العدة شرح العمدة [72]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الوديعة.

وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى ].

كأن أقول لك: خذ هذه الساعة وديعة عندك في بيتك، فأخذت أنت الساعة ووضعتها في حرز أمين، لكن سرقت، ففي هذه الحالة لا يلزمك القيمة؛ لأنها أمانة، وأنت قمت بحفظها.

مثال آخر: قلت لك: هذه ألف جنيه، خذها أمانة عندك لمدة أسبوع، فجاء لص وسطا على الخزنة وكسرها وأخذ الألف جنيه، ففي هذه الحالة لا يلزمك، لكن إن أخذت المبلغ ووضعته على الباب أو في الشباك، فمر لص ووجد الألف وأخذها، ففي هذه الحالة يلزمك؛ لأنك لم تحفظها بالطريقة المعتادة، وهذا معنى قول المصنف: (وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى).

قال: [ سواء ذهب معها شيء من مال المودع أو لم يذهب ].

مثال ذلك: وضعت في الخزنة عشرين ألف جنيه (10000) جنيه أمانة و(10000) جنيه أخرى ملكي، فأتى السارق وأخذ (10000) الأمانة، (5000) من ملكي، والأمانة تكون مميزة، بأن أكتب عليها (10000) جنيه في ورقة ملفوفة أمانة للأخ فلان، و(10000) الأخرى ملكي، ففي هذه الحالة إن أخذ السارق الأمانة فلا يلزمني شيء، وإن كانت العشرون ألف جنيه مختلطة بدون تمييز، ففي هذه الحالة تحسب العشرة المسروقة من ملكي؛ لأن المال الآن مختلط، لكن لابد أن تميز الأمانة في حفظها.

قال: [ وعنه: إن ذهبت من بين ماله غرمها ].

يعني: رواية عن أحمد : إن ذهبت من بين ماله، بمعنى: ذهبت ومعها جزء من ماله.

قال: [ لما روي عن عمر بن الخطاب أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله، ودليل الأولى -وهو الأرجح والأقوى والمختار- أن الله سبحانه سماها أمانة، والضمان ينافي الأمانة، ويروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المودع ضمان)، ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة؛ ولأن المستودع يحفظها لصاحبها متبرعاً، فلو ضمن لامتنع الناس من قبول الودائع، فيضرُّ بهم لحاجتهم إليها، وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا ينافي ما ذكرناه، فأما إن تعدى فيها أو فرط في حفظها فتلفت ضمنها بغير خلاف نعلمه ].

الوديعة أمانة، فإن اشترط فيها الضمان لن تكون عندي أمانات، فإنني لا أريد أن أقحم نفسي في المتاعب، وفي هذه الحالة لا أحد سيضع عند أحد ودائع، فالأصل: أن تكون الوديعة أمانة، ولا يلزمك الضمان إلا إذا قصرت، فإن لم تقصر لا شيء عليك.

حفظ الوديعة في حرز مثلها والأحكام المترتبة على ذلك

قال المؤلف رحمه الله: [ ويلزمه حفظها في حرز مثلها ].

ومعنى حرز المثل: حرز مال المثل، فالتسجيل يكون في مكان في البيت، والمال في الخزنة، والملابس في الدولاب، فإن أعطيتك قميصاً أمانة عندك من الجمعة إلى الجمعة القادمة، فأخذت أنت القميص ووضعته فوق السطح، وأتى السارق وأخذه؛ فإنك في هذه الحالة لم تحفظ الوديعة؛ لأن وضعه العادي في الدولاب وأن تغلق عليه الدولاب.

قال: [ فإن تركها في دون حرز مثلها ضمن ].

يعني: يلزمه الضمان إن حفظها في حرز ليس هو حرزها.

قال: [ لأن الإيداع يقتضي الحفظ، فإن أطلق حمل على المتعارف وهو حرز المثل، وهو ما جرت العادة بحفظ مثلها فيه، والدراهم والدنانير في الصناديق من وراء الأقفال، والثياب في البيوت والمخازن من وراء السكاكر والأغلاق، والخشب في الحظائر، والغنم في الصُّبَر ].

يعني: كل شيء له حرز، مثال ذلك: أعطيتك خروفاً وديعة عندك، فوضعت أنت الخروف في السيارة، فجاء اللص وأخذ الخروف من السيارة، فإنه يلزمك في هذه الحالة الضمان؛ لأن الخروف مكانه في الحظيرة وليس في السيارة، فكان يجب عليك أن تضع الخروف في الحظيرة مع رفاقه -هذا الحرز- وأن تغلق باب الحظيرة عليه، وهكذا إن فرط المودع يعاقب بالضمان.

قال: [ فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعلها في دونه ضمن؛ لأن صاحبها لم يرضه ].

يعني: إن أمرتك أن تضع المال في خزنتك شرطاً مني عليك، فإذا بك تضع المال تحت المخدة، وجاء اللص وأخذ المال من تحت المخدة، فأنت في هذه الحالة وضعته في حرز أدنى ويلزمك الضمان؛ لأنك لم توف.

قال: [ فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعله في دونه ضمن؛ لأن صاحبه لم يرضه، وإن أحرزها في مثله أو فوقه لم يضمن ].

كأن أقول لك: خذ الألف جنيه أمانة عندك على أن تضعها تحت وسادتك، فوضعتها في الخزنة وسرقت، ففي هذه الحالة لا أضمن؛ لأنني وضعتها في حرز أعلى.

قال: [ وقيل: يضمن؛ لأنه خالف أمره ]. لكن الصواب: أنه لا يضمن.

قال: [ وإن تصرف فيها لنفسه فركب الدابة بغير نفعها أو لبس الثوب فتلف ضمن ]. قلت لك: خذ هذه السيارة ضعها في جراشك وديعة أمانة لمدة أسبوع حتى أسافر وآتي، رأيت السيارة وأعجبتك، قلت: آخذها في مشوار، وعندما تحركت بها إذا بك تضربها في عمود، يلزمك الضمان؛ لأنك استخدمت الوديعة بغير إذن صاحبها، وهذه أمانة لا يجوز أن تركبها إلا بإذن صاحبها، فإن أذن لك ثم صدمت فلا شيء عليك، طالما أنك لم تفرط.

قال: [ وإن تصرف فيها لنفسه فركب الدابة بغير نفعها، أو لبس الثوب فتلف ضمن؛ لأنه تعدى فيها فبطل استئمانه، وإن خلطها بما لا تتميز منه فقد فوت على نفسه إمكان ردها بعينها فوجب أن يضمنها، كما لو ألقاها في مهلكة ].

مثال ذلك: لو وضع العشرة آلاف جنيه مع نقوده ولم يميز، وسرقت من الخزنة عشرة آلاف جنيه يلزمه الضمان؛ لأنه لم يميز الوديعة عن غير الوديعة.

قال: [ وإن أخرجها لينفقها ثم ردها ضمن؛ لأنه هتك الحرز بغير عذر ].

مثال ذلك: وضع شخص عندي ألف جنيه أمانة، فأتى إلي شخص وقال: أريد ألف جنيه قرضاً، فإن أعطيته الألف التي هي أمانة عندي ولم يردها لي ضمنت، طالما أنها أمانة فمن الأولى ألا أتصرف فيها.

قال: [ وإن كسر ختم كيسها ضمن ].

مثال ذلك: أعطيتك نقوداً في حرز وعليها شمع أحمر، فجئت أنت وأزلت الشمع وفضضت الحرز وضاع المبلغ، ففي هذه الحالة تضمن؛ لأنك فككت الحرز.

قال: [ وإن جحدها ثم أقر بها ضمنها ].

مثال ذلك: أعطيت شخصاً ألف جنيه، وبعد أيام قلت له: أين الأمانة؟ قال: ما أعطيتني شيئاً، فجحدها، فأصررت عليه حتى أقر بها، وذهب إلى الخزنة ولم يجد الألف جنيه فهنا ضمن؛ لأنه فقد الأمانة؛ ولأنه جحدها فلم يعد عندنا أميناً.

قال: [ وإن جحدها ثم أقرها ضمن ]. يعني: إن ضاعت ضمن قيمتها؛ [ لأنه بجحده بطل استئمانه عليها ] أما إذا نسي فهذه مسألة أخرى.

قال: [ وإن امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها؛ لأنه تعدى ].

أعطيتك ألف جنيه في هذا الأسبوع، وفي الجمعة القادمة أتيتك فقلت لك: أين الألف جنيه؟ قلت لي: آسف اليوم لا أستطيع أن آتيك بها، فقد أنفقتها في شيء، غداً إن شاء الله أسلمها لك، ففي هذه الحالة يلزمه الضمان؛ لأنه صرفها بغير إذن صاحبها ففقد الأمانة.

قال: [ لأنه تعدى بالامتناع من ردها فصار كالغاصب ].

أرأيتم حكم الوديعة أيها الإخوة! استخلف النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليرد ودائع المشركين، وبعض الناس يستحل أموال غير المسلمين، ويقول: لأنهم كفار، أو يستحل أموال النصارى وهذا لا يجوز أبداً؛ لأنه معاهد أو مستأمن، حتى وإن كان كافراً لا يجوز أن تأخذ ماله، فطالما أنه أعطاك الوديعة بطيب نفس لابد أن تحفظها.

قال: [ وإن قال: ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه؛ لأنه مكذب لإنكاره الأول، معترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة.

وإن قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى ردها أو تلفها قبل ]. يعني: قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى أنه ردها، أو تلفها قبل؛ لأن القول هو قول المودع الأمين.

حكم العارية

قال المؤلف رحمه الله: [ والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته عام حجة الوداع: (العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم) وروى صفوان بن أمية : (أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعاً فقال: أغصباً يا محمد؟! قال: بل عارية مضمونة) ].

والمعنى: أن العارية تضمن، فلو أخذت مني أي شيء عارية تضمنها سواء تلفت بإرادتك أو بغير إرادتك.

قال المؤلف رحمه الله: [ ويلزمه حفظها في حرز مثلها ].

ومعنى حرز المثل: حرز مال المثل، فالتسجيل يكون في مكان في البيت، والمال في الخزنة، والملابس في الدولاب، فإن أعطيتك قميصاً أمانة عندك من الجمعة إلى الجمعة القادمة، فأخذت أنت القميص ووضعته فوق السطح، وأتى السارق وأخذه؛ فإنك في هذه الحالة لم تحفظ الوديعة؛ لأن وضعه العادي في الدولاب وأن تغلق عليه الدولاب.

قال: [ فإن تركها في دون حرز مثلها ضمن ].

يعني: يلزمه الضمان إن حفظها في حرز ليس هو حرزها.

قال: [ لأن الإيداع يقتضي الحفظ، فإن أطلق حمل على المتعارف وهو حرز المثل، وهو ما جرت العادة بحفظ مثلها فيه، والدراهم والدنانير في الصناديق من وراء الأقفال، والثياب في البيوت والمخازن من وراء السكاكر والأغلاق، والخشب في الحظائر، والغنم في الصُّبَر ].

يعني: كل شيء له حرز، مثال ذلك: أعطيتك خروفاً وديعة عندك، فوضعت أنت الخروف في السيارة، فجاء اللص وأخذ الخروف من السيارة، فإنه يلزمك في هذه الحالة الضمان؛ لأن الخروف مكانه في الحظيرة وليس في السيارة، فكان يجب عليك أن تضع الخروف في الحظيرة مع رفاقه -هذا الحرز- وأن تغلق باب الحظيرة عليه، وهكذا إن فرط المودع يعاقب بالضمان.

قال: [ فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعلها في دونه ضمن؛ لأن صاحبها لم يرضه ].

يعني: إن أمرتك أن تضع المال في خزنتك شرطاً مني عليك، فإذا بك تضع المال تحت المخدة، وجاء اللص وأخذ المال من تحت المخدة، فأنت في هذه الحالة وضعته في حرز أدنى ويلزمك الضمان؛ لأنك لم توف.

قال: [ فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعله في دونه ضمن؛ لأن صاحبه لم يرضه، وإن أحرزها في مثله أو فوقه لم يضمن ].

كأن أقول لك: خذ الألف جنيه أمانة عندك على أن تضعها تحت وسادتك، فوضعتها في الخزنة وسرقت، ففي هذه الحالة لا أضمن؛ لأنني وضعتها في حرز أعلى.

قال: [ وقيل: يضمن؛ لأنه خالف أمره ]. لكن الصواب: أنه لا يضمن.

قال: [ وإن تصرف فيها لنفسه فركب الدابة بغير نفعها أو لبس الثوب فتلف ضمن ]. قلت لك: خذ هذه السيارة ضعها في جراشك وديعة أمانة لمدة أسبوع حتى أسافر وآتي، رأيت السيارة وأعجبتك، قلت: آخذها في مشوار، وعندما تحركت بها إذا بك تضربها في عمود، يلزمك الضمان؛ لأنك استخدمت الوديعة بغير إذن صاحبها، وهذه أمانة لا يجوز أن تركبها إلا بإذن صاحبها، فإن أذن لك ثم صدمت فلا شيء عليك، طالما أنك لم تفرط.

قال: [ وإن تصرف فيها لنفسه فركب الدابة بغير نفعها، أو لبس الثوب فتلف ضمن؛ لأنه تعدى فيها فبطل استئمانه، وإن خلطها بما لا تتميز منه فقد فوت على نفسه إمكان ردها بعينها فوجب أن يضمنها، كما لو ألقاها في مهلكة ].

مثال ذلك: لو وضع العشرة آلاف جنيه مع نقوده ولم يميز، وسرقت من الخزنة عشرة آلاف جنيه يلزمه الضمان؛ لأنه لم يميز الوديعة عن غير الوديعة.

قال: [ وإن أخرجها لينفقها ثم ردها ضمن؛ لأنه هتك الحرز بغير عذر ].

مثال ذلك: وضع شخص عندي ألف جنيه أمانة، فأتى إلي شخص وقال: أريد ألف جنيه قرضاً، فإن أعطيته الألف التي هي أمانة عندي ولم يردها لي ضمنت، طالما أنها أمانة فمن الأولى ألا أتصرف فيها.

قال: [ وإن كسر ختم كيسها ضمن ].

مثال ذلك: أعطيتك نقوداً في حرز وعليها شمع أحمر، فجئت أنت وأزلت الشمع وفضضت الحرز وضاع المبلغ، ففي هذه الحالة تضمن؛ لأنك فككت الحرز.

قال: [ وإن جحدها ثم أقر بها ضمنها ].

مثال ذلك: أعطيت شخصاً ألف جنيه، وبعد أيام قلت له: أين الأمانة؟ قال: ما أعطيتني شيئاً، فجحدها، فأصررت عليه حتى أقر بها، وذهب إلى الخزنة ولم يجد الألف جنيه فهنا ضمن؛ لأنه فقد الأمانة؛ ولأنه جحدها فلم يعد عندنا أميناً.

قال: [ وإن جحدها ثم أقرها ضمن ]. يعني: إن ضاعت ضمن قيمتها؛ [ لأنه بجحده بطل استئمانه عليها ] أما إذا نسي فهذه مسألة أخرى.

قال: [ وإن امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها؛ لأنه تعدى ].

أعطيتك ألف جنيه في هذا الأسبوع، وفي الجمعة القادمة أتيتك فقلت لك: أين الألف جنيه؟ قلت لي: آسف اليوم لا أستطيع أن آتيك بها، فقد أنفقتها في شيء، غداً إن شاء الله أسلمها لك، ففي هذه الحالة يلزمه الضمان؛ لأنه صرفها بغير إذن صاحبها ففقد الأمانة.

قال: [ لأنه تعدى بالامتناع من ردها فصار كالغاصب ].

أرأيتم حكم الوديعة أيها الإخوة! استخلف النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليرد ودائع المشركين، وبعض الناس يستحل أموال غير المسلمين، ويقول: لأنهم كفار، أو يستحل أموال النصارى وهذا لا يجوز أبداً؛ لأنه معاهد أو مستأمن، حتى وإن كان كافراً لا يجوز أن تأخذ ماله، فطالما أنه أعطاك الوديعة بطيب نفس لابد أن تحفظها.

قال: [ وإن قال: ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه؛ لأنه مكذب لإنكاره الأول، معترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة.

وإن قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى ردها أو تلفها قبل ]. يعني: قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى أنه ردها، أو تلفها قبل؛ لأن القول هو قول المودع الأمين.