مع القرآن - حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
ديدن الكافر و المنافق عندما يلتقي بالهدى وجهاً لوجه أن يشكك في مصداقية الهدى و أهله أو يماطل في التصديق و الإذعان أو يخترع الحجج و المطالبات و المعجزات التي يحددها هو كي يؤمن بهدى الله تعالى و كأن تصديقه و دخوله في حظيرة الإيمان تشريف للهدى و أهله و هو لا يدري أنه أقل خلق الله شأناً .
تأمل حجج أعداء الرسل و مطالباتهم و طريقتهم البالية بل و الغبية في طلب الآيات : قال الله تعالى :
{ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ } [آل عمران 183 - 184 ] .
يقول السعدي في تفسيره : يخبر تعالى عن حال هؤلاء المفترين القائلين: { إن الله عهد إلينا } أي: تقدم إلينا وأوصى، { ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار } فجمعوا بين الكذب على الله، وحصر آية الرسل بما قالوه، من هذا الإفك المبين، وأنهم إن لم يؤمنوا برسول لم يأتهم بقربان تأكله النار، فهم -في ذلك- مطيعون لربهم، ملتزمون عهده، وقد علم أن كل رسول يرسله الله، يؤيده من الآيات والبراهين، ما على مثله آمن البشر، ولم يقصرها على ما قالوه، ومع هذا فقد قالوا إفكا لم يلتزموه، وباطلا لم يعملوا به، ولهذا أمر الله رسوله أن يقول لهم: { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات } الدالات على صدقهم { وبالذي قلتم } بأن أتاكم بقربان تأكله النار { فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين } أي: في دعواهم الإيمان برسول يأتي بقربان تأكله النار، فقد تبين بهذا كذبهم، وعنادهم وتناقضهم.
ثم سلَّى رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: { فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك } أي: هذه عادة الظالمين، ودأبهم الكفر بالله، وتكذيب رسل الله وليس تكذيبهم لرسل الله، عن قصور ما أتوا به، أو عدم تبين حجة، بل قد { جاءوا بالبينات } أي: الحجج العقلية، والبراهين النقلية، { والزبر } أي: الكتب المزبورة المنزلة من السماء، التي لا يمكن أن يأتي بها غير الرسل.
{ والكتاب المنير } للأحكام الشرعية، وبيان ما اشتملت عليه من المحاسن العقلية، ومنير أيضا للأخبار الصادقة، فإذا كان هذا عادتهم في عدم الإيمان بالرسل، الذين هذا وصفهم، فلا يحزنك أمرهم، ولا يهمنك شأنهم.
أبو الهيثم