العدة شرح العمدة [16]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

نواصل قراءة كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، ومع باب: سجدتي السهو.

وقبل أن أبدأ أريد أن أنبه إلى أننا عندما نطرح بحثاً فينبغي أن يهتم الحضور ببحث هذه المسألة، وقد طرحت في الدرس السابق بحثاً وهو: هل ترك الواجب المتعمد يبطل الصلاة أم لا؟ وذكرت أن أركان الصلاة اثني عشر ركناً، والواجبات سبعة، وحكم هذه الواجبات إن تركها المصلي عامداً، وذكرنا أن الحنابلة لهم في المسألة روايتان، وقد كنت أريد من الحضور أن يهتموا بهذه المسألة وأن يبحثوها لاسيما وأنها من المسائل المهمة في الصلاة.

الحكمة من سجدتي السهو

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب سجدتي السهو).

قوله: (سجدتي) يشير إلى أن للسهو سجدتين، وعلل بعض الفقهاء الحكمة منها، فقالوا: السهو من الشيطان، فهو الذي يجعل الإنسان يسهو في صلاته، فيسجد ليغيظ ذلك اللعين ترغيماً لأنفه؛ لأنه أمر بالسجود فلم يسجد، وابن آدم أمر بالسجود فسجد، فجبرت بعض واجبات الصلاة بسجود سهو ترغيماً للشيطان.

السهو بزيادة فعل من جنس الصلاة

يقول المصنف: (السهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: زيادة فعل من جنس الصلاة)، أن يزيد المصلي فعلاً من جنس الصلاة، كأن يزيد ركعة أو سجدة أو ركناً (فتبطل الصلاة بعمده، ويسجد لسهوه) وإن ذكر وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال، وإن سلم عن نقص في صلاته أتى بما بقي عليه منها ثم سجد، ولو فعل ما ليس من جنس الصلاة لاستوى عمده وسهوه، فإن كان كثيراً أبطلها، وإن كان يسيراً كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حمله أمامة وفتحه الباب لـعائشة فلا بأس.

إذاً: القسم الأول من السهو: هو أن يزيد فعلاً من جنس الصلاة.

حالتا سجود السهو قبل السلام

ذكر الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله أقسام السجود قبل وبعد السلام، وقد قسم المسألة تقسيماً بديعاً في كتابه الممتع، ولعل بعض المطابع أخذت جزءاً من كتابه الممتع وسمته أحكام سجود السهو.

قال: هناك حالتان قبل التسليمتين، وحالتان بعد التسليمتين.

أما ما يسجد له قبل التسليمتين: فهما الشك ونسيان الواجب، بمعنى: أنك شككت في الصلاة هل صليت ثلاثاً أم أربعاً؟ فالواجب عليك أن تبني على الأقل، وهو ثلاث ركعات، وهذا يسميه العلماء اليقين: اليقين أنك صليت ثلاثاً، والشك أنك صليت أربعاً.

ومراتب العلم ستة، وهي: الأولى العلم: وهو إدراك الشيء على حقيقته، فلو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟

إن قلت: كانت في السنة الثانية من الهجرة، فهذا يسمى: (علم)، والعلم هو إدراك الشيء على حقيقته، أما لو قلت: كانت غزوة بدر في السنة الثالثة، فهذا نسميه: (جهل مركب)، وهو: إدراك الشيء على غير حقيقته، وهذا في زماننا حدث به ولا حرج. هذه الثانية، وإن قلت: لا أدري متى كانت غزوة بدر، فهذا يسمى (جهل بسيط)، لأنه لا يدري، ومن قال: لا أدري فقد أفتى. هذه الثالثة.

الرابعة: لو قال قائل: غزوة بدر كانت في السنة الثانية الهجرية واحتمال أن تكون في السنة الثالثة، فهذا يسمى عند العلماء (الظن)، وهو إدراك المعنى الراجح مع احتمال مرجوح، يعني: ضعيف.

الخامسة: لو قلت: غزوة بدر كانت في السنة الثالثة الهجرية، واحتمال أن تكون في السنة الثانية، فهذا يسمى (وهم)، أدرك المعنى المرجوح وأخر المعنى الراجح.

السادسة: لو قلت: أنا لا أدري ربما تكون في الثانية وربما تكون في الثالثة، فهذا يسمى (شك)، أي: أنه استوى عنده الطرفان.

إذاً: مراتب العلم ستة: علم، جهل مركب، جهل بسيط، ظن، وهم، شك، فقول المصنف: (شك) معناه: أنك ترى (50%) أنك صليت ثلاثاً، و(50%) أنك صليت أربعاً، ولا يوجد احتمال راجح، بل تتساوى الاحتمالات، فعندها يبني على الأقل وهو الثلاثة، ويقوم ويأتي بركعة؛ فإن كانت الخامسة فلا بأس، وإن كانت الرابعة فالحمد لله، ثم يسجد للسهو قبل التسليمتين، يسبح فيها كتسبيحه في السجود العادي، سبحان ربي الأعلى، لكن بعض الناس يقول: سبحان الذي لا يسهو ولا ينام، وهذا دعاء ليس له أصل في الشرع، إنما يسبح تسبيحاً عادياً.

والواجبات سبعة، وهي: تكبيرات الانتقال، والتشهد الأوسط، والجلوس له، والتسميع، والتحميد عند الرفع من الركوع، والاستغفار بين السجدتين: (رب اغفر لي ثلاثاً)، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم التسبيح في الركوع والسجود، والركوع والسجود ركن، ولكن التسبيح فيهما واجب.

ولو أن المصلي نسي واجباً من واجبات الصلاة سهواً فعليه أن يسجد للسهو، والسهو للمنفرد، أما المأموم فلا يسجد للسهو إلا إذا سجد الإمام، فإن سها فلا يسجد بمفرده إنما يجبر سهوه الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري عن الأئمة: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم).

والمقصود: لو أن إماماً صلى بالناس جنباً حتى انتهت الصلاة، وبعد الصلاة تذكر أنه كان جنباً، فهل يعيد المأمومون الصلاة أم يعيد الإمام فقط؟ يعيد الإمام فقط، وأما المأموم فصلاته صحيحة؛ للحديث: (يصلون لكم؛ فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم)، إذاً: يلزم الإمام أن يعيد الصلاة بمفرده ولا يلزم المأموم.

حالتا سجود السهو بعد السلام

أما الحالتان التي يسجد لهما بعد التسليمتين: فحالة الزيادة وحالة النقص، إن زاد في عدد الركعات أو قلل، وعمدتنا في ذلك حديث ذي اليدين في البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه إحدى صلاتي العشي)، في الكتاب (العشاء) وهذا غلط، وصلاتي العشي هما: الظهر والعصر، وصلاة الغداة هي صلاة الفجر.

وصلاة العشي كل منهما أربع ركعات؛ لكن النبي عليه الصلاة والسلام صلاها ركعتين، فلما صلى سكت الصحابة وظنوا أن الصلاة قصرت، ونزل حكماً، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر المسجد وشبك بين أصابعه، وفي القوم رجل يسمى ذا اليدين ، يعني: أن إحدى يديه أطول من الثانية، وهذه ليست غيبة؛ لأنها تعريف:

القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر

ولمظهر فسق ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر

أي: أن هذا للتعريف، وأبو هريرة هذا تعريف، وبشر الحافي تعريف، والأكوع تعريف، والأعرج تعريف، وطالما أنه يعرف بهذا فلا بأس أن تذكره بذلك؛ لأن هذا من قبيل التعريف، لكن لو أن رجلاً اسمه (محمد) وليس له لقب وأنت تعرفه بلقب، فهذا تنابز بالألقاب، أما إن كان مشتهراً بين الناس بهذا الاسم فهذه ليست غيبة.

قال ذو اليدين : (يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: لم؟ قال: صليت بنا ركعتين، قال: أحقاً ما قال ذو اليدين ؟ قال الصحابة: نعم يا رسول الله! وفي القوم أبو بكر وعمر فقام النبي صلى الله عليه وسلم وكبر وصلى ركعتين ثم سجد للسهو بعد التسليمتين).

ومن هنا استدل العلماء على أنه في حال النقص يسجد للسهو بعد التسليمتين.

وفي حديث ابن مسعود قال لأصحابه: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإن نسيت فذكروني)، وهو ينسى للتشريع.

قال المؤلف: (زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو ركن) كرجل زاد في الصلاة ركعة، فإن زادها متعمداً فصلاته باطلة بلا خلاف، أو زاد فيها ركناً من أركانها الاثني عشر، ومعنى ذلك: أنه لا يجوز أن تقرأ الفاتحة مرتين، والبعض ينتهي من الفاتحة قبل الإمام فيعيدها الإمام مرة ثانية، لا. أنت الآن تحصل الركن أكثر من مرة. رجل ركع في الصلاة ركوعين، فإن كرر الركن فلا يجوز، وإن تعمد أن يزيد ركناً فصلاته باطلة.

ولو زاد ركناً بسهو، يعني: سجد ثلاث سجدات، أو ركع ركوعين، أو صلى خمساً، فهذه زيادة فعل من جنس الصلاة تبطل الصلاة بعمده ويسجد لسهوه، وإن ذكر وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال، والأركان لا بد من تحصيلها، لا تجبر بسجوده.

وهذا يشبه حال بعض الأئمة عندما يقوم لخامسة، فيذكره من خلفه من الرجال بالتسبيح، والنساء يصفقن ببطون كفهن على ظهر الأخرى.

وفي حديث أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـبلال : (إن تأخرت فأقم الصلاة، وائذن لـأبي بكر) وذهب إلى صلح في قباء بين بني عوف. وهذا المعتبر أن الإمام الراتب عندما يتأخر يستخلف خليفة، ونحن الآن في مساجدنا نرى الإمام الراتب يغيب، وراتب الراتب يغيب، وهذا أمر نعاني منه في كثير من المساجد، والمؤذن يقدم على هواه، ويتقاتلون على الأذان والإمامة؛ لأن الراتب لا يعين خليفة.

فلما حضرت الصلاة أقام بلال وصلى أبو بكر بالناس، وبينما هو في الركعة الأولى جاء النبي عليه الصلاة والسلام، فصفق الصحابة لـأبي بكر ، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى أبي بكر أن اثبت وأكمل، فتراجع الصديق رغم هذه الإشارة ووقف في الصف الأول بعد تكبيرة الإحرام، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بالناس إماماً، وبعد الصلاة قال له: (يا أبا بكر ما لك تراجعت إذ أمرتك -أن تكمل- قال: يا رسول الله! ما كان لـابن أبي قحافة أن يصلي إماماً برسول الله)، وهذا من أدب أبي بكر .

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حزبه أمر في الصلاة إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء).

وقد بوب أبو داود باب التصفيق للنساء، إذا حزبها في الصلاة أمر تصفق.

قال: (يسجد للسهو)، إن قام الإمام لخامسة وسبحنا فينبغي له أن يجلس، والإمام مسألته تختلف عن المنفرد؛ لأن له من يذكره، وعلى الإمام أن يذعن لرأي المجموعة ويجلس ويسجد للسهو.

(وإن ذكر في الركعة الزائدة جلس في الحال، وإن سلم عن نقص في صلاته أتى بما بقي عليه منها ثم سجد)، والدليل هنا حديث ذي اليدين الذي ذكرت.

السهو بزيادة فعل ليس من جنس الصلاة

قال المؤلف: (ولو فعل ما ليس من جنس الصلاة لاستوى عمده وسهوه، فإن كان كثيراً أبطلها، وإن كان كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حمله أمامة وفتحه الباب لـعائشة فلا بأس).

ومعنى أن المصلي فعل شيئاً ليس من جنس الصلاة: أنه قد يخرج منديلاً وينشف العرق، أو يتنخم إلى غير ذلك، فهذا ليس من جنسها، يستوي فيه العمد والسهو.

قال المصنف هنا: (إن كان ليس من جنسها فيعفى عن يسيره) ولكن قد تبطل الصلاة إن كثر، لأنه ليس من جنس الصلاة، والنبي عليه الصلاة والسلام أتى بأفعال ليست من جنس الصلاة، مثل حمل أمامة بنت بنته ووضعها وهو في الصلاة، والحمل والوضع ليس من جنس الصلاة، حتى أنه صلى على المنبر للصحابة صلاة صحيحة ونزل من على المنبر، ثم تراجع وسجد في أصل المنبر، ثم قام وارتقى المنبر، ثم رجع وسجد، وهذا الرجوع فيه حركة ولكنها ليست كثيرة.

فيقول المصنف هنا: (كالمشي والحك والتروح) إن كان كثيراً يبطل الصلاة؛ لأنه من غير جنسها (ولا يشرع له سجود، وإن قل لم يبطلها، لما روى أبا قتادة (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت أبي العاص بنت بنته إذا قام حملها وإذا سجد وضعها) متفق عليه).

وروي أنه فتح الباب لـعائشة رضي الله عنها في الصلاة، والقليل مما شابه فعل النبي عليه الصلاة والسلام في فتحه الباب وحمله أمامة ، والكثير إذا عد في العرف كثيراً فيبطل، إلا أن يفعله متفرقاً بدليل حمل النبي صلى الله عليه وسلم لـأمامة في صلاته، حيث فعله متفرقاً لم يبطل وإن كان كثيراً.

ومعنى هذا: أن الفعل إن كان ليس من جنس الصلاة فيعفى عن يسيره، وإن كان كثيراً متفرقاً فيعفى عنه أيضاً، لكن من يصلي وأتى بحركة ليست من جنس الصلاة وهي طويلة كالخروج إلى الشارع، فهذا خرج من الصلاة.

أو أغلق الهاتف وهو يصلي، فصلاته صحيحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب لـعائشة وهو يصلي، وحمل أمامة بنت بنته وهو يصلي، وعندما يركع فإنه يضعها، وحينما يرفع من السجود يأخذها، وهذه كلها حركات ليست من جنس الصلاة.

لكن لو أن الباب طرق وأنت وهو في غير اتجاه القبلة فلو فتحت ستنحرف عن القبلة وهذا لا يجوز. فالحركة لصالح الصلاة تجوز إن كانت يسيرة أو كثيرة متفرقة بين الركعات، وابن حجر في الفتح ذكر هذا، لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر بين أصحابه ليصلي لهم ويعلمهم الصلاة، فكبر تكبيرة الإحرام وهو على المنبر، وقرأ الفاتحة، ثم ركع، فإذا أراد أن يسجد تراجع ونزل من على المنبر، ثم نزل وسجد عند أصل المنبر عند الدرجة الأولى ثم سجد ثم اعتدل وقام وعاد على المنبر، قال ابن حجر في الفتح معلقاً: وفي الحديث جواز الفعل الكثير إن تفرق لصالح الصلاة. وحد الكثير والقليل العرف، ما يعتبروه الناس كثيراً وما يعتبره الناس قليلاً، وقد ذكر المصنف هنا أن القليل هو فعل النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح الباب لـعائشة وحمل أمامة ، أما من يصلي وأخرج ألف جنيه بعدها ثم غلط في العد ... ماذا أقول في شأنه؟ وآخر ينظر في الساعة، ثم فتح الساعة وحرك العقارب، أو أخرج التلفون يتصل في الصلاة، أو يقلب الرسائل، فهل هذا مصل؟ أما من نسي إغلاقه ودق ثم أخرجه وأقفله فلا.

كذلك لو صلى، والغترة مالت على وجهه وعدلها فصحيح، أما من يهندم نفسه في الصلاة. فلا يصح، أو امرأة تصلي والطبيخ على النار، وتذهب للمطبخ فهذا ينهي الصلاة، أما لو كانت بجواره وأغلقته ثم صلت في اتجاه القبلة فلا بأس.

وأيضاً يجب أن يخشع المرء في صلاته، فبعض الناس يريد أن يتابع المباراة في الصلاة، فيأتي بالتلفزيون أمامه، ويقول: من أجل أن يخشع في الصلاة، هذا لا يجوز.

سجود السهو بسبب نسيان واجب

الضرب الثاني من السهو (كنسيان واجب، فإن قام عن التشهد الأول فذكر قبل أن يستتم قائماً رجع فأتى به، وإن استتم قائماً لم يرجع) رجل نسي التشهد الثاني، ثم تذكر قبل أن يستتم قائماً، فعليه أن يعود، أما إن استتم قائماً فلا يعود؛ لأنه يعود من ركن إلى واجب.

ولو أن رجلاً في التشهد الأخير تذكر أنه لم يسجد السجدة الثانية؛ فإنه يسجد لأنه لم يفصل بين الركنين.

قال المؤلف: (وإن نسي ركناً فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده، وإن ذكره بعد ذلك بطلت الركعة التي تركها منها)، والمعنى: نسي السجدة الثانية، ثم قام من الركعة الثانية وقرأ الفاتحة، وركع واعتدل، وبعد أن اعتدل تذكر أنه نسي السجدة الثانية فإن الركعة كلها باطلة، ويأتي بركعة كاملة لأنه فصل بعد الركن بأركان، قام وقرأ الفاتحة وركع ثم تذكر أنه نسي ركناً لابد من تحصيل الركعة بكاملها، إذاً: الركعة الأولى تحذف من حساباته، ويأتي بركعة إضافية في آخر الصلاة؛ لأنه نسي ركناً وفصل بينه بأركان.

قال المؤلف: (وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات فذكر في التشهد سجد في الحال وصحت له ركعة، ثم يأتي بثلاث ركعات)، والمعنى: أنا أصلي الظهر، ونسيت السجدة الثانية في الركعة الأولى، والسجدة الثانية في الركعة الثانية، والسجدة الثانية في الركعة الثالثة، والسجدة الثالثة في الركعة الرابعة، ثم وأنا أقرأ التشهد تذكرت أنني ما سجدت للأولى والثانية والثالثة والرابعة، فماذا أعمل؟ أسجد سجدة فتصح لي الركعة الرابعة فقط، وتعتبر الركعة الأولى صحيحة كاملة، وأقوم بصلاة ثلاث ركعات.

سجود السهو بسبب الشك

قال المؤلف: (الضرب الثالث من سجود السهو: الشك، فمن شك في ترك ركن فهو كتركه له)، كأن شككت هل أقرأت الفاتحة أم لم تقرأ وأنت منفرد في صلاة، فكأنك لم تقرأ، إذاً تأتي بركعة كاملة، لأن الشك في ركن يلغيه.

وأول الأركان تكبيرة الإحرام، وهي تختلف عن كل الأركان، إذا شككت أنك لم تكبر تكبيرة الإحرام فالصلاة من أولها لا تصح؛ لأن مفتاحها التكبير، وأنت خسرت المفتاح.

وأركان الصلاة هي: تكبيرة الإحرام، قراءة الفاتحة، الركوع حتى تطمئن، الاعتدال من الركوع، السجود حتى تطمئن، الاعتدال من السجود، السجدة الثانية، قراءة التشهد الأخير، التسليمة الأولى، الاطمئنان في كل ما ذكرنا، الترتيب على ما ذكرناه، القيام بعد الركوع.

الضرب الثالث من ضروب السهو: (الشك فمن شك في ترك ركن فهو كتركه له، ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين)، أي: الأقل، إلا الإمام خاصة، فإنه يبني على غالب ظنه؛ لأن الإمام وراءه من يذكره، لكن المنفرد ليس معه أحد، (ولكل سهو سجدتان قبل السلام إلا من سلم عن نقص في صلاته، والإمام إذا بنى على غالب ظنه، والناسي للسجود قبل السلام، فإنه يسجد سجدتين بعد سلامه، ثم يتشهد ويسلم.

وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو الإمام فيسجد معه، ومن سها إمامه أو نابه أمر في صلاته فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء، (إذا نابكم أمر فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء) )، والتصفيق ليس للرجال مطلقاً في الصلاة وخارجها.

ذكر المصنف هنا أن السهو على ثلاثة أضرب:

الأول: أن يزيد فعلاً من جنس الصلاة، والثاني: النقص كنسيان واجب، والثالث: الشك في ترك ركن، أو في عدد الركعات يبني على اليقين.

وللفائدة: يوجد صحابي وحيد هو الذي صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم إماماً، وهو عبد الرحمن بن عوف ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في الركعة الثانية في الفجر ولم يدخل في الركعة الأولى، فوصول الإمام الراتب في الأولى يختلف عن وصوله في الثانية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب سجدتي السهو).

قوله: (سجدتي) يشير إلى أن للسهو سجدتين، وعلل بعض الفقهاء الحكمة منها، فقالوا: السهو من الشيطان، فهو الذي يجعل الإنسان يسهو في صلاته، فيسجد ليغيظ ذلك اللعين ترغيماً لأنفه؛ لأنه أمر بالسجود فلم يسجد، وابن آدم أمر بالسجود فسجد، فجبرت بعض واجبات الصلاة بسجود سهو ترغيماً للشيطان.


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
العدة شرح العمدة [13] 2697 استماع
العدة شرح العمدة [68] 2620 استماع
العدة شرح العمدة [26] 2595 استماع
العدة شرح العمدة [3] 2518 استماع
العدة شرح العمدة [1] 2476 استماع
العدة شرح العمدة [62] 2374 استماع
العدة شرح العمدة [19] 2337 استماع
العدة شرح العمدة [11] 2333 استماع
العدة شرح العمدة [56] 2302 استماع
العدة شرح العمدة [15] 2238 استماع