أرشيف المقالات

تحريم بيع الغرر

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
تحريم بيع الغرر
 
التعريف: الغرر في اللغة: الخطر، والتغرير: التعريض للهلاك، وأصل الغرر لغة: هو ماله ظاهر محبوب، وباطن مكروه، ولذلك سُميت الدنيا متاع الغرور.
 
الغرر هو الخطر، ومنه سُمي الشيطان بالغرور؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33]، ويطلق على: الغفلة، ومنه قولهم: صبَّحهم الجيش وهم غارون؛ أي: غافلون، ويطلق أيضًا على: مجهول العاقبة، أو المعرض للهلاك، ومنه: حبل غرر: غير موثوق به، وقيل: هو ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول.
 
وفي الاصطلاح عرفه ابن تيمية بقوله: (والغرر هو المجهول العاقبة).
الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وبيع الحصاة[1].
وجه الدلالة: نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر والحصاة يقتضي تحريمهما.
 
قال الصنعاني[2]: يتحقق بيع الغرر في صور: إما بعدم القدرة على التسليم كبيع الفرس النافر والجمل الشارد، أو بكونه معدومًا أو مجهولًا، أو لا يتم ملك البائع له، كالسمك في الماء الكثير، وغيرها من الصور[3].
 
وقال ابن حزم: الغرر ما لا يدري المشتري ما اشترى، أو البائع ما باع[4].
 
وعليه فإنه لا بد من المعرفة التامة ورفع الجهالة في كل صور البيع، وإلا فإن البيع لا يكون شرعيًّا ولا مباحًا.

 
وخلاصة تعريفات أهل العلم أن بيع الغرر: هو البيع الذي يتضمن خطرًا يلحق أحد المتعاقدين، فيؤدي إلى ضياع ماله[5].
 
حكم بيع الغرر:
قال الإمام النووي: النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدًّا.
 
ويستثنى من بيع الغرر أمران:
أحدهما: ما يدخل في المبيع تبعًا، بحيث لو أفرد، لم يصح بيعه كبيع أساس البناء تبعًا للبناء، واللبن في الضرع تبعًا للدابة.
 
والثاني: ما يتسامح بمثله عادة، إما لحقارته، أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه، كدخول الحمام بالأجر، مع اختلاف الناس في الزمان، ومقدار الماء المستعمل، وكالشرب من الماء المحرز، وكالجبة المحشوة قطنًا[6].
 
وقد اتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الغرر، مثل بيع اللبن في الضرع، والصوف على الظهر، واللؤلؤ في الصدف، والحمل في البطن، والسمك في الماء، والطير في الهواء قبل صيدهما، وبيع مال الغير على أن يشتريه فيسلمه، أي بيع ما سيملكه قبل ملكه له؛ لأن البائع باع ما ليس بمملوك له في الحال، سواء أكان السمك في البحر، أم في النهر، أم في حظيرة لا يؤخذ منها إلا باصطياد، وسواء أكان الغرر في المبيع أم في الثمن[7].
 
وقال النووي رحمه الله تعالى: أما النهى عن بيع الغرر، فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، كبيع الآبق (الهارب من سيده) والمعدوم والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمل في البطن، وبيع بعض الصبرة مبهمًا (الطعام المجتمع)، وبيع ثوب من أثواب، وشاة من شياه (غير المحدد)، ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل؛ لأنه غرر من غير حاجة، وقد يحتمل بعض الغرر بيعًا إذا دعت إليه حاجة كالجهل بأساس الدار، وكما إذا باع الشاة الحامل، والتي في ضرعها لبن، فإنه يصح للبيع؛ لأن الأساس تابع للظاهر من الدار، ولأن الحاجة تدعو إليه، فإنه لا يمكن رؤيته، وكذا القول في حمل الشاة ولبنها، واعلم أن بيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع حبل الحبلة، وبيع الحصاة، وعسب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في النهي عن بيع الغرر، ولكن أفردت بالذكر، ونُهِي عنها لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة، والله أعلم؛ انتهى باختصار[8].
 
وخلاصة حكم بيع الغرر: أنه بيع يدخله التغرير والخديعة والمكر والكذب، ولا شك أن كل ذلك منهي عنه في ديننا وهو محرَّم، وهو أكل لأموال الناس بالباطل.




[1] أخرجه مسلم كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، (ج5/3 )، رقم الحديث (1513).


[2] هو محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير، له نحو مائة مؤلف، ذكر صديق حسن خان أن أكثرها عنده (في الهند)، وُلِدَ بمدينة كحلان، ونشأ وتوفي بصنعاء؛ من كتبه (توضيح الأفكار، شرح تنقيح الأنظار، سبل السلام، شرح بلوغ المرام من أدلة الاحكام لابن حجر العسقلاني - ط)، و(منحة الغفار) وتوفي 1182هـ؛ الإعلام للزركلي، 6 /38.


[3] سبل السلام للصنعاني: (3 /15).


[4] المحلى لابن حزم، دار الكتب العلمية، تحقيق عبدالغفار البنداري: (396/8).


[5] نظرات في أصول البيوع الممنوعة؛ لعبدالسميع محمد إمام مجلة الوعي الإسلامي بالكويت، ص (130).


[6] المجموع للنووي ( 9 /280 وما بعدها).


[7] الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: 5/ 94، وما بعدها.


[8] شرح صحيح مسلم للنووي (5/144 ).

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير