خطب ومحاضرات
الأخوة الإسلامية
الحلقة مفرغة
الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو الرحيم الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أيها المسلمون عباد الله! فإن نعمة الأخوة في الله من أعظم النعم، وقد امتن الله بها على عباده المؤمنين في كتابه فقال: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران:103]، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأخوة في الله موجبة لحصول رحمته، فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ( رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ).
وأخبرنا صلوات ربي وسلامه عليه أن الأخوة في الله موجبة لحصول حلاوة الإيمان: ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف به في النار ).
وبين صلوات ربي وسلامه عليه: ( أن دعاء المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل: آمين، ولك بمثله )، وأن: ( من زار أخاً له في الله، لا يزوره إلا لله، أرسل الله على مدرجته ملكاً، قال له يا عبد الله: أين تريد؟ قال: أريد تلك القرية أزور أخاً لي في الله، قال له: هل لك من نعمة تربها عليه، قال: لا، غير أني أحبه في الله، فقال له الملك: فإني رسول الله إليك أخبرك أن الله أحبك كما أحببته )، وأخبرنا صلوات ربي وسلامه عليه: ( أن من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن رد عن عرض أخيه المسلم رد الله عن وجهه النار يوم القيامة ).
وأخبرنا أن حق المسلم على أخيه: ( إذا لقيه أن يسلم عليه، وإذا دعاه أن يجيبه، وإذا استنصحه أن ينصح له، وإذا عطس أن يشمته، وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يتبعه )، المسلم إذا جاع أطعمته، وإذا عري كسوته، وإذا احتاج أعنته، هذه هي علاقة المسلم مع المسلم في دين الله وشرعه، ( المسلم أخو المسلم )، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].
أيها المسلمون عباد الله! المتأمل في أحوال الناس اليوم يجد أن علاقة المسلم مع المسلم في الغالب لا تعدو أن تكون مجاملات باردة، وتلطفاً في الحديث إذا لقيه، وتعارفاً خفيفاً طفيفاً، كما قال ابن الجوزي رحمه الله: أكثر الناس اليوم معارف، وقل أن يوجد فيهم صديق ظاهر، أما الأخوة والمصافاة فقد نسخ أثرها فلا وجود لها، والحديث رواه أبو نعيم رحمه الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( قل أن يوجد في آخر الزمان درهم حلال، أو أخ يوثق به )، لم؟ لأن همة الناس تعلقت بالدنيا، إذا تآخوا إذا تصافوا إذا تعاونوا فمن أجل الدنيا، أما أولئك الكبار الصالحون الأبرار الذين تعلقت همتهم بالآخرة، فقد كانت أخوتهم صافية، كانت أخوة صادقة، أخوة في الله عز وجل يحب المرء المرء لا يحبه إلا لله، لا يحبه لدنيا ولا لقبيلة ولا للون ولا لجنس ولا لتجارة ولا لعلاقة ظاهرة، وإنما هي محبة في الله عز وجل محبة من أجل الله.
أخوة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وعطفه عليهم
أصدق من كان مؤاخياً في الله ومحباً في الله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما مات العبد الصالح النجاشي أصحمة رحمه الله وأكرمه، وما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كانت بينهما تجارة، ولا معاملة مالية، ولا نسب، كان النجاشي في أرض الحبشة، ومحمد صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب، لما مات النجاشي قام عليه الصلاة والسلام يقول لأصحابه: ( مات اليوم أخ لكم صالح، قوموا فلنصل عليه )، فصلى عليه صلاة الغائب، لم؟ من أجل الأخوة في الله عز وجل.
لما مات جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه شهيداً في مؤتة، أمهل النبي صلى الله عليه وسلم آل جعفر ثلاثاً، ثم جاءهم فجعلت زوجة جعفر أسماء بنت عميس رضي الله عنها، جعلت تفرح لرسول الله، أي: تدخل الحزن عليه وتشكو إليه اليتم، تشكو إليه العيلة والفقر، تشكو إليه الضيعة، فماذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ( ادعوا لي بني )، أبناء جعفر جعلهم أبناءه: ( ادعوا لي بني يقول عبد الله بن جعفر : فجيء بنا كأننا أفراخ، فدعا بالحلاق فحلق رءوسنا، ثم قال لأمنا: العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة، اللهم اخلف جعفر في أهله، وبارك لـعبد الله في صفقة يمينه، يقول عبد الله بن جعفر : فما اشتريت شيئاً ولا بعته، إلا ربحت فيه؛ بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهكذا كان مع سائر أصحابه.
يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ( كنت في داري يوماً، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليَّ، فقمت إليه فصحبني حتى دخل حجر بعض نسائه، ثم أذن لي فدخلت الحجاب، فقال لامرأته: هل من غداء؟ فجاءت بثلاثة أقراص، فوضع بين يديه قرصاً، وبين يدي قرصاً، ثم كسر قرصاً نصفين، فوضع بين يديه نصفاً وبين يدي نصفاً، ثم قال لزوجته: هل من أدم؟ قالت: لا، إلا شيء من خل، قال: فأتي به فنعم الأدم هو )، وجلس يأكل مع جابر رضي الله عنه، كان يرعى جابراً ويحنو عليه ويترفق به ويحسن إليه ما استطاع؛ لأن أباه عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه قتل يوم أحد شهيداً، ولما جعل ولده جابراً يكشف عن وجهه ويبكي عليه والناس ينهونه ويمنعونه، ما نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال له: ( يا جابر ابكِ أو لا تبكي، فإن الله تعالى ما كلم أحداً إلا من وراء حجاب، ولكنه كلم أباك كفاحاً من غير حجاب، فقال له: يا عبدي تمن؟ قال: يا ربي أتمنى أن أرجع إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية ).
نماذج من تآخي الصحابة فيما بينهم
أيها المسلمون عباد الله! هذا الخلق الكريم الأخوة في الله، تعلمها الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين سمعوه يقول: ( ليتنا نرى إخواننا! قالوا: ألسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإنما إخواني قوم يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني ).
تعلم الصحابة هذه الأخلاق الفاضلة الكريمة، فكان عمر رضي الله عنه يقبل رأس أبي بكر ويقول له: لولا أنت بعد الله لهلكنا، يعني: حروب الردة رضي الله عنه وأرضاه، لما قال له بعض الناس: أنت خير أم أبو بكر ؟ بكى عمر رضي الله عنه، وقال: ليتني كنت شعرة في صدر أبي بكر ، والله لليلة لـأبي بكر مع رسول الله في الغار خير من عمر وآل عمر، كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وكنت أضل من بعير أهلي.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه رئي عليه كساء كثيراً ما يلبسه حتى بلي، فقيل له: ما هذا الكساء؟ نراك حريصاً عليه حفياً به؟ قال: كسانيه خليلي وصفيي عمر بن الخطاب ، إن عمر بن الخطاب ناصح الله فنصحه الله.
كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: نعم الأخ أخي، إذا لقيته قبلني، وإذا غبت عنه عذرني.
الحسن البصري رضي الله عنه دخل عليه بعض إخوانه، فوجده نائماً على سريره، وعند رأسه سلة فاكهة، فأخذها وبدأ يأكل منها، فلما استيقظ الحسن قال له: جزاك الله خيراً، هكذا وجدناهم، هكذا وجدناهم، يعني: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دخل أحدهم بيت أخيه أكل من طعامه، وانبسط على فراشه، دون إخلال بآداب الإسلام.
يا أيها المسلمون يا عباد الله! ما أحوج الناس إلى هذه المعاني في زمن ينتصر الناس فيه للقبيلة، ينتصر الناس فيه للجنس للعنصر للدنيا، إذا أحب أحدهم أحب من أجل دنياه، وإذا أبغض أبغض من أجل دنياه، أسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها، لا يصرف سيئها إلا هو، توبوا إلى الله واستغفروه.
أصدق من كان مؤاخياً في الله ومحباً في الله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما مات العبد الصالح النجاشي أصحمة رحمه الله وأكرمه، وما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كانت بينهما تجارة، ولا معاملة مالية، ولا نسب، كان النجاشي في أرض الحبشة، ومحمد صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب، لما مات النجاشي قام عليه الصلاة والسلام يقول لأصحابه: ( مات اليوم أخ لكم صالح، قوموا فلنصل عليه )، فصلى عليه صلاة الغائب، لم؟ من أجل الأخوة في الله عز وجل.
لما مات جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه شهيداً في مؤتة، أمهل النبي صلى الله عليه وسلم آل جعفر ثلاثاً، ثم جاءهم فجعلت زوجة جعفر أسماء بنت عميس رضي الله عنها، جعلت تفرح لرسول الله، أي: تدخل الحزن عليه وتشكو إليه اليتم، تشكو إليه العيلة والفقر، تشكو إليه الضيعة، فماذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ( ادعوا لي بني )، أبناء جعفر جعلهم أبناءه: ( ادعوا لي بني يقول عبد الله بن جعفر : فجيء بنا كأننا أفراخ، فدعا بالحلاق فحلق رءوسنا، ثم قال لأمنا: العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة، اللهم اخلف جعفر في أهله، وبارك لـعبد الله في صفقة يمينه، يقول عبد الله بن جعفر : فما اشتريت شيئاً ولا بعته، إلا ربحت فيه؛ بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهكذا كان مع سائر أصحابه.
يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ( كنت في داري يوماً، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليَّ، فقمت إليه فصحبني حتى دخل حجر بعض نسائه، ثم أذن لي فدخلت الحجاب، فقال لامرأته: هل من غداء؟ فجاءت بثلاثة أقراص، فوضع بين يديه قرصاً، وبين يدي قرصاً، ثم كسر قرصاً نصفين، فوضع بين يديه نصفاً وبين يدي نصفاً، ثم قال لزوجته: هل من أدم؟ قالت: لا، إلا شيء من خل، قال: فأتي به فنعم الأدم هو )، وجلس يأكل مع جابر رضي الله عنه، كان يرعى جابراً ويحنو عليه ويترفق به ويحسن إليه ما استطاع؛ لأن أباه عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه قتل يوم أحد شهيداً، ولما جعل ولده جابراً يكشف عن وجهه ويبكي عليه والناس ينهونه ويمنعونه، ما نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال له: ( يا جابر ابكِ أو لا تبكي، فإن الله تعالى ما كلم أحداً إلا من وراء حجاب، ولكنه كلم أباك كفاحاً من غير حجاب، فقال له: يا عبدي تمن؟ قال: يا ربي أتمنى أن أرجع إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية ).
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الختان | 2638 استماع |
الوفاء خلق أهل الإيمان | 2609 استماع |
التفاؤل | 2601 استماع |
الإسلام دين الفطرة | 2527 استماع |
اتفاقية دارفور | 2363 استماع |
التوحيد | 2312 استماع |
الرياح السود | 2288 استماع |
اللجوء إلى الله | 2211 استماع |
أعداء الدين | 2157 استماع |
الهجرة | 2096 استماع |