من أقوال السلف في الندم
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
من أقوال السلف في الندم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالندم النافع ما كان في الدنيا، وتبعته توبة نصوح، فما أحرى كل مسلم بهذا الندم، قال العلامة ابن القيم: بُلي العدو بالذنب فأصرَّ واحتج، وعارض الأمر، وقدح في الحكمة، ولم يسأل الإقالة، ولا ندم على الزلة، وبُلي الحبيب بالذنب فاعترف وتاب وندم وتضرَّع واستكان، وفزع إلى مفزع الخليقة، وهو التوحيد والاستغفار، فأُزيل عنه العيب، وغُفر له الذنب، فقُبل منه المتاب، وفُتح له من الرحمة والهداية كل باب، ونحن الأبناء، ومن أشبه أباه فما ظلم، ومن كانت شيمتُهُ التوبة والاستغفار فقد هُدي لأحسن الشيم.
فنسأل الله أن يرزقنا الندم النافع الذي يُوقِظ من غفلتنا، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: ابن آدم، كأنك بالموت قد حلَّ بساحتك، وحال بينك وبين ما تريد، وأنت في النزع والكرب شديد، لا والد يدفع عنك ولا وليد، ولا عدة تنجيك ولا عديد، ولا عشيرة تحميك ولا قصر مشيد، أليس ذلك نازلًا بك على كل حال؟ إي وعزة الكبير المتعال، فإنك الآن ينفعك البكاء والاستكانة قبل حلول الحسرة والندامة، نسأل الله عز وجل يقظةً تامَّةً تصرف عنا رقاد الغفلات، وعملًا صالحًا نأمن معه من الندم يوم الانتقال.
للسلف أقوال في الندم، يسَّر الله فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها.
من زرع شرًّا حصد ندامة:
قال ابن مسعود رضي الله عنه: الموت يأتي بغتةً، فمن يزرع خيرًا فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شرًّا فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل الذي زرع.
الذنوب تنتج ثمار الندم:
• قال الإمام ابن الجوزي: ألا يعلم العاصي أنه قد غرس لنفسه شجرة يتساقط عليه كل حين منها ثمر ندم من غير هزٍّ.
• قال العلامة السعدي: قال الله عز وجل: ﴿ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [المائدة: 31]، وهكذا عاقبة المعاصي، الندامة والخسارة.
الظلم والندم:
قال الإمام ابن الجوزي:
لا تظلمَنَّ إذا ما كنتَ مقتدرًا
فالظُّلْم آخِرُه يأتيك بالنَّدَمِ
تنامُ عيناكَ والمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ
يدعو عليك وعين الله لم تَنَمِ
الإنفاق في الشهوات والمعاصي يعود على المنفق بالندم والخسارة:
قال العلامة السعدي: سمَّى الله الإنفاق في الشهوات والمعاصي إهلاكًا؛ لأنه لا ينفع المنفق بما أنفق، ولا يعود إليه من إنفاقه إلَّا الندم والخسارة.
من علم ضرر الذنوب استشعر الندم:
قال الإمام ابن الجوزي: الذنوب تغطي على القلوب، فإذا أظلمت مرآة القلب لم يبن فيها وجْهُ الهُدَى، ومن علم ضرر الذنب استشعر الندم.
التوبة الصادقة والندم:
قال الإمام ابن الجوزي: اعلم أن التائب الصادق كلما اشتدَّ ندمُه زاد مَقْتُه لنفسه على قُبْحِ زلَّتِه.
لا تيأس من نفسك ما دمت تندم على ذنبك:
قال الجنيد: لا تيأس من نفسك وأنت تشفق من ذنبك وتندم عليه بعد فعلك.
ندم المحسن عند موته على تركه للزيادة من العمل الصالح:
قال الحافظ ابن رجب: كان السلف الصالح يتأسَّفُون عند موتهم على انقطاع أعمالهم عنهم بالموت، وبكى معاذ عند موته وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حِلَق الذكر، وبكى عبدالرحمن بن الأسود عند موته وقال: وأسفاه على الصوم والصلاة، ولم يزل يتلو القرآن حتى مات، وبكى يزيد الرقاشي عند موته، وقال: أبكي على ما يفوتني من قيام الليل وصيام النهار، ثم بكى.
إذا كان المحسن يندم على ترك الزيادة فكيف يكون حال المسيء؟
ندم مَن لا يقوم الليل:
قال الحافظ ابن رجب: كم من قائم بالليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته، وكم من نائمٍ في هذا الليل قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله عز وجل للعابدين غدًا، فاغتنموا ممرَّ الساعات والليالي والأيام رحمكم الله.
الندم على الدخول في الفتن:
قال الحافظ الذهبي رحمه الله: لما وقعت فتنة ابن الأشعث، قال أيوب في القُرَّاء الذين خرجوا مع ابن الأشعث، لا أعلم أحدًا منهم....نجا إلا ندم على ما كان منه.
الندم على تضييع أكثر الأوقات في غير معاني القرآن:
قال الحافظ ابن رجب في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية: حبس بقلعة دمشق سنتين وأشهرًا، وبها مات،...وكان يقول: قد فتح الله عليَّ في هذا الحصن في هذه المرة من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء، كان كثير من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن.
الندم على الكلام وعدم الندم على السكوت:
• قال لقمان لابنه: يا بني، قد ندمت على الكلام، ولم أندم على الصمت.
• قال الإمام ابن حِبَّان: الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلا أن يلزمه أن يتكلم، فما أكثر مَنْ ندم إذا نطق! وأقل مَنْ يندم إذا سكت!
• قال الإمام الماوردي: قلَّ من كثر كلامه إلا كثُر ندمُه.
الغضب والندم:
• قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أول الغضب جنون، وآخره ندم.
• قال مورق العجلي: إني لقليل الغضب، ولقلَّما غضبت فأقول في غضبي شيئًا أندم عليه إذا رضيت.
• قال الإمام ابنُ حِبَّان: الغضب بذر الندم.
• قال الإمام ابن الجوزي: كم من غضب فقتل، وضرب، ثم ما سكن غضبه بقي طول دهره في الحزن، والندم.
التعامل بحلم مع الغضبان فسيندم عند زوال غضبه:
قال الإمام ابن الجوزي: متى رأيت صاحبك قد غضب وأخذ يتكلَّم بما لا يصلح، فلا ينبغي أن تعقد على ما يقوله خنصرًا، ولا أن تؤاخذه به.
فإن حاله حال السكران، لا يدري ما يجري؛ بل اصبر لفورته، ولا تعول عليها، فإن الشيطان قد غلبه، والطبع قد هاج، والعقل قد استتر، واعلم أنه إذا انتبه ندم على ما جرى، وعرف لك فضل الصبر.
العجلة موكل بها الندم:
قال الإمام ابن حِبَّان: العجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يُجرِّب، ويذم بعد ما يحمد، ويعزم قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم، والعجلة موكل بها الندم، وما عجل أحد إلا اكتسب ندامة واستفاد مذمَّةً؛ لأن الزلل مع العجل، والإقدام على العمل بعد التأنِّي فيه أحزم من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه، ولا يكون العجول محمودًا أبدًا.
الانتقام والندم:
قال الإمام ابنُ حِبَّان: الواجب على العاقل لزوم الصفح عند ورود الإساءة عليه من العالم بأسرهم، رجاء عفو الله جل وعلا عن جناياته التي ارتكبها في سالف أيامه؛ لأن صاحب الصفح إنما يتكلف الصفح بإيثاره الجزاء، وصاحب الانتقام وإن انتقم كان إلى الندم أقرب.
من لم يكتم سِرَّه ندم:
قال ابْنُ حِبَّان: السرُّ إنما سُمِّي سِرًّا؛ لأنه لا يُفْشَى، ومن كتم سِرَّه كانت الخيرة في يده، ومن أنبأ الناس بأسراره هان عليهم وأذاعوها، ومن لم يكتم السِّرَّ استحقَّ الندم.
الحذر من شياطين الإنس الذين يوقعون الإنسان فيما يندم عليه:
قال العلامة العثيمين: ما أكثر شياطين الإنس الذين يغرون الإنسان ويسفهونه، ويوقعونه فيما يندم عليه، وهم جلساء السوء الذين حذَّر منهم النبي عليه الصلاة والسلام.
التخطيط قبل العمل يمنع من الندم:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: التدبير قبل العمل، يؤمنك من الندم.
عدم تسرُّع الزوجة في طلب الطلاق؛ فقد تندم حين لا ينفع الندم:
قال العلامة العثيمين: النصيحة للزوجة لا تتسرَّع في طلب الطلاق من الزوج؛ بل عليها أن تصبرَ وتتحمَّلَ المرة تِلْوَ الأخرى حتى إذا أيِسَتْ من الصلاح والإصلاح فلا بأس؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل ضِيْقٍ فَرَجًا لكم، أما كونها تتسرَّع وتريد من الزوج أن يكون على هواها في كل شيء، فلا ينبغي منها ذلك، وأكثر ما يقع هذا فيما إذا تزوَّج الزوج بزوجةٍ أخرى، فإنها حينئذٍ تُسارع إلى طلب الطلاق والإلحاح عليه، وتندم حين لا ينفع الندَمُ، فنصيحتي لها أن تصبر وتحتسب الأجْرَ من الله عز وجل.
ندم المُطلِّق إذا لم يتق الله في الطلاق:
قال العلامة السعدي: لما كان الطلاق قد يوقع في الضيق والكرب والغَمِّ، أمر تعالى بتقواه، ووعد مَن اتَّقاه في الطلاق وغيره أن يجعل له فرجًا ومخرجًا، فإذا أراد العبد الطلاق، ففعله على الوجه المشروع، بأن أوقعه طلقةً واحدةً، في غير حيض، ولا طُهْر أصابها فيها، فإنه لا يضيق عليه الأمر؛ بل جعل الله له فرجًا وسعةً، يتمكَّن بها من الرجوع إلى النكاح، إذا ندم على الطلاق.
الطلاق،...العبد إذا لم يتَّقِ الله فيه؛ بل أوقعه على الوجه المُحرَّم، كالثلاث ونحوها، فإنه لا بُدَّ أن يندمَ ندامةً لا يتمكَّن من استدراكها، والخروج منها.
لا تعجل في التصنيف والتأليف فتندم:
قال العلامة العثيمين: التصنيف...ينبغي للإنسان أن يتأمَّل وألا يتعجَّل؛ لأن بعض الطلبة منذ يعرف مسألة من المسائل يأتي بالمحبرة والقلم ويبدأ يكتب، وكم من كتابةٍ ظهرت ثم ندم المُخرِج على إخراجها، وتمنَّى أنه لم يكن أخرجها لينظر فيها مرةً أُخرى.
الندم على السؤال عمَّا كان بين الصحابة:
عن يحيى بن آدم قال: سمعت شريكًا يقول: سألت إبراهيم بن أدهم عمَّا كان بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، فبكى، فندمت على سؤالي إيَّاه، فرفع رأسه، وقال: مَن عرَف نفسه اشتغل بنفسه عن غيره.
من استخار أمن من الندم:
قال الإمام ابن القيم: كان شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه، يقول: ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وتثبَّت في أمره.
الوصية بترك ما يندم عليه العبد:
قال رجل لإبراهيم بن ثابت: أوصيني، قال: دع ما تندم عليه.
من أراد الله به خيرًا ندم على ذنوبه ومعاصيه:
قال العلامة ابن القيم: إذا أراد الله بعبده خيرًا فتح له بابًا من أبواب التوبة والندم.
الندم على المعاصي والذنوب، والمبادرة إلى التوبة منها:
• قال الإمام ابن الجوزي: اندم يا مسكين على ما صنعت وفات، وأصلح بالتوبة النصوح ما هو آتٍ، من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ليس للظالمين من نصير، ولا للعاصين من مجير، ولا لأحد من ملجأ ولا نكير.
• قال الحافظ ابن رجب: التوبة التوبة قبل أن يصل إليكم من الموت النوبة، فيحصل المفرط على الندم والخيبة.