خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/68"> الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/68?sub=33614"> شرح كتاب زاد المستقنع
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح زاد المستقنع باب التيمم [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [ويجب التيمم بتراب طهور له غبار]
قصد المصنف رحمه الله أن يبين بهذه العبارة الشيء الذي يَتيمم به المكلف، وهذا مناسب لما قبله؛ لأنك إذا بينت الحالات التي يجوز فيها التيمم والحالات التي لا يجوز فيها التيمم؛ سيسألك السائل إن كان من أهل التيمم بماذا يكون التيمم؟
فناسب بعد بيان حالات التيمم أن يبين الشيء الذي يحصل به التيمم، وتتحقق به طهارة التيمم وهو المتيمم به.
فقال رحمه الله: (ويجب التيمم بتراب له غبار) خص المصنف رحمه الله التيمم بالتراب على ظاهر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (جعلت لي الأرض مسجداً، وتربتها طهوراً) أي: جعلت التربة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم طهوراً. قالوا: دل هذا الحديث على أن التراب يُتَيمم به، وهذا مستفاد من ظاهر آيتي النساء والمائدة فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6].
وإذا ثبت أن التراب يُتيمم به بدلالة نص الكتاب والسُّنة؛ فإن العمل عند أهل العلم على ذلك، وليس هناك خلاف بين أهل العلم رحمهم الله في أن التراب يُجزئ في التيمم، ولكن الخلاف بينهم في مسألتين:
الأولى: هل يشترط له غبار؟
والمسألة الثانية: هل ينحصر التيمم في التراب الذي له غبار؟
فأما بالنسبة لكونه يتيمم بالتراب الذي له غبار؛ فهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم رحمة الله عليهم ، وذلك على ظاهر نص الكتاب ونص السُّنة، وأجمع عليه العلماء رحمة الله عليهم، وأما اشتراط أن يكون له غبار أو لا يكون، فهذه مسألة خلافية بين أهل العلم رحمهم الله: أصحها أنه لا يشترط أن يكون له غبار، وذلك لعدم ثبوت دليل في الكتاب والسُّنة يدل صراحة على اشتراط أن يكون التراب له غبار.
والذين اشترطوا أن يكون التراب له غبار قالوا: إن قوله تعالى: صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6] الوصف بالطيب يقتضي أن يكون على ذلك، وهذا مردود، فإن الوصف بالطيب المراد به طهارته من النجاسة، فلا يُتيمم بتراب نجس، ثم إننا نقول: إنه لو خُص التراب بما له غبار لخالف ذلك مقتضى الرخصة، فإن كثيراً من الأرض فيها أماكن رمال لا غبار لها كما قرر العلماء ذلك، فلو قلنا: إن التيمم لا يحصل إلا بتراب له غبار لأجحف بالناس، ففي بعض الصحاري ربما تسير يوماً كاملاً ولا ترى أرضاً لها غبار.
والمسألة الثانية -وهي: حصر التيمم في التراب- فأصح الأقوال: أنه يجوز التيمم بكل ما على وجه الأرض، فيجوز لك أن تتيمم بتراب له غبار، وبتراب لا غبار له، وكذلك أيضاً تتيمم بالحجر ونحوه مما هو من جنس الأرض كالجص والنورة ونحو ذلك، فلا حرج أن تتيمم به؛ وذلك على ظاهر قوله تعالى: صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6] والصعيد كل ما صعد على وجه الأرض، فلو أن إنساناً أراد أن يتيمم ولم يجد التراب، وإنما وجد حجراً صح له أن يتيمم بالمسح عليه؛ وذلك أن الله تعالى قال: صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6] والنبي صلى الله عليه وسلم وصف المدينة بكونها طَيْبَة مع أن أكثرها حِرَار، وهذا الدليل انتزعه الإمام ابن خزيمة رحمه الله -كما أشار إليه في صحيحه- من ظاهر السُّنة، فإن الله وصف المُتَيمم به بكونه صعيداً طيباً، والنبي صلى الله عليه وسلم وصف المدينة بكونها طيبة مع أن أكثر أرضها (حرار)، وقد ثبت في الحديث (أُريت دار هجرتكم أرضاً ذات نخل بين حرتين) إذا ثبت هذا فيجوز لك أن تتيمم بالتراب وبغير التراب مما صعد على وجه الأرض؛ لكن يشترط أن يكون طاهراً، فلا يتيمم بنجس، فلو كان التراب نجساً لم يصح أن يتيمم به؛ والسبب في التعميم -كما قلنا-: أن قوله تعالى: صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6] يعتبر دالاً على العموم، فالصعيد كل ما صعد على وجه الأرض والأصل في العام أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه.
والذين قالوا بتخصيص التيمم بالتراب؛ استدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (جعلت لي الأرض مسجداً، وتربتها لنا طهوراً) والاستدلال بهذا الحديث يُردُّ من وجهين:
الوجه الأول: أنه استدلال بمفهوم اللقب، ومفهوم اللقب ضعيف على القول الراجح عند الأصوليين، وتوضيح ذلك: أنه عليه الصلاة والسلام قال: (جعلت تربتها لنا طهوراً) فمفهوم قوله: (تربتها) أن غير التربة لا يعتبر طهوراً، وهذا كما قلنا من مفهوم اللقب؛ لأن مفهوم المخالفة عشرة أنواع:
الصفة، والشرط، والعلة، واللقب، والاستثناء، والعدد، وظرف الزمان، وظرف المكان، والحصر، والغاية، وقد جمعها ابن عاصم رحمه الله في قوله:
صف واشترط علل ولقب ثنيا وَعُدَّ ظرفين وحصر إغيا
فقال: صف واشترط علل ولقب.. (لَقِّب) مفهوم اللقب. فقوله: (تربتها) الاستدلال به على التخصيص من باب الاستدلال بمفهوم اللقب، وهو ضعيف عند الأصوليين.
أما بالنسبة للوجه الثاني في رد هذا الاستدلال: فهو مسلك بعض العلماء حيث قالوا: إن ذكر أحد أفراد العام. وثبوت الحكم له لا يقتضي تخصيص الحكم به، فإن النصوص التي في الكتاب عامة صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6] وهذا الحديث ذكر فرداً من أفراد العام وهو التراب، والقاعدة: (أن ذكر بعض أفراد العام لا يقتضي تخصيص الحكم به) فنقول: نص النبي صلى الله عليه وسلم على التربة، وذلك من باب ذكر أفراد العام الذي لا يقتضي تخصيص الحكم بذلك الفرد.
ومن أدلتهم على تخصيص التيمم بالتراب الذي له غبار حديث: (ضرب بيديه الأرض ومسح بهما وجهه وكفيه)، فقالوا: لا معنى للضرب إلا لطلب الغبار، وهذا كما قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في بعض ما يُجزئ التطهر به وهو التراب، فإذا كان التراب له غبار؛ فالسُّنة أن يُضْرَب بالكفين عليها.
أما إذا كان غير التراب كالحجر ونحوه فيُجزئ الإنسان أن يمسح عليه. قالوا: فكيف يُجاب عن هذا الحديث الذي ضرب فيه النبي صلى الله عليه وسلم كفيه على الأرض، وقال لـعمار : (إنما يجزيك أن تقول بيديك هكذا، قال: ثم ضرب بكفيه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه)؟
والجواب على ذلك: بما ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام في السنن: (أنه لما قضى حاجته عند سباطة قوم -والحديث أصله في الصحيح- مر رجل فسلَّم فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على الحائط) قال: فضرب على الحائط، ومن المعلوم أن الحائط لا غبار له، فدل هذا الحديث على أنه لا يشترط وجود الغبار فيما يتيمم به؛ إذ لو كان شرطاً لضرب على الأرض ولم يضرب على الحائط، فدل على أن كل ما صعد على وجه الأرض يُجزئ التيمم به كأن يضرب على حائط طين أو حائط حجر، أو يضرب على صخر ونحو ذلك، فذلك كله يعتبر مجزئاً على ظاهر قوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6].
قال رحمه الله: [وفروضه: مسح وجه، ويديه إلى كوعيه]
بعد أن فرغ رحمه الله من بيان الحالات التي يجوز لك أن تتيمم فيها، وبيان من الذي يحق له أن يتيمم والذي لا يحق له أن يتيمم، وكذلك بيان الشيء الذي يُتيمم به؛ شرع في بيان فروض التيمم.
الفروض: جمع فرض، وأصل الفرض في اللغة: الحز والقطع، تقول: فَرَضتُ الشيء، أي: قطعته، ومنه الفَرْضَة التي تكون على النهر؛ لأن الإنسان يقطع بها النهر من شِقِّه إلى شِقِّه.
وأما بالنسبة للفرض في اصطلاح العلماء: فجمهور العلماء من الأصوليين -ومنهم: المالكية والشافعية والحنابلة- على أن الفرض والواجب معناهما واحد، فإذا قلت: فرض، أو قلت: واجب، فالمعنى واحد، وذهب الحنفية إلى أن الفرض أعلى من الواجب -وإن كان بعض العلماء يُرجح أن الخلاف لفظي- فالفرض عند الحنفية: هو ما ثبت بدليل قطعي، والواجب عندهم: هو ما ثبت بدليل ظني، فيفرقون في مراتب الإلزامات من الشرع، فما ألزمك الشرع به بدليل لا احتمال فيه فهذا فرض، وما ألزمك الشرع به بدليل فيه احتمال فإنه يعتبر واجباً. وفي قوله: [فروضه] الضمير عائد إلى التيمم، أي: الذي أوجب الله عليك فعله في التيمم.
مسح الوجه في التيمم
قال تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ [المائدة:6] والوجه ما تحصل به المواجهة، وقد تقدم ضابط الوجه: أنه من منابت الشعر عند ناصيته إلى ما انحدر من ذقنه، وكذلك -أيضاً- ما انحدر من اللحيين طولاً، وأما عرضاً: فمن طرف الأذن إلى طرف الأذن الأخرى على تفصيل عند العلماء وسبقت الإشارة إليه في باب الوضوء.
فبعد أن يضرب بيديه على الأرض يمسح بهما وجهه؛ لظاهر التنـزيل في قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ [المائدة:6] وظاهر السُّنة في حديث عمار : (فمسح بهما وجهه) والمسح بالوجه يقع بالكفين، فلا يقع بكف دون أخرى، ويستثنى من ذلك أن يكون أقطع اليد أو مشلول اليد أو تكون بيده الثانية عاهة، فيجزئه أن يمسح بيدٍ دون أخرى؛ ولكن هل إذا مسح بيدٍ واحدة يجزيه عن تكرار الضرب؟
وجهان للعلماء: قال بعض العلماء: إن كانت له يد واحدة ضرب بها الضربة الأولى ومسح شقه الأيمن، ثم يضرب الضربة الثانية ويمسح بها شقه الأيسر؛ والسبب في هذا القول أنهم يقولون: إنه إذا مسح المسحة الأولى ذهب ما في يده، فلا يجوز أن يمسح بما فضل من طهوره الشق الثاني، والصحيح: أنه يجزيه ضربة واحدة من اليد يمسح بها الوجه كله، وهم قالوا بهذا الحكم قياساً على الوضوء، فإنك إذا توضأت بماء لم يجز لأحد أن يتوضأ به، وقد قررنا هذه المسألة أن الصحيح: أن الماء إذا توضأت به أو اغتسلت جاز للغير وجاز لك أن تعيد به وضوءاً ثانياً وغسلاً ثانياً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الماء لا يجنب) وبينا أن الأصل في الماء أنه طهور لا ينجّسه شيء -على دلالة السُّنة- إلا ما تغير فيه اللون أو الرائحة أو الطعم، فإذا ثبت أن الأصل أنك إذا اغتسلت بماء أو توضأت به جاز للغير أن يعيد الوضوء به، وكذلك التيمم أيضاً، فيعتبر قياسهم التيمم هنا بالمسح المكرر في الكف على الوضوء والغسل من باب رد المختلف فيه إلى المختلف فيه، ويعتبر دليلهم دليل التزام لا دليل إلزام.
مسح اليدين إلى الكوعين في التيمم
يمسح يديه إلى كوعيه، وذلك لقوله تعالى: وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] والأصل في اليد أنها تُطلق من أطراف الأصابع إلى المنكب، فكله يد إلاّ ما خص، فتخص بالكفين بالدليل كما في قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38] حيث جاءت فجاءت السُّنة وبينت محل القطع، فخصصت اليد بالكف، ولذلك قالوا: إنما خصصنا الكفين بالمسح؛ لظاهر حديث عمار: (فمسح بهما وجهه وكفيه).
وقال بعض العلماء: يمسح في التيمم اليد كاملة، وهو قولٌ لطائفة من السلف، وقال بعض السلف: يمسح حتى إلى الإبط على ظاهر قوله: وَأَيْدِيكُمْ [المائدة:6] وقال بعضهم: إلى المرفقين إلحاقاً بالوضوء.
والصحيح أن الكفين هما المعتبران في المسح، وأنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسح أكثر من الكفين، والقاعدة: أن بيان المجمل الواجب واجب، فما دام أن القرآن قال: وَأَيْدِيكُمْ [المائدة:6] واحتمل ذلك الكفين واحتمل إلى المرفقين واحتمل إلى المنكب؛ وجاءت السُّنة ببيانه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث مسح إلى كفيه، صار البيان واجباً كما في الحج؛ ولذلك يقولون في الأصول: بيان الواجب واجب.
الترتيب في التيمم
وجوب الترتيب قول لبعض العلماء، فكما قلنا في الوضوء نقول في التيمم، فالواو في قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] قالوا: تقتضي الترتيب كما اقتضته في الوضوء في قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] وقالوا أيضاً: إن البدل يأخذ حكم مبدله، فلما وقعت عبادة التيمم بدلاً عن الوضوء، والترتيب شرط في الوضوء، كذلك هو شرط في التيمم، وهو أعدل الأقوال وأحوطها، فيحتاط الإنسان ويراعي الترتيب.
فائدة هذا: أننا لو قلنا: إنه لا يجب الترتيب ومسح الإنسان كفيه قبل أن يمسح وجهه أجزأه على القول بعدم اشتراط الترتيب، أما إذا قلنا باشتراط الترتيب؛ فإنه لا يجزيه إلا إذا قدم وجهه ثم مسح كفيه بعد الوجه.
الموالاة في التيمم من الحدث الأصغر
والمولاة، أي: أن الموالاة واجبة، فبمجرد أن ينتهي من مسح وجهه فعليه أن يمسح كفيه، فلا يقع الفاصل بين مسح العضوين، فإذا وقع الفاصل أثر كما يؤثر في الوضوء، ودليل الموالاة في التيمم هو دليله في الوضوء، قالوا: إنه كما أن عبادة الوضوء -وهي الأصل- تشترط الموالاة لصحتها كذلك عبادة التيمم، فلو أن إنساناً ضرب بكفيه على الأرض، ثم مسح وجهه وجلس ساعة، وبعد ساعة ضرب مرة ثانية ومسح كفيه؛ فعلى القول باشتراط الموالاة لا يجزيه؛ لوجود الفاصل، فكما لم يجزئه في الوضوء كذلك لا يجزئه في التيمم، وعلى القول بعدم الاشتراط يجزئه ويصح منه ذلك.
وقوله: [في حدث أصغر] في: للظرفيّة، أي: أن التيمم يكون في حدث أصغر وهو الوضوء، فلو أن إنساناً انتقض وضوءه ببول أو غائط أو ريح؛ فإنه يجزيه أن يتيمم إذا استوفى شروط الرخصة.
فالتيمم يشمل الحدث الأصغر والحدث الأكبر، فلك أن تتيمم لحدث أصغر ولك أن تتيمم لحدث أكبر؛ وذلك لأن الله جل وعلا جعل التيمم بدلاً عن الطهارتين فقال بعد ذكره طهارة الحدث الأصغر في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] ثم قال: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6] فدل على أن التيمم يكون بدلاً عن الطهارة الصغرى -وهي: الوضوء- والطهارة الكبرى -وهي الغسل-؛ لأنه قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [المائدة:6] والماء يستخدم للطهارة الصغرى وللطهارة الكبرى، فإذا فقد الماء علمنا أن قوله: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [المائدة:6] أي لطهارة صغرى أو لطهارة كبرى فتيمموا، فعلمنا أنه بدل عنهما.
قال رحمه الله: [مسح وجهه]
قال تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ [المائدة:6] والوجه ما تحصل به المواجهة، وقد تقدم ضابط الوجه: أنه من منابت الشعر عند ناصيته إلى ما انحدر من ذقنه، وكذلك -أيضاً- ما انحدر من اللحيين طولاً، وأما عرضاً: فمن طرف الأذن إلى طرف الأذن الأخرى على تفصيل عند العلماء وسبقت الإشارة إليه في باب الوضوء.
فبعد أن يضرب بيديه على الأرض يمسح بهما وجهه؛ لظاهر التنـزيل في قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ [المائدة:6] وظاهر السُّنة في حديث عمار : (فمسح بهما وجهه) والمسح بالوجه يقع بالكفين، فلا يقع بكف دون أخرى، ويستثنى من ذلك أن يكون أقطع اليد أو مشلول اليد أو تكون بيده الثانية عاهة، فيجزئه أن يمسح بيدٍ دون أخرى؛ ولكن هل إذا مسح بيدٍ واحدة يجزيه عن تكرار الضرب؟
وجهان للعلماء: قال بعض العلماء: إن كانت له يد واحدة ضرب بها الضربة الأولى ومسح شقه الأيمن، ثم يضرب الضربة الثانية ويمسح بها شقه الأيسر؛ والسبب في هذا القول أنهم يقولون: إنه إذا مسح المسحة الأولى ذهب ما في يده، فلا يجوز أن يمسح بما فضل من طهوره الشق الثاني، والصحيح: أنه يجزيه ضربة واحدة من اليد يمسح بها الوجه كله، وهم قالوا بهذا الحكم قياساً على الوضوء، فإنك إذا توضأت بماء لم يجز لأحد أن يتوضأ به، وقد قررنا هذه المسألة أن الصحيح: أن الماء إذا توضأت به أو اغتسلت جاز للغير وجاز لك أن تعيد به وضوءاً ثانياً وغسلاً ثانياً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الماء لا يجنب) وبينا أن الأصل في الماء أنه طهور لا ينجّسه شيء -على دلالة السُّنة- إلا ما تغير فيه اللون أو الرائحة أو الطعم، فإذا ثبت أن الأصل أنك إذا اغتسلت بماء أو توضأت به جاز للغير أن يعيد الوضوء به، وكذلك التيمم أيضاً، فيعتبر قياسهم التيمم هنا بالمسح المكرر في الكف على الوضوء والغسل من باب رد المختلف فيه إلى المختلف فيه، ويعتبر دليلهم دليل التزام لا دليل إلزام.
قال رحمه الله: [ويديه إلى كوعيه]
يمسح يديه إلى كوعيه، وذلك لقوله تعالى: وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] والأصل في اليد أنها تُطلق من أطراف الأصابع إلى المنكب، فكله يد إلاّ ما خص، فتخص بالكفين بالدليل كما في قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38] حيث جاءت فجاءت السُّنة وبينت محل القطع، فخصصت اليد بالكف، ولذلك قالوا: إنما خصصنا الكفين بالمسح؛ لظاهر حديث عمار: (فمسح بهما وجهه وكفيه).
وقال بعض العلماء: يمسح في التيمم اليد كاملة، وهو قولٌ لطائفة من السلف، وقال بعض السلف: يمسح حتى إلى الإبط على ظاهر قوله: وَأَيْدِيكُمْ [المائدة:6] وقال بعضهم: إلى المرفقين إلحاقاً بالوضوء.
والصحيح أن الكفين هما المعتبران في المسح، وأنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسح أكثر من الكفين، والقاعدة: أن بيان المجمل الواجب واجب، فما دام أن القرآن قال: وَأَيْدِيكُمْ [المائدة:6] واحتمل ذلك الكفين واحتمل إلى المرفقين واحتمل إلى المنكب؛ وجاءت السُّنة ببيانه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث مسح إلى كفيه، صار البيان واجباً كما في الحج؛ ولذلك يقولون في الأصول: بيان الواجب واجب.
قال رحمه الله: [وكذا الترتيب]
وجوب الترتيب قول لبعض العلماء، فكما قلنا في الوضوء نقول في التيمم، فالواو في قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] قالوا: تقتضي الترتيب كما اقتضته في الوضوء في قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] وقالوا أيضاً: إن البدل يأخذ حكم مبدله، فلما وقعت عبادة التيمم بدلاً عن الوضوء، والترتيب شرط في الوضوء، كذلك هو شرط في التيمم، وهو أعدل الأقوال وأحوطها، فيحتاط الإنسان ويراعي الترتيب.
فائدة هذا: أننا لو قلنا: إنه لا يجب الترتيب ومسح الإنسان كفيه قبل أن يمسح وجهه أجزأه على القول بعدم اشتراط الترتيب، أما إذا قلنا باشتراط الترتيب؛ فإنه لا يجزيه إلا إذا قدم وجهه ثم مسح كفيه بعد الوجه.
قال رحمه الله: [والموالاة في حدث أصغر]
والمولاة، أي: أن الموالاة واجبة، فبمجرد أن ينتهي من مسح وجهه فعليه أن يمسح كفيه، فلا يقع الفاصل بين مسح العضوين، فإذا وقع الفاصل أثر كما يؤثر في الوضوء، ودليل الموالاة في التيمم هو دليله في الوضوء، قالوا: إنه كما أن عبادة الوضوء -وهي الأصل- تشترط الموالاة لصحتها كذلك عبادة التيمم، فلو أن إنساناً ضرب بكفيه على الأرض، ثم مسح وجهه وجلس ساعة، وبعد ساعة ضرب مرة ثانية ومسح كفيه؛ فعلى القول باشتراط الموالاة لا يجزيه؛ لوجود الفاصل، فكما لم يجزئه في الوضوء كذلك لا يجزئه في التيمم، وعلى القول بعدم الاشتراط يجزئه ويصح منه ذلك.
وقوله: [في حدث أصغر] في: للظرفيّة، أي: أن التيمم يكون في حدث أصغر وهو الوضوء، فلو أن إنساناً انتقض وضوءه ببول أو غائط أو ريح؛ فإنه يجزيه أن يتيمم إذا استوفى شروط الرخصة.
فالتيمم يشمل الحدث الأصغر والحدث الأكبر، فلك أن تتيمم لحدث أصغر ولك أن تتيمم لحدث أكبر؛ وذلك لأن الله جل وعلا جعل التيمم بدلاً عن الطهارتين فقال بعد ذكره طهارة الحدث الأصغر في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] ثم قال: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6] فدل على أن التيمم يكون بدلاً عن الطهارة الصغرى -وهي: الوضوء- والطهارة الكبرى -وهي الغسل-؛ لأنه قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [المائدة:6] والماء يستخدم للطهارة الصغرى وللطهارة الكبرى، فإذا فقد الماء علمنا أن قوله: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [المائدة:6] أي لطهارة صغرى أو لطهارة كبرى فتيمموا، فعلمنا أنه بدل عنهما.
قال رحمه الله: [وتُشترط النية لما يُتيمم له من حدث أو غيره]
(وتشترط النية لما يتيمم له) تشترط النية لصحة التيمم، وهذا يكاد يكون بالاتفاق، حتى إن الحنفية -وقد سبق معنا في الوضوء والغسل أنهم لا يرون النية، ويقولون بصحة الوضوء أو الغسل بدون نية -قالوا: لابد من النية في التيمم؛ وذلك لأنها رخصة لابد من وجود النية فيها.
والدليل على اشتراط النية: أن التيمم عبادة، والله أمر بإخلاص العبادة، ولا إخلاص إلا بنية.
وكذلك الدليل من السُّنة: قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات) والوضوء والتيمم عمل، فتشترط النية لصحة التيمم.
حالات النية في التيمم
إذا جئت -مثلاً- تريد أن تتيمم، فيكون في قلبك أنك تقصد استباحة الصلاة، سواء كان ذلك في حدث أصغر أو في حدث أكبر، ومثاله: لو أن إنساناً استيقظ لصلاة الفجر وهو جنب وأراد أن يصلي ولا ماء عنده أو عنده ماء ولا يستطيع استعماله، فقد وجد فيه مقتضى الرخصة، فإنه عند قصده إلى الصعيد الطيب -وهو التراب أو الحجر- ينوي في نفسه بهذه العبادة -وهي التيمم- استباحة الصلاة، فإذا وجدت هذه النية في حدث أصغر أو في حدث أكبر صح تيممه وأجزأه، أما لو عزبت عنه النية وضرب يده دون أن يستحضر أو تكون منه النية؛ فإنه لا يجزئه ذلك.
قال رحمه الله: [فإن نوى أحدها لم يجزئه عن الآخر]
إن نوى التيمم عن الجنابة لم يجزئه ذلك عن الوضوء، وقال العلماء: لو كانت عليه جنابة وقصد رفع الجنابة دون أن يقصد بها استباحة الصلاة؛ فإنه لا يجزئه، والصحيح: أن المنبغي على المكلف إذا أراد أن يتيمم أن يقصد استباحة الصلاة المفروضة أو النافلة، فإن كانت مفروضة تقيد بالفرض حتى يخرج وقتها، وصلى بذلك التيمم الذي قصد به الاستباحة، وإن كانت نافلة كذلك أيضاً صلى به النافلة، وإن كانت غير فرض ونافلة مثل: الطواف بالبيت أو لمس المصحف؛ فإنه يتقيد بذلك الذي تيمم من أجله، فيجعل في نفسه عند ضربه لكفيه، أو يستحضر في نفسه عند ضربه لكفيه استباحة هذا المحظور الذي لا يجوز فعله إلا بطهارة.
قال رحمه الله: [ وإن نوى نفلاً أو أطلق لم يصل به فرضاً ]
وإن نوى نفلاً لم يصل به فرضاً؛ لأن نية الأدنى لا تبيح الأعلى، فكما أنه إذا توضأ لنفل لا يصلي فريضة، كذلك في التيمم؛ والدليل على هذا: ما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: (إنما لكل امرئ ما نوى) فقوله: (إنما لكل امرئ ما نوى) يقتضي التخصيص، فما دام أنه نوى النفل فلا يستبيح الفرض، ولذلك لو أن إنساناً أحرم بالصلاة ناوياً النافلة، وأراد أن يقلبها إلى الفرض لم يصح إجماعاً، كذلك أيضاً لو تيمم ناوياً النافلة لم يصح له أن يستبيح الفريضة.
قال رحمه الله: [وإن نواه صلى كل وقته فروضاً ونوافل]
وإن نوى الفرض (صلى كل وقته) أي: وقت الفرض، (فروضاً ونوافل)، ويشمل ذلك الفروض إذا كان الوقت يسع فرضين مثل: المسافر، فلو كنت مسافراً ثم أخرت صلاة الظهر حتى دخل وقت العصر ولم تجد ماءً وأردت أن تجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر فإنك تصلي الظهر والعصر بتيمم واحد، وهكذا لو أخرت المغرب إلى صلاة العشاء، وهذا بالنسبة للفروض المتعددة.