كتاب الجهاد [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

أما بعد:

فبأسانيدكم إلى الإمام أبي داود رحمه الله تعالى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يجزئ من الغزو.

حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا الحسين قال: حدثني يحيى قال: حدثني أبو سلمة قال: حدثني بسر بن سعيد قال: حدثني زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا ).

حدثنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن يزيد بن أبي سعيد مولى المهري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان وقال: ليخرج من كل رجلين رجل، ثم قال للقاعدين: أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج ) ].

حديث زيد بن خالد الجهني: ( من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا )، جاء من وجه آخر وهم وغلط، من حديث عطاء عن زيد بن خالد الجهني قال: ( من فطر صائماً فله مثل أجره )، فوهم في المتن وغلط، والصواب فيه تجهيز الغازي لا تفطير الصائم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجرأة والجبن

حدثنا عبد الله بن الجراح عن عبد الله بن يزيد عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عبد العزيز بن مروان قال: سمعت أبا هريرة يقول: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شر ما في رجل شح هالع، وجبن خالع ) ].

ذكر الشح والجبن لتعلقها بأمر الجهاد، وذلك أن الجبن هو الأثرة بالنفس، والشح هو الأثرة بالمال، فإذا تعطل هذان الأمران فإنه يتعطل حينئذ الجهاد، فلابد من اجتماع الكرم والسخاء والقوة والجرأة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قوله عز وجل: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)

عن حيوة بن شريح وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: ( غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه مه لا إله إلا الله يلقي بيديه إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد ).

قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ].

وفي هذا أن بعض الآي ربما يحمله الصدر الأول على غير ما أنزلت عليه، وإذا كان هذا في الصدر الأول في زمن الصحابة وزمن التابعين يحملون الآية على غير ما أرادها الله فإنه في المتأخرين من باب أولى، وقول الله عز وجل: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، يظن الناس أنه إلقاء بالنفس، والمراد بذلك هو عدم الإلقاء بها في سبيل الله، وذلك بعدم الإعانة والمدد لمن جاهد في سبيل الله، وكذلك عدم تسديد المجاهد بالتحريض وبالقوة المادية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرمي

حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني أبو سلام عن خالد بن زيد عن عقبة بن عامر قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها، أو قال: كفرها )].

قرن النبي صلى الله عليه وسلم ملاعبة الأهل مع تأديب الفرس والرمي بالقوس وهما أمران يتعلقان بأمر الأمة والجهاد وهذا فيه إشارة إلى أهمية الأسرة والعناية بها، وكذلك أيضاً مقام العلاقة الزوجية التي تكون بين الزوجين ومنزلتها عند الله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي علي ثمامة بن شفي الهمداني أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يقول: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في من يغزو ويلتمس الدنيا

حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي قال: حدثنا بقية قال: حدثني بحير عن خالد بن معدان عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخراً ورياءً وسمعةً وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لم يرجع بالكفاف ).

حدثنا أبو توبة: الربيع بن نافع عن ابن المبارك عن ابن أبي ذئب عن القاسم عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن مكرز -رجل من أهل الشام- عن أبي هريرة ( أن رجلاً قال: يا رسول الله! رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضاً من عرض الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أجر له، فأعظم ذلك الناس وقالوا للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلك لم تفهمه، فقال: يا رسول الله! رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضاً من عرض الدنيا، فقال: لا أجر له، فقالوا للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الثالثة، فقال له: لا أجر له ).

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن عمر بن مرة عن أبي وائل عن أبي موسى: ( أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الرجل يقاتل للذكر، ويقاتل ليحمد، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليري مكانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل حتى تكون كلمة الله هي أعلى فهو في سبيل الله عز وجل ).

حدثنا علي بن مسلم قال: حدثنا أبو داود عن شعبة عن عمرو قال: سمعت من أبي وائل حديثاً أعجبني، فذكر معناه ].

وفي هذا أيضاً أن حظ النفس والعلو في الأرض والعناية بالجاه والمال ربما يزهق الإنسان نفسه لأجلها ويعجب الإنسان من أمثال هذه الأمور أن يموت الإنسان لأجل أن يحمد من ورائه وهو يستقبل وعيداً، ولهذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة أنهم من أول من تسعر بهم النار ثلاثة: وذكر منهم الرجل الذي قاتل ليقال: جريء، فقاتل ليقتل ليقال: جريء بعد موته، ثم أول من تسعر بهم النار، وهذا يدل على أن التعلق بأمثال هذه الأشياء إذا وصل إلى الموت فما دون الموت من باب أولى أن يضحي بدينه ويضحي بماله، وأن يضحي بأمره، هذا كله من باب أولى أن يتنازل لأجل الجاه، ولهذا لا غرابة أن يتنازل الإنسان عن بعض دينه إذا كان يتنازل عنه كله، وهذا من أعظم العبر أن القلب إذا صرفه الإنسان لغير الله سبحانه وتعالى فإنه يأخذ من دينه بمقدار ذلك المصروف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا محمد بن أبي الوضاح عن العلاء بن عبد الله بن رافع عن حنان بن خارجة عن عبد الله بن عمرو قال: قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ( يا رسول الله أخبرني عن الجهاد والغزو؟ فقال: يا عبد الله بن عمرو إن قاتلت صابراً محتسباً بعثك الله صابراً محتسباً، وإن قاتلت مرائياً مكاثراً بعثك الله مرائياً مكاثراً، يا عبد الله بن عمرو على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله على تيك الحال ) ].

حنان بن خارجة مجهول ولا يعرف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل الشهادة

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب، فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، قال: فأنزل الله وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا[آل عمران:169]، إلى آخر الآية ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا عوف قال: حدثتنا حسناء بنت معاوية الصريمية قالت: حدثنا عمي قال: ( قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: من في الجنة؟ قال: النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة ) ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشهيد يشفع

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا يحيى بن حسان قال: حدثنا الوليد بن رباح الذماري قال: حدثني عمي: نمران بن عتبة الذماري قال: ( دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتام فقالت: أبشروا فإني سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته ).

قال أبو داود: صوابه رباح بن الوليد ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في أخذ الجعائل

حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي قال: حدثنا حجاج - يعني: ابن محمد -، ح وحدثنا عبد الملك بن شعيب قال: حدثنا ابن وهب عن الليث بن سعد عن حيوة بن شريح عن ابن شفي عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي )].