سورة الصف - الآيات [10-12]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء الثالث والثمانين في الآية العاشرة إلى الآية الثانية عشرة من سورة الصف، قول ربنا جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الصف:10-12].‏

أحب الأعمال إلى الله تعالى

هذه الآيات المباركات جاءت بعد الآية الأولى التي خاطب الله فيها عباده بوصف الإيمان في هذه السورة المباركة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2]، وهنا: يا أيها الذين آمنوا! هل أدلكم على أحب العمل إلى الله؟ لتعملوا به كما طلبتم؛ لأنكم قلتم: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا به، فجاءت السورة في أسلوب الخطاب.

وقوله تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ[الصف:10] الخطاب منه سبحانه موجه إلى المؤمنين، ويجوز أن يجعل الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم على تقدير قول محذوف، أي: قل لهم يا محمد! هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، والاستفهام هنا كناية عن التشويق إلى الأمر المعروض، وهو: دلالته إياهم على تجارة نافعة، ومعلوم من علم البيان أن ألفاظ الاستفهام تخرج عنه إلى معان كثيرة، كما نبه على ذلك أئمة هذا الفن.

إطلاق لفظ التجارة على العمل الصالح

هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ [الصف:10] أطلق على العمل الصالح لفظ التجارة على سبيل الاستعارة؛ لمشابهة العمل الصالح للتجارة في طلب النفع من ذلك العمل ومزاولته، والكد فيه، كما في قول ربنا جل جلاله في سورة البقرة: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:16].

ووصف جل جلاله التجارة بأنها تنجي من عذاب أليم؛ تشويقاً لعباده المؤمنين للدخول في تلك التجارة التي نبههم عليها جل جلاله.

بعض الأعمال التي فيها تجارة مع الله تعالى

وهذه التجارة هي: قول الله سبحانه: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [الصف:11] لا بد أن تجمعوا بين الإيمان بالله ورسوله، أي: التصديق الجازم والرضا بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبين الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، وهذا تنويه بشأن الجهاد، والتعبير بالمضارع لإفادة الأمر بالدوام على الإيمان وتجديده في كل آن، وذلك تعريض بالمنافقين، وتحذير من التغافل عن ملازمة الإيمان وشئونه.

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الصف:11] محققين الإيمان التام بأركانه الستة.

وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الصف:11] الجهاد في سبيل الله بأنواعه المعروفة: جهاد باللسان، وجهاد بالسنان، وجهاد بالمال، وجهاد للنفس والهوى والشيطان، وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:11].

ثمار المتاجرة مع الله بالعمل الصالح

يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الصف:12] جاء الفعل هنا مجزوماً تنبيهاً على أن (تؤمنون) و(تجاهدون)، وإن كانت بصيغة الخبر فالمراد الأمر؛ لأن الجزم إنما يكون في جواب الطلب لا في جواب الخبر؛ وقال بعضهم: بل جزم الفعل (يغفر)؛ لأنه جواب (هل أدلكم).

وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [الصف:12]. الجنات: جمع جنة، والجنة في اللغة هي: البستان، وهي مشتقة من الاجتنان، بمعنى: الاختفاء والاستتار؛ لأنها محاطة في الغالب بسور يسترها عن الأعين.

هذه الجنات قد بين ربنا جل جلاله صفتها في كثير من آيات القرآن، وخلاصتها: أن تلك الجنات فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأن هذه الجنات أهلها يطعمون ويشربون ويتناكحون ويتكلمون، ويسلم بعضهم على بعض، لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً [الواقعة:25-26] ، لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً [النبأ:35-36].

وأن تلك الجنات فيها: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أهلها يشبون فلا يهرمون، ويصحون فلا يسقمون، ويسعدون فلا يشقون، ويحيون فلا يموتون، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم.

ثم قال: وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً [الصف:12] هي: القصور التي في الجنة، كما قال سبحانه: تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً [الفرقان:10].

وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تلك القصور بناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسلك، وحصباؤها اللؤلؤ، وترابها الزعفران، من دخلها ينعم فلا يبأس، ويسعد فلا يشقى ويخلد فلا يموت.

وأخبرنا ربنا جل جلاله أن تلك الجنات: فيها عين جارية، وفيها عيون نضاخة، وأن فيها فاكهة ونخلاً ورماناً، وأخبرنا جل جلاله: بأن أهلها ينعمون بسائر أنواع النعيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:9-10].

الحكمة من تخصيص المساكن بالذكر في قوله تعالى: (ومساكن طيبة في جنات عدن)

هذه الآيات المباركات جاءت بعد الآية الأولى التي خاطب الله فيها عباده بوصف الإيمان في هذه السورة المباركة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2]، وهنا: يا أيها الذين آمنوا! هل أدلكم على أحب العمل إلى الله؟ لتعملوا به كما طلبتم؛ لأنكم قلتم: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا به، فجاءت السورة في أسلوب الخطاب.

وقوله تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ[الصف:10] الخطاب منه سبحانه موجه إلى المؤمنين، ويجوز أن يجعل الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم على تقدير قول محذوف، أي: قل لهم يا محمد! هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، والاستفهام هنا كناية عن التشويق إلى الأمر المعروض، وهو: دلالته إياهم على تجارة نافعة، ومعلوم من علم البيان أن ألفاظ الاستفهام تخرج عنه إلى معان كثيرة، كما نبه على ذلك أئمة هذا الفن.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
سورة التحريم - الآية [8] 2636 استماع
سورة المجادلة - الآية [11] 2573 استماع
سورة آل عمران - الآية [102] 2534 استماع
سورة المائدة - الآية [105] 2521 استماع
سورة النساء - الآية [19] 2343 استماع
سورة البقرة - الآية [104] 2309 استماع
سورة الأحزاب - الآيات [70-71] 2303 استماع
سورة التوبة - الآية [119] 2292 استماع
سورة البقرة - الآية [182] 2228 استماع
سورة التغابن - الآية [14] 2186 استماع