أبو بكر الصديق


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

إثبات الله عز وجل الصحبة لأبي بكر

حديثنا عن شخصية قرآنية مؤمنة فذة، عن شيخ وقور وإمام علم، ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين على رجل أفضل منه، ذلك هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه، الذي أثبت الله له الصحبة وذكره في سورة التوبة في قوله سبحانه: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

قال المفسرون: في هذه الآية الكريمة فضيلتان لـأبي بكر رضي الله عنه:

الأولى: أن الله أثبت له الصحبة، ومن أصدق من الله قيلا، وهذه الصحبة قد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علو منزلتها، وعظيم قيمتها قبل أن يتوفاه الله بتسع ليال، لما صعد على المنبر صلوات ربي وسلامه عليه، فقال: ( إن عبداً خير بين الدنيا والآخرة فاختار ما عند الله، فبكى أبو بكر رضي الله عنه، فقال الصحابة: أما تعجبون لبكاء هذا الشيخ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر ! ثم قال عليه الصلاة والسلام: والله ما نفعني مال مثل ما نفعني مال أبي بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ما بقيت لأحد في الإسلام يد إلا جزيناه بها، إلا أبا بكر فإن له يداً يجزيه الله بها يوم القيامة ).

فهذا الرجل المبارك رضي الله عنه قد أثبت الله له الصحبة في هذه الآية.

إثبات الله معيته للنبي وأبي بكر

الثانية: قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[التوبة:40] )، أي: معنا أنا وأنت، لو قارنت هذه الآية بقول موسى عليه السلام، لما قال له قومه: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61]، قال: كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، ما قال: إن الله معنا، بل قال: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، أما هاهنا فالله عز وجل يحكي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لصاحبه: ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[التوبة:40] )، أي: أنا وأنت.

حديثنا عن شخصية قرآنية مؤمنة فذة، عن شيخ وقور وإمام علم، ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين على رجل أفضل منه، ذلك هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه، الذي أثبت الله له الصحبة وذكره في سورة التوبة في قوله سبحانه: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

قال المفسرون: في هذه الآية الكريمة فضيلتان لـأبي بكر رضي الله عنه:

الأولى: أن الله أثبت له الصحبة، ومن أصدق من الله قيلا، وهذه الصحبة قد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علو منزلتها، وعظيم قيمتها قبل أن يتوفاه الله بتسع ليال، لما صعد على المنبر صلوات ربي وسلامه عليه، فقال: ( إن عبداً خير بين الدنيا والآخرة فاختار ما عند الله، فبكى أبو بكر رضي الله عنه، فقال الصحابة: أما تعجبون لبكاء هذا الشيخ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر ! ثم قال عليه الصلاة والسلام: والله ما نفعني مال مثل ما نفعني مال أبي بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ما بقيت لأحد في الإسلام يد إلا جزيناه بها، إلا أبا بكر فإن له يداً يجزيه الله بها يوم القيامة ).

فهذا الرجل المبارك رضي الله عنه قد أثبت الله له الصحبة في هذه الآية.

الثانية: قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[التوبة:40] )، أي: معنا أنا وأنت، لو قارنت هذه الآية بقول موسى عليه السلام، لما قال له قومه: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61]، قال: كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، ما قال: إن الله معنا، بل قال: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، أما هاهنا فالله عز وجل يحكي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لصاحبه: ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[التوبة:40] )، أي: أنا وأنت.

ثم بدأ رضي الله عنه رحلة جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يوم من الأيام كان جالساً في بيته، فصرخ به صارخ: يا أبا بكر ! أدرك صاحبك فإن القوم قاتلوه! فخرج رضي الله عنه يجر إزاره، فوجد المشركين قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يشتمه، وذاك يجذبه، فأقبل عليهم أبو بكر كالأسد الهزبر رضي الله عنه يدفعهم ويضربهم، فترك المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلوا على أبي بكر يضربونه ويصفعونه، حتى خلع عدو الله عتبة بن ربيعة نعله وصار يضرب وجه أبي بكر ، وينزو على بطنه حتى أغشي عليه رضي الله عنه، وحمل إلى بيته بين حي وميت، حتى قالت بنو تيم -قوم أبي بكر-: لو أن أبا بكر مات قتلنا عتبة ثأراً لـأبي بكر.

فلما أفاق رضي الله عنه من تلك الغشية قربت أمه له طعاماً، وكان أول سؤال لـأبي بكر بعد إفاقته: ما الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ كيف حاله؟ فقالت له: لا علم لي بصاحبك! وإن شئت أتيت فاطمة بنت الخطاب فسألتها، فلما ذهبت إلى فاطمة وقالت لها: إن أبا بكر يسأل عن صاحبه، فقالت لها فاطمة : إن شئت ذهبت معك إلى أبي بكر، لا تريد أن تعلمها بأنها رأت النبي عليه الصلاة والسلام أو ذهبت إليه، فذهبت معها فاطمة رضي الله عنها وبشرت أبا بكر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، فقال أبو بكر: والله لا أذوق ذواقاً ولا أشرب شراباً حتى آتيه فأنظر إليه.

( فحمل رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه عليه الصلاة والسلام رق له رقة شديدة، ثم قال له: يا رسول الله! هذه أمي برة بولدها، فادعها إلى الإسلام وادع الله لها، فدعاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعا الله أن يهدي قلبها فأسلمت أم أبي بكر وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

فلما كانت حادثة الإسراء، كان لـأبي بكر موقف وأي موقف! فقد جاءه المشركون، فقالوا له: أما سمعت ما يقول صاحبك؟ قال: وما يقول؟ قالوا: يزعم أنه خرج من الحرم، فأتى مسجد إيلياء فصلى فيه ثم رجع، فقال لهم: إن كان قد قال ذلك فقد صدق.

وما انتظر رضي الله عنه أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلاً أو برهاناً على صحة ما قال، فسمي من ذلك اليوم: الصديق.

وقد أنفق ماله رضي الله عنه في إعتاق المستضعفين المعذبين من المسلمين، فأعتق عشرين نفساً، وأنفق في ذلك أربعين ألف دينار، وعلى رأس المعتقين: السيد الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه، فقد جاءه فوجده معذباً، فقال لسيده أميه بن خلف، أما آن لك أن ترحم هذا المسكين؟ فقال له أمية: أنت الذي أضللته، وإن شئت خلصه، فقال له أبو بكر: بعنيه، فقال: أريد عشر أواق من الفضة، فذهب رضي الله عنه فجاء إليه فعدهن، فلما أمسك عدو الله بالمال أراد أن يندم أبا بكر وهو يحل وثاق بلال، فقال له: يا أبا بكر! أما لو أبيت إلا أوقية لبعتك، يعني: يقول له: أنت تاجر غير حكيم، ما أحسنت المساومة، لو أردت أن تشتري بلالاً بأوقية لبعتك، لكنك تسرعت، فقال له أبو بكر: لو أبيت إلا مائة لاشتريته، يعني: بلال عندنا أغلى من ذلك.

وفي أبي بكر نزل قول ربنا جل جلاله: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17-21].

( ثم في طريق الهجرة، أبو بكر رضي الله عنه كان يسير تارة أمام النبي عليه الصلاة والسلام وتارة من خلفه، فيقول له النبي عليه الصلاة والسلام: ما هذا يا أبا بكر؟! فقال: أتذكر الرصد، فأسير أمامك، وأتذكر الطلب، فأسير من ورائك ).

فلما وصلوا إلى المدينة بقي أبو بكر وزير صدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ما تخلف عن غزوة غزاها، ولا مشهد شهده، كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، وفي العسر واليسر، وفي الشدة والرخاء، يشد أزره، ويقوي عضده.

فلما كان يوم بدر رأى النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ربه ويرفع يديه، حتى سقط رداؤه صلوات ربي وسلامه عليه، قال له أبو بكر : (يا رسول الله! بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك)، أي: إن الله عز وجل لن يخذلك، ولن يضيعك، فهو معك، وهو ناصرك، وهو مؤيدك.

ثم بقي رضي الله عنه على تلك السيرة المرضية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف لـأبي بكر مكانته، ( رآه يوماً من الأيام وهو عليه الصلاة والسلام جالس في المسجد، رآه مقبلاً وقد رفع إزاره، فقال: أما صاحبكم فقد غامر )، أي: خاطر، ودخل في مخاصمة وهول، ( فجاء أبو بكر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فسبقت إليه )، أي: أخطأت في الكلام معه، ( ثم سألته أن يغفر لي فأبى، فتبعته خلال البقيع كله، فانزوى مني في داره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يغفر الله لك يا أبا بكر! يغفر الله لك يا أبا بكر! يغفر الله لك يا أبا بكر! ثم إن عمر رضي الله عنه ندم على أنه ما قبل عذر أبي بكر، فذهب إلى بيته فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا، لا ندري أين هو، فعلم أنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عمر، فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام تمعر وجهه، أي: ضاق صدره عليه الصلاة والسلام غضباً على عمر، فجثا أبو بكر على ركبتيه، وقال: يا رسول الله، أنا كنت أظلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام مؤنباً عمر وموبخاً إياه: قلتم: كذب، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بأهله وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي، فما أوذي أبو بكر بعدها ).

ثم بعد ذلك لما ابتليت الأمة بقاصمة الظهر، بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحير الناس وترددوا وذهلوا، كان أبو بكر رضي الله عنه كالجبل الأشم، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه وقبله بين عينيه، وقال: (طبت حياً وميتاً يا رسول الله، أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها، والله لا يجمع الله عليك موتتين).

ثم خرج على الناس وتكلم بالقول الفصل: (أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، ثم أتى بالبرهان الساطع فقرأ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].

وكان رضي الله عنه يتصرف مع الناس وكأنه قائم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد وثق من رحمة ربه، فقد روى الإمام أحمد في المسند: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أتاني جبريل في المنام فأخذ بيدي حتى أراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي، فقال له أبو بكر : وددت يا رسول الله! أني كنت معك لأراه، فقال له عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده! لأنت أول من يدخل الجنة من أمتي )، أي: بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ذو القرنين 2755 استماع
فرعون 2319 استماع
يوسف عليه السلام 2277 استماع
قارون 2029 استماع
زيد بن حارثة 1994 استماع
عيسى بن مريم عليه السلام 1909 استماع
خولة بنت ثعلبة وأم كلثوم بنت عقبة وحفصة بنت عمر وآسيا بنت مزاحم 1710 استماع
أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط 1702 استماع
يونس عليه السلام 1642 استماع
عبد الله بن سلام 1510 استماع