أرشيف المقالات

تفسير الربع الثاني من سورة الإسراء

مدة قراءة المادة : 19 دقائق .
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1]
تفسير الربع الثاني من سورة الإسراء

• الآية 23، والآية 24، والآية 25:  ﴿وَقَضَى رَبُّكَ﴾ يعني: ولقد أمَرَ ربك - أيها الرسول - ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ فلا تُشرِكوا به أحداً مِن خَلقه في عبادته، ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾: أي وكذلك أمَرَكم سبحانه بالإحسان إلى الأب والأم (وذلك بتأدية حقوقهما، وبطاعة أمْرهما - في غير معصية الله - وبالإنفاق عليهما، وإكرام صديقهما، وصلة رَحِمِهما، والدعاء لهما، وطلب رِضاهما)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 3507)، وخُصوصاً: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾ - أي حال الشيخوخة - إذا بلغ ﴿أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ سن الكِبَر وهم عندك (أي في بيتك أو في حال وجودك بينهما) ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾: أي فلا تُسمِعهما قولاً سيئًا، حتى ولو كانَ كلمة (أف) (التي هي أقل مراتب القول السيئ)، ولا يَضِق صدرك مِن أيّ شيئٍ تراه منهما في هذا السن، بل يَجب عليك أن تَخدمهما كما كانا يَخدمانك وأنت طفل (حِينما كانا يَغسلان ويُنَظِّفان ولا يَتضايقان أو يَتأففان)، ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ أي لا ترفع صوتك عليهما، ولكن ارفق بهما ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ أي قولا لطيفًا لَيِّنًا يُسعِدهما، ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾ يعني كُنْ لأمك وأبيك ذليلاً متواضعًا.

• وقوله تعالى: ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ أي تواضُعاً ناشئاً مِن رحمتك بهما، ﴿وَقُلْ﴾ - داعياً ربك -: ﴿رَبِّ ارْحَمْهُمَا﴾ أحياءً وأمواتًا ﴿كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾: يعني كما صَبَرا على تربيتي وأنا صغير، ضعيف الحول والقوة.

♦ واعلم أنّ الفعل (قَضَى) يأتي بأكثر مِن مَعنى، فهنا قد أتى بمعنى (أمَرَ وَوَصَّى)، وأحياناً يأتي بمعنى: (انتهى)، كقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ ﴾ ، وأحياناً يأتي بمعنى: (حَكَمَ وقدَّر)، كقوله تعالى: ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾ ، وأحياناً يأتي بمعنى: (خَلَقَ)، كقوله تعالى: ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ ﴾ .

♦ واعلم أيضاً أنّ قوله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنّ) مَعناه: إنْ يَبلغ، و(ما) تُسَمّى (ما الزائدة لتقوية الكلام)، والنون في ﴿ يَبْلُغَنّ ﴾ هي نون التوكيد.

♦ ثم أخبَرَ تعالى أنه أعلم بما في نفوس العباد، فمَن كان يَكتم بداخله السخط على والديه والضِيق من خِدمتهما، فإنّ اللهَ يُعاقبه على ذلك، ومَن كان يَكتم حُبّهما واحترامهما ويَتذكر جَميلهما، فإنّ اللهَ يَجزيه بالإحسان، قال تعالى: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ - سواء كانَ خيراً أو شراً - فـ﴿إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ﴾ يعني إن تنووا بأعمالكم الصالحة: رضا اللهِ عنكم ودخول جنته ﴿فَإِنَّهُ﴾ سبحانه ﴿كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ :أي كتبَ تعالى على نفسهِ أنه غفورٌ للتائبينَ إليه بصِدق، الراجعينَ إليه في كل وقت، (واعلم أنّ الأوّاب: هو الذي كلما أذنبَ تاب، وكلما ذَكَرَ ذنبه استغفر).

♦ ولعل اللهَ تعالى ذَكَرَ مَغفرته للتائبين بعد أنْ أمَرَ ببِرّ الوالدين، لأنه سبحانه يَعلم انّ الإنسان قد يَضعف مَرّة ويَكتم بداخله الضِيق مِن خدمة والديه (وهما في هذا السن) أو قد يَعلو صوته عليهما مَرّة - وهو في الأصل صالح، مُؤَدٍّ لحقوق اللهِ تعالى وحقوق والديه وحقوق الناس - فهذا العبد الصالح يَغفر اللهُ له متى رَجَعَ إليه مُستغفراً نادماً.

• الآية 26: ﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾: يعني وأعطِ الأقرباء حقوقهم من الصلة والبِرّ، وكذلك أعطِ الفقير المُحتاج مِن مالك، وكذلك المسافر الذي فَقَدَ ماله - أو نَفَذ ماله - واحتاجَ للنفقة، ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ أي: ولا تُنفِق مالك في غير ما يُحبه الله، أو على وَجْه الإسراف والتبذير، (وقد ذَكَرَ سبحانه كلمة ﴿ تَبْذِيرًا ﴾ لتأكيد النهي، يعني كأنه قيل: (لا تبذر، لا تبذر)، وذلك لكثرة ما في التبذير من المفاسد).

• الآية 27:  ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ أي هُم أشباه الشياطين في هذا الفعل القبيح (لأنهم بتبذيرهم للمال في المعاصي، كانوا خارجينَ عن أمْر ربهم مِثل الشياطين)، وقد كان العرب يُسَمُّونَ المُواظب على الشيء: أخاً له، فيقولون مَثَلاً: (فلان أخو الكرم)، وغير ذلك، ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ أي كثير الكُفران، شديدَ الجحود لنعمة ربه (فكذلك المُبَذِّر للمال في المعاصي: لم يَشكر نعمة ربه عليه، وضَيَّعَ المال).

♦ واعلم أنّ الفعل (كان) إذا جاء مع صفة معينة، فإنه يدل على أنّ هذه الصفة مُلازِمة لصاحبها، كقوله تعالى - واصفاً نفسه بالرحمة والمغفرة -: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ أي كانَ - أزَلاً وأبَداً - غفوراً رحيماً.

• الآية 28:  ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ﴾: يعني وإن أعرضتَ عن إعطاء هؤلاء (الذين أمَرَكَ اللهُ بإعطائهم، لعدم وجود ما تعطيهم منه)، فتباعدتَ عن لقائهم حياءً منهم، و﴿ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا﴾: أي انتظاراً لرزقٍ ترجوه مِن اللهِ تعالى ﴿فَقُلْ لَهُمْ﴾ يعني وأنتَ تُعرِض عنهم قل لهم ﴿قَوْلًا مَيْسُورًا﴾: أي قولا ليِّنًا لطيفًا سهلاً (كالدعاء لهم بسعة الرزق، وبأنْ تَعِدهم أنّ اللهَ إذا يَسَّرَ مِن فضله رزقًاً أن تعطيهم منه)، فيكون ذلك أشبه بالعطاء العاجل لهم (فيَفرحوا به ولا يَحزنوا).

• الآية 29: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾: أي لا تُمسِك يدك عن الإنفاق في وجوه الخير - مُضَيِّقًا على نفسك وعلى أهلك وعلى المحتاجين - كأنّ يدك مربوطة إلى عنقك (لا تستطيع أن تعطي بها شيئاً)،  ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ أي: ولا تنفق كل ما بيدك ﴿فَتَقْعُدَ﴾ أي فتصير ﴿مَلُومًا﴾ يَلومك الناس على ما فعلتَ، ويَلومك مَن حَرَمتهم من الإنفاق، ﴿مَحْسُورًا﴾ أي نادمًا على ضياع مالك.

• الآية 30، والآية 31:  ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ أي يُوَسِّع الرزق على مَن يشاءُ مِن عباده ويُضَيِّقه على مَن يَشاءُ منهم (وذلك بحسب حِكْمته البالغة؛ إذ هو سبحانه الأعلمُ بما يُصلِح عباده مِن الفقر والغنى)، ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾: أي هوالمُطَّلِع على خَفايا عباده، لا يَغيب عن عِلمه شيءٌ من أحوالهم.

♦ فإذا علمتم أنّ الرزق بيَد اللهِ سبحانه، إذاً: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾: أي لا تقتلوا أولادكم خوفًا من الفقر، فـ ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾: يعني إنّ اللهَ سبحانه هو الرزاق لعباده، فيَرزق الأبناء كما يَرزق الآباء،  ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾:  يعني إنَّ قَتْلَ الأولاد كانَ ذنباً عظيماً عند اللهِ تعالى.

• الآية 32:  ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ أي ابتعدوا عن أسبابه وعن الطرق المُوصلة إليه حتى لا تقعوا فيه، ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ يعني إنّ الزنا شيئٌ بالغ القبح ﴿وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ أي: وبئس الطريق طريقه (لأنه يؤدي بصاحبه إلى النار).

• الآية 33: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾ قَتْلها﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾: يعني إلا بالحق الشرعي (كالقِصاص، ورَجْم الزاني المتزوج، وقتل المُرتَدّ)، واعلم أنّ تنفيذ هذا القِصاص يكون عن طريق وَلِيِّ الأمر (وهو حاكِمُ البلد).

﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا﴾: يعني ومَن قُتِلَ بغير حقٍّ شرعي: ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ﴾ أي جعلنا لِوَرَثَة المقتول ﴿سُلْطَانًا﴾ أي حُجَّة في أن يَطلبوا من الحاكم قَتْلَ القاتل أو يَطلبوا منه الدِيَة (وهي مائة من الإبل، أو ألف دينار ذهب، أو اثنا عشر ألف درهم فضة) يَدفعها القاتل إلى أهل المقتول، ﴿فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾: أي فلا يَصِحّ لِوَلِيّ المقتول أن يَتجاوز حَدَّ اللهِ في القِصاص (كأن يُشَوِّه جُثَّة القاتل، أو أن يَقتل - مقابل الواحد - اثنين أو جماعة، أو أن يَقتل غير القاتل)، ﴿إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾: أي قد وَعَدَ اللهُ وليّ المقتول أن يُعِينه على القاتل حتى يَتمكن مِن قَتْله (بالقِصاص عن طريق الحاكم) أو بأخْذ الدِيَة.

• الآية 34: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ - الذي صارَ في أمانتكم وكَفالتكم - ﴿إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾: يعني إلا بما يُصلِح أمواله  لِيَنتفِع بها (وذلك باستثمارها له) والإنفاق عليه منها ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾: أي حتى يصل إلى سنَّ البلوغ وحُسن التصرف في المال، فعندئذٍ أعطوه ماله، ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾: يعني وأوفوا بكل عهدٍ عاهدتم اللهَ عليه أو عاهدتم عليه العباد ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ أي مسئولاً عنه، بمعنى أنّ الله سيَسأل صاحب العهد يوم القيامة: (لماذا نقضتَ عهدك؟)، ثم يُثِيبه إذا أتَمَّهُ ووَفَّاه، ويعاقبه إذا غَدَرَ وخان.

• الآية 35:  ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ أي لا تُنقِصوا الكيلَ ﴿إِذَا كِلْتُمْ﴾ للناس، ولو كانَ شيئاً يسيراً (ما دامَ في الإمكان عدم نَقصه)، أما ما يَصعب الاحتراس منه: فهو مَعفو عنه، لقوله تعالى: ﴿ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ ، ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾: أي زِنوا بالميزان العادل، ﴿ذَلِكَ﴾ أي العدل في الكيل والوزن، هو ﴿خَيْرٌ﴾ لكم في الدنيا (إذ يُبارك اللهُ في ذلك المال الحلال بأنواعٍ من البركات لا يَعلمها إلا هو سبحانه)، ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾  أي: وذلك أحسنُ عاقبةً في الآخرة، (فإنّ مَن تَرَكَ المعصية وهو قادرٌ على فِعلها: أثابهُ اللهُ تعالى بأحسن الثواب في الجنة).

• الآية 36: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي لا تَتَّبِع الظن في أمورك - وهذا كقوله تعالى:  ﴿ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ﴾ - فلا تَحكم على شيءٍ بمجرد الظن، ولا تَشهد إلا بما رأيته بعينك وسَمِعْته بأذنك وفهِمْته بقلبك، فـ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾: يعني إنّ الإنسان مسؤولٌ عما استعمَل فيه سَمْعه وبصره وقلبه، فإذا استعمَلهم في الخير نالَ الثواب،  وإذا استعملهم في الشر نالَ العقاب.

♦ واعلم أنّ مِن الأعمال القلبية التي يُعاقب اللهُ عليها: (سُوء الظن بغير دليل، ومَيْل القلب إلى الحُكم بالهوى (أي مِن غير بيِّنة)، وكِتمان الشهادة، وتَبْييت الشر للمسلمين، والفرح بما يَحدث لهم مِن مكروهٍ أو خِصام، والغل، والحسد، والإعجاب والغرور بالعمل الصالح، والرياء، والكِبر، والنية السيئة التي يَترتب عليها العمل الفاسد).

♦ واعلم أيضاً أنّ هذا النهي: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ قد وَضَعَ حَدّاً لكثير مِن المَفاسد التي تقع بسبب القول بدون عِلم (كالكَذب، وشهادة الزور، واتّهام الناس بالفاحشة لمجرد الظن، وغير ذلك)، فللهِ الحمدُ على تشريعه الحكيم.


• الآية 37: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ أي مُختالاً مُتكبراً، فـ﴿إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ﴾ بالمشي عليها (لأنّ المُتكبر يَضرب الأرض برجليه اعتزازاً واهتزازاً)، ﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ مَهما تعاليتَ وتطاولتَ على الناس، إذاً فلماذا التكبر عليهم وأنت بَشَرٌ مثلهم؟!، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: (لا يَدخل الجنة مَن كانَ في قلبه مِثقال ذرةٍ مِن كِبْر)، فقال رجل: (إنّ الرجل يُحب أن يكون ثوبه حَسَناً ونَعْله حسناً)، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنّ اللهَ تعالى جميلٌ يُحب الجمال، الكِبْر: بَطَر الحق - (أي التكبر على الحق وعدم قبوله) - وغَمْط الناس - أي: احتقارهم).

• الآية 38:  ﴿كُلُّ ذَلِكَ﴾ أي جميع ما تقدَّم ذِكْرُه مِن أوامر ونَوَاهٍ: ﴿كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ (واعلم أنّ المقصود بكلمة ﴿ سَيِّئُهُ ﴾ أي الأفعال القبيحة التي ذُكِرَتْ في الآيات السابقة (كالتبذير، والبُخل، وقتْل الأولاد، والزنا، وقتْل النفس، وأكْل مال اليتيم، ونقص الكيل والميزان، والقول بلا عِلم، والتكبر)، فكل هذه الأشياء مَكروهة عند اللهِ تعالى، ويُعاقب عليها في نار جهنم).

♦ وأمّا ما كانَ حَسَناً في الآيات السابقة (كعبادة اللهِ تعالى وحده، وبِرّ الوالدين، والإحسان إلى الأقرباء والمساكين وابن السبيل، والوعد الحَسَن بإعطائهم متى تيَسَّر)، فكل هذه الأشياء يُحبُّها اللهُ ويَرضاها، ويُعطي ثوابها في جنات النعيم.

• الآية 39: ﴿ذَلِكَ﴾ أي الأمر بمَحاسن الأعمال، والنهي عن سَيّئ الأخلاق، هو ﴿مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ يعني: هو مِن الحِكَم التي وَصَّى اللهُ بها عباده ليَهتدوا بها، ويَسعَدوا في الدنيا والآخرة، ﴿وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ﴾ (هذه هي أُمّ الحِكَم، حيثُ بدأ بها سبحانه الآيات السابقة عندما قال: ﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ﴾، ثم خَتَمَها بها تأكيداً للتوحيد)، إذاً فلا تُشرك أيها الإنسان بعبادة ربك شيئاً ﴿فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا﴾ أي تَلومك نفسك على شِرْكك بربك، وتَصيرُ ﴿مَدْحُورًا﴾ أي مَطرودًا مُبعدًا من الجنة.

• الآية 40:  ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ﴾: يعني أفخَصَّكم ربكم أيها المشركون بإعطائكم البنين ﴿وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا﴾: أي واتّخذ سبحانه الملائكة بناتٍ لنفسه؟! (والاستفهام غرضه التوبيخ والإنكار على الكفار الذين قالوا: الملائكة بنات الله) ﴿إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾:  يعني إنّ قولكم هذا بالغ القُبح والبَشاعة، إذ تَكرهون لأنفسكم البنات وتَنسبونها كَذِباً وافتراءً للهِ تعالى.

• الآية 41: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ﴾ أي وَضّحنا فيه الأحكام والحُجج، ونَوَّعْنا فيه المَواعظ والأمثال والوعد والوعيد ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ أي ليَتّعظ الناس ويَتدبروا (فيَأخذوا ما يَنفعهم، ويَتركوا ما يَضُرّهم)، ﴿وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ أي: ولكنّ هذا البَيان والتوضيح لا يَزيدُ الظالمين إلا تَباعُدًا عن الحق، وغفلةً عن التأمل والاعتبار (وذلك لِعِنادهم وتقليدهم الأعمى بغير دليل).

• الآية 42، والآية 43، والآية 44:  ﴿قُلْ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المُشركين: ﴿لَوْ كَانَ مَعَهُ﴾ سبحانه ﴿آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ﴾ - افتراءً وكذباً على اللهِ تعالى -: ﴿إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾: أي لَطَلبَتْ تلك الآلهة طريقًا إلى مُغالَبة اللهِ ذي العرش العظيم ليُزِيلوا مُلْكَه (كما يَفعل ملوك الدنيا)، ثم بَرَّأَ تعالى نفسه مِن أن يكون معه آلهة فقال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾، (واعلم أنّ بعض المُفسرين قد قالوا في قوله تعالى: ﴿ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ﴾ أي لَطَلَبوا طريقاً إلى اللهِ تعالى ليَلتمسوا رضاه، ويَطلبوا التقرب إليه، وذلك لجَلاله وكَماله، وغِناه عنهم وحاجتهم إليه، واللهُ أعلم).
♦ وهو سبحانه ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ - مِن الملائكة والجنّ والإنس - ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾: أي: وما مِن شيءٍ مِن سائر المخلوقات ﴿إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ أي يُسَبِّحُ اللهَ تعالى تسبيحاً مَقرونًا بالثناء والحمد ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾: أي ولكنكم أيها الناس لا تفهمونَ تسبيحهم.

♦ واعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تَستقل الشمس - أي ما ترتفع الشمس في يومٍ ما - فيَبقى شيءٌ مِن خَلق اللهِ إلا سَبَّحَ اللهَ بحمده، إلا ما كانَ مِن الشياطين وأغبياء بني آدم) (أي قَليلِي الفِطنة، فهؤلاء لا يُسَبّحونَ ربهم) (انظر حديث رقم: 5599 في صحيح الجامع)، (واعلم أنّ أتْباع إبليس - وإن لم يُسَبّحوا اللهَ بلسانهم - فإنهم يُسَبّحونه بحالهم (إذ يَشهدون بفِطرتهم أنّ اللهَ سبحانه هو الخالق القادر)، ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه ﴿كَانَ حَلِيمًا﴾ بعباده، فلا يُعاجل مَن عَصاهُ بالعقوبة، ﴿غَفُورًا﴾ لمَن تابَ إليه منهم (إذ لو لم يَكن سبحانه حَليماً: لَعَجَّلَ عقوبة مُشركي مكة، ولكنه أَمْهَلهم حتى تابَ أكثرهم).



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.

• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣