أعداء الدين


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئاً مما أمر به إلا بلغه، فتح الله به أعيناً عمياً، وأذاناً صماً، وقلوب غلفاً، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أيها المسلمون عباد الله! إن ربنا جل جلاله الذي نعبده ونعظمه ونجله ونوقره له أسماء حسنى، وصفات على، قد وصف بها نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ومطلوب من المؤمن أن يصدق بهذه الأسماء والصفات، وأن يعبد الله عز وجل من خلالها، كما قال سبحانه: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180]، فادع الله عز وجل بهذه الأسماء وهذه الصفات، فالدعاء هو العبادة، كما كان يصنع رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم، كان يتوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، فيقول في دعاء الاستخارة: ( اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب )، وكان من دعائه: ( اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خير لي، وتوفني ما كانت الوفاة خير لي ).

هجرة المسلم سبيل الملحدين في أسماء الله تعالى

فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]، قال أهل التفسير: الإلحاد في أسماء الله عز وجل وصفاته يتناول صوراً:

من ذلك: أن المشركين كانوا يسمون أصنامهم بأسماء يشتقونها من أسماء الله جل جلاله، فيسمون صنماً بمناة من المنان، وصنماً باللات من الإله، وصنماً بالعزى من العزيز وهكذا، وهذا من الإلحاد في أسماء الله عز وجل.

ومن الإلحاد أن يوصف الله عز وجل بما لا يليق بجلاله، كما قالت اليهود: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64]، وكما قالوا : إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181].

ومن الإلحاد كذلك: أن يعطل الرب جل جلاله عن صفاته التي وصف بها نفسه، كما قال بعض الملاحدة: حي بلا حياة، عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، متكلم بلا كلام.

ومن الإلحاد كذلك: أن يسمى الرب جل جلاله بما لم يسم به نفسه، كما سماه النصارى: الأب، أو كما سموا إلهاً تخيلوه بالابن، ومثلما سمى بعض الفلاسفة رب العالمين جل جلاله بالعلة الأولى، أو الفاعل الأول، أو المحرك الأول أو غير ذلك من الأسماء.

والمسلم لا من هؤلاء ولا ومن هؤلاء، يسمي الله عز وجل بما سمى به نفسه، فإذا سئل المسلم البسيط الذي ما توسع في العلم، ولا تعددت معارفه، بأن قيل له: يا مسلم من ربك؟ أو قيل له: من هو الله؟ لكان جوابه على البداهة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، أو كان جوابه على البداهة: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر:22-24]، أو كان جوابه: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأنعام:95-97].

تعريف الله بنفسه من خلال أسمائه وصفاته

الله جل جلاله الذي نعبده قد عرفنا بنفسه من خلال أسمائه وصفاته، عرف المسلم الموقن أن الله جل جلاله موصوف بكل كمال، منزه عن كل نقص: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وعلم بأن الله جل جلاله بكل شيء عليم، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يعلم السر وأخفى: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس:61]، علم بأن الله عز وجل عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو: وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، وعنده علم الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت في السموات والأرض، وهو الذي ينزل الغيث، وهو الذي لا يحيط العباد بشيء من علمه إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، وهو الذي قال لهم: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، فالمسلم يعلم أن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1]، ويعلم بأن من قدرته أنه يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل جل جلاله وتباركت أسماؤه، يعلم المسلم بأن الله عز وجل عزيز لا يغالب، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأعراف:57]، ومن قدرته جل جلاله أنه يرسل الرياح فتثير سحاباً فترى الودق يخرج من خلاله: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ [النور:43].

ومن قدرته أنه يقلب الليل والنهار جل جلاله، ومن قدرته سبحانه وتعالى أنه أحصى كل شيء عدداً، وأحاط بكل شيء علماً، وخلق هذا الكون على نظام متقن مبدع، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:117] ويعلم بأن الله عز وجل حكيم، ما خلق الخلق عبثاً, ولا تركه سدى.

ومن حكمته: أنه شرع الحلال والحرام، ووضع العقوبات، ونظم الأمور، وهو مدبر كل شيء، كما أنه خالق كل شيء: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]، خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:4-8]، ويعلم السر وأخفى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7].

والمسلم الذي يقلب صفحات القرآن، وينظر في آيات الرحمن، لا تخطئ عينه قط أن لله عز وجل أسماء وصفات قد جاء به كتابه، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته، لا يسع أحداً من الخلق قامت الحجة عليه إنكارها، بل الواجب عليهم جميعاً الإيمان بها وتصديقها، والعمل بمقتضاها، وإمرارها على ظاهرها، والإيمان بمعانيها على ما جاءت به لغة العرب، لا نشبه الله بخلقه ولا نمثله.

فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]، قال أهل التفسير: الإلحاد في أسماء الله عز وجل وصفاته يتناول صوراً:

من ذلك: أن المشركين كانوا يسمون أصنامهم بأسماء يشتقونها من أسماء الله جل جلاله، فيسمون صنماً بمناة من المنان، وصنماً باللات من الإله، وصنماً بالعزى من العزيز وهكذا، وهذا من الإلحاد في أسماء الله عز وجل.

ومن الإلحاد أن يوصف الله عز وجل بما لا يليق بجلاله، كما قالت اليهود: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64]، وكما قالوا : إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181].

ومن الإلحاد كذلك: أن يعطل الرب جل جلاله عن صفاته التي وصف بها نفسه، كما قال بعض الملاحدة: حي بلا حياة، عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، متكلم بلا كلام.

ومن الإلحاد كذلك: أن يسمى الرب جل جلاله بما لم يسم به نفسه، كما سماه النصارى: الأب، أو كما سموا إلهاً تخيلوه بالابن، ومثلما سمى بعض الفلاسفة رب العالمين جل جلاله بالعلة الأولى، أو الفاعل الأول، أو المحرك الأول أو غير ذلك من الأسماء.

والمسلم لا من هؤلاء ولا ومن هؤلاء، يسمي الله عز وجل بما سمى به نفسه، فإذا سئل المسلم البسيط الذي ما توسع في العلم، ولا تعددت معارفه، بأن قيل له: يا مسلم من ربك؟ أو قيل له: من هو الله؟ لكان جوابه على البداهة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، أو كان جوابه على البداهة: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر:22-24]، أو كان جوابه: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأنعام:95-97].

الله جل جلاله الذي نعبده قد عرفنا بنفسه من خلال أسمائه وصفاته، عرف المسلم الموقن أن الله جل جلاله موصوف بكل كمال، منزه عن كل نقص: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وعلم بأن الله جل جلاله بكل شيء عليم، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يعلم السر وأخفى: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس:61]، علم بأن الله عز وجل عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو: وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، وعنده علم الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت في السموات والأرض، وهو الذي ينزل الغيث، وهو الذي لا يحيط العباد بشيء من علمه إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، وهو الذي قال لهم: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، فالمسلم يعلم أن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1]، ويعلم بأن من قدرته أنه يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل جل جلاله وتباركت أسماؤه، يعلم المسلم بأن الله عز وجل عزيز لا يغالب، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأعراف:57]، ومن قدرته جل جلاله أنه يرسل الرياح فتثير سحاباً فترى الودق يخرج من خلاله: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ [النور:43].

ومن قدرته أنه يقلب الليل والنهار جل جلاله، ومن قدرته سبحانه وتعالى أنه أحصى كل شيء عدداً، وأحاط بكل شيء علماً، وخلق هذا الكون على نظام متقن مبدع، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:117] ويعلم بأن الله عز وجل حكيم، ما خلق الخلق عبثاً, ولا تركه سدى.

ومن حكمته: أنه شرع الحلال والحرام، ووضع العقوبات، ونظم الأمور، وهو مدبر كل شيء، كما أنه خالق كل شيء: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]، خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:4-8]، ويعلم السر وأخفى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7].

والمسلم الذي يقلب صفحات القرآن، وينظر في آيات الرحمن، لا تخطئ عينه قط أن لله عز وجل أسماء وصفات قد جاء به كتابه، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته، لا يسع أحداً من الخلق قامت الحجة عليه إنكارها، بل الواجب عليهم جميعاً الإيمان بها وتصديقها، والعمل بمقتضاها، وإمرارها على ظاهرها، والإيمان بمعانيها على ما جاءت به لغة العرب، لا نشبه الله بخلقه ولا نمثله.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
الختان 2630 استماع
الوفاء خلق أهل الإيمان 2601 استماع
التفاؤل 2594 استماع
الإسلام دين الفطرة 2521 استماع
اتفاقية دارفور 2353 استماع
التوحيد 2305 استماع
الرياح السود 2281 استماع
اللجوء إلى الله 2205 استماع
الأخوة الإسلامية 2141 استماع
الهجرة 2091 استماع