خطب ومحاضرات
رسالة عاجلة في المشكلات الزوجية
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل بيننا مودة ورحمة، الحمد لله الذي أنعم علينا بإباحة النكاح ليكون ذلك وسيلة مهمة جداً لبناء المجتمع المسلم الذي يتكون من الأسر المسلمة؛ ولذلك كان الحديث عن مشكلات الأسر المسلمة وإلقاء الضوء الشرعي على تكوينها وتركيبها وحل مشكلاتها ومعضلاتها من لوازم الأمور.
أيها الأخوة: يأتي الكلام على هذا الموضوع، في هذه المرحلة الحساسة وهذا الوقت العصيب، وأقول: إن الصحيح أن تحل المشكلات فوراً، مادمنا نعيش هذا الخطر، ومادمنا نعيش هذه الأيام التي لا ندري ما يكون وراءها وماذا ستلد والأيام حبالى؟ ولا أقول تناسي المشكلات، وإنما أقول: حل المشكلات؛ لأن بعض الناس قد يتناسون خلافاتهم أيام الخطر، فإذا زالت أيام الخطر، رجعوا إلى ما كانوا فيه، ولذلك نقول: حل الإشكالات وفض النزاعات حتى نستطيع أن نواجه الخطر بخلايا محكمة من الأسر المسلمة، وأن يكون هناك علاقة مودة ووئام وتراحم بين الزوج والزوجة.
أيها الأخوة: لقد هالني ما سمعته ووصل إلي شفوياً وتحريرياً من المشكلات الكثيرة من العدد الكبير الهائل من المشكلات التي تعاني منها الأسر والبيوت المسلمة في المجتمع، والحقيقة أنني كنت أفاجأ بين فترة وأخرى بكثرة هذه النزاعات والمشكلات، وهذا مما اطلعت عليه يمثل جزءاً قليلاً من الحجم الحقيقي الموجود في المجتمع، ولذلك فإن أهمية هذا الكلام تكون عالية؛ نظراً لكثرة المشكلات وشيوعها، حتى أنه لا يكاد يسلم بيت منها، وأنتم ترون جدراناً ونوافذ ولا تدرون ماذا وراءها! ولكن كثيراً ما يكون وراء هذه الحيطان وتلك الجدران مشكلات عويصة، وأمور خطيرة، لا يعلمها إلا الله عز وجل.
أيها الأخوة: لن نتكلم في هذا الدرس عن حقوق الرجل على المرأة في الإسلام، أو حقوق المرأة على الرجل في الإسلام، فهذا له موطن آخر، والكلام على قضية النفقة والكسوة والسكن والطاعة إلى آخره له مكان آخر، لكن نريد أن نلقي الضوء على بعض المشكلات التي تحصل، وأقول: إن الكلام سيكون عن أكثر من جانب، فالعلاقة والتعامل من أكثر القضايا الشرعية والأحكام الدينية المتعلقة بالرجل وزوجته، ولن نتكلم عن مشكلة الطلاق وأسبابها وعلاجها، ولن نتكلم عن تعدد الزوجات والعدل بينهن، فإن ذلك سيكون له مجال آخر وإن كنت أعدكم بأنني سأتكلم عن القضيتين الأخيرتين، الطلاق وتعدد الزوجات في مناسبات قادمة إن شاء الله تعالى.
أيها الأخوة: إن من أهم الطرق لحل المشكلات والخلافات الزوجية: النظرة الواقعية للأمور، فبعض الخطباء والوعاظ والمتحدثين إذا تكلموا عن هذه الأمور، أعطوا نظرة مثالية جداً لما ينبغي أن تكون عليه الأمور، وقالوا للزوج: يجب أن تكون كذا وكذا، وللزوجة: يجب أن تكوني في الصفات الآتية، كيت وكيت، حتى أنه يندر أو يكاد ينعدم وجود هذه الصفات في أي زوج أو زوجة.
مسألة عدم وجود مشكلات زوجية على الإطلاق هذه قضية شبه مستحيلة، لا يكاد يوجد بيت إلا وفيه مشكلات، ولذلك الكلام عن بيت مثالي لا توجد فيه أي مشكلة بعد نوعاً من المستحيل تقريباً، ولذلك فإننا لا بد أن ننظر إلى الأمور بواقعية، ونحن نعلم من واقعية الأمور أن المشاكل لا بد أن تحدث.
ولكن القضية ليست الكثرة والقلة في هذه المشكلة؟ ولا بد أن نستعد نفسياً لمواجهة المشكلات.
عندما تأملت في الشكاوي الواردة في هذا الموضوع ظهر لي أن الشكاوى من جانب النساء أكثر منها بكثير من جانب الرجال، وهذا يعود لعدة أسباب في نظري:
الأمر الأول: إن مبنى المشكلات والزوجية في كثير من الأحوال على الظلم، والظلم يتأتى من الرجل أكثر من المرأة، نظراً لأنه الجانب الأقوى.
ثانياً: أن الشكاية من النساء كثيرة -هذا الشيء مقابل تماماً للمسألة السابقة- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح في التعليل لسوء حال كثير من النساء: (تكثرن الشكايا).
ثالثاً: أن المرأة ضعيفة، فهي تشتكي، والرجل قد يكون عنده من المشكلات شيء كثير جداً، لكنه يحجم عن الشكوى؛ لأن الشكوى بالنسبة له عبارة عن نقطة ضعف، وهو لا يريد أن يظهر بمظهر الضعف، ولا يريد أن يقول للشيخ أو للواعظ أو للمحدث أو للصديق: إنني أعاني من مشكلات لا أستطيع حلها، وإنني ضعيف أمام زوجتي ونحو ذلك، ولذلك يحجم كثير من الرجال عن الشكوى بينما تكثر من النساء.
وأقول كذلك أيها الأخوة: إن الشرع يأمر الجميع بالإحسان، يأمر الرجل بالإحسان ويأمر الزوجة بالإحسان، ولكن حق الرجل على زوجته أكبر؛ من ناحية أن الشرع ندبها إلى إرضائه أكثر، وتجد الآيات والأحاديث في تبيان حق الزوج أكثر؛ لأنه هو القوام وهو الذي يقود السفينة، ولذلك يحتاج إلى طاعة ويحتاج إلى إعانة ومساعدة، ولكن في نفس الوقت لم يهمل الإسلام المرأة ولا حقها، وجاءت النصوص المتكاثرة بحقوق المرأة على زوجها.
ومن الأسباب التي تتحصل بسببها المشكلات الزوجية -بالإضافة للظلم- قضية العناد الذي يكون مترسباً في نفس الزوجة والزوج عند التعامل، بل إن صغر العقل -إن صحت التسمية- أو تعامل الأطفال -إن صحت العبارة كذلك- هو سبب مباشر لأخطاء التعاملات الزوجية كما ظهر لي.
وكذلك مسألة أن كل واحد منهما يريد إثبات شخصيته، وإزاحة الشخص الآخر عن موقع التأثير نهائياً، وإثبات الكيان وإثبات الموقف هو من الأسباب الرئيسية للمشكلات الزوجية.
وكذلك فإن الحساسية المفرطة عند المرأة -وهي مسألة مقابلة لظلم الرجل تقريباً- الحساسية المفرطة عند المرأة من أكبر أسباب المشكلات الزوجية كذلك.
ومن الأمور أيضاً: أن الواقع الحاضر في مسألة تعليم المرأة وعملها ووظيفتها، جعل هناك تفريطاً كبيراً في جانب النساء تجاه حقوق الأزواج، جعل الأمور تسير وكأنها طبيعية في قلة، أو تدني مستوى خدمة الزوجة للزوج، وكأن تقول له: هذه الحياة وماذا نفعل؟ لا بد أن نذهب إلى المدرسة، ولا بد أن نذهب إلى الكلية، ولا بد أن نذهب إلى الوظيفة، وأنت عليك أن تتحمل! وكأن هذا صار شيئاً واقعاً مفروضاً، مع أن الخلل قد يكون في أساس هذه المسائل.
وسيكون الحديث عن المشكلات -أيها الأخوة- على شقين: عندنا مشكلة تبدأ من الزوج أو الزوجة -والعياذ بالله- الكافرين المرتدين عن دين الله، وتنتهي بالمشكلات الطفيفة الموجودة في بعض البيوت، ولعل الكلام عن المشكلات المتعلقة بالزوج المرتد أو المرأة الكافرة، الأمر فيها يكون أوضح؛ لأن الحل في كثير من الأحيان قد يكون حلاً تغييرياً شاملاً، تغير الطرف الآخر وتنتهي القضية، ولا يمكن الاستمرار على تلك الحالة، ولكن الكلام الأكثر تعقيداً من جهة الحل وليس من جهة صعوبة الحالة هو في المشكلات التي تكون بين الأزواج الزوجات المسلمين، ولا بد أن نشير كثيراً إلى قضايا تتعلق بمشاكل الدعاة مع زوجاتهم، والمستقيمين مع زوجاتهم، إذ أن القضية تفاقمت كثيراً في الآونة الأخيرة حتى أن نسبة الطلاق ازدادت حتى بين كثير ممن يطلق عليهن ملتزمين وملتزمات.
ونبدأ الكلام بذكر بعض الحالات من المشكلات الموجودة في البيوت ذات الطرف المرتد أو الكافر.
أيها الإخوة: عندنا مشكلات مستعصية جداً وحالات سيئة جداً، موجودة في المجتمع، تتمثل في أزواج وزوجات مجانبين لشريعة الله تماماً، وفي غاية الانحراف، وهاكم بعض الأمثلة الواقعية وأصارحكم بأني قد قضيت في تحضير هذا الدرس شهوراً عديدة، حتى توصلت إلى جمع كثيرٍ من النقاط المتعلقة بحال الأسر الآن من الواقع ومن الأخبار، ومن الأسئلة التي تأتي بعد الدروس في المساجد، حتى أن البعض سيظن من الكلام أنني أتكلم عن مشكلته هو شخصياً، أو عن مشكلة زوجته شخصياً مع أن الكلام أعم من ذلك؛ لأن الحالات تتكرر وتتشابه، فقد يظن البعض عند السماع أن هذا الكلام هو مسألته شخصياً فلان بن فلان الفلاني، وليس الأمر كذلك، فإن المسألة أعم وإن الحالات تتشابه والأمور متكاثرة، وإن الطيور على أشكالها تقع.
عندنا زوجات مكتويات بنار أزواج مرتدين عن دين الله، وقد يكون الزوج علمانياً، أو حداثياً، أو على أي ملة من ملل الكفر ومرتداً عن دين الله، تتمثل ردته عن دين الله باستهزائه بالدين وبالشرع وبالسنن المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، أو ترك أمور تخرج من الإسلام بالكلية كترك الصلاة نهائياً.
ماذا يكون حال امرأة زوجها يرفض الصلاة ولا يصوم ويريد أن يأتي زوجته في نهار رمضان في دبرها، وهو مع ذلك يهينها وإذا دعته للإسلام والشريعة قال: ما لك دخل ربي يحاسبني! وهو يطلقها في كل حين، وهي تظن أنها الآن تعيش معه بالحرام، ليس فقط من جهة حكمه الشرعي بأن الله يقول: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] ولكن من جهة هذه الطلقات الكثيرة المتتابعة؟
ما هي حال امرأة تحت رجل إذا صلت أمامه ورفعت كفيها تدعو قال: أنتِ شحاذة، ما أنتِ إلا شحاذة، تشحذين من ربك، فيستهزئ بها في صلاتها، ودعائها؟
ما حال زوجةٍ تحت رجل لا يصلي ولا يصوم ويسكر، ويضربها ضرباً شديداً مما أدى إلى إسقاط جنينها؟
ما حال امرأة تحت رجل يدخل البيت مخموراً، ويضرب أولاده، وطلقها مرات كثيرةٍ جداً وهو يسب الدين ويلعن الرب ويحرم زوجته من المصروف يقول لها: اذهبي واشتكي؟
ما حال امرأة قد لعب عليها رجل باطني من ملة منحرفة عن دين الإسلام، فضحك عليها، وعقد عليها وتزوج بها وعندما رأى أن عندها بعض الأحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مزقها وألقاها في القمامة ولما سألته قال: هذا كذاب هذا خبيث، هذا منافق وهكذا؟
ما حال امرأة إذا تحجبت قال لها زوجها: أنت مثل القرد، وأهله قد يمالئونه على الإثم والعدوان، يقول لزوجته: أنت عجوز، أنت قبيحة، أنت كبرت استهزاءً بالحجاب؟
ما حال زوجة قد أمهلها زوجها ثلاثة أيام لتكشف وجهها أمام إخوانه وإلا فإنه سيطلقها إذا رفضت، وهو لا يدخل بيته ولا ينام معها حتى تنتهي المهلة وسنتدرج معكم من الزوج الكافر المرتد إلى الزوج العاصي الفاسق الفاجر وهكذا.
ماذا يكون حال هذا النوع الذي ذكرناه قبل هذا المثال الأخير، الزوج المرتد، الزوج الكافر؟ وفي المقابل يوجد زوجات كافرات، ربما تسب الدين وتستهزئ بأهل الدين، وهي تاركة للصلاة بالكلية، وربما أنها متمردة على شرع الله، وتقول: الحجاب لا أعترف به، وهذه تعقيدات، الأوامر التي تقولون عنها في القرآن والسنة لا تناسب العصر، وتنادي بتحرير المرأة ونحو ذلك، ما هو حال مثل هذا الوضع الموجود؟
العشرة لا تجوز بين زوجين أحدهما كافر أو مرتد
فإذاً الحل: أن العقد باطل ويجب التفريق بينهما، وأن المرأة ترجع إلى أهلها، إذا كان زوجها على الحال التي ذكرناها، وأن المرأة إذا كانت كافرة وزوجها مسلم فإن العقد باطل، وهو ينفصل عنها، ولا تجوز العشرة بينهما، وإذا استمر على العشرة معها، أو استمرت على العشرة معه إذا كان كافراً أو كانت كافرة، فإن الحال هو زنا وفاحشة -والعياذ بالله.
المجتمع والدعاة يتحملون المسئولية
إن هناك كثيراً من المشكلات المستعصية من هذا النوع، هذا نتيجة انحراف المجتمع عن شرع الله، ونتيجة شيوع التيارات الإلحادية الكافرة في المجتمع؛ نتيجة تخلف الدعوة وتخلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتخلف التزام الناس بشعائر الدين، هذه واحدة من الآثار السيئة التي نعاني منها في المجتمع نتيجة الانحراف عن شرع الله عز وجل، إذاً المسئولية لا تتحملها المرأة فقط، يتحملها المجتمع كله بسبب حصول هذا التقصير، وإلا لو كانت الشريعة مطبقة تماماً لكانت هذه الحالات نادرة جداً.
ولكن مادامت تسمع يميناً وشمالاً ودائماً فمعناها أن هذه الانحرافات موجودة متكاثرة، وتعني بأن الحال لا زال من السوء بحيث يفرض علينا الإسلام أن نتحرك لمواجهة هذه الانحرافات، حتى يعود الناس إلى دين الله، وعند ذلك لا يكون هناك من الحلول إلا أن تجتنب إذا تعذر عليها الخروج من البيت، أن تجتنب الزوج وأن لا تكشف عليه، وأن تبتعد عنه، ولا تجعله يقترب منها؛ لأنه كافر وهي مكرهة، ثم أنه لو اضطرها للجماع وهو كافر بالقوة فهي مكرهة والإثم عليه، علماً بأنه يجب عليها أن تسعى بكل طريق من المحكمة إلى أي إنسان آخر، أو مصدر من مصادر القوة والسلطة من الابتعاد عن هذا الرجل الكافر، فلا خير مطلقاً في البقاء عنده، ولو كانت أخلاقه عسلاً مصفى.
نقول: قال الله عز وجل : فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] فبين الله عز وجل أن الرجل المسلم لا يجوز له أبداً أن يتزوج من امرأة كافرة، إلا ما كان من المحصنات من أهل الكتاب، وبين الله عز وجل في هذه الآية أن المرأة المسلمة لا يجوز أن يعقد عليها رجل كافر لا يصلي أبداً، ويستهزئ بالدين ويفعل ويفعل من الأمثلة التي ذكرناها.
فإذاً الحل: أن العقد باطل ويجب التفريق بينهما، وأن المرأة ترجع إلى أهلها، إذا كان زوجها على الحال التي ذكرناها، وأن المرأة إذا كانت كافرة وزوجها مسلم فإن العقد باطل، وهو ينفصل عنها، ولا تجوز العشرة بينهما، وإذا استمر على العشرة معها، أو استمرت على العشرة معه إذا كان كافراً أو كانت كافرة، فإن الحال هو زنا وفاحشة -والعياذ بالله.
وإنني أتساءل كما تتساءل بعض النساء المظلومات التي تقول: كيف أخرج من البيت وعندي أولاد؟ زوجي كافر، وأنا أعلم أنه كافر، وقد أقمت عليه الحجة ونصحته بلا فائدة، كلمت الأقارب، استعنت بالأهل والأصدقاء، ليس هناك فائدة.. إذا ذهبت إلى بيت أهلي ماذا يحدث للأولاد؟ ثم إنها قد تقول: أكثر من ذلك إن أهلي يرفضون عودتي إليهم، ولو رجعت لردوني إليه، وقالوا: اذهبي إلى بيت زوجك، وليس لك عندنا مكان، أو تقول: لا أخ ولا أب ولا عائل، وليس لي أهل وأهلي في بلد بعيد، أو ليس لي أهل يؤونني إليهم، فماذا أفعل؟ أجلس في بيت أختي، وأضايق زوج أختي أم ماذا أفعل؟
إن هناك كثيراً من المشكلات المستعصية من هذا النوع، هذا نتيجة انحراف المجتمع عن شرع الله، ونتيجة شيوع التيارات الإلحادية الكافرة في المجتمع؛ نتيجة تخلف الدعوة وتخلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتخلف التزام الناس بشعائر الدين، هذه واحدة من الآثار السيئة التي نعاني منها في المجتمع نتيجة الانحراف عن شرع الله عز وجل، إذاً المسئولية لا تتحملها المرأة فقط، يتحملها المجتمع كله بسبب حصول هذا التقصير، وإلا لو كانت الشريعة مطبقة تماماً لكانت هذه الحالات نادرة جداً.
ولكن مادامت تسمع يميناً وشمالاً ودائماً فمعناها أن هذه الانحرافات موجودة متكاثرة، وتعني بأن الحال لا زال من السوء بحيث يفرض علينا الإسلام أن نتحرك لمواجهة هذه الانحرافات، حتى يعود الناس إلى دين الله، وعند ذلك لا يكون هناك من الحلول إلا أن تجتنب إذا تعذر عليها الخروج من البيت، أن تجتنب الزوج وأن لا تكشف عليه، وأن تبتعد عنه، ولا تجعله يقترب منها؛ لأنه كافر وهي مكرهة، ثم أنه لو اضطرها للجماع وهو كافر بالقوة فهي مكرهة والإثم عليه، علماً بأنه يجب عليها أن تسعى بكل طريق من المحكمة إلى أي إنسان آخر، أو مصدر من مصادر القوة والسلطة من الابتعاد عن هذا الرجل الكافر، فلا خير مطلقاً في البقاء عنده، ولو كانت أخلاقه عسلاً مصفى.
رجل فاجر يقول لزوجته: يجب أن تكشفي وجهك عند إخواني، وإن لم تكشفي فسأطلقك، ويعطيها مهلة، أو يكون الزوج فاجراً يقيم علاقة محرمة مع الخادمة وتعلم الزوجة بأن ذلك الرجل زانٍ وأنه يفعل الفواحش، هذه ثلاثة خادمات رفضن الإقامة في البيت؛ لأن هذا الرجل يحاول أن يفجر بهن، وإذا كان الرجل أيضاً يفعل أموراً أخرى من الفواحش كأن يصر على وطء الزوجة في الدبر، ويقول: يكفينا العيال وأنا أريد أن آتيك من الخلف ونحو ذلك، فماذا يمكن أن تفعل؟
أو أنه يبلغ به السوء من أول ليلة الزفاف أن يضربها ويعطيها حبوباً مخدرة وأن يربطها ويأتيها بالقوة في المكان الذي حرمه الله عز وجل في الوقت الذي حرمه الله عز وجل مثلاً: في زمن الحيض.
فإذاً هناك نوعية أخرى من المشكلات، وبلغ من فجور بعضهم أنه ربما قطع الكتب الإسلامية لزوجته وأتلف الأشرطة التي عندها، ومنعها من طلب العلم، وماذا نفعل في زوجٍ فاسق؟
قد يكون مصلياً مسلماً، لكنه يشرب الخمر، وهي تأمره وتنهاه وهو يضربها، وهي تدفعه بقوة للصلاة فرضاً وراء فرض، حتى صارت الحياة مملة؛ لأنها سئمت هذا الرجل المتقاعس عن الصلاة الذي يصلي مرة ويترك مرة، وقد أخذ مصاغها ونقودها وهو يبقى ثلاثة أيام جنباً لا يغتسل؟
ما نفعل في زوج آخر قد يستهزئ من التزام زوجته بالدين، أي في بعض الشعائر واعتبر ذلك تزمتاً وتنطعاً؟
وقد يصلي ويفعل أشياء من الإسلام، لكن عنده هذه النظرة القاتمة النقدية إلى شيء من أمور الدين التي لا يمكن أن يتنازل عنها الشخص المسلم المتمسك بالسنة؟
هذه امرأة تقول: إذا دخلت السوق وقلت ذكر السوق وهو: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير... إلى آخره، قال: بعدين يكفي، خلاص باسم الله يكفي، أنت تريدين إلقاء خطبة.. لماذا؟
لأنه حتى ذكر السوق لا يريد من زوجته أن تتلفظ به، أو أنه يريد أن يرغمها بالقوة على أن ما تفعله من العبادة رياء ونفاق، وهذه مسألة موجودة.
رجل آخر بلغ من فجوره أنه إذا رأى زوجته تتسنن وتصلي وتقوم الليل، وتقرأ القرآن وتدعو ربها، قال: هذا نفاق ورياء، وأنتِ تظنين نفسك مأجورة على هذا، كلا. أنتِ لا تريدين وجه الله، وأنت تفعلين ذلك أمام الضيوف، وأنت وأنتِ، حتى بدأت المسكينة -فعلاً- تشك في نفسها أنها منافقة، وأنها مرائية من جراء هذه الألفاظ وهذه الحيل التي يأتي بها.
مسألة تكاسل بعض الأزواج عن صلاة الفجر نوع من الفسوق؛ حتى أنهم لا يصلون الفجر إلا بعد طلوع الشمس، ومنع النساء من حِلق الذكر ومن القراءة والاطلاع في المسائل الشرعية، إذاً هذه حالة أخرى من الفجور أدنى من الحالة السابقة، ماذا تفعل المرأة في مثل هذه الحالات؟
حل المشاكل الزوجية بين زوجين أحدهما فاجر
وكذلك في الجانب المقابل، فإنه يوجد زوجات فاجرات -كما وصفن- قد لا ترد يد لامس، وقد تقبل أن تعاكس بالهاتف، وتتكلم مع الأجانب، وتخرج من البيت بغير إذن زوجها، أو تذهب إلى محلات مريبة، أو ترفض لبس الحجاب، تقول: مقتنعة أن الحجاب صحيح لكن أنا لا أستطيع أن أغطي وجهي وأن أخنق نفسي، وترفض لبس الحجاب، وربما أنها وقفت في السوق معها ولدها الرضيع فأخرجت ثديها أمام الناس لترضعه.
ماذا يكون الحل إذاً في مثل ذلك؟
على الزوج أن يدعوها إلى الله، وأن يفعل كما أمر الله في التدرج في معاملة الزوجة العاصية الناشز، وخصوصاً عندما يكون النشوز ليس في مسألة عصيانه في بعض الأشياء الدنيوية، وإنما في قضايا شرعية، فيجب عليه أن يقوم بالوعظ والتذكير والتنبيه وأن يعمل من الإجراءات الشرعية المذكورة التي ستمر معنا ما يحمل به زوجته على شريعة الله، فإن أصرت وبقيت على فجورها فلا يمكن أن يستمر البيت على هذا، ولا يمكن أن يطمئن الرجل لأولاده وهم يعيشون مع مثل هذه المرأة الفاجرة السافرة، فعند ذلك لابد من الكي وهو آخر الدواء، ومفارقة تلك المرأة والاستغناء عنها؛ لأنها امرأة سوء، وامرأة مخربة، وسيبدله الله خيراً منها، ولو كانت جميلة وكان متعلقاً بها، ولو كانت غنية: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) وكان من الأسباب المانعة لرفع الدعاء، أن يبقى الرجل عند امرأته السيئة الخلق دون أن يطلقها.
والعجيب -أيها الأخوة- أن بعض الناس يتهاونون في علاج الوضع المتردي لزوجاتهم من ناحية الالتزام، فقد تتهاون في الالتزام شيئاً فشيئاً، أول ما يتزوجها تكون ملتزمة بالدين ثم تتراخى وتتهاون، وبالعكس قد يكون الزوج ملتزماً بالدين ثم يتراخى ويتهاون، وحصلت أمثلة كثيرة لهذا.
فإذاً: الدعوة والنصح، للوصول إلى إصلاح الأوضاع مطلوب، لكن إذا استحال الأمر ومضت فترة زمنية كافية للحكم على أنه لا يمكن الرجوع في هذا المنظور القريب، فعند ذلك يكون الفراق هو النهاية، لذلك فإنني أنصح كل رجل مستقيم إذا رأى نوعاً من التهاون في زوجته بأن وصل إلى مراحل فجور وفسوق عندها ألا يتهاون مطلقاً في العلاج؛ لأن بعض الأزواج قد ينشغل بعمله أو وظيفته -ربما أحياناً بالدعوة إلى الله- والمرأة تتردى في الالتزام وتتردى في مستواها الإيماني حتى أنها تصل في النهاية إلى حالة سيئة جداً، ويمكن أن أقول لكم عن قصة رجل تنازل عن كشف زوجته، قالت: أما الحجاب لا. أنا لا يمكن أن أغطي وجهي، كل شيء إلا تغطية الوجه، وأصرت وألحت، وصممت، ورضخ الرجل وقال: حسناً! سكت عن كشف وجهها، وبعد ذلك صارت تحسر عن شعرها، وأكثر وأكثر حتى وصل الأمر أنه صارت تغازل الشباب بالهاتف، وتخرج مع فلان وعلان، فإذاً مسألة ترك الأمور حتى تستفحل دون أن تعالج علاجاً حاسماً من البداية هو أمر خطير جداً.
ومن العجيب أن بعض الأزواج يسافر ويشرب وزوجته متدينة، يقول: أنا الآن مبسوط جداً لماذا؟ يا جماعة أنا أنصحكم أن تتزوجوا نساء متدينات، لماذا؟ قال: لأني أخرج من البيت وأنا مطمئن، انظر.. هو فاجر، لكن يريد أن تكون مستقيمة، وهذه نوعية من الرجال موجودة، هو فاجر يعمل الفسوق، لكن يقول: لا. هذه أم الأولاد، لا يشاركني فيها أحد، هذه متدينة، وقد يمجدها وهو إنسان فاسق، ولكنه متمسك بها، وعند ذلك ينبغي على الزوجة أن تستغل هذه العلاقة وهذا التمسك في جعل زوجها يستقيم على طريق الحق.
وإني أقول: إن كثيراً من النساء يملكن المفتاح والزمام، وإن المرأة قد تستغل أوضاعاً نفسية معينة في جعل زوجها يمشي على الطريق المستقيم، وهناك زوجات فاضلات إذا رأت عند زوجها صوراً أو أفلاماً أتلفتها، أو أشياء من المشروبات المحرمة ونحو ذلك كسرتها وأراقتها، ومنعت زوجها من السفر وضغطت عليه، وهناك كثيرٌ من الأزواج قد يستجيبون لنسائهم في هذه القضية، فينبغي على الزوجة ألا تتهاون أيضاً في العلاج الحاسم لمثل هذه الأمور.
استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رسالة إلى المعلم المسلم | 2823 استماع |
رسالة إلى مستخدمي الكمبيوتر | 2698 استماع |
رسائل الجوال | 2451 استماع |
رسالة منهج دراسة الأسماء والصفات | 2251 استماع |
رسالة إلى الطبيب المسلم | 2213 استماع |