عندما يهدد رجل الدين المسؤولين بالقتل !! - ملفات متنوعة
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
لمصداقية في العمل الإعلامي لا تأتي صدفة ولا خبط عشواء ولا بضربة حظ، وإنما هي تراكم مواقف تعطي الانطباع لدى القارئ أو المشاهد أو المستمع تحمله على الثقة بالكاتب أو الصحفي أو الإعلامي وتبعث في نفسه مشاعر الاطمئنان إلى جدية مواقفه حتى ولو خالفه في بعض المواقف أو الأمور، حتى ولو اعتقد أنه أخطأ في موقف أو أكثر، لكنه يكون لديه رصيد كاف من الأمانة والمصداقية يسمح له بأن يثق فيه المتلقي رغم مساحة الخلاف أو تقدير الخطأ .والإعلام المصري الخاص بشكل أساس، صحافة وفضائيات، متهم بضعف المصداقية في الموقف الإعلامي فيما يتعلق بأي إشكال يحدث بين طرفي الأمة، المسلمين والأقباط، وهناك انطباعات واضحة واتهامات متكررة بأن الفضائيات الخاصة والصحف الخاصة تتخذ مواقف غير محايدة وغير أمينة في أي مشكلة طائفية وتنحاز فيها ضد المواطن المسلم بشكل تلقائي، وقبل أي تحقق أو تحقيق أو تأمل في الوقائع المسلم متهم حتى يثبت براءته في الإعلام الخاص، وهي سلسلة متكررة في المواقف الإعلامية أعطت رسوخا لهذا الانطباع، وبالتالي أفرزت مواقف سلبية عند ملايين المسلمين تجاه هذه الفضائيات التي يسمونها "فضائيات الفتنة " أو فضائيات المال الطائفي، وكذلك الصحف، ربما لأن المال القبطي يساهم بنسبة كبيرة في العديد من الصحف اليومية المعروفة والفضائيات أيضا، وآخرون يراعون "مشاعر" المعلن خاصة وأن أكثر من أربعين في المائة من إقتصاديات البلد يملكها مواطنون أقباط وبيدهم كعكعة إعلانات بالملايين، إضافة إلى أن بعض الإعلاميين له موقف فكري وأيديولوجي مخاصم للتيار الإسلامي، فيتخذ الانحياز إلى الأقباط خنجرا يصفي به حساباته مع الإسلام نفسه وليس مع التيار الإسلامي، وغيرهم ممن يعانون عقدة الظهور بمظهر المثقف المستنير والحداثي والمتجاوز للطائفية، فيظلم الطرف المسلم ليبدو في صورة "الشجاع" الذي يهاجم الأغلبية لصالح الأقلية ويثبت بذلك أنه مستنير.
وواقعة مضيفة قرية "المريناب" أحدث معالم هذه الأزمة التي يعاني منها الإعلام الخاص، وقد عرضت في المقال السابق كيف أن الفضائيات الخاصة وجهت الاتهام والشجب للطرف المسلم دون أي تحقيق أو أدلة أو وثائق، مجرد أن سمعوا بالهوجة قرروا نشر خطة الهجوم التقليدية والمتكررة والمعدة سلفا على المسلمين وتطرفهم وعدوانيتهم تجاه دور العبادة، وقرروا جميعا أن ما حدث كان تجاه كنيسة، حتى قبل أن يتأكدوا أو يتحققوا إن كانت هناك كنيسة أم محل بقالة، الكل قرر إدانة الطرف المسلم وأصدر أحكامه الباتة وبالتالي كان المتبقى هو الدعوة إلى فرض العقوبة المناسبة على هؤلاء المعتدين!!
وخلال اليومين الماضيين انتشر على شبكة الانترنت على نطاق واسع شريط فيديو لأحد رجال الدين الأقباط المعروفين، بالصوت والصورة، وهو يقود مظاهرة في وسط القاهرة ويهدد فيها مسؤلا مصريا بارزا ـ محافظ أسوان ـ بالقتل، مؤكدا أنه إذا لم يستقل من منصبه سيموت موتة بشعة خلال ثمان وأربعين ساعة، وهو كلام في غاية الخطورة، ومن المستحيل أن يمر في أي بلد فيه قانون أو فيه شيء اسمه "دولة"، ولو صدر هذا التصريح في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو غيرها لتم إلقاء القبض على قائله فورا وقدم إلى المحاكمة أيا كانت صفته، وأذكر أن الناشط السياسي ممدوح حمزة إعتقل في بريطانيا عدة أشهر وقدم للمحاكمة لأن بعض الاتصالات التي سجلت له كان فيها ما يفهم منه أنه يهدد وزير الإسكان المصري السابق بالقتل، كما أذكر أيضا أن هناك هوجة فضائية وقانونية وسياسية حدثت في مصر في أيام مشكلة كنيسة إمبابة عندما نشر فيديو لداعية إسلامي هدد فيه بالهجوم على كنائس إمبابة إذا لم يفرجوا عن المواطنة القبطية التي أسلمت وقيل أنها خطفت هناك.
وأذكر أن الزميل "يسري فودة" عقد حلقة كاملة أو جزءا كبيرا من حلقته في برنامجه بقناة الملياردير القبطي نجيب ساويرس من أجل لقطات فيديو قال أنها تدين رجال دين مسلمين، فهل سيمتلك يسري فودة الشجاعة ذاتها لكي يعقد حلقة كاملة في برنامجه أو نصف حلقة أو ربعها لكي يعرض فيها ذلك الشريط الخطير الذي ينتشر الآن على شبكة الانترنت يتوعد فيه رجل دين مسيحي كبير محافظ أسوان بالقتل الشنيع خلال ثماني وأربعين ساعة إذا لم ينفذ له مطالبه، هل سيشرب "يسري" حليب السباع كما شربه قبل عدة أشهر؟ أم أنه سوف يراعي خاطر "صاحب المحل" عملا بالقول الشعبي المأثور: أكل العيش مر؟ وهل سيمتلك الأبطال الشجعان المستنيرون من معدي ومقدمي البرامج في الحياة ودريم والمحور وغيرها مما يمتلئ به فضاء مصر السخي هذه الأيام؟ هل سيمتلكون الجرأة على نشر الشريط وعقد حوارات لمناقشته والموقف القانوني والسياسي والديني منه؟ وهل سيطالبون القيادة الكنسية بالاعتذار عما ورد فيه مثلما فعل الأزهر من قبل؟ وهل سيطالبون السلطات الرسمية بالتحقيق مع قائله؟
ما فعله وقاله رجل الدين هذا تطرف وإرهاب لا شك فيه، وعمليات تهييج للفتنة ومحاولة لاستدراج الوطن إلى مستنقع الطائفية، وكان واضحا حالة الهوس التي يقود بها المظاهرة والعبارات المشينة التي صدرت فيها، وهو يتوعد ويهدد الجميع، المحافظين والدولة والمجلس العسكري، وتلك إساءة إلى صورة الأقباط قبل أن تكون إساءة إلى الوطن كله، وأنا واثق أن هذه العصبية والعنف والتشنج تكشف ـ في بعض جوانبها ـ عن عزلة هذا "المتطرف" وإدراكه أن الغالبية القبطية في مصر لا تسايره في هذه العنجهية البغيضة والعنف المجرم قانونا ودينا وسياسة، ولذلك يلجأ إلى حشد مجموعات من الفقراء والمهمشين من أكثر أحياء مصر بؤسا ومعاناة إجتماعية، ويكفي أن نقارن بين ردات الفعل في موقع الحدث ذاته في "إدفو" وبين الهوس الذي حاول أن يدشنه هذا الرجل في وسط القاهرة على بعد ألف كيلو متر من الواقعة لندرك الفارق بين من يحتج أو يعترض أو يطالب بما يعتقده حقا، وبين من يتاجر بقضايا أبناء ملته من أجل زعامة كاذبة ومدد غير شريف من المال الأجنبي الحرام.