سورة الحجرات - الآية [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء الثاني والسبعين في الآية الحادية عشرة من سورة الحجرات؛ قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11].

سبب نزول الآية

سبب نزول هذه الآية: ذكر أهل التفسير أسباباً متعددة، وكلها صالحة بأن تكون سبباً لنزولها.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان سبب نزولها أن ثابت بن قيس بن شماس كان في سمعه وقر، وكان إذا أتى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أوسعوا؛ ليجلس إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم فيسمع ما يقول، فجاء يوماً يتخطى رقاب الناس، فقال رجل لـــــثابت : قد أصبت مجلساً فاجلس، فقال ثابت: من هذا؟ فقال الرجل: أنا فلان. فقال ثابت : ابن فلانة، وذكر أماً له كان يعير بها في الجاهلية، فاستحيا الرجل فأنزل الله هذه الآية.

وقال عكرمة : إنها نزلت لما عيرت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صفية بأنها قصيرة. وهذا من السخرية.

وقيل: بل نزلت لما عير بعض الزواجات رضي الله عنهن صفية بأنها يهودية. يعني: بأنها كانت يهودية.

وقال الضحاك: بل المقصود بالآية بنو تميم كـالأقرع بن حابس، ومن كان مثله حين جاءوا فسخروا من عمار و بلال و صهيب على أنهم فقراء وثيابهم رثة، فأنزل الله هذه الآية.

ولا تعارض بين هذه الأسباب كلها فقد تكون الآية نازلة فيها جميعاً.

معاني مفردات الآية

قوله تعالى: لا يَسْخَرْ [الحجرات:11]. أي: لا يستخف، ولا يستهزئ، تقول العرب: سخر منه يسخر؛ إذا استهزأ به واستخف.

وقوله: قَومٌ مِنْ قَوْمٍ )): كلمة (القوم) في لغة العرب تطلق مراداً بها: خصوص الرجال، كما في قول زهير :

وما أدري وسوف يخال أدري أقوم آل حصن أم نساء

ويدخل النساء في كلمة القوم بالتبع، قال الله عز وجل بعدها: وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ [الحجرات:11]، قال أهل التفسير: خص النساء بالذكر؛ لأن السخرية في النساء أغلب، وهي فيهن أكثر؛ لأن النساء دائماً يسخر بعضهن من بعض، فالجميلة تسخر من الشوهاء، والغنية تسخر من الفقيرة، وذات الأولاد تسخر من العاقر، وهكذا.

وقوله تعالى: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات:11]، اللمز: ذكر ما يعده الذاكر عيباً لأحد مواجهة. يعني: في وجهه، فهو المباشرة بالمكروه.

وهذا اللمز ربما يكون بحق. كأن تقول: يا فلان! أنت فيك كذا وكذا، وهو فعلاً فيه كذا وكذا، وهذا معدود من باب الوقاحة والاعتداء، وقد يكون اللمز بغير حق وهذا كذب وسوء أدب.

وكان اللمز شائعاً بين العرب في جاهليتهم، كما قال الله عز وجل: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1]، فـ(اللمزة) الذي يؤذي الناس بلسانه، و(الهمزة) الذي يؤذي الناس بحركاته؛ لأنه ربما يجد إنساناً يتكلم فيخرج لسانه أو يغمز بعينه إلى غير ذلك من الحركات التي تعرفون، وقد كان نفر من المشركين دأبهم أن يلمزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: وَلا تَنَابَزُوا [الحجرات:11]، التنابز: أي ينبز بعضهم بعضاً، والنْبز بسكون الباء: هو ذكر النَبَز بتحريكها؛ وهو اللقب السوء، وهذه كلمة مستعملة عندنا، يقولون: فلان رجل نباز، والنْبز معناها: أن تذكر غيرك بسوء، وكان من عادة العرب أن يقول قائلهم إذا أراد أن ينبز مثلاً: أنفه كأنف الناقة، ويسمونه أنف الناقة، أو يقولون: قرقور، أو يقولون: بطة، ونحو ذلك من ألقاب السوء.

قال بعض الفزاريين:

أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه فالسوءة اللقب

وقوله تعالى: بِالأَلْقَابِ [الحجرات:11]، الألقاب: جمع لقب؛ وهو ما أشعر بخسة أو شرف سواءً كان ملقباً به صاحبه أم اخترعه النابز. يعني: اللقب ما أشعر بمدح أو ذم.

وقوله تعالى: بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ [الحجرات:11]. (الاسم) التسمية، (بئس) الذكر أن يذكر أحد بالفسوق بعد أن وصف بالإيمان.

المعنى الإجمالي للآية

المعنى الإجمالي للآية: نهى ربنا جل جلاله في هذه الآية عن السخرية من الناس، مبيناً أن المسخور منه قد يكون خيراً من الساخر، ومن أقبح القبيح: استخفاف الدنيء الأرذل بالكريم الأفضل، وهذا حال كثير من الناس، تجده يسخر من إنسان هو خير منه وأفضل.

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن السخرية جاء تبيين عقوبته في آية أخرى، قال الله عز وجل: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:79-80]، وقال سبحانه: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [البقرة:212].

سبب نزول هذه الآية: ذكر أهل التفسير أسباباً متعددة، وكلها صالحة بأن تكون سبباً لنزولها.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان سبب نزولها أن ثابت بن قيس بن شماس كان في سمعه وقر، وكان إذا أتى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أوسعوا؛ ليجلس إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم فيسمع ما يقول، فجاء يوماً يتخطى رقاب الناس، فقال رجل لـــــثابت : قد أصبت مجلساً فاجلس، فقال ثابت: من هذا؟ فقال الرجل: أنا فلان. فقال ثابت : ابن فلانة، وذكر أماً له كان يعير بها في الجاهلية، فاستحيا الرجل فأنزل الله هذه الآية.

وقال عكرمة : إنها نزلت لما عيرت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صفية بأنها قصيرة. وهذا من السخرية.

وقيل: بل نزلت لما عير بعض الزواجات رضي الله عنهن صفية بأنها يهودية. يعني: بأنها كانت يهودية.

وقال الضحاك: بل المقصود بالآية بنو تميم كـالأقرع بن حابس، ومن كان مثله حين جاءوا فسخروا من عمار و بلال و صهيب على أنهم فقراء وثيابهم رثة، فأنزل الله هذه الآية.

ولا تعارض بين هذه الأسباب كلها فقد تكون الآية نازلة فيها جميعاً.

قوله تعالى: لا يَسْخَرْ [الحجرات:11]. أي: لا يستخف، ولا يستهزئ، تقول العرب: سخر منه يسخر؛ إذا استهزأ به واستخف.

وقوله: قَومٌ مِنْ قَوْمٍ )): كلمة (القوم) في لغة العرب تطلق مراداً بها: خصوص الرجال، كما في قول زهير :

وما أدري وسوف يخال أدري أقوم آل حصن أم نساء

ويدخل النساء في كلمة القوم بالتبع، قال الله عز وجل بعدها: وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ [الحجرات:11]، قال أهل التفسير: خص النساء بالذكر؛ لأن السخرية في النساء أغلب، وهي فيهن أكثر؛ لأن النساء دائماً يسخر بعضهن من بعض، فالجميلة تسخر من الشوهاء، والغنية تسخر من الفقيرة، وذات الأولاد تسخر من العاقر، وهكذا.

وقوله تعالى: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات:11]، اللمز: ذكر ما يعده الذاكر عيباً لأحد مواجهة. يعني: في وجهه، فهو المباشرة بالمكروه.

وهذا اللمز ربما يكون بحق. كأن تقول: يا فلان! أنت فيك كذا وكذا، وهو فعلاً فيه كذا وكذا، وهذا معدود من باب الوقاحة والاعتداء، وقد يكون اللمز بغير حق وهذا كذب وسوء أدب.

وكان اللمز شائعاً بين العرب في جاهليتهم، كما قال الله عز وجل: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1]، فـ(اللمزة) الذي يؤذي الناس بلسانه، و(الهمزة) الذي يؤذي الناس بحركاته؛ لأنه ربما يجد إنساناً يتكلم فيخرج لسانه أو يغمز بعينه إلى غير ذلك من الحركات التي تعرفون، وقد كان نفر من المشركين دأبهم أن يلمزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: وَلا تَنَابَزُوا [الحجرات:11]، التنابز: أي ينبز بعضهم بعضاً، والنْبز بسكون الباء: هو ذكر النَبَز بتحريكها؛ وهو اللقب السوء، وهذه كلمة مستعملة عندنا، يقولون: فلان رجل نباز، والنْبز معناها: أن تذكر غيرك بسوء، وكان من عادة العرب أن يقول قائلهم إذا أراد أن ينبز مثلاً: أنفه كأنف الناقة، ويسمونه أنف الناقة، أو يقولون: قرقور، أو يقولون: بطة، ونحو ذلك من ألقاب السوء.

قال بعض الفزاريين:

أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه فالسوءة اللقب

وقوله تعالى: بِالأَلْقَابِ [الحجرات:11]، الألقاب: جمع لقب؛ وهو ما أشعر بخسة أو شرف سواءً كان ملقباً به صاحبه أم اخترعه النابز. يعني: اللقب ما أشعر بمدح أو ذم.

وقوله تعالى: بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ [الحجرات:11]. (الاسم) التسمية، (بئس) الذكر أن يذكر أحد بالفسوق بعد أن وصف بالإيمان.