خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/912"> الشيخ أسامة سليمان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/912?sub=63504"> العدة شرح العمدة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
العدة شرح العمدة [35]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله: [ ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام ] في الحقيقة قوله: يباح، يحتاج إلى مراجعة؛ لأن المباح: ما يستوي فعله مع تركه، فيقول: يباح للمريض الذي يتضرر به، فهذا يلزمه الفطر؛ لأنه لو صام وتضرر بالصيام فهو آثم؛ لأنه جلب على نفسه المرض وزاد المرض في حقه، والله سبحانه يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، ويقول: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، ويقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29].
قال: [ أحدها: المريض الذي يتضرر به، والمسافر الذي له القصر، فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء؛ لأن الله سبحانه قال: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ [النساء:43]، وقال في سورة البقرة: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصوم في السفر) متفق عليه ].
المريض الذي يتضرر بالصيام يجب عليه الفطر، والمسافر الذي يتضرر بالصيام أيضاً يجب عليه الفطر، والمسافر يجوز له أن يفطر ويجوز له أن يصوم؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون فمنهم من يصوم ومنهم من يفطر، وأحياناً يصبح الفطر واجباً على المسافر، وواجباً على المجاهد.
قال: [ (وخرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأفطر، فبلغه أن ناساً صاموا فقال: أولئك العصاة) رواه مسلم ] فوصفهم بأنهم عصاة لصومهم؛ لأنهم صاموا مع وجوب الإفطار في عام فتح مكة.
قال: [ وإن صاما أجزأهما لذلك ] مثال ذلك: مريض صام ومسافر صام فما حكم صيامهما؟ هل عليهما قضاء؟ العجيب: أن ابن حزم الظاهري يرى أن المسافر لو صام يلزمه القضاء؛ لأن الله قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].
إذاً: علة القضاء هي السفر وليس الصيام من عدمه، ونسي رحمه الله أن الآية فيها ما يسميه علماء علوم القرآن بدلالة الاقتضاء، فالمقام يقتضي كلمة يفهمها السامع والمتكلم: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فأفطر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] فكلمة (فأفطر) يقتضيها المقام، إذ ليس من المعقول ولا المنقول أنه إذا سافر وصام يلزمه القضاء، فـابن حزم جعل السفر هو سبب القضاء سواء صام أو أفطر، لكن جمهور العلماء يقولون بدلالة الاقتضاء؛ لأن أنواع الدلالات في القرآن مهمة جداً، وإن شاء الله تعالى عند الحديث عن علوم القرآن سنذكرها بالتفصيل.
حكم صوم الحائض والنفساء
المرأة الحائض إذا جاءها الحيض في نهار رمضان يلزمها الفطر، ولذلك أنا أضع ضابطاً على كلمة: (ويباح)؛ لأن الحائض والنفساء يجب عليهما الفطر، وليس يباح لهما الفطر، فالمرأة إذا حاضت قبل أذان المغرب بدقيقة وقبل غروب الشمس عليها القضاء لا بد، ولا ينبغي للمرأة أبداً أن تأخذ الحبوب التي تمنع الحيض لتصوم، فالنساء المؤمنات وزوجات خير الأنبياء صلى الله عليه وسلم كن يحضن ويقضين، وبعض العلماء يجوز ذلك في الحج؛ لأن الحج له فوج وله موعد بالرحيل، فيمكن أن تأخذ حبوباً تؤخر الحيض لتتمكن من الطواف والرحيل مع البعثة إلى غير ذلك، أما الصيام فلا شيء عليها، فإن حاضت وجب عليها أن تفطر وأن تقضي.
قال: [ والحائض والنفساء تفطران وتقضيان إجماعاً، وإن صامتا لم يجزئهما إجماعاً، وقالت عائشة رضي الله عنها: (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة). تعني: في الحيض. والنفاس مثله ].
فالمرأة إن أصابها دم النفاس أو دم الحيض يلزمها القضاء حتى وإن صامت، وإن صامت فهي آثمة عاصية، فينبغي عليها أن تفطر؛ لأن الذي أمرها بالصيام هو الذي أمرها بالفطر.
حكم صوم الحامل والمرضع
إذاً: إن خافت على ولدها عليها الإفطار وعليها القضاء والفدية، وتقضي اليوم وتطعم عنه مسكيناً، لكن هذه التفرقة بعض العلماء لم يقف لها على دليل، فمنهم من قال: عليها القضاء فقط، وانتصر لهذا كثير من العلماء المعاصرين.
قال: [ وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً؛ لقوله سبحانه: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] ] والحقيقة أن هذا الاستدلال ليس في محله؛ لأن هذه الآية نزلت في أول الشأن. قال ابن عباس : نسخت، وقال: هي في حق الشيخ الكبير والمرأة العجوز.
العاجز عن الصوم
قال: لقول الله سبحانه: [ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] ] أي: يطيقونه مع المشقة وعدم القدرة، أي: لو أن رجلاً بلغ من الكبر عتياً، ولا يستطيع الصيام فإننا نأمره بالفطر والإطعام؛ لأنه لا يستطيع القضاء، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كذلك، يعني: مرض مزمن لا يُرجى أن يبرأ منه إلا إذا أراد الله فإننا نأمره بالفطر وبالإطعام وليس بالقضاء.
قال: [ قال ابن عباس : كانت رخصة للشيخ والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا. رواه أبو داود ].
أي: أن ابن عباس يرى أن الحامل والمرضع تلحقان بالشيخ الكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فالحامل والمرضع يفطران ويطعمان وليس عليهما القضاء. هذا رأي ابن عباس رضي الله عنه.
حكم من جامع امرأته في نهار رمضان
قال: [ إلا من أفطر بجماع في الفرج. فإنه يقضي ويعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت عنه الكفارة ]؛ لأن الكفارة تسقط مع عدم القدرة، وهذه يسميها العلماء الكفارة المغلّظة، وهي الإفطار بالجماع في نهار رمضان، ولا يقاس على الجماع غيره، فإن باشر الرجل زوجته في رمضان دون جماع ثم أمنى فحكم صيامه باطل، وعليه قضاء اليوم فقط؛ لأن ما الذي يلزمه بالكفارة المغلّظة هو الجماع، وهل يجب على المرأة أيضاً كفارة مغلّظة أم لا يجب؟ اختلف العلماء، فالحنابلة يرون أن الكفارة على الرجل فقط، ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان لم يسأله عن الزوجة، ولو كانت الزوجة يلزمها شيء لسأله: أراضية هي أم غير راضية؟ موافقة على هذا الفعل أم لا؟ لكن الشافعي يفصّل ويقول: إن كان برضاها فيلزمها الكفارة كالرجل تماماً، وإن كان بغير رضا فهي في حكم المكرهة.
قال: [ عن أبي هريرة : (بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: هلكت. قال: ما لك؟) ].
وفي رواية أخرى: (يضرب صدره وينتف شعره) وليس شرطاً فيمن يجامع أن يضرب صدره وأن ينتف شعره، وهذا يسمى عند علماء الأصول: تنقيح المناط، وهو أن تخلص الحكم من الأشياء التي لا تؤثر فيه، فإن جاءك رجل جامع زوجته في نهار رمضان فلا تقل له: لا بد أن تضرب صدرك وأن تنتف شعرك حتى ينطبق عليك الحكم، إنما هذا وصف دائم وليس له علاقة بالحكم، وهذا يسميه العلماء تنقيح المناط.
[ (قال: هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا) ] وفي رواية: (لا أملك إلا هذه الرقبة) أي: أنه ليس عندي رقاب، أنا فقير.
[ قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ] أي: لا يفطر في يوم منهما، فإن أفطر في يوم فعليه أن يعيدها من جديد، لكن هب أنه أفطر في حكم الشرع كأن أفطر يوم عيد، فإنه يتم؛ ولماذا يتم؟ لأنه لم يفطر بإرادته، إنما الذي جعله يفطر هو الشرع، فهناك فرق بين أن يفطر بالإرادة وبين أن يفطر رغم إرادته.
وفي رواية قال: (صم شهرين متتابعين، قال: يا رسول الله! وهل فعل بي ذلك إلا الصوم) لم أستطع أن أبتعد عن زوجتي يوماً أأصوم شهرين؟!
[ (قال: أطعم ستين مسكيناً! قال: لا أستطيع) ]، وفي رواية: (ليس في المدينة من هو أفقر مني)، أي: لا رقبة ولا قدرة على الصيام ولا إطعام ستين مسكيناً.
قال: [ فقال له: (اجلس، فمكث، فبينما نحن على ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر) والعرق: المكتل ] من تمر الصدقة، أي: أنه أجلسه بجواره حتى جاء تمر من مال الصدقة.
قال: [ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أين السائل؟ قال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله! فوالله ما بين لابتيها -يريد: الحرتين- أهل بيت أفقر مني ومن أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك) متفق عليه ].
وفي الحديث دروس وأحكام: الحكم الأول: أن الكفارة تسقط بالعجز عن الأداء، وأن صاحب الكفارة يعان من مال الصدقة، فإن قيل: أنا معي مال زكاة. هل أعطيه لمن عليه كفارة؟
الجواب: نعم. يعان من مال الصدقة؛ لأن هذا الرجل أعانه النبي صلى الله عليه وسلم، والكفارات تسقط بالعجز، فإن استطاع فلا بد من الوفاء بها، فهي دين في رقبة المكلّف.
وجامع الزكاة لابد أن يعرف أنه يستحق، والمفروض أن صاحب الكفارة تسقط عنه الكفارة إن لم يستطع، فإن سأل من بيت المال فلا شيء في ذلك.
قال: [ فإن جامع ولم يكفر حتى جامع ثانية في يوم واحد فكفارة واحدة ] بمعنى: جامع في أول النهار، ثم جامع في آخر النهار، إذاً: حدث الجماع مرتين في نفس اليوم، فيلزمه كفارة واحدة.
قال: [ ولا خلاف فيه بين أهل العلم، وإن كان في يومين فعلى وجهين:
أحدهما: تلزمه كفارة واحدة؛ لأنه جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها فتداخلا، كالحدود، وكما لو جامع في يوم مرتين ولم يكفر.
والثاني: تلزمه كفارة ثانية ] وهذا الراجح، لو جامع في يوم ثم جامع في يوم آخر تلزمه كفارتان.
قال القاضي : لأنه أفسد صوم يومين فوجبت كفارتان كما لو كان هذان اليومان في رمضانين، وهذا هو الراجح من أقوال العلماء.
قلت: والمسألة فيها تفصيل بالنسبة للزوج، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الرجل عن زوجته، وهنا استدل الحنابلة على أن الكفارة على الزوج، هب أن الزوجة وافقت على هذا الفعل فإن العلة واحدة، وكونه لا يسأل لا يعني: أنه يسقط عنها الحكم، وهذا قول الشافعي ، فالتفصيل: إن كانت موافقة على الفعل يلزمها أيضاً الكفارة معه، أما إن أكرهت على الفعل فلا شيء عليها إلا القضاء.
قال: [ وبعضهم قالوا: لا قضاء؛ لأن المكره على الإفطار والمكره على الطلاق صيامه صحيح، والمكره على الطلاق طلاقه لا يقع ].
قال: [ وإن كفر ثم جامع فكفارة ثانية، نص عليه ] أي: بأن رجلاً جامع في يوم واحد في رمضان، ثم كفّر بإطعام ستين مسكيناً، ثم عاد إلى الفعل فعليه كفارة ثانية.
قال: [ لأنه تكرر السبب بعد استيفاء حكم الأول؛ فوجب أن يثبت للثاني حكمه كسائر الكفارات، وكل من لزمه الإمساك في رمضان فجامع فعليه كفارة ].
لذلك يسأل أحياناً بعض الفقهاء سؤالاً يقولون: رجل أقسم على زوجته فقال: أنتِ طالق إن لم أجامعكِ في نهار رمضان. ماذا يصنع؟ قال بعضهم: ينشئ سفراً في نهار رمضان هو وزوجته فيفطران بسبب السفر، وهناك يفعل ما يشاء.
وهذه حيلة ربما تكون غير شرعية؛ لأن العبرة بالمقاصد، كمن قال لزوجته وهي على السلم في الطابق الثالث: إن نزلت فأنت طالق وإن صعدت فأنت طالق، فتلقي بنفسها فوق رأسه، وربما تقضي عليه.
وقيل لأحد الفقهاء: رجل قال لزوجته وفي فمها تمرة: إن بلعتها فأنتِ طالق، وإن قذفتها فأنتِ طالق، فقسمتها إلى نصفين فبلعت نصفاً وقذفت نصفاً، هذه بعض الحيل، لكن هناك حيل غير شرعية، ذكرها العلامة ابن القيم في كتابه الذي لا بد لطالب العلم من حفظه، وهو كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين، في مجلدين أو أربعة حسب الطبعة.
هذا الكتاب ذكر في المجلد الرابع منه باب الحيل، وذكر الحيل غير المشروعة والحيل المشروعة، ومنها رجل طلّق امرأته طلقتين، ويبقى له طلقة، فيريد أن يتحلل من الطلقات فيأمرها أن تخلع نفسها منه، والخلع فسخ وليس طلاقاً، والراجح: أنها إذا خلعت نفسها، عاد فعقد عليها فيبدأ الطلاق من جديد، وهذه حيلة غير شرعية ذكرها ابن القيم لبيان الحيل غير الشرعية، وباب الحيل واسع، وأول من احتال على شرع الله هم اليهود، حينما حرّم الله عليهم الصيد في يوم السبت وكانت حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، فقال اليهود: اشتقنا لأكله ولا يمكن بحال أن نراه بأعيننا، ونعجز عن صيده، فربطوا الحيتان من رءوسها بخيط في يوم السبت، وجعلوا الطرف الآخر في بيوتهم، بحيث إذا مضى السبت جذبوا الحبل في اليوم التالي، أي: أنهم قيدوا حركة الحيتان.
ونصبوا الشباك فدخل الحوت إلى الشبكة في يوم السبت وجذبوه يوم الأحد أو الإثنين، فانقسموا إلى ثلاث فرق: فريق تعدى حدود الله، وفريق وعظ ونهى، وفريق طبّق وقال: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف:164] كالمطبقين في زماننا فإنه لا يمكن أن نقبل قولهم؛ لأن الله يقول: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] وظيفتك أن تبلغ فإن استجابوا أو لم يستجيبوا فهذه ليست وظيفتك.
فتعدى من تعدى حدود الله، الذين انتهوا والتزموا حدود الله أقاموا سوراً أو حائطاً بينهم وبين من تعدى الحدود، وفي الصباح استيقظوا فنظروا ليطمئنوا على أقاربهم وآبائهم وأبنائهم، فوجدوهم قد صاروا قروداً؛ ولذلك ربنا عز وجل يقول: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65]، وأصبح عند اليهود عقدة من القرود، وجاءت نظرية دارون اليهودي لتترجم هذا، وهي تدرس لأبنائنا في الثانوية العامة إلى الآن، هذه النظرية هي نظرية النشوء والارتقاء. يقولون: إن الإنسان كان في الأصل قرداً، ثم تطور فأصبح آدمياً، وما قال دارون ذلك إلا لأن أجداده كانوا قروداً، فأراد للناس أن يكونوا قروداً، وأنت إن نظرت الآن إلى الأشكال اليهودية لوجدت أنهم إلى القرود أشبه. قال تعالى: فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:66] وسيبعثون قروداً يوم القيامة؛ لأن المرء يبعث على ما مات عليه.
قال رحمه الله: [ ومن أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان آخر فليس عليه غير القضاء ].
مثال ذلك: امرأة أفطرت في رمضان الماضي لعذر الحمل أو لعذر الرضاعة، أو لعذر الوضع، ثم أدركها رمضان ولم تقض؛ لأنها كانت مريضة ولم تستطع القضاء طيلة هذه المدة.
نقول: لا شيء عليها إلا القضاء بعد رمضان التالي؛ لأنها أخرت القضاء لعذر، فلا يلزمها إلا القضاء.
قال: [ وإن فرط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكيناً ].
من فرّط في قضاء يوم من رمضان السابق حتى جاء رمضان التالي فإن بعض الفقهاء يقولون: عليه قضاء وإطعام؛ لأنه فرّط من غير عذر.
قال: [ لما روى ابن ماجه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين) قال الترمذي: صحيح.
وعن ابن عمر موقوفاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: يُطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام عنه.
وعن ابن عباس : أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر، وعليه صوم رمضان قال: أما رمضان فيطعم عنه وأما النذر فيصام عنه ].
والمعنى: أن الفقهاء اختلفوا فيمن يجب عليه الصيام ثم مات، والراجح من أقوالهم: من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه، ومن مات وعليه صيام رمضان أطعم عنه وليه ولا يصوم عنه، ومن عجز فلا شيء عليه، ومن عجز عن الصيام لكنه استطاع القضاء ولم يقض فقد فرط في واجب، وهو يسأل عنه بين يدي الله سبحانه.
قال: [وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكين؛ لحديث ابن عمر ، وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه ].
والمعنى: أنه أفطر ثم ترك القضاء لعذر، ثم مات فلا شيء عليه؛ لأنه ما تمكن من القضاء، فالعبرة أن يتمكن، وهذا لم يتمكن من القضاء.
حكم صيام الست من شوال ممن عليها قضاء من رمضان
الجواب: اختلف العلماء في هذه المسألة، والراجح: قول الجمهور: أنه يجب عليها القضاء أولاً، ثم إن كانت تستطيع صيام شوال فلا بأس؛ لأن صيام شوال مندوب، والواجب ينبغي عليها أن تحصّله؛ لأن الأعمار غير مضمونة، فربما تموت في نهاية شوال، فتسأل عن الواجب الذي فرطت فيه.
ثانياً: يقول علماؤنا أصحاب البصيرة: إن المتأمل في الحديث يجد فيه الإجابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) فالتي عليها القضاء لم تصم رمضان، فلا بد أن تستكمل الصيام أولاً، فإن قال قائل: هذا واجب موسّع، يجوز أن أقضيه متى شئت، وكانت عائشة رضي الله عنها تقضي ما عليها في شعبان، أقول: وما أدراك أن عائشة رضي الله عنها كانت تصوم أيام شوال؟ فيلزمك أن تدلل لنا أن عائشة كانت تصوم في شوال ولن تجد إن شاء الله تعالى؛ وذلك لأن الإمام مالك يرى أن صيام أيام شوال ليس عليه عمل أهل المدينة.
قال: [ إلا أن يكون الصوم منذوراً فيصام عنه ].
إذا مات وعليه صوم نذر فإن الراجح: أن يصام عنه؛ لأن النذر واجب بالشرع وليس بالشرط.
قال: [ وكذلك كل نذر طاعة؛ لما روى البخاري عن ابن عباس : (قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأقضيه عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدى ذلك عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك) رواه البخاري ].
وهذا الحديث حجة عند الجمهور للقياس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب للمرأة مثلاً بالقياس فقال: (أرأيت لو كان على أمك دين) فأراد لها أن تقيس حق الله على حق الآدمي، فدين الله أحق بالقضاء، فهو يقرب لها المعنى عن طريق القياس، وهذا الحديث حجة من حجج الجمهور خلافاً لأهل الظاهر الذين قالوا: لا قياس.
قال رجل من أهل السنة لرجل من أهل الظاهر: رب العالمين يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8] فما تقول فيمن يعمل نصف مثقال ذرة؟ فهو يريد من الظاهري أن يعمل عقله في القياس، فإنه من يعمل نصف ذرة يجد نصف ذرة، ومن يعمل ذرة يجد ذرة، فقال الظاهري: أبلع ريقي حتى أجيب، قال: أبلعتك دجلة، قال: أمهلني ساعة، قال: أمهلتك إلى قيام الساعة، لن تستطيع الإجابة إلا بالقياس، فالذين أنكروا القياس في الحقيقة هم يتخبّطون؛ لأن الله قال: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] فالله نهانا أن نقول لآبائنا: أف، وهذا يسمى قياس الأولى.
والمعنى: أنه إذا نهاك عن الأف فمن باب أولى ينهاك عن الأعلى، فلا يُعقل أن يقول قائل: أنا لن أقول لأبي: أف إنما سأضربه؛ لأن الله نهاني عن الأف ولم ينهني عن الضرب، نقول: عقلك فيه خلل؛ لأن الله حينما ينهاك عن الأدنى فمن باب أولى ينهاك عن الأعلى، وهذا يسمى قياس الأولى، فالقياس حجة بدون أدنى شك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ الحائض والنفساء تفطران وتقضيان ].
المرأة الحائض إذا جاءها الحيض في نهار رمضان يلزمها الفطر، ولذلك أنا أضع ضابطاً على كلمة: (ويباح)؛ لأن الحائض والنفساء يجب عليهما الفطر، وليس يباح لهما الفطر، فالمرأة إذا حاضت قبل أذان المغرب بدقيقة وقبل غروب الشمس عليها القضاء لا بد، ولا ينبغي للمرأة أبداً أن تأخذ الحبوب التي تمنع الحيض لتصوم، فالنساء المؤمنات وزوجات خير الأنبياء صلى الله عليه وسلم كن يحضن ويقضين، وبعض العلماء يجوز ذلك في الحج؛ لأن الحج له فوج وله موعد بالرحيل، فيمكن أن تأخذ حبوباً تؤخر الحيض لتتمكن من الطواف والرحيل مع البعثة إلى غير ذلك، أما الصيام فلا شيء عليها، فإن حاضت وجب عليها أن تفطر وأن تقضي.
قال: [ والحائض والنفساء تفطران وتقضيان إجماعاً، وإن صامتا لم يجزئهما إجماعاً، وقالت عائشة رضي الله عنها: (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة). تعني: في الحيض. والنفاس مثله ].
فالمرأة إن أصابها دم النفاس أو دم الحيض يلزمها القضاء حتى وإن صامت، وإن صامت فهي آثمة عاصية، فينبغي عليها أن تفطر؛ لأن الذي أمرها بالصيام هو الذي أمرها بالفطر.