العدة شرح العمدة [51]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [باب أركان الحج والعمرة.

أركان الحج يقصد بها: ما إذا تركه المكلف يقع الحج باطلاً]، أي: أن الحج يبطل بترك ركن من هذه الأركان، وفرقنا بين الركن والواجب والسنة، والحج له أركان، وله واجبات وله سنن.

فالأركان لا بد من تحصيلها، والواجبات إن تركها تجبر بدم، والسنن لا شيء في تركها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أركان الحج: الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة]، لكنه نسي أن يذكر الإحرام، فنضيف إليها: الإحرام، وأصل الإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، فلو مر على الميقات دون أن يحرم وأحرم بعد الميقات يلزمه دم، لكن لا يجوز أبداً أن لا يحرم، فأصل الإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، لذلك نضيف هنا: الإحرام، فقد نسي المصنف أن يذكره.

قال الشارح: [الوقوف بعرفة: فلا يتم الحج إلا به إجماعاً، وروى عبد الرحمن بن يعمر قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فجاءه نفر من أهل نجد فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟ قال: الحج عرفة)]، وقوله: (الحج عرفة)، تعريف للحج بأهم ركن من أركانه، وأمثال هذا في الكتاب والسنة كثير، يقول ربنا سبحانه: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، ( اسجدي ) أي: صلي، و( اركعي مع الراكعين ) أي: صلي مع المصلين، فعبر عن الصلاة بأحد أركانها، فالتعبير عن الشيء بركن من أركانه معروف في لغة العرب.

قال الشارح: [ (الحج عرفة)، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه أخرجه أبو داود وابن ماجه ] وليلة جمع هي ليلة المبيت بالمزدلفة، فلو أن رجلاً انطلق من مصر في اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة، وأدرك الوقوف بعرفة قبل فجر يوم العيد فقد أدرك الحج.

قال الشارح : [ قال محمد بن يحيى : ما أرى للثوري حديثاً أشرف منه ].

ولا بد أن نفرق بين الوقوف بعرفة والوقوف بعرفة نهاراً، والسنة أن يجمع في الوقوف بعرفة بين النهار والليل، فإذا وقف بالليل ولم يقف بالنهار فحجه صحيح ولا شيء عليه، وإذا وقف بالنهار وترك عرفة قبل غروب الشمس، فقد ترك واجباً من واجبات الحج عند بعض الفقهاء وأنه يجبره بدم.

قال الشارح: [ وطواف الزيارة ركن لا يتم الحج إلا به ]، ويسمى: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الحج، وطواف الركن، فله أربعة أسماء: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الحج، وطواف الركن، وكلها بمعنىً واحد.

قال الشارح: [ طواف الزيارة ركن لا يتم الحج إلا به، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر له أن صفية حاضت، قال: (أحابستنا هي؟، قيل: إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: فلتنفر إذاً)]، بمعنى: أن صفية زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أصابها الحيض فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحابستنا هي؟)، أي: أنها ستؤخرنا عن الرحيل؛ لأنها لا بد أن تطوف طواف الزيارة فلما أخبر أنها طافت طواف الإفاضة في يوم النحر قال: (فلتنفر إذاً) ؛ لأن طواف الوداع يسقط عنها؛ لأنها حائض.

قال الشارح: [فصل ثم ذكر الواجبات]، إذاً بعد أن ذكر الأركان ذكر الواجبات، إذاً فالأركان ثلاثة ذكر المصنف ركنين الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة، أو الإفاضة، ونسي الإحرام.

الإحرام من الميقات

قال المصنف: [ وواجباته:

الإحرام من الميقات ] كما قلنا: أن أصل الإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، والوقوف بعرفة إلى الليل واجب، والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل واجب، والسعي بين الصفا والمروة، والمبيت بمنى والرمل، والحلق، وطواف الوداع، فهي ثمانية في المذهب، والسعي مختلف فيه، فمنهم من قال: أن السعي ركن، ودراسة المذهب تفيد طالب العلم في دراسة الفقه، فإذا درس مذهباً واحداً وأجاده، يدخل بعد ذلك إلى الفقه المقارن، أما أن يدخل إلى الفقه المقارن قبل أن يجيد مذهباً هذا لم يعرفه السلف، وليس معنى دراسة المذهب أن نتعصب له، بل هناك فرق بين الدراسة والمذهبية، فكل علماء السلف كان لهم مذهب، فـابن رجب كان حنبلياً، وابن العربي كان مالكياً، وابن حجر كان شافعياً، والنووي كذلك، لذلك لا تجد عالماً من علماء سلفنا إلا وله مذهب، وليس معنى ذلك أنه يتعصب للمذهب ولكنه تخصص في دراسة مذهب من المذاهب، والكثير من طلاب العلم اليوم يدرس الفقه بطرق عشوائية، فإن قلت له ما مذهبك في الدراسة؟ يقول: لا أدري؛ لأنه لا يدري فعلاً، فهو يقرأ بعض الوقت في كتاب فقه السنة، والبعض الآخر في كتاب نيل الأوطار، والبعض الآخر في كتاب العدة، والبعض الآخر في كتاب التمهيد لـابن عبد البر ، فيجمع بين هذه الكتب ولا يعرف أصولها، ولا يعرف مشايخ هذا المذهب ولا مجتهدي هذا المذهب، ولا يعرف كتب المذهب ومصطلحات المذهب، وليس معنى هذا أننا ندعو إلى المذهبية؛ لأن البعض قد يظن خطأً أنني أدعو إلى المذهبية، إنما ندعو إلى التخصص في دراسة مذهب واحد ثم بعد ذلك تنفتح على كتب الفقه الأخرى.

وعالمنا الجليل الشيخ ابن عثيمين كان حنبلي المذهب في الدراسة لكنه في كتابه: الشرح الممتع أحياناً يترك المذهب الحنبلي ويقول: أخطأ المذهب، والراجح مذهب الشافعي ، ومن الأمثلة على ذلك قوله: في مذهب الحنابلة لا يجوز أن تستقبل القمر أو الشمس بغائط أو بول، وهذا كلام غير صحيح، هذا كلام لا ينبغي أن يقال أبداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شرقوا أو غربوا) ، معنى ذلك أنه لا يتوجه إلى القبلة أو إلى بيت المقدس.

إذاً واجبات الحج عند الحنابلة ثمانية:

أولاً: الإحرام من الميقات.

ثانياً: الوقوف بعرفة ليلاً.

ثالثاً: المبيت بمزدلفة إلى نصف الليل.

رابعاً: السعي.

خامساً: المبيت بمنى.

سادساً: رمي الجمرات.

سابعاً: الحلق.

ثامناً: طواف الوداع.

قال الشارح: [ أما الإحرام فهو أن ينوي الدخول في العبادة، قال ابن عباس : (أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته) ]، وهناك فرق بين الإحرام وملابس الإحرام، والبعض يعتقد أن لبس الإزار والرداء إحرام، هو الآن تهيأ للإحرام، والإحرام أن يستحضر النية وأن يقول: لبيك عمرة أو لبيك حجاً، ولكن إن تهيؤ للإحرام في المطار فهذا ليس إحراماً وإنما هذا تهيأ، وعلى هذا يسأل البعض ويقول: أنا ألبس الإحرام والجو بارد فهل يجوز أن أضع العباءة فوق الإحرام؟ والجواب: لا بأس بما أنك لم تصل إلى الميقات، فالعبرة بالميقات.

قال الشارح رحمه الله: [ في حديث جابر : (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى) ، رواه مسلم .

وفي حديث: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهلوا بالحج إذا خرجوا إلى منى وأمرهم بالإحرام) ، والأمر يقتضي الوجوب، يعني أمرهم بالإحرام بعد أن تحللوا من العمرة قبل أن يذهبوا إلى منى في يوم التروية، أحرموا من مكانهم قبل أن يتوجهوا إلى منى.

ويستحب النطق بذلك كما في صلاة الفرض ] وهذا خطأ، فإنه لا يستحب في صلاة الفرض النطق بالنية، وهذا الكلام لا نوافقهم عليه، وصدق من قال: من تتبع أقوال الرجال وقع في متاهات الضلال.

بعض المتصوفة عندنا كتب ورقة: أن الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعد شركاً؛ لأن الله حلف به فقال: لَعَمْرُكَ [الحجر:72]، والإمام أحمد يرى جواز الحلف بالنبي، وهذا الكلام حتى وإن ورد في مذهب أحمد فإنه يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله).

إذاً نحن لا نعتد بأقوال الرجال إن خالفت النص، والإمام أحمد بن حنبل على ورعه قال الدارمي في مقدمة سننه: والإمام أحمد على ورعه قال بجواز مسح اليد، هل معنى هذا الكلام أن آخذ هذا القول وأجعله دليلاً، فربما كان للإمام أحمد شبهة أو أنه كان متأولاً، إنما الحق واضح أبلج وضوح الشمس، لا ينبغي أبداً أن نتمسك بزلة عالم أو بقول مرجوح ضعيف ونسير في ركبه وندندن حوله، فإن هذا الكلام من صنع مرضى القلوب؛ لأن العصمة للرسل، وكل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لذلك لا ينبغي أن تقول: قال فلان، دون أن تعرف الدليل، ولذلك الأئمة الأربعة كانوا يقولون: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وبعضهم قال إن تعارض قولي مع قول رسول الله فاضربوا كلامي عرض الحائط.

يقول الشارح: [ ويحرم من الميقات]، يستحب النطق بالنية في الحج فقط، قال بعض العلماء: لا يجوز، لكننا جوزنا له أن ينطق بالنية ليميز بين أنواع النسك الثلاثة، هل هو قارن أم مفرد أم متمتع؟ أما النطق بالنية في الفرض فقد اعتبره العرب من سفاهة الرجل، يعني: أنت الآن معك درس في مسجد العزيز قبل أن تخرج من البيت قلت: نويت أن أذهب إلى مسجد العزيز لحضور درس فقهي بعد صلاة العشاء، وعندما تتناول الطعام تقول: باسم الله، نويت أن أتغدى اليوم الإثنين، وحينما تخرج إلى العمل في الصباح تقول: نويت أن أذهب إلى العمل، فالتلفظ بالنية سفاهة؛ لأن النية محلها القلب وهو العزم والإرادة على فعل شيء.

الوقوف بعرفة إلى الليل

قال الشارح: [ ويحرم من الميقات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال: (خذوا عني مناسككم) ، وأما الوقوف بعرفة إلى الليل فواجب ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف في عرفة فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة حتى غابت الشمس وفي حديث عروة: (من شهد صلاتنا ووقف معنا حتى ندفع، ووقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ]، التفث يعني: النسك، قال الشارح: [ وإذا تركه فعليه دم ]، ومن ترك الوقوف بعرفة ليلاً عليه دم، لكن لا بد أن يقف بالنهار، فإن ترك الوقوف ليلاً ونهاراً فإن حجه باطل؛ لأنه ترك ركناً، والفرق بين الفساد والبطلان في الحج: أنه إذا ترك ركناً يقال: حج باطل، ولكن إن جامع زوجته قبل التحلل الأصغر فيسمى: فاسداً.

وإن ترك عرفة فهذا يسمى الفوات، وقد شرحناه قبل ذلك باسم الفوات.

قال الشارح: [ (من شهد صلاتنا ووقف معنا حتى ندفع ووقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه) ، فإذا تركه فعليه دم لقول ابن عباس : من ترك نسكاً فعليه دم ] عليه دم يعني: عليه فدية، وإن عجز عن الفدية يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع، وهذا الحكم أيضاً فيمن ترك واجباً.

المبيت بمزدلفة

قال الشارح: [ وأما المبيت بمزدلفة فواجب لما في حديث جابر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح حين تبين له الصبح) ، يعني: بمزدلفة، وفي حديث ابن مسعود : (صلى الفجر حين طلع الفجر) ، وهذا دليل على أنه بات بها، وقد قال: (خذوا عني مناسككم).

فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم؛ لأنه لم يبت، وإن دفع بعد نصف الليل فلا شيء عليه؛ لأنه يكون قد بات؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس في ترك المبيت بمزدلفة لأجل سقايته وللرعاة من أجل رعايتهم، وذلك دليل على وجوبه على غيرهم؛ لكونه سقط عن هؤلاء رخصة ].

قال الشارح: [ وعنه ] يعني: رواية أخرى عن أحمد [ أن المبيت غير واجب ولا شيء على تاركه ]، ولكن المذهب الأول هو الراجح، وهذا الواجب يتركه غالب حجاج مصر للأسف، فيأتون من عرفة مباشرة إلى منى، ولا يبيتون في مزدلفة، الغالب يترك هذا الأمر وبذلك يكون قد ترك واجباً، ويقول: لي عذر فالمطوف هو الذي ذهب بنا إلى منى، فأقول: يا عبد الله! لا تجعل المطوف يقودك في ركن من أركان هذا الدين، اترك المطوف وانزل في المزدلفة وبت فيها ثم توجه إلى منى في المخيم، ويجوز أن يدفع من المزدلفة بعد نصف الليل أصحاب الأعذار إن كان معهم نساء، فهم في حكم الصحبة والمرافق لهم يأخذ نفس الحكم، إنما النبي صلى الله عليه وسلم بات في مزدلفة حتى أسفر جداً وصلى بها الفجر.

السعي بين الصفا والمروة

قال الشارح: [ وأما السعي فعن أحمد رحمه الله: أنه لا يتم الحج إلا به، ولا ينوب عنه دم بوجه، وهو قول عائشة وعروة وهذا معناه أنه ركن فلا يجبره دم ].

يعني: هناك رواية عن أحمد ، ومن ثراء المذهب الحنبلي أن فيه أكثر من رواية، وكل رواية متعددة في مذهب الإمام أحمد تقابل رأياً في المذهب الآخر، فستجد أن مذهب الشافعي فيه قول من أقوال أحمد ، فتعدد الروايات عن الإمام أحمد يجعل لهذا المذهب ثراء، ولذلك اختلف العلماء في روايات الإمام وكيف نرجح بين الروايات، وهناك كتاب للمرداوي اسمه: الإنصاف في الراجح من مسائل الخلاف، يرجح رواية واحدة في المذهب، ومن الجدير بالذكر أن المستشرقين قد زرعوا في الأمة هذا التقليد الأعمى: فإذا كان الرجل حنبلياً فمعناه أنه متشدد، وما كان الإمام أحمد متشدداً، وما عرف التشدد في يوم من الأيام، بل هو أقرب المذاهب إلى السنة؛ لأن الإمام أحمد كان أكثر الأئمة حفظاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول الشارح: [ وعنه أنه مستحب ولا يجب بتركه دم، وذلك عن ابن عباس وأنس وعبد الله بن الزبير فإن الله تعالى قال: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، وفي مصحف أبي وابن مسعود : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، وهذا إن لم يكن قرآناً فلا ينحط عن درجة الخبر؛ لأنهما يرويانه عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختار القاضي أن يكون حكمه حكم الرمي يكون واجباً ينوب عنه الدم ].

إذاً الخلاف وقع في السعي، منهم من قال: ركن، ومنهم من قال: واجب، ومنهم من قال: مستحب سنة ولكن الراجح أنه واجب إن تركه يجبر بدم، والقراءة الشاذة لا يعتد بها، كقراءة ابن مسعود : فصيام ثلاثة أيام متتابعات ، كلمة ( متتابعات ) قراءة شاذة، في كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ [المائدة:89]، وقراءة ثلاثة أيام متتابعات ، هذه قراءة ابن مسعود وهي قراءة شاذة، والأحناف أخذوا بالقراءة الشاذة فقالوا: يشترط التتابع، وجمهور العلماء قالوا لا يشترط التتابع؛ لأن القراءة الشاذة لا يعتد بها.

ومعرفة القراءات السبع مهم جداً، ومن المهم أن تعرف الفرق بين القراءات السبع وبين الأحرف السبعة، ولذلك يقول بعضهم: سامح الله من جعل القراءات سبعاً فإنه قد اختلط على الكثير أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع وما تشابهت إلا في العدد، لكن القراءات السبع تختلف عن الأحرف السبعة، فالقرآن نزل على سبعة أحرف، ومعنى أنه نزل على سبعة أحرف أن الكلمة مختلفة اللفظ لكن المعنى واحد، فهي لهجات عند العرف: تعال، أقبل، هلم، كلها بمعنىً واحد، ولذلك كتبوه بلغة قريش، والأحرف السبعة هناك اختلاف فيها إلى ستة أقوال، هل هي القراءات السبع؟ هل هي الأوجه المغايرة؟ هل العدد لا مفهوم له؟ فأحياناً يكون عدد لا مفهوم له، الله يقول: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً [التوبة:80]، فالعدد هنا ليس له مفهوم وإنما يشير إلى الكثرة؛ لأن نهاية الآحاد عند العرب كانت سبعة ونهاية العشرات سبعين، وحينما أقول لك: سبعة يعني نهاية كمال الآحاد، فالعدد ليس مقصوداً لذاته وإنما لا مفهوم للعدد وإنما يشير إلى الكمال والكثرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أعلم أني لو زدت عن السبعين لغفر له لفعلت) .

المبيت بمنى يوم النحر وأيام التشريق

ثم انتقل بعد أن تحدث عن السعي إلى المبيت بمنى قال الشارح: [ والمبيت بمنى واجب وعنه أنه غير واجب، قال ابن عباس رضي الله عنه: إذا رميت فبت حيث شئت، ووجه الأول ما سبق من الترخيص للعباس للمبيت في المزدلفة ].

والمبيت بمنى ليس فيه إنابة؛ لأن هذا لا يجوز، فلا بد أن يبيت الشخص بنفسه ثم يوكل في الرمي إن لم يستطع، فبعض الناس يفهم أنه يجوز أن يوكل من يبيت عنه في منى لاقتران المبيت بالرمي، هكذا يفهم الكثير، وهذا لا يجوز لا بد أن يبيت بنفسه في منى.

رمي الجمرات

حلق الرأس وطواف الوداع

ثم قال الشارح: [ والحلق واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، قال أنس : (إن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله دفعاً بذبح ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه فجعل يقسم بينه وبين من يليه الشعرة والشعرتين) ]، يعني: بعد أن حلق الجزء الأيمن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر الذي حلقه وأعطاه أصحابه ليتبركوا بشعر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حلق الشق الأيسر؛ لأنه جاء في البخاري: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء، في تنعله وترجله وطهوره)، وترجله يعني: ترجيل الشعر، تبدأ باليمين قبل اليسار، وكذلك الحلق تبدأ باليمين أولاً، [ ثم أخذ شق رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال: (هاهنا أبو طلحة ؟ فدفعه إلى أبي طلحة) ]، دفع الشق الأيسر كاملاً إلى أبي طلحة الأنصاري ، [ وقال: (خذوا عني مناسككم) ]، ولقد أخطأ ابن حجر خطأً كبيراً حينما جوز التبرك بآثار الصالحين اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، لأن التبرك موقوف على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤثر في سلفنا أنهم تبركوا بشعر أبي بكر أو بشعر عمر فلا يجوز أن نتبرك بآثار أحد الصالحين بحجة أن الصحابة تبركوا بشعر النبي صلى الله عليه وسلم، وطبعاً التمسك بقول ابن حجر من صنيع مرضى القلوب؛ لأن هذه أقوال رجال نريد الدليل عليها، فلا داعي أبداً أن يأتي إلى كلام ابن حجر ويقول: قال ابن حجر في الفتح كذا فعلى هذا يجوز أن أتبرك بآثار سيدي الشيخ فلان؛ لأن هذا قول ابن حجر ، كما فعل الحافظ ابن كثير في تفسيره حينما جاء بقصة العتبي الذي كان بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجاء رجل ينادي على القبر ويقول:

يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي فداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم

قال: ثم انطلق الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: أدرك الأعرابي وقل له: إن الله قد غفر له، أوردها ابن كثير بدون تعليق، والقصة واهية موضوعة حققها علماء الحديث، ما كان ينبغي لـابن كثير أن يورد القصة دون أن يعلق عليها؛ لأن هذه القصة فتحت باباً للدراويش ليذهبوا إلى الأعتاب والأوتاد وليقبلوا ويقولوا: ابن كثير قال، فنقول لهم: نحن مع الدليل، ما صنع ذلك أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من القرون الثلاثة الأول.

إذاً فالحلق واجب، ولكن لا أن تأخذ شعرات كما يفعل البعض، فإما أن تحلق الكل وإما أن تقصر الكل، أما أن تأخذ شعرات فهذا لا يجوز، والمرأة تأخذ من ظفيرتها بقدر أنملة، هذا التحلل الحقيقي، أما التحلل الذي يفعله البعض الآن فيحافظ على شعره كما هو ويأخذ منه شعرة أو شعرتين فهذا لا يجوز أبداً، وقد ألزم بعض العلماء من يفعل ذلك بدم؛ لأنه ما حلق.

قال الشارح: [ وطواف الوداع واجب بدليل ما سبق من حديث ابن عباس ].

قال المصنف: [ وواجباته:

الإحرام من الميقات ] كما قلنا: أن أصل الإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، والوقوف بعرفة إلى الليل واجب، والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل واجب، والسعي بين الصفا والمروة، والمبيت بمنى والرمل، والحلق، وطواف الوداع، فهي ثمانية في المذهب، والسعي مختلف فيه، فمنهم من قال: أن السعي ركن، ودراسة المذهب تفيد طالب العلم في دراسة الفقه، فإذا درس مذهباً واحداً وأجاده، يدخل بعد ذلك إلى الفقه المقارن، أما أن يدخل إلى الفقه المقارن قبل أن يجيد مذهباً هذا لم يعرفه السلف، وليس معنى دراسة المذهب أن نتعصب له، بل هناك فرق بين الدراسة والمذهبية، فكل علماء السلف كان لهم مذهب، فـابن رجب كان حنبلياً، وابن العربي كان مالكياً، وابن حجر كان شافعياً، والنووي كذلك، لذلك لا تجد عالماً من علماء سلفنا إلا وله مذهب، وليس معنى ذلك أنه يتعصب للمذهب ولكنه تخصص في دراسة مذهب من المذاهب، والكثير من طلاب العلم اليوم يدرس الفقه بطرق عشوائية، فإن قلت له ما مذهبك في الدراسة؟ يقول: لا أدري؛ لأنه لا يدري فعلاً، فهو يقرأ بعض الوقت في كتاب فقه السنة، والبعض الآخر في كتاب نيل الأوطار، والبعض الآخر في كتاب العدة، والبعض الآخر في كتاب التمهيد لـابن عبد البر ، فيجمع بين هذه الكتب ولا يعرف أصولها، ولا يعرف مشايخ هذا المذهب ولا مجتهدي هذا المذهب، ولا يعرف كتب المذهب ومصطلحات المذهب، وليس معنى هذا أننا ندعو إلى المذهبية؛ لأن البعض قد يظن خطأً أنني أدعو إلى المذهبية، إنما ندعو إلى التخصص في دراسة مذهب واحد ثم بعد ذلك تنفتح على كتب الفقه الأخرى.

وعالمنا الجليل الشيخ ابن عثيمين كان حنبلي المذهب في الدراسة لكنه في كتابه: الشرح الممتع أحياناً يترك المذهب الحنبلي ويقول: أخطأ المذهب، والراجح مذهب الشافعي ، ومن الأمثلة على ذلك قوله: في مذهب الحنابلة لا يجوز أن تستقبل القمر أو الشمس بغائط أو بول، وهذا كلام غير صحيح، هذا كلام لا ينبغي أن يقال أبداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شرقوا أو غربوا) ، معنى ذلك أنه لا يتوجه إلى القبلة أو إلى بيت المقدس.

إذاً واجبات الحج عند الحنابلة ثمانية:

أولاً: الإحرام من الميقات.

ثانياً: الوقوف بعرفة ليلاً.

ثالثاً: المبيت بمزدلفة إلى نصف الليل.

رابعاً: السعي.

خامساً: المبيت بمنى.

سادساً: رمي الجمرات.

سابعاً: الحلق.

ثامناً: طواف الوداع.

قال الشارح: [ أما الإحرام فهو أن ينوي الدخول في العبادة، قال ابن عباس : (أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته) ]، وهناك فرق بين الإحرام وملابس الإحرام، والبعض يعتقد أن لبس الإزار والرداء إحرام، هو الآن تهيأ للإحرام، والإحرام أن يستحضر النية وأن يقول: لبيك عمرة أو لبيك حجاً، ولكن إن تهيؤ للإحرام في المطار فهذا ليس إحراماً وإنما هذا تهيأ، وعلى هذا يسأل البعض ويقول: أنا ألبس الإحرام والجو بارد فهل يجوز أن أضع العباءة فوق الإحرام؟ والجواب: لا بأس بما أنك لم تصل إلى الميقات، فالعبرة بالميقات.

قال الشارح رحمه الله: [ في حديث جابر : (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى) ، رواه مسلم .

وفي حديث: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهلوا بالحج إذا خرجوا إلى منى وأمرهم بالإحرام) ، والأمر يقتضي الوجوب، يعني أمرهم بالإحرام بعد أن تحللوا من العمرة قبل أن يذهبوا إلى منى في يوم التروية، أحرموا من مكانهم قبل أن يتوجهوا إلى منى.

ويستحب النطق بذلك كما في صلاة الفرض ] وهذا خطأ، فإنه لا يستحب في صلاة الفرض النطق بالنية، وهذا الكلام لا نوافقهم عليه، وصدق من قال: من تتبع أقوال الرجال وقع في متاهات الضلال.

بعض المتصوفة عندنا كتب ورقة: أن الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعد شركاً؛ لأن الله حلف به فقال: لَعَمْرُكَ [الحجر:72]، والإمام أحمد يرى جواز الحلف بالنبي، وهذا الكلام حتى وإن ورد في مذهب أحمد فإنه يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله).

إذاً نحن لا نعتد بأقوال الرجال إن خالفت النص، والإمام أحمد بن حنبل على ورعه قال الدارمي في مقدمة سننه: والإمام أحمد على ورعه قال بجواز مسح اليد، هل معنى هذا الكلام أن آخذ هذا القول وأجعله دليلاً، فربما كان للإمام أحمد شبهة أو أنه كان متأولاً، إنما الحق واضح أبلج وضوح الشمس، لا ينبغي أبداً أن نتمسك بزلة عالم أو بقول مرجوح ضعيف ونسير في ركبه وندندن حوله، فإن هذا الكلام من صنع مرضى القلوب؛ لأن العصمة للرسل، وكل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لذلك لا ينبغي أن تقول: قال فلان، دون أن تعرف الدليل، ولذلك الأئمة الأربعة كانوا يقولون: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وبعضهم قال إن تعارض قولي مع قول رسول الله فاضربوا كلامي عرض الحائط.

يقول الشارح: [ ويحرم من الميقات]، يستحب النطق بالنية في الحج فقط، قال بعض العلماء: لا يجوز، لكننا جوزنا له أن ينطق بالنية ليميز بين أنواع النسك الثلاثة، هل هو قارن أم مفرد أم متمتع؟ أما النطق بالنية في الفرض فقد اعتبره العرب من سفاهة الرجل، يعني: أنت الآن معك درس في مسجد العزيز قبل أن تخرج من البيت قلت: نويت أن أذهب إلى مسجد العزيز لحضور درس فقهي بعد صلاة العشاء، وعندما تتناول الطعام تقول: باسم الله، نويت أن أتغدى اليوم الإثنين، وحينما تخرج إلى العمل في الصباح تقول: نويت أن أذهب إلى العمل، فالتلفظ بالنية سفاهة؛ لأن النية محلها القلب وهو العزم والإرادة على فعل شيء.

قال الشارح: [ ويحرم من الميقات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال: (خذوا عني مناسككم) ، وأما الوقوف بعرفة إلى الليل فواجب ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف في عرفة فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة حتى غابت الشمس وفي حديث عروة: (من شهد صلاتنا ووقف معنا حتى ندفع، ووقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ]، التفث يعني: النسك، قال الشارح: [ وإذا تركه فعليه دم ]، ومن ترك الوقوف بعرفة ليلاً عليه دم، لكن لا بد أن يقف بالنهار، فإن ترك الوقوف ليلاً ونهاراً فإن حجه باطل؛ لأنه ترك ركناً، والفرق بين الفساد والبطلان في الحج: أنه إذا ترك ركناً يقال: حج باطل، ولكن إن جامع زوجته قبل التحلل الأصغر فيسمى: فاسداً.

وإن ترك عرفة فهذا يسمى الفوات، وقد شرحناه قبل ذلك باسم الفوات.

قال الشارح: [ (من شهد صلاتنا ووقف معنا حتى ندفع ووقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه) ، فإذا تركه فعليه دم لقول ابن عباس : من ترك نسكاً فعليه دم ] عليه دم يعني: عليه فدية، وإن عجز عن الفدية يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع، وهذا الحكم أيضاً فيمن ترك واجباً.

قال الشارح: [ وأما المبيت بمزدلفة فواجب لما في حديث جابر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح حين تبين له الصبح) ، يعني: بمزدلفة، وفي حديث ابن مسعود : (صلى الفجر حين طلع الفجر) ، وهذا دليل على أنه بات بها، وقد قال: (خذوا عني مناسككم).

فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم؛ لأنه لم يبت، وإن دفع بعد نصف الليل فلا شيء عليه؛ لأنه يكون قد بات؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس في ترك المبيت بمزدلفة لأجل سقايته وللرعاة من أجل رعايتهم، وذلك دليل على وجوبه على غيرهم؛ لكونه سقط عن هؤلاء رخصة ].

قال الشارح: [ وعنه ] يعني: رواية أخرى عن أحمد [ أن المبيت غير واجب ولا شيء على تاركه ]، ولكن المذهب الأول هو الراجح، وهذا الواجب يتركه غالب حجاج مصر للأسف، فيأتون من عرفة مباشرة إلى منى، ولا يبيتون في مزدلفة، الغالب يترك هذا الأمر وبذلك يكون قد ترك واجباً، ويقول: لي عذر فالمطوف هو الذي ذهب بنا إلى منى، فأقول: يا عبد الله! لا تجعل المطوف يقودك في ركن من أركان هذا الدين، اترك المطوف وانزل في المزدلفة وبت فيها ثم توجه إلى منى في المخيم، ويجوز أن يدفع من المزدلفة بعد نصف الليل أصحاب الأعذار إن كان معهم نساء، فهم في حكم الصحبة والمرافق لهم يأخذ نفس الحكم، إنما النبي صلى الله عليه وسلم بات في مزدلفة حتى أسفر جداً وصلى بها الفجر.

قال الشارح: [ وأما السعي فعن أحمد رحمه الله: أنه لا يتم الحج إلا به، ولا ينوب عنه دم بوجه، وهو قول عائشة وعروة وهذا معناه أنه ركن فلا يجبره دم ].

يعني: هناك رواية عن أحمد ، ومن ثراء المذهب الحنبلي أن فيه أكثر من رواية، وكل رواية متعددة في مذهب الإمام أحمد تقابل رأياً في المذهب الآخر، فستجد أن مذهب الشافعي فيه قول من أقوال أحمد ، فتعدد الروايات عن الإمام أحمد يجعل لهذا المذهب ثراء، ولذلك اختلف العلماء في روايات الإمام وكيف نرجح بين الروايات، وهناك كتاب للمرداوي اسمه: الإنصاف في الراجح من مسائل الخلاف، يرجح رواية واحدة في المذهب، ومن الجدير بالذكر أن المستشرقين قد زرعوا في الأمة هذا التقليد الأعمى: فإذا كان الرجل حنبلياً فمعناه أنه متشدد، وما كان الإمام أحمد متشدداً، وما عرف التشدد في يوم من الأيام، بل هو أقرب المذاهب إلى السنة؛ لأن الإمام أحمد كان أكثر الأئمة حفظاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول الشارح: [ وعنه أنه مستحب ولا يجب بتركه دم، وذلك عن ابن عباس وأنس وعبد الله بن الزبير فإن الله تعالى قال: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، وفي مصحف أبي وابن مسعود : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، وهذا إن لم يكن قرآناً فلا ينحط عن درجة الخبر؛ لأنهما يرويانه عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختار القاضي أن يكون حكمه حكم الرمي يكون واجباً ينوب عنه الدم ].

إذاً الخلاف وقع في السعي، منهم من قال: ركن، ومنهم من قال: واجب، ومنهم من قال: مستحب سنة ولكن الراجح أنه واجب إن تركه يجبر بدم، والقراءة الشاذة لا يعتد بها، كقراءة ابن مسعود : فصيام ثلاثة أيام متتابعات ، كلمة ( متتابعات ) قراءة شاذة، في كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ [المائدة:89]، وقراءة ثلاثة أيام متتابعات ، هذه قراءة ابن مسعود وهي قراءة شاذة، والأحناف أخذوا بالقراءة الشاذة فقالوا: يشترط التتابع، وجمهور العلماء قالوا لا يشترط التتابع؛ لأن القراءة الشاذة لا يعتد بها.

ومعرفة القراءات السبع مهم جداً، ومن المهم أن تعرف الفرق بين القراءات السبع وبين الأحرف السبعة، ولذلك يقول بعضهم: سامح الله من جعل القراءات سبعاً فإنه قد اختلط على الكثير أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع وما تشابهت إلا في العدد، لكن القراءات السبع تختلف عن الأحرف السبعة، فالقرآن نزل على سبعة أحرف، ومعنى أنه نزل على سبعة أحرف أن الكلمة مختلفة اللفظ لكن المعنى واحد، فهي لهجات عند العرف: تعال، أقبل، هلم، كلها بمعنىً واحد، ولذلك كتبوه بلغة قريش، والأحرف السبعة هناك اختلاف فيها إلى ستة أقوال، هل هي القراءات السبع؟ هل هي الأوجه المغايرة؟ هل العدد لا مفهوم له؟ فأحياناً يكون عدد لا مفهوم له، الله يقول: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً [التوبة:80]، فالعدد هنا ليس له مفهوم وإنما يشير إلى الكثرة؛ لأن نهاية الآحاد عند العرب كانت سبعة ونهاية العشرات سبعين، وحينما أقول لك: سبعة يعني نهاية كمال الآحاد، فالعدد ليس مقصوداً لذاته وإنما لا مفهوم للعدد وإنما يشير إلى الكمال والكثرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أعلم أني لو زدت عن السبعين لغفر له لفعلت) .

ثم انتقل بعد أن تحدث عن السعي إلى المبيت بمنى قال الشارح: [ والمبيت بمنى واجب وعنه أنه غير واجب، قال ابن عباس رضي الله عنه: إذا رميت فبت حيث شئت، ووجه الأول ما سبق من الترخيص للعباس للمبيت في المزدلفة ].

والمبيت بمنى ليس فيه إنابة؛ لأن هذا لا يجوز، فلا بد أن يبيت الشخص بنفسه ثم يوكل في الرمي إن لم يستطع، فبعض الناس يفهم أنه يجوز أن يوكل من يبيت عنه في منى لاقتران المبيت بالرمي، هكذا يفهم الكثير، وهذا لا يجوز لا بد أن يبيت بنفسه في منى.