين


الحلقة مفرغة

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ [سبأ:1-2].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله, الرحمة المهداة, والنعمة المسداة, والسراج المنير, والبشير النذير, أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]، أما بعد:

معنى اسم الله تعالى: (الحليم) ودلالته

فيا أيها المسلمون عباد الله! من أسماء ربنا جل جلاله: الحليم, وهو الذي يرى معصية العصاة ومخالفة المخالفين وعدوان المعتدين ثم يحلم عليهم, لا يعتريه غيظ, ولا يستفزه غضب, ولا يحمله على المسارعة بالانتقام مع الاقتدار طيش ولا خفة.

الله جل جلاله حليم, يصبر على الأذى, يصبر على المعصية, لا يعاجل بالعقوبة, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ), ( التأني من الله, والعجلة من الشيطان ), وما أحد أكثر معاذير من الله عز وجل, يعذر عباده ويحلم عليهم ويؤجلهم ويمهلهم ويدع لهم فرصة بعد فرصة؛ ليتوبوا إلى الله عز وجل, وينيبوا ويرجعوا إليه, ويحدثوا بعد الشر خيراً, وبعد المعصية طاعة, وبعد السيئة حسنة.

يقول الله عز وجل: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف:58], ويقول سبحانه: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [النحل:61]، وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [يونس:11]، وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر:45].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حملة العرش ثمانية, أربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك, وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد مقدرتك ), الله عز وجل حليم مع كونه عليماً, وهو سبحانه عفو مع كونه قديراً.

غرور أهل الفجور والمعاصي بحلم الله

أيها المسلمون عباد الله! إذا كان العبد مقيماً على معصية, فلا يغرنه حلم الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى ليملي للظالم, حتى إذا أخذه لم يفلته ), (ليملي للظالم) أي: يمهله، (حتى إذا أخذه لم يفلته), يأخذه أخذ عزيز مقتدر, يقبضه قبضة مهيمن متكبر: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود:102-103].

كم من ظالم طغى وبغى, وتجبر وعتا, وحسب أن الله تعالى غافل عنه, أو أنه جل جلاله غير قادر عليه, فجعله الله عبرة للآخرين, فالسعيد أيها المسلمون عباد الله! من وعظ بغيره, والشقي من شقي في بطن أمه, السعيد من لقي الله عز وجل خميص البطن من أموال المسلمين, كافاً لسانه عن أعراضهم, طاهر اليد من دمائهم.

والشقي ثم الشقي من يلقى الله عز وجل يوم القيامة مفلساً, يلقى الله وقد شتم هذا, وضرب هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, فيأخذ هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإذا فنيت حسناته طرح عليه من سيئاتهم ثم طرح في النار: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ [إبراهيم:42-43].

الله عز وجل عادل لا يظلم, لكنه لا يعجل لعجلة أحدنا, بل جعل لكل شيء قدراً, وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8], سبحانه وتعالى.

ابتهاج الشعب الليبي بمقتل الطاغية الذي حكمهم والعبرة في ذلك

أيها المسلمون عباد الله! بالأمس رأينا إخواننا المسلمين من شعب ليبيا يخرجون إلى الشوارع, وقد علت الفرحة وجوههم, وقد استنارت قلوبهم, يهنئ بعضهم بعضاً, يعانق بعضهم بعضاً, من كان من أهل الطاعة والالتزام خر لله ساجداً, وآخرون يصفقون أو يرقصون, الكل فرحون, فالفرحة قاسم مشترك بينهم وشعور واحد يجمعهم، فلم يفرحون؟

يفرحون بهلاك رجل, قتل رجالهم, وامتهن أشرافهم, وشرد سراتهم في مشارق الأرض ومغاربها, رجل تكبر على الله, بدل شرع الله, أحل الحرام وحرم الحلال, سخر من دين الله, قتل الدعاة إلى الله, بل سخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتناوله بلسانه القذر في غير مرة, وسخر من شعائر الإسلام, ثم بعد ذلك تعامل مع الناس وكأنه لا أحد فوقه, ما شعر يوماً من الأيام أن الله فوقه, أن الله قادر عليه, أن الله سبحانه وتعالى قوي شديد البطش جبار, ما شعر بشيء من ذلك, تعامل مع الأموال كأنها إرث أبيه وجده, تعامل مع الناس كأنهم عبيده وعبيد أبيه, لم يدع لله حرمة إلا انتهكها.

ثم بعد ذلك سمى نفسه ملك الملوك, وعميد الحكام, وإمام المسلمين, وما كان أهلاً لشيء من ذلك, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أخنع اسم عند الله, رجل تسمى ملك الأملاك, لا ملك إلا الله ), هذا الذي يسمي نفسه ملك الملوك، سبحان الله! الملك لله الواحد القهار, الذي يعز من يشاء, ويذل من يشاء, يرفع من يشاء, ويخفض من يشاء, لكن هذا المسكين غره بالله الغرور, ثم بعدما حكم البلاد أربعين سنة أو تزيد, فمله الناس وكرهوه, وخرجوا ينادون بسقوطه, اتبع معهم سياسة الأرض المحروقة, خرج عليهم يتوعدهم.. يشتمهم.. يلعنهم, فصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم, وتلعنونهم ويلعنونكم ).

خرج عليهم يسبهم ويلعنهم ويشتمهم ويتهمهم بما هو به جدير, ثم قال لهم: لأشعلنها ناراً حمراء, وقد بر بقسمه الذي أطلقه, فسلط على البلاد والعباد من لا يرجو لله وقاراً, يقصفهم بطائراته, بمدافعه, يسلط عليهم مرتزقته وجنوده, ثم بعد هذا كله ما النتيجة؟

أيها المسلمون عباد الله! هل تضيع دعوات المظلومين؟ اللهم لا, قال الله عز وجل لدعوة المظلوم: ( وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ), دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام, تفتح لها أبواب السماء, ولو كان المظلوم كافراً, فما بالكم إذا كان المظلوم يدعو إلى الله! إذا كان المظلوم يهدي الناس إلى صراط مستقيم! إذا كان المظلوم شيخاً كبيراً, لا حول له ولا طول! أو امرأة عجوزاً, أو شاباً فتياً, لا ذنب له إلا أن قال: ربي الله! هؤلاء جميعاً ظلموا من ذلك الجبار العنيد, والطاغية المريد, فأخذه الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر.

والله ما أسوأها من خاتمة أن يقال: فلان مات, أو فلان قتل فيخرج الناس مكبرين مهللين! والله ما أسوأها من خاتمة! كم من إنسان طيب صالح عفيف يموت, فتدمع لفقده العيون, وتوجل القلوب وتحزن الأنفس, ويخرج الناس يترحمون عليه, ويدعون له, ويبكون لفقده! وكم من إنسان ظلوم غشوم يموت فيريح الله منه البلاد والعباد والشجر والدواب, ويخرج الناس فرحين مستبشرين, فإن زوال القحط بشرى للورى, يخرج الناس مهللين مكبرين, يهنئ بعضهم بعضاً, ولا يستنكر هذا أيها المسلمون عباد الله!

الفرح عند مقتل فاجر أو هلاك طاغية كافر

لا يقولن قائل: كيف يفرح الإنسان لموت إنسان؟

إن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس, وأرأف الناس, وأطيب الناس, لما بشر بمقتل عدو الله أبي جهل قال: ( الله أكبر! هذا فرعون هذه الأمة ), أبو جهل عمرو بن هشام , الذي كان من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن بني عمومته, كان من بني مخزوم, ومع ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فرح لمقتله؛ لأنه كان صاداً عن سبيل الله, مكذباً بقدر الله, ساعياً في الأرض بالفساد, مؤذياً لأولياء الله, النبي عليه الصلاة والسلام فرح بمقتله, فكيف لا يفرح المسلمون بمقتل من عادى الله ورسوله, بمقتل من طغى في البلاد فأكثر فيها الفساد, من آذى الناس في المشارق والمغارب, من أشعل الحروب في كل مكان, من عاث في الأرض فساداً, من جاس خلال الديار, يقتل الرجال والنساء؟ فكان شأنه أشنع من شأن فرعون.

يا أيها المسلمون عباد الله! هل من معتبر؟ هل من متعظ؟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة:22].

إن هذا اليوم الذي فرح فيه المسلمون بمقتل عدو الله في ليبيا لنرجو من الله عز وجل أن يتكرر بمقتل عدو الله في سوريا, أن يرينا الله فيه يوماً كيوم فرعون وهامان, هذا الذي ورث الإجرام عن أبيه, وعاث في الأرض فساداً, أملنا في الله عز وجل أن يأتي يوم قريب يفرح فيه المؤمنون بنصر الله, ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.

إن كل طاغية يجب عليه أن يتفكر, يجب عليه أن يتأمل, السلطة ما أحلاها حين تأتي, لكن ما أمرها حين تذهب, ينفض عنك الناس, ينفض عنك المطبلون والمؤيدون والمداحون والزمارون, ثم بعد ذلك تواجه قدرك وحدك, لا تجد نصيراً, تواجه قدرك وحدك في الدنيا عند أول دركات الخوف وزوال السلطان, لن تشعر بشيء من الطعم الذي كنت تشعر به أيام الجاه والصولجان, ثم بعد ذلك الموقف الأكبر يوم القيامة, الناس كلهم خصماؤك, من سفكت دماءهم, من انتهكت أعراضهم, من انتهبت أموالهم, كلهم خصماؤك بين يدي الله: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ [الشورى:45].

يا أيها المسلمون يا عباد الله! ما الدنيا إلا متاع, أيام معدودة, أنفاس محدودة, عمر قصير, ثم بعد ذلك يحاسب الله كل امرئ على ما قدم من خير أو شر: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].

الاستعداد للقاء الله برد مظالم العباد وطلب العفو من أصحابها

أيها المسلمون عباد الله! من استطاع أن يلقى الله عز وجل وليس لأحد عنده مظلمة في دم أو مال أو عرض فليفعل, فهذا هو السعيد حقاً, حقوق الله قائمة على المسامحة, أما حقوق العباد فالله عز وجل لا يغفرها إلا إذا تركها أصحابها, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الدواوين ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به, وديوان لا يغفره الله أبداً, وديوان لا يترك الله منه شيئاً, أما الديوان الذي لا يغفره الله أبداً فالشرك به سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[النساء:48], وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به فما كان من المظالم بين العبد وربه, ذنب بينك وبين ربك, فالله غفور رحيم، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً, فما كان من ظلم العباد ), إذا ظلمت واحداً من الناس, تحلل منه اليوم.. اليوم.. اليوم! قبل ألا يكون دينار ولا درهم, وإنما الجزاء بالحسنات والسيئات.

هنيئاً لشعب ليبيا أنه تخلص من ذلك الجبار الكفار الأثيم, هنيئاً لهم أن الله عز وجل قد أبدلهم بعد الخوف أمناً, وبعد الذل عزاً, هنيئاً لهم أن الله عز وجل قد شفى صدورهم مما يجدون من غيظ وكمد, هنيئاً لأمهات الشهداء وآبائهم, هنيئاً لإخوانهم وأخواتهم, هنيئاً للجرحى الذين رأوا ثمرة جهادهم, والله عز وجل على كل شيء قدير.

أسأل الله عز وجل أن يتقبل شهداءهم, وأن يداوي جرحاهم, وأن يغني فقراءهم, وأن يجمع كلمتهم, وأن يجعل مستقبل أيامهم خيراً من ماضيها, وأن يحكم فيهم الطيب الخير الذي يسوسهم بكتاب الله, ويقودهم بسنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, والحمد لله رب العالمين.

فيا أيها المسلمون عباد الله! من أسماء ربنا جل جلاله: الحليم, وهو الذي يرى معصية العصاة ومخالفة المخالفين وعدوان المعتدين ثم يحلم عليهم, لا يعتريه غيظ, ولا يستفزه غضب, ولا يحمله على المسارعة بالانتقام مع الاقتدار طيش ولا خفة.

الله جل جلاله حليم, يصبر على الأذى, يصبر على المعصية, لا يعاجل بالعقوبة, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ), ( التأني من الله, والعجلة من الشيطان ), وما أحد أكثر معاذير من الله عز وجل, يعذر عباده ويحلم عليهم ويؤجلهم ويمهلهم ويدع لهم فرصة بعد فرصة؛ ليتوبوا إلى الله عز وجل, وينيبوا ويرجعوا إليه, ويحدثوا بعد الشر خيراً, وبعد المعصية طاعة, وبعد السيئة حسنة.

يقول الله عز وجل: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف:58], ويقول سبحانه: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [النحل:61]، وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [يونس:11]، وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر:45].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حملة العرش ثمانية, أربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك, وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد مقدرتك ), الله عز وجل حليم مع كونه عليماً, وهو سبحانه عفو مع كونه قديراً.

أيها المسلمون عباد الله! إذا كان العبد مقيماً على معصية, فلا يغرنه حلم الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى ليملي للظالم, حتى إذا أخذه لم يفلته ), (ليملي للظالم) أي: يمهله، (حتى إذا أخذه لم يفلته), يأخذه أخذ عزيز مقتدر, يقبضه قبضة مهيمن متكبر: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود:102-103].

كم من ظالم طغى وبغى, وتجبر وعتا, وحسب أن الله تعالى غافل عنه, أو أنه جل جلاله غير قادر عليه, فجعله الله عبرة للآخرين, فالسعيد أيها المسلمون عباد الله! من وعظ بغيره, والشقي من شقي في بطن أمه, السعيد من لقي الله عز وجل خميص البطن من أموال المسلمين, كافاً لسانه عن أعراضهم, طاهر اليد من دمائهم.

والشقي ثم الشقي من يلقى الله عز وجل يوم القيامة مفلساً, يلقى الله وقد شتم هذا, وضرب هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, فيأخذ هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإذا فنيت حسناته طرح عليه من سيئاتهم ثم طرح في النار: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ [إبراهيم:42-43].

الله عز وجل عادل لا يظلم, لكنه لا يعجل لعجلة أحدنا, بل جعل لكل شيء قدراً, وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8], سبحانه وتعالى.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
الختان 2638 استماع
الوفاء خلق أهل الإيمان 2608 استماع
التفاؤل 2601 استماع
الإسلام دين الفطرة 2526 استماع
اتفاقية دارفور 2363 استماع
التوحيد 2313 استماع
الرياح السود 2288 استماع
اللجوء إلى الله 2208 استماع
أعداء الدين 2156 استماع
الأخوة الإسلامية 2149 استماع