أرشيف المقالات

الحالات التي تجوز فيها الغيبة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
الحالات التي تجوز فيها الغيبة

الأولى التظَلمُ: ودل عليه ما رواه جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُـولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جِئْنَا امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فِي الأَسْوَاقِ فَجَاءَتِ الْمَرْأَةُ بِابْنَتَيْنِ لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُـولَ اللَّهِ هَاتَانِ بِنْتَا ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدِ اسْـتَفَاءَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا وَمِيرَاثَهُمَا كُلَّهُ فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالاً إِلاَّ أَخَذَهُ فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ لاَ تُنْكَحَانِ أَبَدًا إِلاَّ وَلَهُمَا مَالٌ.
فَقَالَ رَسُـولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقْضِى اللَّهُ فِي ذَلِكَ".
قَالَ وَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ ﴾ الآيَةَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ادْعُوا لِيَ الْمَرْأَةَ وَصَاحِبَهَا".
فَقَالَ لِعَمِّهِمَا: "أَعْطِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِىَ فَلَكَ".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَخْطَأَ بِشْرٌ فِيهِ إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ.[1]
 
الثانية الاستِفتَاءُ: ودل عليه قولُ هِنْد امرأة أَبِي سُفْيَانَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِينِي وَبَنِيَّ قَالَ: "خُذِي بِالْمَعْرُوفِ".[2]
 
الثالثة التَحذِيرُ: ودل عليه قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها: "أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتَقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ".[3]
 
قال النووي: وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان بِمَا فِيهِ عِنْد الْمُشَاوَرَة وَطَلَب النَّصِيحَة وَلَا يَكُون هَذَا مِنْ الْغِيبَة الْمُحَرَّمَة بَلْ مِنْ النَّصِيحَة الْوَاجِبَة.
 
الرابعة المجاهرةُ بالفسقِ: ودل عليه قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لرَجُل اسْتَأْذَنَ عَلَيه: "ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ".[4]

قال ابن حجر: وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي الْمُدَارَاة، وَفِي جَوَاز غِيبَة أَهْل الْكُفْر وَالْفِسْق" وَنَحْوهمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنِي حَرْبٌ سَـمِعْت أَحْمَدَ رضي الله عنه يَقُولُ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ فَلَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ.

وَقَالَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ: مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلَا غِيبَةَ فِيهِ.
 
الخَامِسَةُ التَعْرِيفُ: ودل عليه قول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر: "كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنَانِ بِلَال وَابْن أُمّ مَكْتُوم الْأَعْمَى".[5]
 
السَادِسَةُ طَلَبُ الْإِعَانَةِ عَلَى إزَالَةِ مُنْكَرٍ:
وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:









1
تَظَلَّمْ وَاسْتَغِثْ وَاسْتَفْتِ حَذِّرْ        وَعَرِّفْ بِدْعَةً  فِسْقَ  iiالْمُجَاهِرْ









وَنَظَمَ ذَلِكَ آخَرُ أَيضًا فَقَالَ:









12
الْقَدْحُ لَيْسَ  بِغِيبَةٍ  فِي  iiسِتَّةٍ        مُتَظَلِّمٍ    وَمُعَرِّفٍ    iiوَمُحَذِّرِوَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ        طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ  مُنْكَرِ









قال النووي: " اعلم أن الغيبة وإن كانت محرمة، فإنها تباح في أحوال:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي، فيذكر أن فلاناً ظلمني.

الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره.

الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي: ظلمني أبي.

الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصحهم، كجرح المجروحين من الرواة، ومنها إذا استشارك إنسان في مصاهرته، أو مشاركته، أو إيداعه، أو الإيداع عنده، أو معاملته، أو غير ذلك.

الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب.

السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب، كالأعمش والأعرج والأصم والأحول، جاز تعريفه بذلك بنية التعريف، ويحرم إطلاقه على جهة النقص.

سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَد رحمه الله عَنْ الرَّجُلِ يَسْأَلُ عَنْ الرَّجُلِ يَخْطُبُ إلَيْهِ فَيَسْأَلُ عَنْهُ فَيَكُونُ رَجُلَ سُوءٍ فَيُخْبِرُهُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لِفَاطِمَةَ: "مُعَاوِيَةُ عَائِلٌ، وَأَبُو جَهْمٍ عَصَاهُ عَلَى عَاتِقِهِ"، يَكُونُ غِيبَةٌ إنْ أَخْبَرَهُ؟ قَالَ: الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ يُخْبِرُهُ بِمَا فِيهِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَلَكِنْ يَقُولُ مَا أَرْضَاهُ لَك وَنَحْوَ هَذَا أَحْسَنُ.



[1] رواه أَبُو دَاوُدَ- كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الصلب، حديث:‏2520‏، والترمذي- كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث البنات، حديث:‏2069‏


[2] رواه البخاري-كتاب النفقات، باب وعلى الوارث مثل ذلك وهل على المرأة منه شيء وضرب- حديث:‏5061‏، ومسلم- كتاب الأقضية، باب قضية هند- حديث:‏3319‏


[3] رواه مسلم- كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها - حديث:‏2787‏


[4] رواه البخاري- كتاب الأدب، بَاب لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا- حديث: ‏5692‏، ورواه مسلم- كتاب البر والصلة والآداب، باب مداراة من يتقى فحشه - حديث:‏4799‏


[5] رواه مسلم- كتاب الصلاة، باب استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد - حديث: ‏599‏

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣