خطب ومحاضرات
العدة شرح العمدة [48]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلا زلنا مع كتاب الحج والعمرة، باب: (دخول مكة).
قال المصنف رحمه الله: [ ثم يصلي ركعتين خلف المقام ]، أي: بعد الانتهاء من طواف العمرة إن كان متمتعاً، أو طواف القدوم إن كان قارناً أو مفرداً، يصلي ركعتين خلف المقام؛ لقول ربنا سبحانه: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125].
وقصة مقام إبراهيم أخرجها الإمام البخاري في صحيحه من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن إبراهيم عليه السلام لما كلفه الله بأن يرفع قواعد البيت، وكلف ولده إسماعيل أن يعاونه، قام إبراهيم يبني وإسماعيل يساعده إلى أن بلغت الكعبة إلى طوله، فأتى له بحجر فقام عليه، وذلك ليرفع البناء، وفي هذا إشارة إلى أن العبد ينفذ أوامر الله ثم يزيد عليها فوق طاقته، كالنوافل والمستحبات، فلما قام إبراهيم عليه السلام على هذا الحجر أمرنا الله أن نتخذ هذا المقام مصلى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125].
وهذه من موافقات عمر للوحي، فقد قال رضي الله عنه: (يا رسول الله لو اتخدنا من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]) ومعنى المقام: أن تصلي فتجعل المقام بينك وبين الكعبة.
وشيخنا ابن باز له فتوى وهي: أن الحرم كله مقام في حال الزحام، فلا يشترط أن تصلي إلى المقام مباشرة، فلو صليت في الطابق الثاني عند الزحام جاز، ولو صليت فوق السطح جاز، طالما أنك تجعل المقام بينك وبين الكعبة في حال الزحام الشديد، بينما البعض يصر على أن يصلي بالقرب من المقام فيعرقل الطواف، والناس قد تدوسه وهو ساجد، وهو يظن أنه بذلك يحسن صنعاً.
تخفيف الركعتين
قال رحمه الله: [ روى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فجعل المقام بينه وبين البيت)، قال محمد بن علي : ولا أعلمه إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ في الركعتين: قل هو الله أحد ، و: قل يا أيها الكافرون ، ومهما قرأ فيهما بعد الفاتحة جاز وحيث ركعهما جاز، فإن ابن عمر ركعهما بذي طوى، رواه البخاري وأحمد . ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما والطواف بين يديه وليس بينهما شيء، وكذلك سائر الصلوات بمكة لا يعتبر لها سترة ]، وخالف في ذلك الشيخ الألباني رحمه الله فقال: لا بد من اتخاذ السترة في المسجد الحرام.
لكن اتخاذ السترة عند الطواف وبين المقام من المشقة البالغة، والمشقة تجلب التيسير، والواجبات -على القول بأن السترة واجبة- تسقط بالعجز، والطواف مقدم على الصلاة، قال تعالى: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125]، فقدم الطواف على الركوع والسجود، وعليه فلا يمكن أن نأمر المصلي بأن يتخذ سترة عند الصلاة إلى المقام؛ لأنه يترتب على ذلك تعطيل الطواف، وهذه من المشقة التي لا يمكن التحرز منها كما قال العلماء.
حكم الركعتين خلف المقام
ثم من السنة أن يخفف الركعتين، فيقرأ في الأولى: بـ(الكافرون)، وفي الثانية بـ(الإخلاص).
قال رحمه الله: [ روى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فجعل المقام بينه وبين البيت)، قال محمد بن علي : ولا أعلمه إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ في الركعتين: قل هو الله أحد ، و: قل يا أيها الكافرون ، ومهما قرأ فيهما بعد الفاتحة جاز وحيث ركعهما جاز، فإن ابن عمر ركعهما بذي طوى، رواه البخاري وأحمد . ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما والطواف بين يديه وليس بينهما شيء، وكذلك سائر الصلوات بمكة لا يعتبر لها سترة ]، وخالف في ذلك الشيخ الألباني رحمه الله فقال: لا بد من اتخاذ السترة في المسجد الحرام.
لكن اتخاذ السترة عند الطواف وبين المقام من المشقة البالغة، والمشقة تجلب التيسير، والواجبات -على القول بأن السترة واجبة- تسقط بالعجز، والطواف مقدم على الصلاة، قال تعالى: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125]، فقدم الطواف على الركوع والسجود، وعليه فلا يمكن أن نأمر المصلي بأن يتخذ سترة عند الصلاة إلى المقام؛ لأنه يترتب على ذلك تعطيل الطواف، وهذه من المشقة التي لا يمكن التحرز منها كما قال العلماء.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الركعتين خلف المقام، هل هما واجبتان أم هما من السنن المؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ والراجح والله تعالى أعلم: أنهما من السنن المؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتصليان في أي وقت، حتى وإن كان وقت كراهة، كالصلاة بعد الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد الفجر حتى تشرق الشمس)، والصلاة بعد العصر، والصلاة عند شروق الشمس وعند غروبها، والصلاة عندما تكون الشمس في وسط السماء، يعني: قبل الظهر بقليل. فهذه الأوقات الخمسة ينهى فيها عن التنفل المطلق، والصلاة ذات السبب تصلى في أي وقت، كدخول الرجل المسجد بعد الصبح، وهذا هو مذهب الشافعي وهو الراجح، خلافاً للإمام مالك الذي كان ينهى عن الصلاة المسببة في هذه الأوقات، ويروى أن مالكاً دخل يوماً المسجد بعد الصبح فقال له شاب: صل ركعتين تحية المسجد. فصلى، فقيل له: يا إمام صليت وخالفت ما تقول! قال: خشيت من أن ينطبق علي قول الله عز وجل: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ [المرسلات:48]، فالإمام مالك رغم أنه يرى عدم الصلاة المسببة في أوقات الكراهة إلا أنه صلاها مرة، وعلى كل فالصلاة المسببة ومنها هذه الصلاة، أي: صلاة ركعتين خلف المقام ، جائزة في أي وقت من ليل أو نهار، ومتى ما انتهى المسلم من الطواف صلاهما في أي وقت.
قال: [ ويعود إلى الركن فيستلمه، يعني: إذا فرغ من ركعتي الطواف وأراد أن يخرج إلى الصفا فقال أحمد : يعود فيستلم الحجر، وكان ابن عمر يفعل ذلك ولا نعلم في ذلك خلافاً، والأصل فعل النبي صلى الله عليه وسلم له، ذكره جابر في صفة حجة النبي عليه الصلاة والسلام ]، وجابر بن عبد الله هو الذي روى حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم .
قال: [ ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقى عليه ويكبر الله عز وجل ويهلله ويدعوه ]، أي: يخرج إلى جبل الصفا من بابه فيرقى عليه ويدعو الله عز وجل، وبين الصفا والمروة وادٍ كان منخفضاً، وهي اليوم ما بين المصباحين الأخضرين أو العلمين الأخضرين، وقد كانت تهرول فيها هاجر يوم أن بحثت عن الماء لابنها إسماعيل، والحديث عند الشيخين، وفيه أن سعيد بن جبير لما شعر باقتراب أجله برز لتلامذته ليسألوه، فأكثروا عليه في السؤال، فكان مما سألوه عنه أنهم سألوه عن مقام إبراهيم، فروى هذا الحديث الطويل وفيه: أنه لما كان بين إبراهيم وبين زوجه سارة ما كان، ومحاولة ملك مصر أن يفعل الفاحشة بزوجته فدعت عليه، ثم وهبها أو أعطاها هاجر عليها السلام، وكانت أمة مملوكة، ثم أعطتها سارة لإبراهيم عليه السلام فتسرى بها، أي: دخل بها لأنها كانت من الإماء، فحملت هاجر عليها السلام، فغارت سارة عند ذلك، والغيرة شيء معروف عند النساء لا يمكن أن تنكر بأي حال من الأحوال، عند ذلك أمر الله إبراهيم أن يفصل بين زوجتيه سارة وهاجر ، لأن الحكمة لمن تزوج بامرأتين أن يفصل بينهما، ولا يدعهما في مكان واحد، فإن حدث ما لا يحمد عقباه فلا يلومن إلا نفسه، فكان من إبراهيم أن جعل سارة في الشام، وأخذ هاجر وولدها الرضيع إلى شبه الجزيرة، واتخذت هاجر ذيلاً لثوبها يربط بحزامه على وسطها لتمحو أثر أقدامها حتى لا تتبعها سارة ، فتعرف مكانها فتلحق بها، فوضع إبراهيم عليه السلام زوجه وولدها الرضيع في واد غير ذي زرع، ووضع لهما جراباً من تمر وإناء من ماء، ثم تركهما وانصرف، قال تعالى: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37]، فنادت هاجر فلم يجبها، حتى إذا ذهب إلى طريق كدا بعد أن بلغ الثنية التفت إليها فقالت له: يا إبراهيم لمن تتركنا أنا وابنك الرضيع، أربك أمرك بهذا؟ فقال: نعم، فقالت: إذاً فلن يضيعنا الله، وهذا من صدق التوكل على الله عز وجل.
ثم أخذت أمنا هاجر تبحث عن الماء -بعد أن نفد ماؤها- لتشرب هي ورضيعها، فأخذت تصعد إلى جبل الصفا، ثم تهبط إلى بطن الوادي فتهرول فيه، ثم تصعد إلى جبل المروة، وهكذا حتى أتمت سبعة أشواط وهي تنظر إلى ولدها إسماعيل لعله قد مات؛ لأنه كان يتقلب ظهراً على بطن من شدة الجوع والعطش، وبينما هي في الشوط السابع سمعت صوتاً فقالت لنفسها: صه، يعني: أنصتي، فإذا بجبريل عليه السلام يقوم بين يديها: من أنتِ؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم، ولم تقل: أنا زوجة إبراهيم، لأنه فرق بين أم الولد وبين الزوجة، فقال: لمن ترككما في هذا المكان القحط ولمن وكلكما؟ فقالت: وكلنا إلى الله، فقال: هو حسبكما، فضرب الأرض فانفجر ماء زمزم، فأخذت هاجر تحيط الماء حرصاً على عدم ضياعه، قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله
الدعاء عند الوقوف بجبل الصفا
ولا يشترط الوضوء للسعي بين الصفا والمروة، والذهاب من الصفا إلى المروة يعتبر شوطاً، ومن المروة إلى الصفا شوطاً آخر، لا كما يفعله بعض الناس، فيحسب الذهاب من الصفا إلى المروة والعودة من المروة إلى الصفا شوطاً واحداً، فيسعى أربعة عشر شوطاً! والبعض قد يعقد لكل شوط دعاء، والبعض الآخر قد يلحن في قراءة القرآن، حتى تجد البعض يقول: ( فلا جناح عليه أن يتطوف بهما )، والناس تردد خلفه ولا تعلم الخطأ، فينبغي على العبد أن تعلوه السكينة والوقار، وأن يعيش هذه المناسك العظيمة.
ومن اللطائف في هذا المقام: أن ابن عباس كان يرى أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من رمضان، فلما سئل عن ذلك قال: الطواف حول البيت سبع، والسعي بين الصفا والمروة سبع، وعدد السموات سبع، وعدد الأرضين سبع، والمسلم يسجد على سبعة أعضاء، ويسمى الولد في يوم سابع ولادته، وقال تعالى: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ [الحاقة:7]، وقال في موضع آخر: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ [لقمان:27].
قال: [ قال جابر : ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا قرأ قول الله سبحانه: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة:158]، أبدأ بما بدأ الله به -أي: أبدأ بالصفا- فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت -يعني: رقى إلى الصفا حتى رأى الكعبة- فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات. وكان ابن عمر يقوم على الصفا فيكبر سبع مرات ثلاثاً ثلاثاً، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك، اللهم جنبني حدودك، اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم يسرني لليسرى وجنبي العسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى، واجعلني من أئمة المتقين، واجعلني من ورثة جنة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين، اللهم إنك قلت وقولك الحق: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وإنك لا تخلف الميعاد، اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه، ولا تنزعه مني حتى توفاني عليه، اللهم لا تقدمني للعذاب ولا تؤخرني لسوء الفتن، ويدعو دعاءً كثيراً حتى أنه ليملنا وإنا لشباب ]، أي: أنه من طول دعائه لا يستطيع الشباب أن يحاكوه.
ولا يشترط الوضوء للسعي بين الصفا والمروة، والذهاب من الصفا إلى المروة يعتبر شوطاً، ومن المروة إلى الصفا شوطاً آخر، لا كما يفعله بعض الناس، فيحسب الذهاب من الصفا إلى المروة والعودة من المروة إلى الصفا شوطاً واحداً، فيسعى أربعة عشر شوطاً! والبعض قد يعقد لكل شوط دعاء، والبعض الآخر قد يلحن في قراءة القرآن، حتى تجد البعض يقول: ( فلا جناح عليه أن يتطوف بهما )، والناس تردد خلفه ولا تعلم الخطأ، فينبغي على العبد أن تعلوه السكينة والوقار، وأن يعيش هذه المناسك العظيمة.
ومن اللطائف في هذا المقام: أن ابن عباس كان يرى أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من رمضان، فلما سئل عن ذلك قال: الطواف حول البيت سبع، والسعي بين الصفا والمروة سبع، وعدد السموات سبع، وعدد الأرضين سبع، والمسلم يسجد على سبعة أعضاء، ويسمى الولد في يوم سابع ولادته، وقال تعالى: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ [الحاقة:7]، وقال في موضع آخر: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ [لقمان:27].
قال رحمه الله: [ ثم ينزل فيمشي إلى العلم، ثم يسعى إلى العلم الآخر ]، يعني: أنه يسعى بين العلمين الأخضرين، وهي منطقة الوادي التي كانت تهرول فيها أمنا هاجر عليها السلام.
قال: [ ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل كفعله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، حتى يكمل سبعة أشواط ]، ولا يشترط التتابع بين السبعة الأشواط، فله أن يستريح ثم يكمل طالما أنه ليس هناك فرق زمني كبير بين الشوط والشوط، لكن ليس من المقبول أبداً أن يسعى شوطاً ثم يخرج إلى الفندق وينام ثلاث ساعات، ثم يغتسل ويعود فيكمل! نقول له: أن يستريح لكن بالحد المعقول الذي لا يخرج عن المألوف أو عن انقطاع التتابع، وله أن يشرب أثناء السعي، وأن يقضي حاجته إذا أراد.
قال: [ يحتسب بالذهاب سعيةً وبالرجوع سعيةً، يفتتح بالصفا ويختم بالمروة، هذا وصف السعي، قال جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدنا مشى) ].
والهرولة لا تكون إلا للرجال دون النساء، فالمرأة تمشي بسكينة ووقار، والخطأ أن تهرول المرأة، لأنها بذلك تظهر مفاتنها فلا يجوز.
ثم بعد أن يتم السبعة الأشواط يتحلل، فيحلق أو يقصر، والمرأة تأخذ من ظفيرتيها قدر أنملة الأصبع، ومن المخالفات أن بعض الناس عندما يقصر يأخذ جزءاً يسيراً من شعره، وهذا لا يجوز، حتى أن بعض العلماء قد أوجب عليه دماً؛ لأنه ما حلق أو قصر التقصير الصحيح، فيأخذ من جميع أجزاء رأسه، والمستحب لمن حج قارناً أن يؤخر الحلق إلى حجه، وإن كان سيؤدي عمرة فقط في رمضان ثم يعود إلى بلده، فالأولى أن يحلق.
حرمة الأخذ من اللحية
فالجواب: لا يجوز، وأما فعل ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأخذ ما زاد على القبضة فمخالف لروايته: (أعفوا اللحى)، فتقدم الرواية على الفعل، ومثل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب)، وكان أبو هريرة يغسله ثلاثاً، فنقدم روايته على فعله كما هو مقرر في علم الأصول.
أيضاً: جاء في البخاري : أن الصحابة كانوا يعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العصر من اضطراب لحيته، يعني: أن لحيته كانت تهتز، وهذا يدل على أن لحيته عليه الصلاة والسلام كانت كبيرة وكثيفة، وحالنا اليوم أننا نأخذ من اللحية كثيراً ونحتج بفعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ونقول: إن ابن عمر رضي الله عنهما قد حج ستين حجة وكان يأخذ من لحيته على مرأى ومسمع من الصحابة، ولم يثبت عن أحد أنه أنكر عليه، فكيف ذلك؟!
فالجواب: أولاً: غير صحيح أن ابن عمر رضي الله عنهما حج ستين حجة.
ثانياً: أن فعل ابن عمر هذا ليس حجة على غيره من الصحابة، فقد كان بعض الصحابة من تبلغ لحيته إلى سرته، وليس فعل بعضهم حجة على بعض، وإنما الحجة الدليل، وهذا كلام الأصوليين.
ومثل ذلك: أن الكل يُجمع على أن الحجاب من الفروض الإسلامية، والعجيب أنهم يشترطون على المذيعة أو المضيفة حتى تحصل على عمل: أن تظهر نحرها وشعرها، ولم نر مذيعة أو مضيفة محجبة، وإلا فالفصل ينتظرهما، فهم بذلك يناقضون أنفسهم، وإلا فما دام أنه فريضة من الفرائض فلماذا لا يعمل به؟! وكذلك اللحية فهي فرض، ومع ذلك يعبثون بها!!
ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من لحيته، فإن قال قائل: حديث أم سلمة عند مسلم : (إذا أهل بالحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره)، فهل للمسلم بعد أن يضحي أن يأخذ من شعر لحيته؟!
فالجواب: لا يجوز، وأما فعل ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأخذ ما زاد على القبضة فمخالف لروايته: (أعفوا اللحى)، فتقدم الرواية على الفعل، ومثل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب)، وكان أبو هريرة يغسله ثلاثاً، فنقدم روايته على فعله كما هو مقرر في علم الأصول.
أيضاً: جاء في البخاري : أن الصحابة كانوا يعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العصر من اضطراب لحيته، يعني: أن لحيته كانت تهتز، وهذا يدل على أن لحيته عليه الصلاة والسلام كانت كبيرة وكثيفة، وحالنا اليوم أننا نأخذ من اللحية كثيراً ونحتج بفعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ونقول: إن ابن عمر رضي الله عنهما قد حج ستين حجة وكان يأخذ من لحيته على مرأى ومسمع من الصحابة، ولم يثبت عن أحد أنه أنكر عليه، فكيف ذلك؟!
فالجواب: أولاً: غير صحيح أن ابن عمر رضي الله عنهما حج ستين حجة.
ثانياً: أن فعل ابن عمر هذا ليس حجة على غيره من الصحابة، فقد كان بعض الصحابة من تبلغ لحيته إلى سرته، وليس فعل بعضهم حجة على بعض، وإنما الحجة الدليل، وهذا كلام الأصوليين.
ومثل ذلك: أن الكل يُجمع على أن الحجاب من الفروض الإسلامية، والعجيب أنهم يشترطون على المذيعة أو المضيفة حتى تحصل على عمل: أن تظهر نحرها وشعرها، ولم نر مذيعة أو مضيفة محجبة، وإلا فالفصل ينتظرهما، فهم بذلك يناقضون أنفسهم، وإلا فما دام أنه فريضة من الفرائض فلماذا لا يعمل به؟! وكذلك اللحية فهي فرض، ومع ذلك يعبثون بها!!
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
العدة شرح العمدة [13] | 2697 استماع |
العدة شرح العمدة [68] | 2620 استماع |
العدة شرح العمدة [26] | 2596 استماع |
العدة شرح العمدة [3] | 2518 استماع |
العدة شرح العمدة [1] | 2476 استماع |
العدة شرح العمدة [62] | 2374 استماع |
العدة شرح العمدة [19] | 2338 استماع |
العدة شرح العمدة [11] | 2333 استماع |
العدة شرح العمدة [56] | 2302 استماع |
العدة شرح العمدة [15] | 2239 استماع |