قارون


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد ذكر ربنا جل جلاله في كتابه الكريم صفات النقص التي جبل عليها الإنسان، ومن ذلك:

الظلم والجهل، كما قال سبحانه: إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72]، ومن ذلك الكفر بنعمة الله عز وجل إن لم يعصمه الله بالاستقامة، إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، ومن ذلك أيضاً: النسيان: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه:115]، ومن صفات النقص التي جبل عليها الإنسان كذلك أنه ضعيف، كما قال سبحانه: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء:28].

وفي سورة القصص، يذكر الله عز وجل نموذجين لناس أنعم الله عليهم فكفروا بنعمة الله، فأبدلهم الله بعد الخوف أمنا، وبعد النعمة نقمة، ففي أول السورة يذكر ربنا جل جلاله فرعون وهامان، وهما الشخصان الكافران اللذان سكرا بالسلطة والقوة، إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [القصص:8].

ثم في آخر السورة يذكر ربنا جل جلاله رجلاً آخر سكر بالمال، فقد وسع الله عليه، وبسط له أسباب الرزق، وكثر له المال، فحمله ذلك على الكفر بنعمة الله عز وجل.

يقول سبحانه: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى[القصص:76]، قال المفسرون: كان ابن عمه.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ابن عم موسى وكان يقال له: النور؛ لأنه كان حسن الصوت، وكان صوته في تلاوة التوراة جميلاً.

وهذا الرجل آتاه الله مالاً، فبغى على قومه، وبغيه عليهم إما بالكبر والبطر وإظهار التفوق، وإما بظلمه إياهم، وانتقاصه حقوقهم، أو بغيه عليهم بمنعه حق الله في المال، فليس في ماله حق للسائل والمحروم، وقد وجه له قومه نصائح خمساً:

أولها: لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76]، ثانيها: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ[القصص:77]، وثالثها: وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا[القصص:77]، ورابعها: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ[القصص:77]، وخامسها: وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ[القصص:77].

النصيحة الأولى: ترك الفرح

فقالوا له: لا تفرح أي: الفرح المذموم الذي يحملك على البطر، وعلى نسيان المنعم جل جلاله، وعلى التكبر على عباد الله، كما قال ربنا جل جلاله: فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ[غافر:83]، فهذا فرح مذموم، وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين:31]، فهذا فرح مذموم، أما إذا كان الفرح بالطاعة، كفرح الصائم عند فطره، وفرحه بأدائه الصلاة مع الجماعة، وفرحه بقيام الليل، وفرحه بالجهاد في سبيل الله، وفرحه بإنفاق المال في وجهه، فهذا كله لا ذنب فيه، قال الله عز وجل: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا[يونس:58]، وقال سبحانه: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ[آل عمران:169-170]، والفرح بالطاعة ليس مذموماً أبداً.

النصيحة الثانية: ابتغاء الدار الآخرة بما عنده من المال

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ[القصص:77]، أي: هذا المال الذي خولك الله إياه اجعله مطية لآخرتك، وسبيلاً لنيل رضوان الله عز وجل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يقول ابن آدم: مالي، مالي! وليس له من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأبقى، وما سوى ذلك فتاركه للناس )، وقال: ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله! ما منا واحد إلا وماله أحب إليه، قال له: فإن مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أبقيت )، هذا الذي تخلفه وراء ظهرك يذهب إلى الورثة، ( ولما ذبح شاة عليه الصلاة والسلام وأمر عائشة رضي الله عنها بقسمتها قال: ما فعلت الشاة؟ قالت: يا رسول الله! ذهبت كلها إلا الذراع، قال: بل بقيت كلها إلا الذراع )، أي: هذا الذي أنفقناه هو الذي يبقى عند الله، وهذا الذي نأكله هو الذي يذهب.

النصيحة الثالثة: عدم نسيان نصيبه من الدنيا

وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا[القصص:77]، أي: فإن الله عز وجل ما حرمك من الدنيا، كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ[البقرة:57]، فتمتع بهذه الملذات التي أباحها الله لك من طعام وشراب، ولباس ونكاح، ومركب ومسكن، فكل هذا لا مانع منه.

النصيحة الرابعة: الإحسان إلى الناس

وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ[القصص:77]، أي: كما جاد الله عليك فجد على الناس، وعد النعمة إلى غيرك، كما عداها الله إليك، كما قال سبحانه في آية أخرى: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ[النور:22]، يعني: من أحب أن يغفر الله له فليغفر لإخوانه، ومن أحب أن يحسن الله إليه فليحسن إلى إخوانه، ( اللهم أعط منفقاً خلفاً، اللهم أعط ممسكاً تلفاً ).

النصيحة الخامسة: ترك الفساد في الأرض

فقالوا له: لا تفرح أي: الفرح المذموم الذي يحملك على البطر، وعلى نسيان المنعم جل جلاله، وعلى التكبر على عباد الله، كما قال ربنا جل جلاله: فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ[غافر:83]، فهذا فرح مذموم، وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين:31]، فهذا فرح مذموم، أما إذا كان الفرح بالطاعة، كفرح الصائم عند فطره، وفرحه بأدائه الصلاة مع الجماعة، وفرحه بقيام الليل، وفرحه بالجهاد في سبيل الله، وفرحه بإنفاق المال في وجهه، فهذا كله لا ذنب فيه، قال الله عز وجل: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا[يونس:58]، وقال سبحانه: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ[آل عمران:169-170]، والفرح بالطاعة ليس مذموماً أبداً.

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ[القصص:77]، أي: هذا المال الذي خولك الله إياه اجعله مطية لآخرتك، وسبيلاً لنيل رضوان الله عز وجل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يقول ابن آدم: مالي، مالي! وليس له من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأبقى، وما سوى ذلك فتاركه للناس )، وقال: ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله! ما منا واحد إلا وماله أحب إليه، قال له: فإن مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أبقيت )، هذا الذي تخلفه وراء ظهرك يذهب إلى الورثة، ( ولما ذبح شاة عليه الصلاة والسلام وأمر عائشة رضي الله عنها بقسمتها قال: ما فعلت الشاة؟ قالت: يا رسول الله! ذهبت كلها إلا الذراع، قال: بل بقيت كلها إلا الذراع )، أي: هذا الذي أنفقناه هو الذي يبقى عند الله، وهذا الذي نأكله هو الذي يذهب.

وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا[القصص:77]، أي: فإن الله عز وجل ما حرمك من الدنيا، كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ[البقرة:57]، فتمتع بهذه الملذات التي أباحها الله لك من طعام وشراب، ولباس ونكاح، ومركب ومسكن، فكل هذا لا مانع منه.