سورة المائدة - الآية [94]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى جميع المرسلين.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء التاسع والثلاثين في الآية الرابعة والتسعين من سورة المائدة، قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة:94].

سبب نزول الآية

أولاً: سبب نزول هذه الآية:

قال القرطبي رحمه الله: قيل: إنها نزلت عام الحديبية، لما أحرم بعض الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرم بعضهم، فكان إذا عرض صيد اختلفت فيه أحوالهم وأفعالهم، واشتبهت أحكامه عليهم؛ فأنزل الله هذه الآية بياناً لأحكام أحوالهم وأفعالهم ومحظورات حجتهم وعمرتهم.

فوائد من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ...)

ثانياً: معاني المفردات:

يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ [المائدة:94]، أي: ليختبرنكم، والابتلاء: الاختبار، واللام جواب قسم محذوف.

قوله تعالى: بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ ))، أي: ببعض الصيد وهو صيد البر. وقيل: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلي الله به عباده في إحرامهم إذ لو شاءوا لتناولوه بأيديهم، فنهاهم الله أن يقربوه. و(شيء) يدل على أنه الحقير من الصيد. وقيل: (من) للتبعيض.

ثم فيه قولان:

الأول: أنه عنى صيد البر دون صيد البحر.

الثاني: أنه عنى الصيد ما داموا في الإحرام، كأن ذلك بعض الصيد.

وقيل: (من) هي: لبيان الجنس كقوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ [الحج:30].

وقوله تعالى: تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ [المائدة:94]، يعني: صغار الصيد وفراخه؛ وخص الأيدي بالذكر لأنها أعظم تصرفاً في الاصطياد، وفيها يدخل الجوارح، وما عمل بأيدي من فخاخ وشباك.

وقوله تعالى: وَرِمَاحُكُمْ ))، يعني: كباره؛ وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم ما يجرح به الصيد، ويدخل فيه السهم ونحوه.

قال الله عز وجل: لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [المائدة:94] أي: علم ظهور، والمعنى: ليظهر الله بذلك الاختبار من يخافه بالغيب فلا يصيد.

قال الرازي رحمه الله في مفاتيح الغيب: فيه وجهان:

الأول: من يخافه حال إيمانه بالغيب، كما ذكر ذلك في أول كتابه وهو قوله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ[البقرة:3].

الثاني: من يخافه بإخلاص وتحقيق ولا يختلف الحال بسبب حضور أحد أو غيبته كما في حق المنافقين: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ [البقرة:14].

قال الله عز وجل: فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ [المائدة:94]، أي: من تجاوز حد الله الذي حده له بعد ابتلائه بتحريم الصيد عليه وهو حرام فاستحل ما حرم الله عليه منه بأخذه وقتله فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:178]. أي: مؤلم موجع.

قال ابن عباس : أي: يضرب بطنه وظهره ضرباً وجيعاً وتنزع ثيابه.

المعنى الإجمالي للآية

ثالثاً: المعنى الإجمالي: هذه الآية تبيين لقوله تعالى في صدر السورة: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:1]، وقد كان الصيد أحد معايش العرب العاربة شائعاً عند الجميع منهم، مستعملاً جداً، فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم كما ابتلى بني إسرائيل ألا يعتدوا في السبت.

ومعنى الآية: ليختبرنكم الله أيها المؤمنون! ببعض الصيد في حال إحرامكم كي يعلم الله أهل طاعته والإيمان به والمنتهين إلى حدوده وأمره ونهيه، ومن الذي يخاف الله فيتقي ما نهاه عنه ويجتنبه خوف عقابه.

قال مجاهد رحمه الله: أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية، فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم لم يروا مثله قط فيما خلا، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون ليعلم الله من يخافه بالغيب. يعني: أنه تعالى يبتليهم بالصيد يغشاهم في رحالهم يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سراً وجهراً لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره كما قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12]، فمن اعتدى بعد هذا الإعلام والإنذار والتقدم (فله عذاب أليم) لمخالفته أمر الله وشرعه.

أولاً: سبب نزول هذه الآية:

قال القرطبي رحمه الله: قيل: إنها نزلت عام الحديبية، لما أحرم بعض الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرم بعضهم، فكان إذا عرض صيد اختلفت فيه أحوالهم وأفعالهم، واشتبهت أحكامه عليهم؛ فأنزل الله هذه الآية بياناً لأحكام أحوالهم وأفعالهم ومحظورات حجتهم وعمرتهم.