مقدمة حول قاعدة: المشقة تجلب التيسير
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
مقدمة حول قاعدةالمشقة تجلب التيسير
من المبادئ العامة المقطوع بها في الإسلام: مبدأ اليُسر والتسهيل، والتسامح والاعتدال، ورفع الحرج والمشقة في الأحكام الشرعية، سواء أكان الحكم منصوصًا عليه صراحة في الشريعة، أم مستنبطًا بواسطة الفقهاء والمجتهدين[1].
والسماحة سهولة المعاملة في اعتدال؛ فهي وسط بين التضييق والتساهل، وهي راجعة إلى معنى العدل والتوسط، وبذلك تميزت الشريعة الإسلامية عن بقية الشرائع السماوية، التي شرع الله فيها من الأحكام الشاقة ما يتناسب مع أوضاع الأمم السابقة؛ مثل: اشتراط قتل النفس للتوبة من العصيان، والتخلص من الخطيئة؛ قال تعالى: ﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ ﴾ [البقرة: 54].
ونطاق السماحة والتيسير في الإسلام لا يقتصر على شؤون العبادة، وإنما يتسع لكل أحكام الإسلام؛ من معاملات مدنية، وتصرفات شخصية، وعقوبات جزائية، وتشريعات قضائية، ونحوها، ويظهر ذلك جليًّا من خلال تتبُّع نصوص قواعد الشريعة، وارتباطها بالمقاصد الشرعية، التي تدور حول جلب المنفعة ودرء المفسدة[2].
يقول ابن عاشور في حكمة السماحة:
(إن حكمة السماحة في الشريعة أن الله جعل هذه الشريعة دينَ الفطرة، وأمور الفطرة راجعة إلى الجِبلَّة؛ فهي كائنة في النفوس، سهل عليها قبولها، ومن الفطرة النفور من الشدة والإعنات)[3].
وسماحة الشريعة ترتبط بمبدأ العدل الذي قرره القرآن الكريم، وبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونذر حياته لتحقيقه في عالم الواقع، وفي ذلك يقول ابن القيم: (إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم، ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن دخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدلُ الله بين عباده، ورحمته بين خَلْقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها)[4].
وقاعدة (المشقة تجلب التيسير)، ترتبط بهذا المقصد الشرعي العام، وسأبحثها في المطالب التالية:
1- الأول: معنى القاعدة، وأدلتها الشرعية.
2- الثاني: صلة القاعدة بمقاصد الشريعة.
3- الثالث: الرخص في التكاليف الشرعية، كتطبيق لهذه القاعدة.
4- الرابع: القواعد المتفرعة عنها.
فإلى لقاء مع أولى حلقات هذه المطالب..
[1] أ.د.
وهبة الزحيلي، نظرية الضرورة الشرعية، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت (1979م)، (ص 38).
[2] أ.د.
عبدالكريم زيدان، حالة الضرورة في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، بيروت: (ص 5).
[3] محمد الطاهر ابن عاشور، مقاصد الشريعة، الطبعة الأولى، الشركة التونسية للتوزيع، تونس 1978: (ص 61).
[4] ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، دار الجيل، بيروت: (ج3، ص 3).