كيفية التعامل مع الفتن - عبد الرحمن بن صالح المحمود
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.موضوعنا حول (تعامل طالب العلم مع الفتن والنوازل):
الفتن: معروفة ولا حاجة إلى الكلام حولها.
تعريف النوازل:
والنوازل المقصود بها الأمور الكبار التي تنزل بالأمة، وقورنت بالفتن لأن النوازل الكبار يقع فيها الاختلاف بين العلماء وبين الناس ويكثر الخوض فيها ومن هنا لما وقعت الفتن على المسلمين في بلاد الأندلس وهي في بلاد المغرب أكثر منها في بلاد المشرق وأشد، كبرت النوازل عندهم، وصار تعبير علمائهم بعبارة النوازل بدل الفتاوى ، لأن النازلة كأنها حادثة كبيرة وليست مسألة من المسائل التي تحتاج إلى جواب وإنما هي نازلة ومعناها أنها تحتاج إلى علماء وإلى اجتهاد وإلى نظر وإلى تدبر وعدم استعجال معها إلى آخره.
ولا شك أن النوازل التي وقعت على أمة الإسلام في الأندلس لاشك أنها نوازل عظيمة جدًا، وإن كانت أيضًا النوازل الأخرى نزلت على المسلمين أيضًا في شتى أقطار الأرض.
كيفية التعامل مع الفتن والنوازل
القضية الأولى: أن الفتن تكون بالخير والشر.
أحب أن أنبه إلى أن الابتلاء والامتحان سنة ربانية لا يخرج منها أحد {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35].
وبعض الناس يظن أن الفتن خاصة بالشر، فإذا نزل بالمسلمين أو بأي أمة من الأمم نازلة أو بلاء ومصيبة ونحو ذلك، ظن أن هذه هي الفتنة وهذه هي البلية التي أصابتهم، بينما الأمة التي لم يصيبها هذا وإنما أصابها نوع آخر من الابتلاء، ومن الفتنة هو الابتلاء بالرخاء وكثرة الخير، وبالإمهال اختلط عليه الأمر وظن أن الفتنة عند أولئك، وهو بالنسبة له ولمن حوله ليس عندهم فتنة وهذا خطأ، لأنه أحيانًا تكون الفتنة في الرخاء أشد منها في البلاء، ومن عرف التاريخ وحياة السلف الصالح رحمهم الله تعالى وجد أنهم أدركوا هذه الحقيقة العظيمة، وهو أنهم يبتلون بالخير وبالشر، ولكن يقولون وجدنا أن صبرنا على الرخاء يحتاج منا إلى جهد أشد من صبرنا على الشدة، والأمر إذا عرف على هذا الوجه فإن طالب العلم ينبغي أن يتعامل بخاصة نفسه ومن حوله مع الفتن بهذه النظرة العامة الشاملة، التي تجعل الإنسان يتدبر حال من حوله، وكيف يتعامل مع واقعه، من خلال أن الفتنة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر، بل إن الفتنة في الخير هي التي تصحبها الغفلة ، وأحيانًا الأعراض وأحيانًا السهو والنسيان الذي يؤدي بالإنسان إلى التمادي في التقصير والمخالفات ونحو ذلك، وإذا تبين هذا فينبغي أن تكون نظرة المسلم إلى الواقع الذي يعيشه اليوم نظرة فاحصة وليست نظرة أولئك الأنعام الذين يرون أنه إذا وجد الأكل والشرب فهم في خير ونعمة، وإذا لم يجد الأكل أو الشرب هذه هي الفتنة والبلية، هذه طريقة العامة طريقة الذين لا يفقهون، طريقة الذين لا يعلمون، لكن طالب العلم هو الذي يغوص في معرفة حقائق الأمور، ويدرك أن المجتمع إذا أصابه الرخاء فربما كان مفتونًا أشد من ذلك المجتمع الذي تصيبه الشدة.
القضية الثانية: فتنة غلبت الكفار:
وهي تلك الفتنة التي أحاطت بالأمة، ما أشهر مظاهرها، أظهر علاماتها غلبت الكفار وضعف المسلمين، قوة الكفار واجتماعهم على الضلالة وتفرق المسلمين، ولا شك أن هذه الفتنة هي من أعظم الفتن التي يعيشها المسلمين هذه الأيام، كيف تكون فتنة؟ قال نعم تكون فتنة لأنه يرى دينه هو الدين الحق، ومنهجه هو المنهج الحق، ثم يرى هذا الحال من ضعف المسلمين وتفوق الكافرين، يرى هذه الحالة العجيبة التي تحيط بالأمة فتكاد تفتنه عن دينه وتصرفه عن منهاج ربه سبحانه وتعالى، هذه الفتنة الواقعة كيف نواجهها؟ اختلطت فيها الأمور ووضعنا الكفوف بعضها على بعض، وجاءتنا الشكوك، وتذكرك بتلك المقولة التي ذكرها الله تعالى في كتابه: {قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا} [آل عمران من الآية:165]، فكيف يكون هذا؟، هذه الفتنة الكبرى التي هي جزء من امتحان رباني، يتعامل المسلم معها من خلال منهجين بسيطين.
الأمر الأول: عدم اتهام الدين:
أن يوقن أن دين الله تعالى لا يتغير ولن يتغير، وأن هذا الدين كما هو عليه لم يتغير، ونقصد بذاك أنه مهما أحاط بالمسلمين من ضعف أو هزيمة أو غير ذلك من الأمور التي يأسى لها قلب المسلم، فعليه ألا يتطرق الشك إلى أي شيء من دينه وأصله.
نعم قد تنظر نظرة إلى حال المسلمين وضعفهم، قد تتهم المسلمين بالتقصير وكذا إلى آخره، لكن احذر كل الحذر أن تتهم الدين الذي ترجع إليه، احذر كل الحذر أن يصل الأمر إلى الدين، أخطر فتنة تمر على الإنسان في مثل هذه الأحوال التي ذكرناها أوأن تتجه التهمة إلى الدين، الإنسان المستبصر الذي يعرف الأمور بشكلها الصحيح يتهم نفسه بالتقصير، ينظر إلى المعاصي، يرى العقوبات الربانية فينظر إلى فعل الأمة وتصرفاتها، ولكنه لا يمكن أن يتجه إلى اتهام الدين إذا سلم المسلم، وإذا سلم طالب العلم من هذه القضية فهي بداية النظرة الصحيحة، أخطر ما يمر على الإنسان في هذا الموضع أن يبدأ يشك في دينه ومنهجه، إما يشك في دين الإسلام مثلاً، أو يشك في منهج أهل السنة والجماعة خصوصاً، فإذا وصل به الأمر إلى هذه الحالة فليعلم علم اليقين أنها بداية الحيرة والشك، ودخول في وسط الفتنة، نسأل الله السلامة والعافية، أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أصابتهم الفتن والشدة مع أن قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن الصحابة ، كان قائد المنهج الدعوي هو محمد صلى الله عليه وسلم، من شك فيه فقد كفر، ومع هذا وصلت الشدة بالمسلمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يذكره الله عز وجل في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].
ومع هذا ما تطرق الشك إلى دينهم أبداً، نحن في عالم اليوم عالم الصراع الضخم، هذه الفتنة الكبرى وهذه الطامة العظمى التي تحيط بعالم اليوم ينبغي أن ننطلق من خلالها، أن نور الإسلام وحق الإسلام، وصحة هذا الدين لم يتغير ولن يتغير أبدا، هذا هو الأساس الأول الذي ينطلق منه المسلم بالنسبة لهذه الفتنة التي هي الطامة الكبرى التي ترد علينا هذه الأيام.
الأمر الثاني: سنة المداولة:
فيما يتعلق بفتنة غلبت الكفار وضعف المسلمين، ينبغي للمسلم فيها أن ينظر إلى سنة الله عز وجل في كتابه وإلى سنة رب العالمين سبحانه وتعالى فيما جرى مع أنبياءه ورسله، ومع نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك، ما هي سنة الله عز وجل؟ سنه الله عز وجل هي المداولة، لكن العاقبة للمتقين، من لم ينظر بهذه النظرة فلا بد أن يختل عنده التعامل مع الفتن الواقعة.
مثلاً: بعض الناس اليوم يظن أن الإسلام لن ينتصر في يوم من الأيام، بعضهم ينظر اليوم إلى أن الغرب هو المسيطر ويبقى هو المسيطر ما بقي الزمن، هذه كلها نظرات تخالف ما هو منصوص عليه في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما هو منصوص عليه في كتاب الله سبحانه وتعالى، بل يقول الواحد منكم وهل هناك من ينظر بذلك؟ نقول نعم هناك من ينظر بهذه النظرة العجيبة التي تتحدث عن أن الواقع المعاصر من خلال آلياته وتقنياته واختراعاته وفتنه كلها، أن هذا شيء يلازم ضعف المسلمين وغلبت الكفار للأبد، ونحن نقول كلا، احذر من هذا، نقول إذا قلت وآمنت وصدقت بهذا، في أن سنة الله عز وجل بالمداولة، وأن الله سبحانه ينصر عباده المتقين، بدأت تسلك الطريق الصحيح، هذه الفتنة اليوم هي من أعظم الفتن، وهذه النازلة الكبرى بالأمة الإسلامية هي من أعظم النوازل، لما هجم التتار على المسلمين واكتسحوا بلاد العراق، واتجهوا إلى بلاد الشام ، نشأت عند بعض المسلمين هذه الفكرة الناشئة الآن، هذا الكلام قبل سبعمائة سنه كما يذكر العلماء رحمهم الله تعالى، قال قائلهم لن تقوم للإسلام قائمة؟ هذه النظرة في ذلك الزمن أمام هجوم الكفار، لكن العلماء المبصرين المستبصرين بنور الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قالوا: بكل وضوح وصراحة لا، كيف يكون هذا، وواجهوا التتار وصدوهم، وما هي إلا فترة يسيرة وإذا بالتتار ينغمسون في المجتمع المسلم، فلا يبقى لمبادئهم شيء، إنه التعامل مع الفتن عند غلبة الكفار بمنهج الإسلام، لو تعاملنا مع فتنة الغرب اليوم وسطوة الكفار بهذين الأمرين لخطونا خطوات، ولسرنا في الطريق، ولهذا لما رأى أعداء الله عز وجل هذه الحالة المخيمة على المسلمين، بدؤوا يتحدونهم، ما معنى أن يهان المصحف في غوانتناموا؟ ثم يهان المصحف في سجون دولة اليهود .
المصحف نعم قد يهان لكن طريقة إخراج الإهانة هذه طريقة مدروسة، يعني ليست غلطة جندي غضب ثم بعد ذلك تسرب الأمر كما يظن البعض لا, هذه من باب الإذلال، يعني من باب الصفعات للمسلمين، كأنه يقول لكل مسلم ها نحن نهينك في أقدس مقدساتك وهو كتاب الله الكريم، كلام الله سبحانه وتعالى، نهينك ونعلن ذلك أمام العالمين، ولا نحاكم جنودنا وها نحن نتبجح بذلك، وصل الأمر بالأمة إلى مثل هذه الحالة، ومع ذلك كانت غضبة لبعض المسلمين سالت دماء في سبيله، في أفغانستان من أقصاها إلى أقصاها مات أناس في سبيل الله، في سبيل الدفاع عن القرآن
والغيرة على تدنيس هذا القرآن الكريم ، ومن هنا نزلت فتنة أعظم من هذه الفتنة، أن يداس القرآن الكريم ثم يبقى كثيرًا من المسلمين جامدًا ساكتًا، وكأنه لم يحدث أي شيء، والله إنها لحالة من الفتن، والله لا تكاد تتصور.