العدة شرح العمدة [2]


الحلقة مفرغة

كنا قد توقفنا في كتاب العدة عند الغسل من الجنابة.

والكتاب الأول في العدة هو كتاب الطهارة، والكتاب ينقسم إلى أبواب، فكان الباب الأول: هو باب أحكام المياه، والباب الثاني: باب الآنية، والثالث: باب قضاء الحاجة، والرابع: باب المسح على الخفين، والخامس: باب نواقض الوضوء، ونحن الآن مع الباب السادس: باب الغسل من الجنابة.

خروج المني بشهوة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والموجب له-يعني: ما يوجب الغسل- خروج المني وهو الماء الدافق بلذة ].

ما يجب له الغسل:

أولاً: خروج المني، وضابطه أن يكون بلذة، يعني: بشهوة، والضابط الثاني: يقظة، فإن خرج المني بغير شهوة مناماً فعليه غسل، إذاً: ضابط الفقهاء حينما يقولون: خروج المني بشهوة يقصدون به: أن يخرج المني بشهوة في حال اليقظة، لكن إن خرج بغير شهوة في اليقظة هل يوجب الغسل أم لا؟

في الأثر -وإن كان ضعيفاً عند بعض العلماء إلا أنه يبين المعنى-: أن رجلاً دخل المسجد يوماً فقال للحضور: أفيكم مفتٍ؟ قالوا: سل، فقال: إني أجد الماء بعد الماء كلما تبولت؟ فقالوا له: الذي منه الولد؟ قال: الذي منه الولد، قالوا جميعاً: لا نرى لك إلا أنه يجب عليك الغسل، ففي هذه الحال كلما تبول الرجل اغتسل، وكان ابن عباس يصلي فسمع الرجل وسمع الإجابة، فعجل في صلاته ونادى الرجل، وقال له: أتجد شهوة في فرجك؟ قال: لا، قال: أتجد خدراً في جسدك؟ قال: لا، قال: إنما هي بردة -يعني: برد أصابك- يكفيك منه الوضوء وأن تغسل المذاكير، ثم قال الكلمة المعروفة: لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.

فلا بد أن تعلم أن خروج المني في حال اليقظة لا بد أن يكون بشهوة، فإن كان لسبب مرضي فلا يوجب الغسل.

والمني قال الله في حقه: فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7].

جاءت أم سليم إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟) يعني: إذا رأت في نومها ما رأت ثم احتلمت هل عليها غسل؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم. إذا رأت الماء) ، فعلق الغسل على رؤية الماء، فإذا رأت الماء وجب عليها الغسل.

فأول موجب للغسل هو خروج المني بشهوة في حال اليقظة أو حال المنام، إلا أنه في حال اليقظة يشترط أن يكون بشهوة، وفي حال المنام إذا رأت الماء.

فإذا لم يتذكر حلماً في منامه، ورأى ماء أو وجد بللاً في سراويله فعليه الغسل، وإن تذكر أنه رأى في منامه شيئاً، لكنه لم يجد بللاً فليس عليه غسل؛ لأن العلة هنا هي وجود الماء: (نعم. إذا رأت الماء) فإذا رأى الماء فيجب أن يغتسل، وفي الحديث أن أم سلمة قالت: (أو تحتلم المرأة يا رسول الله! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: تربت يداك يا أم سلمة ! ففيم يشبهها ولدها؟ إذا علا ماءُ الرجل ماء المرأة ذكر بإن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنث بإذن الله).

وقد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من جنابته بعد الفجر.

والجواب: أن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة لا يكون إلا من الجماع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتلم؛ لأنه ليس للشيطان عليه سبيل، فلم يغتسل من احتلام أبداً صلى الله عليه وسلم إنما غسله كان من جماع، والاحتلام من الشيطان، وقد قال لـعائشة حينما سألته: (أو لك شيطان يا رسول الله؟! قال: نعم. إلا أن الله أعانني عليه فأسلم) ، صلى الله عليه وسلم.

وحديث أم سليم هذا متفق عليه. قالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق)، وهناك عبارة تدور على ألسنة البعض وهي غير صحيحة، وهي قولهم: (لا حياء في الدين) وهذا خطأ، فإن الدين كله حياء، و(الحياء من الإيمان) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

فجملة (لا حياء في الدين) كلمة خاطئة، ولكن قل: لا استحياء في التعلم، أو لا حياء في العلم، أي: لا حياء في طلبه.

التقاء الختانين

قال المصنف رحمه الله: [والتقاء الختانين].

يعني: أن التقاء الختانين يوجب الغسل، ومعنى التقاء الختانين: تغييب الحشفة في الفرج وإن لم يحصل الإنزال، يعني: إن جامع الرجل المرأة وغيب حشفته في فرجها أنزل أو لم ينزل فقد وجب عليه الغسل، والكثير يجامع دون أن ينزل ويظن أنه لا بد أن ينزل حتى يغتسل، وهذا خطأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل) رواه مسلم ، أي: مس ختان الرجل ختان المرأة.

إذاً: هذا الحديث دليل على أن المرأة تختتن، فالمرأة تختتن بدون أدنى شك، والذين يحاربون قضية ختان المرأة يريدون أن تعم الفاحشة في الأمة ومهما قالوا وبرقعوا هذا الكلام فليسمع من يسمع أن عدم ختان المرأة معناه إشاعة الفاحشة.

وفي الأدب المفرد عند البخاري من حديث أم المهاجر أنها أسلمت في عهد عثمان رضي الله عنه فأمر بها فاغتسلت ثم اختتنت، فأمرها عثمان رضي الله عنه أن تختتن مع كبر سنها بعد إسلامها.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وكان الرجل إن لم تختتن أمه يعير بها بين العرب، فيقال له: يا ابن القلفاء! أي: غير مختتنة، والمرأة غير المختتنة تتطلع إلى الرجال أكثر من غيرها، فعدم ختان المرأة إشاعة للفاحشة تماماً، فنقول: يا قلفاء! اختتني اختتني ولا تسمعي لقول هؤلاء الناس، فإنهم يريدون للأمة أن تعمها الفاحشة.

ومن ضوابط ختان المرأة: عدم الإنهاك، فهو أنظر للوجه ويهذب الشهوة.

فهذا الحديث حجة، والتقاء الختانين موجب من موجبات الغسل.

انقطاع دم الحيض والدخول في الإسلام من موجبات الغسل

من موجبات الغسل أيضاً: الحيض، فبعد انقطاع دم الحيض ينبغي للمرأة أن تغتسل.

ومن موجبات الغسل أيضاً: الإسلام بعد الكفر، فإن كان كافراً وأراد أن يسلم فعليه أن يغتسل.

قال المصنف رحمه الله: [ والواجب فيه -أي: الواجب في الغسل- النية ]؛ لأن كل عمل يحتاج إلى نية.

قال: [وتعميم بدنه بالغسل] أن يعمم الجسد بالماء، وهو أن يصل الماء إلى كل ظاهر الجسد، والأنف والفم من ظاهر الجسد بأدلة خمسة، فلا بد أن يتمضمض وأن يستنشق في الغسل، وإن لم يفعل هذا فقد يكون الغسل باطلاً عند الحنابلة، والدليل على أن الأنف والفم من ظاهر الوجه أنهما يأخذان أحكام الظاهر، فمثلاً: لو تمضمض الصائم فإنه لا يفطر، ومعنى ذلك: أن الفم من الظاهر، وكذلك إذا أقاء وأخرج القيء من معدته إلى فمه، وإذا بلع ذلك القيء أفطر؛ لأن انتقال القيء من المعدة إلى الفم انتقال من باطن إلى ظاهر، ولو دخل الخمر في فمه ثم لفظه قبل أن يبتلعها فليس عليه حد، فلو أن الفم من الباطن لكان وصول الخمر إلى الفم معناه: إقامة الحد، ولو أن طفلاً رضيعاً أخذ ثدي امرأة ثم مص منه لبناً، وكلما مص قذف اللبن فلا تحسب رضعة؛ لأن وصول اللبن إلى الفم لا يعتبر وصولاً إلى الباطن وإنما وصول إلى الظاهر. فكل هذه الأشياء تؤكد أن الفم من ظاهر الوجه.

إذاً: عند الغسل لا بد أن يدخل الماء إلى الفم، فلا بد من المضمضة والاستنشاق.

وقد يقول قائل: إن نزلت في بركة الماء مرة واحدة وأنا جنب ثم صعدت. هل هذا يعد غسلاً ويغني عن الوضوء أم لا؟ نقول: يلزمك أن تتمضمض وتستنشق، فإن فعلت ذلك أجزأ؛ لأنك عممت الجسد بالماء.

وبعض الناس يتجاوز هذه النقطة فلا يصل الماء إلى الأماكن التي ينبغي الوصول إليها، كالإبطين وبين الفخذين، وبعض النساء -هداهن الله- تكون قد قامت بفرد شعرها عند الكوافير، ووضعته في الخلاط الكهربائي بخمسين جنيهاً أو مائة جنيه، وتخشى عليه من الماء، فإن أرادت أن تغتسل تضع كيس بلاستيك على رأسها وتربط عليه فتلة ثم تغتسل، فلا يصل الماء إلى منابت الشعر، فهذا لا يسمى غسلاً، كذلك إن وضعت على يدها ما يحول بينه وبين وصول الماء -كالمناكير مثلاً- فهذا لا يسمى غسلاً، لأنه حاجز عن الماء، فلا بد من تعميم الجسد بالماء.

إذاً: الواجب في الغسل النية ثم تعميم الجسد بالماء مع المضمضة والاستنشاق.

ولا يشترط للمرأة أن تحل ظفيرتها، وقد كان ابن عباس يقول بوجوب حل الظفيرة عند الغسل، فقالت عائشة : عجباً لـابن عباس ! أيأمر النساء أن تحل ظفائرهن عند الغسل؟! أما يأمرهن بحلق رؤوسهن؟! لقد اغتسلت مع النبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد.

والظفيرة تنضح شريطة أن يصل الماء إلى منابت الشعر، فالمرأة في كل أنواع الغسل لا يلزمها أن تفك الظفيرة، وهذا هو الراجح.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والموجب له-يعني: ما يوجب الغسل- خروج المني وهو الماء الدافق بلذة ].

ما يجب له الغسل:

أولاً: خروج المني، وضابطه أن يكون بلذة، يعني: بشهوة، والضابط الثاني: يقظة، فإن خرج المني بغير شهوة مناماً فعليه غسل، إذاً: ضابط الفقهاء حينما يقولون: خروج المني بشهوة يقصدون به: أن يخرج المني بشهوة في حال اليقظة، لكن إن خرج بغير شهوة في اليقظة هل يوجب الغسل أم لا؟

في الأثر -وإن كان ضعيفاً عند بعض العلماء إلا أنه يبين المعنى-: أن رجلاً دخل المسجد يوماً فقال للحضور: أفيكم مفتٍ؟ قالوا: سل، فقال: إني أجد الماء بعد الماء كلما تبولت؟ فقالوا له: الذي منه الولد؟ قال: الذي منه الولد، قالوا جميعاً: لا نرى لك إلا أنه يجب عليك الغسل، ففي هذه الحال كلما تبول الرجل اغتسل، وكان ابن عباس يصلي فسمع الرجل وسمع الإجابة، فعجل في صلاته ونادى الرجل، وقال له: أتجد شهوة في فرجك؟ قال: لا، قال: أتجد خدراً في جسدك؟ قال: لا، قال: إنما هي بردة -يعني: برد أصابك- يكفيك منه الوضوء وأن تغسل المذاكير، ثم قال الكلمة المعروفة: لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.

فلا بد أن تعلم أن خروج المني في حال اليقظة لا بد أن يكون بشهوة، فإن كان لسبب مرضي فلا يوجب الغسل.

والمني قال الله في حقه: فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7].

جاءت أم سليم إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟) يعني: إذا رأت في نومها ما رأت ثم احتلمت هل عليها غسل؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم. إذا رأت الماء) ، فعلق الغسل على رؤية الماء، فإذا رأت الماء وجب عليها الغسل.

فأول موجب للغسل هو خروج المني بشهوة في حال اليقظة أو حال المنام، إلا أنه في حال اليقظة يشترط أن يكون بشهوة، وفي حال المنام إذا رأت الماء.

فإذا لم يتذكر حلماً في منامه، ورأى ماء أو وجد بللاً في سراويله فعليه الغسل، وإن تذكر أنه رأى في منامه شيئاً، لكنه لم يجد بللاً فليس عليه غسل؛ لأن العلة هنا هي وجود الماء: (نعم. إذا رأت الماء) فإذا رأى الماء فيجب أن يغتسل، وفي الحديث أن أم سلمة قالت: (أو تحتلم المرأة يا رسول الله! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: تربت يداك يا أم سلمة ! ففيم يشبهها ولدها؟ إذا علا ماءُ الرجل ماء المرأة ذكر بإن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنث بإذن الله).

وقد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من جنابته بعد الفجر.

والجواب: أن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة لا يكون إلا من الجماع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتلم؛ لأنه ليس للشيطان عليه سبيل، فلم يغتسل من احتلام أبداً صلى الله عليه وسلم إنما غسله كان من جماع، والاحتلام من الشيطان، وقد قال لـعائشة حينما سألته: (أو لك شيطان يا رسول الله؟! قال: نعم. إلا أن الله أعانني عليه فأسلم) ، صلى الله عليه وسلم.

وحديث أم سليم هذا متفق عليه. قالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق)، وهناك عبارة تدور على ألسنة البعض وهي غير صحيحة، وهي قولهم: (لا حياء في الدين) وهذا خطأ، فإن الدين كله حياء، و(الحياء من الإيمان) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

فجملة (لا حياء في الدين) كلمة خاطئة، ولكن قل: لا استحياء في التعلم، أو لا حياء في العلم، أي: لا حياء في طلبه.

قال المصنف رحمه الله: [والتقاء الختانين].

يعني: أن التقاء الختانين يوجب الغسل، ومعنى التقاء الختانين: تغييب الحشفة في الفرج وإن لم يحصل الإنزال، يعني: إن جامع الرجل المرأة وغيب حشفته في فرجها أنزل أو لم ينزل فقد وجب عليه الغسل، والكثير يجامع دون أن ينزل ويظن أنه لا بد أن ينزل حتى يغتسل، وهذا خطأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل) رواه مسلم ، أي: مس ختان الرجل ختان المرأة.

إذاً: هذا الحديث دليل على أن المرأة تختتن، فالمرأة تختتن بدون أدنى شك، والذين يحاربون قضية ختان المرأة يريدون أن تعم الفاحشة في الأمة ومهما قالوا وبرقعوا هذا الكلام فليسمع من يسمع أن عدم ختان المرأة معناه إشاعة الفاحشة.

وفي الأدب المفرد عند البخاري من حديث أم المهاجر أنها أسلمت في عهد عثمان رضي الله عنه فأمر بها فاغتسلت ثم اختتنت، فأمرها عثمان رضي الله عنه أن تختتن مع كبر سنها بعد إسلامها.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وكان الرجل إن لم تختتن أمه يعير بها بين العرب، فيقال له: يا ابن القلفاء! أي: غير مختتنة، والمرأة غير المختتنة تتطلع إلى الرجال أكثر من غيرها، فعدم ختان المرأة إشاعة للفاحشة تماماً، فنقول: يا قلفاء! اختتني اختتني ولا تسمعي لقول هؤلاء الناس، فإنهم يريدون للأمة أن تعمها الفاحشة.

ومن ضوابط ختان المرأة: عدم الإنهاك، فهو أنظر للوجه ويهذب الشهوة.

فهذا الحديث حجة، والتقاء الختانين موجب من موجبات الغسل.

من موجبات الغسل أيضاً: الحيض، فبعد انقطاع دم الحيض ينبغي للمرأة أن تغتسل.

ومن موجبات الغسل أيضاً: الإسلام بعد الكفر، فإن كان كافراً وأراد أن يسلم فعليه أن يغتسل.

قال المصنف رحمه الله: [ والواجب فيه -أي: الواجب في الغسل- النية ]؛ لأن كل عمل يحتاج إلى نية.

قال: [وتعميم بدنه بالغسل] أن يعمم الجسد بالماء، وهو أن يصل الماء إلى كل ظاهر الجسد، والأنف والفم من ظاهر الجسد بأدلة خمسة، فلا بد أن يتمضمض وأن يستنشق في الغسل، وإن لم يفعل هذا فقد يكون الغسل باطلاً عند الحنابلة، والدليل على أن الأنف والفم من ظاهر الوجه أنهما يأخذان أحكام الظاهر، فمثلاً: لو تمضمض الصائم فإنه لا يفطر، ومعنى ذلك: أن الفم من الظاهر، وكذلك إذا أقاء وأخرج القيء من معدته إلى فمه، وإذا بلع ذلك القيء أفطر؛ لأن انتقال القيء من المعدة إلى الفم انتقال من باطن إلى ظاهر، ولو دخل الخمر في فمه ثم لفظه قبل أن يبتلعها فليس عليه حد، فلو أن الفم من الباطن لكان وصول الخمر إلى الفم معناه: إقامة الحد، ولو أن طفلاً رضيعاً أخذ ثدي امرأة ثم مص منه لبناً، وكلما مص قذف اللبن فلا تحسب رضعة؛ لأن وصول اللبن إلى الفم لا يعتبر وصولاً إلى الباطن وإنما وصول إلى الظاهر. فكل هذه الأشياء تؤكد أن الفم من ظاهر الوجه.

إذاً: عند الغسل لا بد أن يدخل الماء إلى الفم، فلا بد من المضمضة والاستنشاق.

وقد يقول قائل: إن نزلت في بركة الماء مرة واحدة وأنا جنب ثم صعدت. هل هذا يعد غسلاً ويغني عن الوضوء أم لا؟ نقول: يلزمك أن تتمضمض وتستنشق، فإن فعلت ذلك أجزأ؛ لأنك عممت الجسد بالماء.

وبعض الناس يتجاوز هذه النقطة فلا يصل الماء إلى الأماكن التي ينبغي الوصول إليها، كالإبطين وبين الفخذين، وبعض النساء -هداهن الله- تكون قد قامت بفرد شعرها عند الكوافير، ووضعته في الخلاط الكهربائي بخمسين جنيهاً أو مائة جنيه، وتخشى عليه من الماء، فإن أرادت أن تغتسل تضع كيس بلاستيك على رأسها وتربط عليه فتلة ثم تغتسل، فلا يصل الماء إلى منابت الشعر، فهذا لا يسمى غسلاً، كذلك إن وضعت على يدها ما يحول بينه وبين وصول الماء -كالمناكير مثلاً- فهذا لا يسمى غسلاً، لأنه حاجز عن الماء، فلا بد من تعميم الجسد بالماء.

إذاً: الواجب في الغسل النية ثم تعميم الجسد بالماء مع المضمضة والاستنشاق.

ولا يشترط للمرأة أن تحل ظفيرتها، وقد كان ابن عباس يقول بوجوب حل الظفيرة عند الغسل، فقالت عائشة : عجباً لـابن عباس ! أيأمر النساء أن تحل ظفائرهن عند الغسل؟! أما يأمرهن بحلق رؤوسهن؟! لقد اغتسلت مع النبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد.

والظفيرة تنضح شريطة أن يصل الماء إلى منابت الشعر، فالمرأة في كل أنواع الغسل لا يلزمها أن تفك الظفيرة، وهذا هو الراجح.


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
العدة شرح العمدة [13] 2695 استماع
العدة شرح العمدة [68] 2619 استماع
العدة شرح العمدة [26] 2594 استماع
العدة شرح العمدة [3] 2517 استماع
العدة شرح العمدة [1] 2474 استماع
العدة شرح العمدة [62] 2373 استماع
العدة شرح العمدة [19] 2336 استماع
العدة شرح العمدة [11] 2332 استماع
العدة شرح العمدة [56] 2301 استماع
العدة شرح العمدة [15] 2236 استماع