سورة المائدة - الآية [90]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء الثامن والثلاثين في الآية التسعين من سورة المائدة وهو قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].

سبب نزول الآية

وسبب نزول هذه الآية:

عن أبي ميسرة قال: قال عمر رضي الله عنه: (اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. قال: فنزلت الآية التي في البقرة: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، قال: فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، قال: وكان منادي النبي صلى الله عليه وسلم ينادي: إذا حضرت الصلاة، لا يقربن الصلاة سكران، قال: فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في المائدة: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90]، إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، فلما بلغ قوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، قال عمر : انتهينا، انتهينا).

وذكر في سبب نزول هذه الآية أيضاً، والرواية في صحيح البخاري عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه رضي الله عنه قال: صنع رجل من الأنصار طعاماً فدعانا، قال: فشربنا الخمر حتى انتشينا، فتفاخرت الأنصار وقريش، فقالت الأنصار: نحن خير منكم، وقالت قريش: نحن أفضل منكم. قال: فأخذ رجل من الأنصار لحي جمل فضرب به أنف سعد ففزره، أي: كسره، فكان سعد رضي الله عنه أفزر الأنف فنزلت هذه الآية.

وفي سبب نزولها أيضاً: عن ابن عباس قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتى إذا ثملوا عبث بعضهم على بعض، أي: لطخ وجه أخيه ولحيته، فلما أن صحوا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته، فيقول: فعل بي هذا أخي فلان، والله لو كان بي رءوفاً رحيماً ما فعل بي هذا، حتى وقع في قلوبهم ضغائن فأنزل الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90]، إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، فقال ناس من المتكلفين: رجس في بطن فلان قتل يوم بدر، وقتل فلان يوم أحد فأنزل الله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا [المائدة:93].

فهذه أسباب ثلاثة وردت في سبب نزول الآية:

أولاً: قول عمر : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً.

ثانياً: ما كان بين سعد والأنصاري حين فزر أنفه.

ثالثاً: ما كان بين قبيلتين من الأنصار حين افتخروا.

قال ابن جرير رحمه الله: وجائز أن يكون نزولها بسبب دعاء عمر في أمر الخمر، وجائز أن يكون ذلك بسبب ما نال سعداً من الأنصاري، عند انتشائهما من الشراب، وجائز أن يكون من أجل ما كان يلحق أحدهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة.

وليس عندنا بأي ذلك كان خبر قاطع للعذر، غير أنه أي ذلك كان فقد لزم حكم الآية جميع أهل التكليف. وحكم الآية تحريم الخمر، والإخبار عنها بأنها رجس، وهذا يلزم جميع المكلفين، وقد أجمع أهل الإسلام على أن الخمر حرام، وأن قليلها وكثيرها سواء، وأن ( كل مسكر حرام ).

المقصود بالخمر

وقول الله عز وجل: إِنَّمَا الْخَمْرُ [المائدة:90]، الخمر: كل مسكر كيف ما كانت مادته، وسواء قلت أو كثرت، فقد ثبت في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس! إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل. يعني: هاهنا لما فتح الله به على عمر ، قال: الخمر من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، ثم استدرك فقال: والخمر ما خامر العقل، أي: كل ما غطى على العقل، يعني: كلمة خمر هذه معناها التغطية، كما يقال لغطاء الرأس عند المرأة خمار، فالخمر ما غطى العقل.

ولذلك علماؤنا المالكية يعرفون المسكر بأنه: كل ما أذهب العقل دون الحواس، مع نشوة وفرح. هذا هو المسكر، يذهب العقل، لكن تبقى الحواس صاحية، كل ما أذهب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح، فهو الخمر، سواء كان من عنب، أو من شعير، أو من حنطة، أو من تمر، أو من عسل، أو من غير ذلك، وسواء سماه الناس خمراً، أو سموه غير ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: ( أنه يأتي على الناس زمان يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها ).

المقصود بالميسر

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90]، والميسر هو القمار، وهو جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين، ويدخل في ذلك المراهنات ونحوها، ويدخل في ذلك الآن ما ابتدعته بعض الشركات التي تروج لبعض السلع حين تقول: بأن الذي يشتري ربما يجد في العلبة التي يشتريها، أو الكرتون التي يشتريها رقماً أو علامة، ولربما فاز بسيارة، ولربما فاز بكذا وكذا، فيشتري الناس السلعة لا لغرض السلعة، وإنما لغرض الجائزة. حتى أنه في بعض البلاد ربما يكون هناك إعلان عن لبن، وأن من يشتري علبة لبن قد يفوز بسيارة، فتجد بعض ضعاف العقول يشتري اللبن ويفتح العلبة، فإذا ما وجد يكبها في المزبلة، ثم يشتري أخرى وهكذا حتى يعثر، والغالب أنه لا يعثر على شيء ويكون ماله قد ذهب هباءً، نسأل الله السلامة، وهذا هو الميسر.

إذاً: الميسر: كل ما كان على سبيل المغالبة وفيه عوض من الجانبين، ومثله أيضاً ما يفعله بعض الشباب أو بعض الأطفال حين يلعبون لعبة كرة أو نحوها ويبذلون عوضاً من الجانبين، ثم الفريق الفائز هو الذي ينال هذا العوض.

المقصود بالأنصاب والأزلام

وَالأَنصَابُ [المائدة:90]، (الأنصاب) هي الأصنام المنصوبة للعبادة.

وَالأَزْلامُ [المائدة:90]، جمع زلم وهي عيدان كانوا يستقسمون بها في الجاهلية لمعرفة الخير من الشر، والنفع من الضر، والعسر من اليسر، والربح من الخسارة، ومثله أيضاً في دنيا الناس اليوم ما يسمى بفتح الكتاب، وكذلك الخط في الرمل، والعد بالمسبحة، وغير ذلك من وسائل الدجل التي يخترعها الناس باختلاف الزمان والمكان.

رجسية الخمر والميسر والأنصاب والأزلام

هذه الأربعة: الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام رجس، والرجس هو الخبيث المستقذر سواء كان في الأشياء المحسوسة، يعني: مثلاً قال الله عز وجل عن الخنزير: فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145]، والنجاسات كلها رجس، وقد تطلق على المذمات الباطنة -أي: على الأمور الباطنة- كقول الله عز وجل: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب:33]، وقول الله عز وجل: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:125].

وقوله: رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [المائدة:90]، أي: من تزيينه وتحسينه وتجميله، وهو الذي يحرض عليها ويحسنها.

وقوله: فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]، اجتنب كذا، أي: اجعله في جانب بعيداً عنك لا تقربه.

وقوله: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90]، أي: تكملون وتسعدون في دنياكم وآخرتكم.

أدلة تحريم الخمر من السنة

الحكم الذي دلت عليه هذه الآية المباركة من تحريم الخمر قد أكد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فثبتت عنه جملة من الأحاديث المحرمة للتعامل بالخمر، من ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه: ( أنه سئل عن بيع الخمر؟ فقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو دوس، فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه.. ) يعني: يبدو أن هذا الثقفي أو الدوسي كان على الشرك وما سمع بتحريم الخمر، ( فلما كان فتح مكة لقي النبي عليه الصلاة والسلام براوية خمر يهديها إليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا فلان! أما علمت أن الله حرمها، فأقبل الرجل على غلامه فقال: اذهب فبعها.. ) يعني: طالما أنها حرمت فلننتفع بثمنها، ( فقال صلى الله عليه وسلم : يا فلان! بماذا أمرته؟ قال: أمرته أن يبيعها. قال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها، فأمر بها فأفرغت في البطحاء ).

وكذلك من الأحاديث التي تدل على تحريم الخمر ما رواه الإمام أحمد و أبو داود و ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لعنت الخمر على عشرة أوجه: لعنت الخمر بعينها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها ) أي: مشتريها، ( وعاصرها ) أي: لنفسه، ( ومعتصرها ) أي: لغيره، ( وحاملها ) الذي يوصلها ( والمحمولة إليه، وآكل ثمنها )، كل هؤلاء ملعونون.

وروى ابن جرير عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: (بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة و أبي عبيدة بن الجراح و أبي دجانة و معاذ بن جبل و سهيل بن بيضاء حتى مالت رءوسهم من خليط بسر وتمر، فسمعت منادياً ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فما دخل علينا داخل، ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، وتوضأ بعضنا، واغتسل بعضنا، وأصبنا من طيب أم سليم، ثم خرجنا إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90] ).

وتأملوا كيف كان الصحابة رضي الله عنهم، فما إن سمعوا منادياً ينادي: (ألا إن الخمر قد حرمت، يقول أنس : ما دخل علينا داخل، ولا خرج منا خارج، حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، وتوضأ بعضنا، واغتسل بعضنا، وأصبنا من طيب أم سليم) يعني: بدلت حالهم تماماً، وسارعوا إلى الاستجابة لأمر الله عز وجل.

وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل مخمر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب مسكراً بخست صلاته أربعين صباحة -أي: نقصت- فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: صديد أهل النار، ومن سقاه صغيراً -يعني: من سقى طفلاً صغيراً- لا يعرف حلاله من حرامه كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال ).

المؤكدات لتحريم الخمر

وهذه الآية المباركة أكد الله عز وجل فيها تحريم الخمر بجملة من المؤكدات، يقول الزمخشري : أكد الله عز وجل تحريم الخمر والميسر بوجوه من التأكيد منها:

أولاً: تصدير الجملة بـ (إنما) التي تفيد الحصر.

ثانياً: أنه قرنها بعبادة الأصنام، إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ [المائدة:90]، التي هي الأصنام المنصوبة للعبادة، ولما نزلت هذه الآية مشى الصحابة بعضهم إلى بعض يقولون: قد حرمت الخمر، وجعلت عدلاً للشرك. وكان ابن مسعود يقول: أقسم بالله إن مدمن الخمر كعابد وثن.

وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مدمن الخمر، وبين أصحاب الكبائر الأخرى كما في سنن النسائي من حديث سالم بن عبد الله ، عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى ).

ثالثاً: أن الله عز وجل جعلها رجساً، فيشبه هذا قوله سبحانه: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ[الحج:30].

رابعاً: أن الله تعالى جعلها من عمل الشيطان، قال تعالى: رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [المائدة:90]، والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت.

خامساً: أنه أمر بالاجتناب لها، وجعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحاً كان الارتكاب محقة وخيبة.

وسبب نزول هذه الآية:

عن أبي ميسرة قال: قال عمر رضي الله عنه: (اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. قال: فنزلت الآية التي في البقرة: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، قال: فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، قال: وكان منادي النبي صلى الله عليه وسلم ينادي: إذا حضرت الصلاة، لا يقربن الصلاة سكران، قال: فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في المائدة: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90]، إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، فلما بلغ قوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، قال عمر : انتهينا، انتهينا).

وذكر في سبب نزول هذه الآية أيضاً، والرواية في صحيح البخاري عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه رضي الله عنه قال: صنع رجل من الأنصار طعاماً فدعانا، قال: فشربنا الخمر حتى انتشينا، فتفاخرت الأنصار وقريش، فقالت الأنصار: نحن خير منكم، وقالت قريش: نحن أفضل منكم. قال: فأخذ رجل من الأنصار لحي جمل فضرب به أنف سعد ففزره، أي: كسره، فكان سعد رضي الله عنه أفزر الأنف فنزلت هذه الآية.

وفي سبب نزولها أيضاً: عن ابن عباس قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتى إذا ثملوا عبث بعضهم على بعض، أي: لطخ وجه أخيه ولحيته، فلما أن صحوا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته، فيقول: فعل بي هذا أخي فلان، والله لو كان بي رءوفاً رحيماً ما فعل بي هذا، حتى وقع في قلوبهم ضغائن فأنزل الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90]، إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، فقال ناس من المتكلفين: رجس في بطن فلان قتل يوم بدر، وقتل فلان يوم أحد فأنزل الله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا [المائدة:93].

فهذه أسباب ثلاثة وردت في سبب نزول الآية:

أولاً: قول عمر : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً.

ثانياً: ما كان بين سعد والأنصاري حين فزر أنفه.

ثالثاً: ما كان بين قبيلتين من الأنصار حين افتخروا.

قال ابن جرير رحمه الله: وجائز أن يكون نزولها بسبب دعاء عمر في أمر الخمر، وجائز أن يكون ذلك بسبب ما نال سعداً من الأنصاري، عند انتشائهما من الشراب، وجائز أن يكون من أجل ما كان يلحق أحدهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة.

وليس عندنا بأي ذلك كان خبر قاطع للعذر، غير أنه أي ذلك كان فقد لزم حكم الآية جميع أهل التكليف. وحكم الآية تحريم الخمر، والإخبار عنها بأنها رجس، وهذا يلزم جميع المكلفين، وقد أجمع أهل الإسلام على أن الخمر حرام، وأن قليلها وكثيرها سواء، وأن ( كل مسكر حرام ).


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
سورة التحريم - الآية [8] 2640 استماع
سورة المجادلة - الآية [11] 2579 استماع
سورة آل عمران - الآية [102] 2539 استماع
سورة المائدة - الآية [105] 2525 استماع
سورة النساء - الآية [19] 2350 استماع
سورة البقرة - الآية [104] 2314 استماع
سورة الأحزاب - الآيات [70-71] 2307 استماع
سورة التوبة - الآية [119] 2298 استماع
سورة البقرة - الآية [182] 2233 استماع
سورة التغابن - الآية [14] 2192 استماع