عنوان الفتوى : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء وبعده
سمعت أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء، وبعده، سببٌ من أسباب استجابة الدعاء، فإذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت بعددٍ كبيرٍ من الأدعية، ثم ختمتها بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل يجوز ذلك، أم تجب عليّ الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم قبل كل دعاءٍ، وبعده؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في الاقتصار على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الانتهاء من الأدعية كلها، لما في الحديث: كل دعاءٍ محجوبٌ؛ حتى يصلّى على محمدٍ صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني، والبيهقي.
وقد صرح بعض أهل العلم بحصول الإجابة، ولو تأخّرت الصلاة عن الدعاء بزمنٍ، فقد جاء في السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير: كل دعاءٍ محجوبٌ ـ عن القبول: حتى يصلّى ـ بالبناء للمفعول، أي: حتى يصلِّي الداعي، على النبي صلى الله عليه وسلم ـ ظاهره: ولو بعد طول الزمنٍ، وإن لم يقصد الداعي بصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم طلب الإجابة. اهـ.
والأحسن أن يبدأ الداعي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما في الحديث: إذا صلّى أحدكم، فليبدأ بتحميد اللَّه، والثناء عليه، ثم يصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعدُ بما شاء. رواه أبو داود.
ويشرع كذلك الصلاة بين الدعوات، ثم يختم بها، فقد قال ابن القيم في جلاء الأفهام: الموطن السابع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: عند الدعاء: وله ثلاثة مراتب:
إحداها: أن يصلي عليه قبل الدعاء، وبعد حمد الله تعالى.
والمرتبة الثانية: أن يصلي عليه في أول الدعاء، وأوسطه، وآخره.
والثالثة: أن يصلي عليه في أوله، وآخره، ويجعل حاجته متوسطةً بينهما.
فأما المرتبة الأولى: فالدليل عليها: حديث فضالة، عن عبيدٍ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: إذا دعا أحدكم، فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء ـ.
وقال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكرٍ بن عياش، عن عاصمٍ، عن زرٍ، عن عبد الله، قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، وعمر معه، فلما جلست: بدأت بالثناء على الله تعالى، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سل تعطه، سل تعطه ـ.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمرٌ، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعودٍ ـ رضي الله عنه ـ قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل الله تعالى: فليبدأ بحمده، والثناء عليه بما هو أهله، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل بعد؛ فإنه أجدر أن ينجح، أو يصيب ـ. ورواه شريكٌ عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله نحوه.
وأما المرتبة الثانية: فقال عبد الرزاق، عن الثوري، عن موسى بن عبيدة، عن محمدٍ بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوني كقدح الراكب، فذكر الحديث، وقال: اجعلوني في وسط الدعاء، وفي أوله، وفي آخره ـ.
وقد تقدم حديث علي: ما من دعاءٍ إلا بينه وبين الله حجابٌ؛ حتى يصلى على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فإذا صلّي على النبي صلى الله عليه وسلم انخرق الحجاب، واستجيب الدعاء، وإذا لم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم، لم يستجب الدعاء ـ.
وتقدم قول عمر ـ رضي الله عنه ـ الدعاء: موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيءٌ، حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم ـ.
وقال أحمد بن عليٍ، بن شعيبٍ: حدثنا محمدٌ بن حفصٍ، حدثنا الجراح بن يحيى، حدثني عمرو بن عمرٍو، قال: سمعت عبد الله بن بسرٍ، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدعاء كله محجوبٌ؛ حتى يكون أوله ثناءً على الله عز، وجل، وصلاةً على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو، يستجاب لدعائه... اهـ.
والله أعلم.