شرح زاد المستقنع باب تعليق الطلاق بالشروط [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: [فإذا قال: إن قمتِ، أو إذا، أو متى، أو أي وقت، أو مَن قامت، أو كلما قمت؛ فأنت طالق، فمتى وجد؛ طلقت]:

تقدم معنا أن من علق الطلاق بشرط، فإنه لا يقع الطلاق إلا بعد وقوع الشرط، وبينا أن هذا هو الأصل، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن اللسان العربي يقتضي هذا الحكم، وأنه لا يقع المشروط إلا بعد وقوع الشرط، وبناءً على ذلك شرع المصنف -رحمه الله- في تفصيل ما تقدم من أدوات الشروط فقال: (فإذا قال: إن قمت أو إذا، أو متى).

فإن قال لامرأته: إن قمت فأنت طالق، فبينه وبين الله عز وجل أنه إن قامت امرأته فإنها طالق عليه، وهذا يقتضي أنه متى وجدت صفة القيام فإنه يُحكم بوقوع الطلاق، كما لو طلقها منجزاً، فالله تعالى أعطاه أن يطلق زوجته، فاستوى في ذلك أن يطلقها بالتعليق، أو يطلقها بالتنجيز، فإن قال لها: إن قمت، فإذا وجدت صفة القيام؛ حكمنا بطلاقها، وهكذا إن قال: إن خرجت، أو قعدت، أو نحو ذلك من الصفات؛ فلا يقع الطلاق إلا بوجودها، وكذا إن قال: إذا قمت، وإذا خرجت، وإذا سكت، وإذا تكلمت؛ فأنت طالق، فإنه حينئذ متى وجد هذا الشرط، فإنه يقع المشروط وهو الطلاق.

قوله: (أو أي وقت) هذا راجع إلى الزمان، فإذا قال: أي وقت تكلمت فيه فأنت طالق، فإننا ننتظر إلى حين كلامها، فمتى ما تكلمت حكمنا بكونها طالقاً.

قوله: (أو من قامت) كأن تكون عنده نساء أكثر من واحدة، فيقول: من قامت منكن فهي طالقة، ومن تكلمت منكن فهي طالقة، فيختص الطلاق بالتي تكلمت، وحينئذ نتوقف حتى توجد هذه الصفة، فمن وجدت فيها هذه الصفة؛ حكمنا بطلاقها دون غيرها.

قوله: (أو كلما قمت فأنت طالق) كلما: تقتضي التكرار، وتختلف عن سابقتها من الأدوات بأنها توجب تكرار الطلاق بتكرار الصفة، ولكن هذا يختلف بحسب اختلاف النساء، فهناك فرق بين المرأة التي عقد عليها الرجل ولم يدخل عليها، وبين المرأة التي عقد عليها ودخل، فإن كانت المرأة قد عقد عليها ولم يدخل بها وقال لها: كلما قمت فأنت طالق، فإنها إذا قامت القيام الأول طلقت، وتصبح بائناً عن عصمته وتكون أجنبية، فلا يسري عليها الطلاق بعد ذلك ما دام أنها ليست في عصمته، فقوله: كلما قمت فأنت طالق يقتضي أن يتكرر الطلاق بتكرار الصفة، لكن إذا قال لها: إن قمت، إن قعدت، إذا قمت، أيتكن قامت، متى قمت، فإن هذه الأدوات لا تقتضي التكرار، فاختصت (كلما) بهذا الحكم، كلما قمت، وكلما تكلمت، وكلما دخلت، وكلما خرجت، فهذه كلها ألفاظ وشروط إذا وقعت مكررة وقع الطلاق مكرراً.

فإذا كانت المرأة غير مدخول بها فتبين بالطلقة الأولى، لكن إذا كانت مدخولاً بها، وقال لها: كلما تكلمت فأنت طالق، فتكلمت تطلق الطلقة الأولى، ثم تكلمت بعد ذلك تطلق الطلقة الثانية، ثم تتبعها الطلقة الثالثة؛ لأن الرجعية يتبعها الطلاق، وحكمها حكم الزوجة، فَفَرقٌ بين المرأة التي تكون في العصمة بعد الطلاق الأول وهي المدخول بها، والتي لا تكون في العصمة وهي غير المدخول بها.

قوله: (فمتى وُجِد طلقت)

أي: متى وجد هذا الشرط طلقت المرأة، وحُكم بطلاقها؛ وهذا مبني على الأصل الشرعي في كتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم: أن المشروط يقع بعد الشرط، وهذا معروف من لسان العرب، فإذا اشترط وقع المشروط بوقوع الشرط، وعلى هذا يقول المصنف: متى وُجد، يعني: متى وجدت هذه الصفات التي اشترطها الزوج؛ فإننا نحكم بطلاق امرأته.

تكرار الطلاق بتكرار المعلق عليه إذا كان بأداة (كلما)

قال-رحمه الله تعالى-:[وإن تكرر الشرط لم يتكرر الحنث إلا في كلما]

وإن تكرر الشرط لم يتكرر الحنث فيما تقدم من أدوات الشرط، فلو قال لها: إن تكلمت فأنت طالق؛ فإننا نطلق بأول كلام لها، ولو تكلمت بعد ذلك مرات فلا تطلق عليه؛ لأن (إن) لا تقتضي تكراراً، وكذلك إذا، ومتى، وأيتكن، فكلها تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط، دون نظر إلى تكرار، فالتكرار لا يستفاد إلا من (كلما) وهي وحدها تقتضي التكرار، فإذا اشترط بها، وقال: كلما خرجت من البيت فأنت طالق؛ فإنها تطلق كلما خرجت، لكن على التفصيل السابق إن كانت مدخولاً بها أو غير مدخول بها.

قال-رحمه الله تعالى-:[وإن تكرر الشرط لم يتكرر الحنث إلا في كلما]

وإن تكرر الشرط لم يتكرر الحنث فيما تقدم من أدوات الشرط، فلو قال لها: إن تكلمت فأنت طالق؛ فإننا نطلق بأول كلام لها، ولو تكلمت بعد ذلك مرات فلا تطلق عليه؛ لأن (إن) لا تقتضي تكراراً، وكذلك إذا، ومتى، وأيتكن، فكلها تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط، دون نظر إلى تكرار، فالتكرار لا يستفاد إلا من (كلما) وهي وحدها تقتضي التكرار، فإذا اشترط بها، وقال: كلما خرجت من البيت فأنت طالق؛ فإنها تطلق كلما خرجت، لكن على التفصيل السابق إن كانت مدخولاً بها أو غير مدخول بها.

قال المصنف رحمه الله: [وإن لم أطلقك فأنت طالق]

الشرط له حالتان:

الأولى: أن يكون بالإثبات: إن دخلت، إن خرجت، إن تكلمت، إن قمت، إن كتبت، إن قعدت، إن زرت أباك، إن ذهبت إلى أمك، ونحو ذلك، يعني: إذا وجدت هذه الصفات، وجد المشروط وهو الطلاق.

الثانية: أن يكون بالنفي: إن لم أطلقك، إن لم تقومي، إن لم تقعدي، إن لم تتكلمي، فهذا على النفي، والأول على الإثبات، فإذا قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، فهذا متعلق بالشرط المحض، ولا علاقة له بالزمان، فقد اشترط فيما بينه وبين الله أن زوجته إن لم يطلقها فإنها تطلق عليه، فنقول: إما أن يقع منه طلاق، فحينئذ ينحل التعليق، وهذا في حالة ما إذا قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق بالثلاث، عند من يرى أن الثلاث تقع بكلمة واحدة، فالأفضل أن يطلقها طلقة واحدة؛ لأنه قال: إن لم أطلقك فأنت طالق بالثلاث، فالواحدة؛ وهي التي اشترط انتفاءها لوقوع الثلاث أهون من وقوع الثلاث، أو يقول لها: إن لم أطلقك فأنت طالق طلقتين، فالطلقة أهون من الطلقتين، ولذلك إذا قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، فإن الشرط لم يتقيد بالزمان المعين، ولم يسند الشرط إلى الزمان ولا يقتضيه، ولا تقتضيه الأداة كإذا ونحوها من الأدوات، وبناءً على ذلك يقول العلماء في (إن) التي تتمحض بالشرطية: ننتظر إلى آخر حياة أولهما موتاً؛ لأنه يقول: إن لم أطلقك فأنت طالق، فبيني وبين الله أن طلاقك يقع إن لم يحصل مني طلاق، وهو إذا بقي مدة حياته ولم يطلقها، فإنها لا تطلق عليه، حتى يبقى قبل موته قدر زمان الطلاق فتطلق عليه؛ لأنه يتحقق حينئذ أنه لم يطلقها في حياته، وعلى هذا قالوا: ننظر إلى أسبقهما موتاً، إما أن تكون هي تموت قبله، أو هو يموت قبلها، فأسبقهما موتاً ننظر قبل موته بلحظات يمكن وقوع الطلقة فيها فإن لم يطلق فإنها تطلق عليه.

فقوله: إن لم أطلقك فأنت طالق، اشترط فيما بينه وبين الله تطليق امرأته بشرط أن لا يقع طلاق، وحينئذ ينبغي أن ننتظر إلى آخر حياة أولهما موتاً، سواء الرجل أو المرأة؛ لأن الزوجية في الحياة موقوفة على الموت، وأما سريان الأحكام بعد الموت فهذا يكون في بعض الأحيان لورود النصوص فيها، لكن من حيث قضية الطلاق للميت، فإن الميت لا يطلق، ولا يُطلق، وبناءً على ذلك قالوا في هذه المسألة: ننتظر إلى ما قبل الوفاة، سواء تعلقت الوفاة بمصدر الطلاق-وهو الرجل- أو تعلقت بمحل الطلاق-وهي المرأة- فننظر للاثنين؛ أيهما بقي من عمره قدر يصح أن يُطَلق فيه -إذا كان امرأة- أو يطلق فيه -إذا كان رجلاً- فإن مضى قدر ذلك الزمان وقع الطلاق.

مثال ذلك: قال لامرأته: إن لم أطلقك فأنت طالق، وسبقته بالوفاة، فننظر إلى ما قبل وفاتها بيسير، فحينئذ إن لم يطلقها، فإنها تطلق عليه بالشرط، وعلى هذا نقول: إن المرأة تطلق إذا سبقت بالوفاة بشرط أن يمضي أو يبقى من عمرها قدر الزمان الذي يمكن أن تُطَلق فيه، ولم يطلقها؛ لأنه يفوت الطلاق بفواته، إذا فات هذا الزمان-الذي هو قبل الوفاة بقدر التلفظ بالطلاق- فإن هذا القدر من الزمان يفوت الطلاق بفواته، فإذا فات الطلاق تحقق الشرط، إن لم أطلقك فأنت طالق، وبناء على ذلك قالوا: إنَّ (إنْ) ليست متعلقة بالزمان، وإنما تعلقت بمحض الشرطية، وكذلك بالنسبة للرجل لو أنه امتنع من طلاقها حياته كلها، حتى بقي قبل وفاته بزمان يسير، نظرنا: إن كان الزمن يسع لقدر الطلاق، ولم يتلفظ بالطلاق، وقع الطلاق بالتعليق، وعليه ننظر إلى أسبقهما موتاً؛ لأن الطلاق يفوت بفواته-أي بموته-، ونقدر الزمان قبل الوفاة، سواء كانت المرأة، أو كان الرجل.

تأثير النية في الطلاق المعلق بالشرط المحض

قال رحمه الله: [ولم ينو وقتاً] هذا الشرط، فقول الرجل: إن لم أطلقك فأنت طالق، له أحوال:

الحالة الأولى: أن يكون مطلقاً؛ يعني: قصد مطلق الشرطية- كما فصلنا فيما تقدم- يكون بمطلق الشرطية، فلا ينوي وقتاً، ولا تكون في الكلام قرينة تقتضي التخصيص، فحينئذ نقول: نبقى إلى آخر حياة أسبقهما موتاً بقدر زمان يمكن أن يقع فيه الطلاق-كما تقدم-.

الحالة الثانية: إذا نوى وقتاً في نفسه؛ بينه وبين الله قال: إن لم أطلقك -ويعني هذا اليوم، أو هذا الشهر، أو هذا العام-فأنت طالق، فبينه وبين الله يكون ما نواه، فإن نوى وقتاً أو زماناً؛ فهو ونيته؛ لأن الطلاق تعتبر فيه النيات، فإذا نوى فيما بينه وبين الله تعجيل الطلاق بزمان؛ في خلال هذا اليوم، أو خلال هذه الساعة، أو خلال هذا الأسبوع، أو الشهر، أو السنة، فإنه ونيته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات).

وقوع الطلاق المعلق بالشرط المحض عند وجود القرينة

قال رحمه الله: [ولم تقم قرينة بفور] إذا تلفظ بهذا الكلام، قد تكون هناك قرينة تدل على أنه أراد التعجيل، ولم يرد التأخير، مثلاً: رجل يقول لزوجته: سأطلقك اليوم، فإن لم أطلقك فأنت طالق، فإن قوله: سأطلقك اليوم، هذه جملة وعد فيها بالطلاق، ثم ركب جملة الشرط عليها فقال: فإن لم أطلقك فأنت طالق، ننتظر اليوم، حتى إذا بقي قبل غروب الشمس بقدر ما تطلق فيه المرأة، ولم يطلقها، وقع عليها الطلاق، فحينئذ نقول: الأصل في (إن): أنها تمحضت للشرط، ولا تتعلق بالزمان، كإذا، ومتى، وأي وقت، ونحوها.

وبناءً عليه: إذا كانت متعلقة بمحضية الشرطية ننتظر إلى آخر حياة أسبقهما موتاً على التفصيل الذي ذكرناه، ما لم ينو التعجيل-فهذه حالة تستثنى- أو تقوم قرينة على إرادة التعجيل، كقوله: سأطلقك الساعة، فإن لم أطلقك فأنت طالق، سأطلقك اليوم، فإن لم أطلقك فأنت طالق، سأطلقك هذا الأسبوع، فإن لم أطلقك فأنت طالق، فإن جملة الشرط ركبت على ما قبلها فأصبحت مقيدة، وقامت القرينة على أنه أراد التعجيل، ولم يرد محض الشرطية.

قال رحمه الله: [ولم يطلقها] يعني: حصل الشرط، ننتظر إلى آخر حياة أسبقهما موتاً.

قال رحمه الله: [طلقت في آخر حياة أولهما موتاً]

لماذا يقول: آخر حياة أولهما موتاً؟ لأن عندنا في الطلاق: المصدر والمحل، المصدر: هو الزوج، الذي يملك التطليق، والذي خول له الشرع أن يطلق زوجته منجزاً ومعلقاً، يقول: إن لم أطلقك، فالطلاق يقع منه هو. ويتعلق بالمرأة فحينئذ إما أن يفوت المصدر، أو يفوت المحل وهي الزوجة. فقوله: إن لم أطلقك، الطلاق لا يتعلق بنيته، والطلاق لا يدخله النية، فحينئذ بينه وبين الله أنه إذا لم يطلق فهي طالق، فنعطيه المهلة إلى آخر حياته، بحيث يبقى من عمره على قدر الطلاق، ولم يطلق، فتطلق عليه؛ لأن الشرط بينه وبين الله أنه إذا لم يطلق طلقت عليه امرأته، وأما إذا ماتت هي قبله فإنه يفوت الطلاق بفواتها، فكما أن الطلاق يفوت بفوات المصدر، كذلك يفوت بفوات المحل، فإذا كان يفوت بفوات المصدر، أو فوات المحل، ننظر إلى أسبقهما موتاً؛ لأن الطلاق يفوت بموت أحدهما بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، وعلى هذا قالوا: ننظر إلى أسبقهما موتاً، فإذا بقي من عمره على قدر الطلاق، فإننا نطلق المرأة بفوات هذا الزمان؛ لأن الشرط يقع بذلك.

قال رحمه الله: [ولم ينو وقتاً] هذا الشرط، فقول الرجل: إن لم أطلقك فأنت طالق، له أحوال:

الحالة الأولى: أن يكون مطلقاً؛ يعني: قصد مطلق الشرطية- كما فصلنا فيما تقدم- يكون بمطلق الشرطية، فلا ينوي وقتاً، ولا تكون في الكلام قرينة تقتضي التخصيص، فحينئذ نقول: نبقى إلى آخر حياة أسبقهما موتاً بقدر زمان يمكن أن يقع فيه الطلاق-كما تقدم-.

الحالة الثانية: إذا نوى وقتاً في نفسه؛ بينه وبين الله قال: إن لم أطلقك -ويعني هذا اليوم، أو هذا الشهر، أو هذا العام-فأنت طالق، فبينه وبين الله يكون ما نواه، فإن نوى وقتاً أو زماناً؛ فهو ونيته؛ لأن الطلاق تعتبر فيه النيات، فإذا نوى فيما بينه وبين الله تعجيل الطلاق بزمان؛ في خلال هذا اليوم، أو خلال هذه الساعة، أو خلال هذا الأسبوع، أو الشهر، أو السنة، فإنه ونيته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات).

قال رحمه الله: [ولم تقم قرينة بفور] إذا تلفظ بهذا الكلام، قد تكون هناك قرينة تدل على أنه أراد التعجيل، ولم يرد التأخير، مثلاً: رجل يقول لزوجته: سأطلقك اليوم، فإن لم أطلقك فأنت طالق، فإن قوله: سأطلقك اليوم، هذه جملة وعد فيها بالطلاق، ثم ركب جملة الشرط عليها فقال: فإن لم أطلقك فأنت طالق، ننتظر اليوم، حتى إذا بقي قبل غروب الشمس بقدر ما تطلق فيه المرأة، ولم يطلقها، وقع عليها الطلاق، فحينئذ نقول: الأصل في (إن): أنها تمحضت للشرط، ولا تتعلق بالزمان، كإذا، ومتى، وأي وقت، ونحوها.

وبناءً عليه: إذا كانت متعلقة بمحضية الشرطية ننتظر إلى آخر حياة أسبقهما موتاً على التفصيل الذي ذكرناه، ما لم ينو التعجيل-فهذه حالة تستثنى- أو تقوم قرينة على إرادة التعجيل، كقوله: سأطلقك الساعة، فإن لم أطلقك فأنت طالق، سأطلقك اليوم، فإن لم أطلقك فأنت طالق، سأطلقك هذا الأسبوع، فإن لم أطلقك فأنت طالق، فإن جملة الشرط ركبت على ما قبلها فأصبحت مقيدة، وقامت القرينة على أنه أراد التعجيل، ولم يرد محض الشرطية.

قال رحمه الله: [ولم يطلقها] يعني: حصل الشرط، ننتظر إلى آخر حياة أسبقهما موتاً.

قال رحمه الله: [طلقت في آخر حياة أولهما موتاً]

لماذا يقول: آخر حياة أولهما موتاً؟ لأن عندنا في الطلاق: المصدر والمحل، المصدر: هو الزوج، الذي يملك التطليق، والذي خول له الشرع أن يطلق زوجته منجزاً ومعلقاً، يقول: إن لم أطلقك، فالطلاق يقع منه هو. ويتعلق بالمرأة فحينئذ إما أن يفوت المصدر، أو يفوت المحل وهي الزوجة. فقوله: إن لم أطلقك، الطلاق لا يتعلق بنيته، والطلاق لا يدخله النية، فحينئذ بينه وبين الله أنه إذا لم يطلق فهي طالق، فنعطيه المهلة إلى آخر حياته، بحيث يبقى من عمره على قدر الطلاق، ولم يطلق، فتطلق عليه؛ لأن الشرط بينه وبين الله أنه إذا لم يطلق طلقت عليه امرأته، وأما إذا ماتت هي قبله فإنه يفوت الطلاق بفواتها، فكما أن الطلاق يفوت بفوات المصدر، كذلك يفوت بفوات المحل، فإذا كان يفوت بفوات المصدر، أو فوات المحل، ننظر إلى أسبقهما موتاً؛ لأن الطلاق يفوت بموت أحدهما بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، وعلى هذا قالوا: ننظر إلى أسبقهما موتاً، فإذا بقي من عمره على قدر الطلاق، فإننا نطلق المرأة بفوات هذا الزمان؛ لأن الشرط يقع بذلك.

قال-رحمه الله-:[ومتى لم، أو إذ لم، أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق، ومضى زمن يمكن إيقاعه فيه ولم يفعل طلقت]

قوله: (ومتى لم(

متى: هذا للزمان، متى لم أطلقك فأنت طالق، معنى ذلك: أنه بمجرد ما يتكلم نعطيه فرصة هي قدر الطلاق، بحيث لو فاتت فقد مضى زمان لم يطلق فيه فهي طالق، بخلاف الأداة الأولى (إن) فإنها تمحضت بالشرطية، ولا تتعلق بالزمان، وعلى هذا جمهرة النحاة أنها لا تتعلق بالزمان من حيث الأصل، لكن (متى) متعلقة بالزمان، فبينه وبين الله: متى لم أطلقك، يعني: إذا مضى زمن يسع للطلاق ولم أطلقك فأنت طالق، وعلى هذا فإننا ننظر بمجرد تلفظه بالطلاق، فإذا مضى بعد هذا اللفظ قدر يمكن فيه الطلاق ولم يطلق طلقت عليه.

قوله: (أو إذا لم(

اختلف في (إذا) فبعض العلماء يقرن (إذا) بإن، ويرى أنها تبقى إلى آخر الحياة، بحيث لو قال لها: إذا لم أطلقك فأنت طالق، ننتظر إلى آخر حياة أسبقهما موتاً، وكأن (إذا) فيها شبهة الشرطية، وإن كانت تتعلق بالزمان أيضاً؛ إذا جاءك زيد، أو إذا جاءك عمرو، أو إذا جاءت القيامة، كل هذه تتعلق بالزمان، فالمراد بها الوقت والزمان، إذا جاء عمرو، أي: وقت مجيء عمرو، وإذا قام زيد، أي: وقت قيام زيد، فإذا لم أطلقك فأنت طالق، فقد أسند النفي إلى الزمان، فإن مضى زمان بعد تلفظه بهذه الكلمة ولم يطلقها طلقت عليه، سواء استغرق دقيقة أو أقل، وهذا على ما اختاره المصنف؛ أنّ: إذا، ومتى، وأي وقت، كلها تتعلق بالزمان.

قوله: (أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق)

(أي) من صيغ العموم؛ عممت الزمان، أي: فأي وقت لم أطلقك فيه فأنت طالق فيما بيني وبين الله، فننظر: إن مضى بعد كلامه وقت يمكن أن يقع فيه الطلاق؛ فإنه داخل في عموم قوله: أي وقت، فيقع الطلاق في خلال هذه الظرفية، وهذا الوقت، إذا لم يكن قد طلقها فيه.

قوله: (ومضى زمن يمكن إيقاعه فيه، ولم يفعل طلقت)

أي: في هذه الصيغ التي تقدمت، والأدوات التي ذكرت: إذا، متى، أي وقت، إذا مضى زمن ولم يقع الطلاق، طلقت المرأة.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3708 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3624 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3446 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3379 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3345 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3323 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3277 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3233 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3188 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3173 استماع