خطب ومحاضرات
تفسير سورة القلم [9]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدنا الله، وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، ولا شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
ثم أما بعد:
فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! قبل أن نبدأ في موضوع لقائنا اليوم أجد أنه من الواجب علي وعلى كل داعية إلى التوحيد في ربوع العالم الإسلامي أن يتكلم بكلمة عن عالم من علمائنا، أراد الله تبارك وتعالى له حسن الخاتمة؛ ليخفف آلام المصيبة والصدمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه في كتاب العلم من حديث أنس : (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، وأن يفشو الجهل، وأن يفشو الزنا، وأن تشرب الخمر، وأن يقل عدد الرجال، وأن يزيد عدد النساء حتى يكون للخمسين امرأة القيم الواحد). وفي كتاب العلم أيضاً: باب كيف يقبض العلم؟ يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينتزع العلم من الصدور انتزاعاً، ولكن ينتزع العلم بموت العلماء، فإذا مات العلماء اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا). وظاهرة موت العلماء في السنوات الأخيرة لا تخفى على أحد.
وهذا العالم هو شيخنا محمد صفوت نور الدين رحمه الله، فقد خرج من مصر يقصد بلد الله الحرام لأداء العمرة، وبعد أن طاف ببيت الله واغتسل وصلى الجمعة مع المسلمين خرج من بيت الله الحرام ليأتيه ملك الموت وهو على باب الفندق، وقبل موته شهق شهقة وهو يقول: لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي كان يدعو إليها، وسارت جماعته على نهجها، وهي دعوة الأنبياء والرسل، فهي دعوة التوحيد التي من حاد عنها ضل.
والله سبحانه قد جعل لحسن الخاتمة علامات، منها: أن يقبض العبد على طاعة، وقد مات شيخنا على طاعة الطواف بالبيت وأداء الصلاة، والموت ببلد الله عز وجل.
ونحن أبناؤه، تعلمنا الدعوة منه، وكنا حوله يوم أن كنا صغاراً، وهو يغرس فينا عقيدة التوحيد، وحرب الشرك والمشركين، وجماعات البدع والأهواء، ودعوة السلف التي هي دعوة كل من أراد النجاة لنفسه.
أسأل الله سبحانه في هذا اليوم الكريم وفي هذا الجمع الكريم أن يغفر له ويرحمه، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اغفر له وارحمه.
اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، اللهم نقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا عز وجل.
أيها الإخوة الكرام! موضوع هذا اللقاء: اللين والرفق والشدة في سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهو استكمال لقوله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]. فاللين والرفق يقابلهما الشدة، والبعض يسير في جانب اللين على طول الطريق، مع أن الأمر قد يستدعي الشدة في بعض الأحيان، وحتى نوازن بين الأمرين، فسنبين النصوص الشرعية، ونذكر مواقف من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وصدق الله سبحانه القائل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]. وهذا الكلام لسيد البشر عليه الصلاة والسلام، فلا شك أن من هو دونه أولى بهذا.
فما هو اللين؟ وما هو الرفق؟ وما هي الشدة؟ وما هي المواقف التي ينبغي أن يستخدم فيها اللين؟ والمواقف التي ينبغي أن يستخدم فيها الشدة؟
النفس البشرية بطبيعتها تميل إلى من يعاملها بلين وتقبل منه، وتأبى وترفض من يعاملها بعنف ويغلظ عليها بالقول، ولا شك في ذلك، فاللين والرفق هما: لين الجانب وتحمل الأذى وحسن الخلق وعدم العنف في المعاملة. وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تبين هذا المعنى.
أرسل الله سبحانه وتعالى موسى وهارون إلى فرعون فقال لهما: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]. وقد دخل رجل على المأمون في زمن الدولة العباسية فأغلظ له في القول وعنفه، فقال له: يا رجل! لقد أرسل الله من هو أفضل منك إلى من هو شر مني، أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون فقال لهما: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44].
هناك فرق وخط فاصل بين المداراة والمداهنة، وأرجو الانتباه إليه؛ لأن الله يقول: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]. فالمداراة كما قال علماء التفسير: أن تضحي بالدنيا لأجل الدين، وأما المداهنة فهي: أن تضحي بالدين لأجل الدنيا. فالمداراة هي استخدام الألفاظ اللينة وعدم قبول المنكر أو إقرار صاحبه.
واللين في الدعوة ليس معناه مشاركة العاصي وعدم الأخذ على يده وتركه ومجاملته؛ حفاظاً على المودة بينكما، فهذه مداهنة، ولا ينبغي أن تكون أبداً، وإنما المقصود بالمداراة: استخدام اللفظ الطيب، وخفض الجناح في النصيحة، وقد جاءت النصوص الشرعية تبين هذا المعنى، فرب العزة تبارك وتعالى يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا [العنكبوت:46]. وهذا قيد مهم.
وانظر إلى حوار فرعون وموسى، والنمرود وإبراهيم، وصاحب الجنتين مع أخيه، وقارون مع قومه فستجد الحوار أحياناً يأخذ جانب اللين وأحياناً يأخذ جانب الشدة.
فنوح يقول لقومه: وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ [الأحقاف:23]. بعد أن استخدم معهم اللين، وإبراهيم قال لقومه: أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:67]. فالحوار في القرآن واضح المعالم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان اللين في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه).
ولما أرسل صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال لهما: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا).
وكان يوصي أصحابه صلى الله عليه وسلم بالرفق في تعليم الجاهل.
وكان يقول: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).
وقد دعا وقال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به).
هيا بنا ننظر في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام في مواقفه في جانب اللين ومواقفه في جانب الشدة.
أولاً: جاء في الحديث: (مر صلى الله عليه وسلم على قبر فوجد عنده امرأة تبكي، فقال لها: اصبري واحتسبي، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي). (وإليك عني) كلمة زجر وردع، (فتركها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبرت المرأة أن الذي حدثها هو النبي عليه الصلاة والسلام جاءها مثل الموت وأصيبت بدهشة، وأسرعت إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام، فلم تجد بوابين على باب داره). فلم يكن يمنع نفسه عليه الصلاة والسلام عن الناس؛ حتى يظهر تحقيق الشخصية، ويقف من يريد ساعة، وبعد الساعة يستأذن ثم يدخل، (فلما أخبرته أنها ما عرفته، قال لها: إنما الصبر عند الصدمة الأولى). ففي هذا النص استخدم النبي صلى الله عليه وسلم اللين في معاملة المرأة.
ثانياً: في حديث الرجل الذي وقع على امرأته في نهار رمضان وهو صائم، فذهب إلى قومه وقال: هلكت، فاذهبوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: اذهب وحدك؛ فإنا نخشى أن ينزل فينا قرآن يفضحنا، وأبوا أن يذهبوا معه، فذهب الرجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأخبره بما عمل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اعتق رقبة، فأمسك الرجل برقبته وقال: ليس لي إلا هذه يا رسول الله! قال: صم شهرين متتابعين، قال: يا رسول الله! وهل فعل بي ذلك إلا الصوم)، أي: إني لم أطق أن أبعد عن زوجتي يوماً، فكيف أبتعد عنها شهرين متتابعين؟ (قال له: أطعم ستين مسكيناً، قال: ليس في بيوت المدينة من هو أفقر مني، فأمره أن يذهب إلى قومه، وأن يقبل منهم الصدقة، وأن يطعمها أهله وزوجته). ولم يعنفه في القول.
ثالثاً: في حديث آخر: (دخل عليه شاب وقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا). ولو جاء أحد الشباب إلى علمائنا اليوم أو إلى طلبة العلم وقال له: هل لي رخصة أن أزني؟ فماذا ستكون الإجابة؟ فانظروا إلى لين ورفق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أجلس الشاب، ثم خاطبه بلغة الشرع والعقل، وقال له: (أترضاه لأمك؟ قال: لا، قال: وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لأختك؟ لخالتك؟ لعمتك؟ ثم مسح على صدره ودعا له صلى الله عليه وسلم، يقول الشاب: فخرجت من عند رسول الله وأبغض شيء إلى قلبي هو الزنا). هذه هي معاملة اللين والرفق، (ما كان اللين في شيء إلا زانه). والدعوة بالعنف لا تولد شيئاً نافعاً.
رابعاًً: حديث الأعرابي كما في سنن أبي داود يدل على أنه ينبغي أن نرفق بالجاهل عند تعلمه، ففي الحديث: (أن أعرابياً بال في زاوية من زوايا المسجد). فقد ترك المكان المعد للتبول وبال في زاوية من زوايا المسجد، قلت في نفسي: لو وقع هذا في أحد مساجدنا لضرب من فعله بالنعال، وقد يحمل إلى المقبرة، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (دعوه، لا تقطعوا عليه البول، ثم أريقوا عليه ذنوباً من ماء، أو سجلاً من ماء).
يقول ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لهذا الحديث: انظروا إلى رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو قطع الصحابة على الرجل بوله لجرى أمامهم وسعى، فبدلاً من أن يصيب موضع واحد بالنجاسة لأصاب كل المسجد، ولو حبس البول في داخله لأصيب هو بالأذى. وجاء في بعض الروايات: (أن الرجل خرج إلى خارج المسجد وهو يقول: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد سوانا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حجرت واسعاً) .
خامساً: حديث عمر بن أبي سلمة: (أنه كان يأكل مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فطاشت يده في الصحفة -أي: أنه كان يأكل من جوانب الصحفة الأربع- فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا غلام! ادنه، وكل وسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، يقول
سادساً: في فتح مكة قال صلى الله عليه وسلم: (ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء).
سابعاً: حديث معاوية بن الحكم كما عند مسلم : لما كان يصلي خلف النبي عليه الصلاة والسلام فعطس رجل بجواره فقال له: يرحمك الله، فلم يجبه الرجل، ونظر الصحابة إليه يكادون يسطون عليه سطواً، ثم بعد الصلاة قربه النبي صلى الله عليه وسلم، يقول معاوية رضي الله عنه: (والله ما وجدت معلماً كرسول الله عليه الصلاة والسلام، والله ما كهرني -أي: ما قهرني- وما سبني، وما شتمني، وما غلظ لي في القول، وإنما قال لي: تلك صلاة لا يصلح فيها إلا ذكر الله وكذا وكذا). علمه برفق .. وهكذا كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم حينما يرسل أصحابه يأمرهم بالرفق بالجاهل، واستخدام اللين في موضعه.
ولذلك جاء في الأثر: أن عبد الله بن المبارك وهو من كبار أتباع التابعين عطس بين يديه رجل ولم يحمد الله وكان أكبر منه سناً فقال له: ماذا يقول الرجل بعد أن يعطس؟ فقال الرجل: الحمد لله، قال: إذاً: يرحمك الله. ولو حدث هذا أمام واحد منا لقال له: يا جاهل! أما تحمد الله، بلغت من العمر كذا وما تعلمت، ضيعت حياتك في الجهل. (ما كان اللين في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه)، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فالمتأمل في نصوص القرآن الكريم يجد أن كل رسول كان من جنس قومه، وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ [الأعراف:85]، وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ [الأعراف:73]. لأن القوم حينما يعرفون من يدعوهم يكون ذلك أرحم بهم، وكانت لغة التلطف في الحوار هي لغة الأنبياء مع أقوامهم في بداية الأمر، فإذا انتهكت حرمات الله واستهزئ بحدوده واستخف بأوامره غضبوا، فاللين في جانب الدعوة برفق وتلطف واستخدام أفضل الوسائل في الدعوة، وأما إذا انتهكت الحدود فلا تسكت، وأدنى درجات الإيمان الإنكار بالقلب، أما أن تشارك حتى يرضى عنك الآخرون، ولا تصطدم معهم ولا تبدي لهم أي نفور أو عدم قبول فهذه مداهنة، وهذا مثل ما عمل مفكرنا الإسلامي وأستاذنا العظيم عندما تقدم باقتراح إلى مجمع البحوث يطلب فيه استتابة المرتد مدى الحياة وعدم قتله، وهذا فيه إهدار للنصوص الشرعية، ولا أدري ماذا يعمل مع ما جاء في البخاري من أن معاذاً جاء إلى أبي موسى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى كلاً منهما في مكان من أرض اليمن، فوجد رجلاً مربوطاً فقال لـأبي موسى : من هذا؟ قال له: مرتد، وقد استتبناه ثلاثاً، قال: لا أنزل من على دابتي حتى يقتل، قال: وهل أتينا به إلا لقتله، قال: لا أنزل حتى يقتل، وأبى معاذ أن ينزل حتى قتل المرتد؟
وماذا يقول مع ما جاء عند البخاري : (من بدل دينه فاقتلوه)؟ أي: بعد استتابته ثلاثاً كما ذهب إليه جمهور العلماء من السلف.. وغيرهم.
ولما ذهب أبو أيوب إلى سالم بن عبد الله بن عمر في عرسه ليهنئه على زواجه، وجد على جدران سالم ستائر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تغطى الجدران بالستائر، وعن كسوتها، فقال أبو أيوب : تكسون الجدران بالأقمشة وقد سمعتم النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك؟ فقال ابن عمر : غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب ! فأبى أبو أيوب أن يجلس ورجع.
وابن عمر لما خرج في جنازة وجدهم يسيرون ببطء، ومن السنة في الجنازة الرمل، كما كانت سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: إن لم تسرعوا بها فسأعود حالاً، ولم يقبل أن يسير في مخالفة السنة.
هذه نصوص شرعية واضحة بينة في أن الشدة تكون في حال ارتكاب مخالفة، شريطة أن تكون ليناً في جانب اللين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعتنا.
اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذكراً.
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا، ونور أبصارنا.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً، ونسألك رضاك والجنة.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك.
اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر دينك في ربوع الأرض يا رب العالمين! اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود وفرعون.
اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن خاتمتنا.
آمين. آمين. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حكم الطعن في العلماء
الجواب: لقد عمت الفتنة والبلوى، وخاض الأصاغر في الأكابر، فنسأل الله العافية، فهذه فتنة ينبغي أن نطهر ألسنتنا منها، وعلماؤنا إن شاء الله على خير، وإن كان لأحدهم زلة فندعو له بالتوفيق وأن يعود إلى رشده، ومن منا ليست له زلة؟ لكن أهل الأهواء والأمراض ينشرون اختلاف العلماء بين الناس، وقد قال العلماء: خلاف الأقران يطوى ولا يروى، والأقران هم العلماء الذي يعيشون في زمن واحد، ولا شك أنهم يقع بينهم غبطة أو تنافس في الخير، وهكذا كان دأب العلماء قاطبة في أزمنتهم، فصراع الأقران يطوى ولا يروى، فقد كان أحدهم يقول عن الآخر كذا، والآخر يقول عنه كذا، والآن هناك أختام مصنوعة لتمييز الناس، فهذا من فرقة كذا، وهذا من عصابة كذا، وهذا من كذا.. وهكذا، حتى أصبح ولاؤنا وبراؤنا ليس للتوحيد ولا لدين الله، وإنما لمن أسمع منه وأتلقى منه، والأخ يسأل الآن ويقول: ماذا تقول في أخ يقول عن العالم الفلاني: إنه مرجئ، وعن فلان: إنه من الخوارج؟ أقول: ليتق الله في نفسه؛ فما خاض أحد في لحوم العلماء إلا أذله الله، وكانت خاتمته خاتمة سوء، وانظر في كتب التراجم ماذا صنع الله عز وجل بمن عذب شيخ الإسلام ابن تيمية وسجنه؟ وماذا صنع الله بمن عذب الإمام أحمد بن حنبل في بغداد، وامتحنه في محنة خلق القرآن وجلده؟ فأسماؤهم لا نعرفها، وأما ابن حنبل فلا يجهله أحد، فهؤلاء غابت عنا حتى أسماؤهم، وعليهم من الله ما يستحقون، وأما علماء الأمة فكلما ذكرناهم قلنا: رحمهم الله، ونترضى عليهم، فلحوم العلماء مسمومة، فمن وقع فيهم فإنما يتجرع السم، وعادة الله في هتك منتقص قدرهم معلومة، ومن وقع في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وهذا كلام مهم، وبدلاً من أن نعلم الناس اليوم التوحيد والشرع، ونحذرهم من البدع التي انتشرت الآن وظفنا أنفسنا في الكلام في العلماء، ونحن نريد الآن أن نتصدى لهذه الظاهرة ونمنعها ونقول للناس: هذا لا يجوز، ولا نشغل أنفسنا بأن فلاناً مرجئ أو خارجي أو حلولي أو اتحادي، فيا عبد الله! اتق الله، فلا يقع في علماء الأمة إلا سيء الأدب، ولم يسلم من الألسنة حتى الشيخ ابن باز والشيخ الألباني وهما مجددا العصر باعتراف أهل العلم، فالشيخ ابن باز والشيخ الألباني جددا لهذه الأمة دينها، (ويبعث الله على رأس كل مائة سنة للناس من يجدد لها دينها).
وقد ترك الرجل كتباً ربما مسجد العزيز لا يتسع لها، وكانت عقيدته سلفية، فأنت تطعن في عالم من علماء الأمة جدد وأحيا وقطع نفسه للدفاع عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فاتق الله في نفسك يا عبد الله! وراجع نفسك، وإن كان لفظاً يحتمل الخطأ فاحمله على المحمل الحسن، ورد المتشابه إلى المحكم، فلا تصطاد الأخطاء اصطياداً، وتكتب فيها الكتب وتنشرها على الملأ، فنحن في زمن عمت فيه الفتن والبلايا، وصارت فيه الأعراض رخيصة كما تعلمون، فالإنسان لا يأمن فيه على عرضه، ولا يأمن على ذهاب ابنته إلى الجامعة، فالزواج العرفي أصبح أيسر شيء، فكلما ذهبت البنت إلى مكان كتبوا لها ورقة وتزوجت، وهذا أمر انتشر، فتصدوا لهذه الظاهرة، وبينوا فيها الأحكام، وحذروا الناس منها. فقد أصبحت أمراضنا متعددة، ويبدو أن الشيطان قد استهوانا وتغلب علينا، فانشغلنا بأمور وجزئيات وتركنا الأولويات، وفقه الأولويات من أهم أنواع الفقه الذي ينبغي أن ننتبه إليها.
الجواب على شبهة كون أحداث مركز التجارة العالمي من معجزات القرآن الكريم
الجواب: ورد في سورة التوبة نفسها يقول تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة:36]. فالشهور التي عند الله: هي محرم وصفر وربيع أول وربيع ثاني وجمادى الأولى وجمادى الثانية ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة، وليس فيها (سبتمبر)، فكيف نربط أمراً قرآنياً بشهر لا يعرفه الشرع من أصله؟! وعندما قالوا: إن عدد الطوابق (109) مثل رقم الآية وهي قوله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [التوبة:109] لم يعدو البدروم ولا الدور الأرضي، فقد كان تحت الأرض طابق أيضاً، نسأل الله العافية، ولو تأخرت هذه الواقعة إلى يوم (12) سبتمبر فكيف كان سيصبح تفسير الآية؟ فالآية لم ترتبط بحادث، والله لم يخبرنا بذلك في كتابه ولم يخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جئت أنت واستنبطت ذلك، وربنا يقول: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم:64]. فهو يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى قيام الساعة، ولم يقل لنا: إن من علامات الساعة انهيار برج التجارة، وصاحب كتاب هرمجدون يأتينا كل قليل بآخر بيان، ففي (2002م) سيخرج المهدي ، وعام (1997م) سيخرج الدجال ، فانتبهوا، وكتبه تباع منها ملايين النسخ، وبقيتها محجوزة، وحدث ولا حرج. وكل هذا يدل على أن الناس ليس عندها ثبات، حتى في أمر العقيدة، ولما خرجت كاهنة الإسكندرية الشيخة نادية ، كان يحجز الأوتوبيس مدة شهر، حتى كان الناس في الأرياف وفي المراكز يحجزون الميكروباص من أجل أن يذهبوا في الفوج الأول، فيؤخرون إلى الفوج الثاني بسبب أن التأشيرة لم تأت، نسأل الله العافية. وقد ذهب مدير عام وجلس من الساعة الثانية عشرة مساء في السرادق إلى بعد الفجر، ينتظر خروجها تقرأ عليه في الميكرفون، وتؤجر الكراسي وتباع المثلجات، وتصبح المسألة فوضى، ولم يتحرك المسئولون إلا بعد فترة، وبعد أن وقع ما وقع، والتحرك المبكر مهم لمثل هذه الأشياء. وهذا يدل على أن أبسط الأمور في العقيدة ليس عندنا فيها ثبات، في حين أن الواجب على المسلم أن يقف ثابتاً على أرض صلبة لا تهزه الرياح والعواصف أبداً، وأن يكون واثقاً متيقناً في أمر الله سبحانه وتعالى.
وقد كتبنا ورقة ووزعناها في المسجد يوم الإثنين رداً على وصية الشيخ أحمد حامل المفاتيح، وكان بعض الناس قد صور الورقة خوفاً من أن يفصل من الوظيفة، نسأل الله العافية، وقد يكون عمل هذا شخص عنده آلة تصوير أصابته أزمة فأراد أن يشغل الآلة قليلاً، نسأل الله العافية، والأمة في غفلة، وهذا معناه غياب دور الدعاة الحقيقي.
حكم نشر الردود على من يروج لشبهة كون أحداث مركز التجارة العالمي من معجزات القرآن الكريم
الجواب: لا بأس.
حال من يخطب حول أحداث مركز التجارة العالمي وأنها من معجزات القرآن الكريم، وبيان حال حسن شحاته
الجواب: هذا إفلاس عقدي، وهذا الخطيب يروج جهله على الأمة عندما يقيم خطبة كاملة على أحداث مركز التجارة، وأن لها علاقة بسورة التوبة، وإذا كان خطيب القوم هكذا فما بالك بالقوم أنفسهم؟! وفي مسجد آخر خطب طبيب بشري متصوف ينتمي إلى فرقة من فرق التصوف الضالة، وقال للمصلين على المنبر: قال الله سبحانه: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، فهيا بنا نذكر الله، قولوا خلفي: لا إله إلا الله، فارتج المسجد كله، وانقلبت الجمعة إلى حلقة ذكر، وليس فيهم رجل رشيد يقول له: انزل يا جاهل، بل كلهم يكبر.
ولو خرج أحد طلاب العلم من السلف، فإنهم يرونه ناشزاً، ويصبح بينهم غريباً، وهذا يدل على أن الناس في جهل. والمقصود بـ ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] هنا الصلاة بإجماع المفسرين. وهذا الرجل يقول هذا الكلام ولا يوجد واحد يرد عليه من خمسة آلاف مصل أو ألفين.
وهناك شخص يدعى حسن شحاتة في مسجد الجيزة في جوار حديقة الحيوانات يسب الصحابة من على المنبر علناً ومن سنوات، وفي برنامج أسماء الله الحسنى لبس نفس العباءة، وهو يحمل مؤهلاً ابتدائياً، وأنا لا أقدح في المؤهل، وإنما ما هو العلم الذي يحمله، فقد صعد على المنبر وقال: اللهم العن أبا بكر وعمر بعدد رمال الأرض، والناس تقول: آمين، ويقول: وهناك صحابي اسمه عثمان ، وقد كان أصلاً بواباً، فيقدح في عثمان رضي الله عنه، ثم يتجرأ على ابن تيمية ويقول -والشريط موجود-: من أراد أن يعرف منزلة ابن تيمية فليصل لله ركعتين فسيراه ووجهه أسود يتقلب في نار جهنم، ثم يزيد في طغيانه ويقول: أما شيخ الجزيرة ابن باز أعمى البصر والبصيرة، يقول هذا الكلام على المنبر والناس يذهبون إليه ويثقون في علمه سنوات، ثم لما علموا أنه شيعي، ومنظم إلى تنظيم شيعي وقبض عليه أخذ حكماً بالإفراج عنه، ثم رحل إلى دول الخليج، ولم يعرف الذين حوله بأمره إلا بعد سنوات بعد أن عمت بلواه، وله كتاب اسمه: الحق المكتوم، كتب فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، ويعلم متى الساعة مكاناً وزماناً ويوماً، وظل يدفع ويهدر النصوص القرآنية، ويطعن في علماء الأمة، وعلماء الأمة قد أحجموا وتركوه عشر سنوات أو يزيد يصلي معه خمسة آلاف مصل، حتى تبين أنه شيعي يأخذ الدولارات والريالات، ويطعن في أصحاب سيد البريات صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن الناس ليس عندها ثبات ولا ثقة ولا يقين على الطريق.
حكم مغادرة الزوجة لمنزل زوجها دون إذنه وعدم طاعته
الجواب: المرأة المسلمة التقية لا تخرج من بيت الزوج إلا بإذنه، وقد قال تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1]. وفي البخاري أن علياً لما غاضب فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ترك البيت وذهب إلى المسجد ونام على التراب. فالذي ترك البيت هو الزوج، وأما المرأة فلا تفارق البيت أبداً بأي حال، فبيتها هو سربالها، وهو حجابها وعفافها، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]. والآية نسبت البيوت للنساء، والنسبية هنا ليست نسبية ملك، بل نسبية التصاق ومصاحبة؛ لأن المرأة تلتصق في البيت، فكأن البيت أصبح بيتاً لها، فالمرأة التي تترك بيت الزوجية لأتفه الأسباب لم تترب على شرع الله، ولم تعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعليك أخي في الله أن تأخذ معك أناساً من الصالحين الذين هم على علم شرعي حتى تقيم الحجة على أهلها، وإن أصروا على ذلك فسرحها سراحاً جميلاً، وسيبدلك الله خيراً منها إن شاء الله تعالى.
حكم تلبس الجني بالإنسي وكيفية علاجه
الجواب: لقد استخف بنا الأعداء والصوفية والسفهاء في مسألة الجن، ووقعنا في البدعة، نسأل الله العافية، فأي أحد أصابه صداع أو لم تحمل زوجته أو تأخر في الزواج أو أصابه أي شيء، قال: بسبب الجن، والزوجة التي لا تطيق زوجها والجار الذي لا يحب جاره يقول بسبب الجن، والله يقول: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76] ونحن لم نجعل كيد الشيطان ضعيفاً، فنحن نجعل له جلسة من الليل إلى الفجر، نسأل الله العافية.
ثم يأتينا أحد الصحافيين ويؤلف كتاباً أسماه (حوار صحفي مع جني مسلم) هو يقول والجني يقول، وسجل شريطاً في هذا، ما هذا العلم؟ حوار مع جني، وهكذا باسم الجن راجت الكتب وكثرت الثروات، نسأل الله العافية.
أما الرقية فمشروعة لا بأس بها ما تكن شركاً، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالرقية، وقال (ولا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً). والرقية تكون بالفاتحة وغيرها من السور، وتجد الواحد يحجز العربية إلى الإسكندرية بمائتي جنيه، مع أن الرقية موجودة، والقرآن هو القرآن، والثقة تكون بالله ثم في الرقية لا في الراقي، قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، فإذا دعا المضطر دعاه هو لا سواه. وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]. فالمس موجود، قال سبحانه: لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]. ونحن نقول بوجود المس، ولكن كيفية علاجه ورقيته أن تضع يدك على مكان الألم، وتدعو كما علمك النبي صلى الله عليه وسلم، أو يدعو لك أحد الإخوة الصالحين وإن كان غير متخصص، ولكنه ورع تقي خفي، وأما هذه الطريقة المنتشرة فلا بد أن ننتبه لها. والله تعالى أعلم.
علاج السحر، ومتى ينفع
الجواب: السحر موجود ولا شك، وعلاجه موجود، وقد جاء جبريل بعلاج السحر، جاء بالمعوذتين، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]. وكان كلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم آية انحلت عقدة، هكذا فقط، ولكن المشكلة أن السلاح على قدر الرامي، فالأول يرمي الهدف ويصيبه والثاني يخطئ، فالعيب في الرامي وليس في السلاح، وهذه الفاتحة، ولكن أين القارئ؟ ومن الناس من لو أقسم على الله لأبره، ويحكى عن الصالحين العجب والغرابة،وقد كان أبو مسلم الخولاني من الصالحين في أرض اليمن، وكان ولياً بمعنى كلمة الولاية على منهج السلف، ذهب إلى الصلاة، وكان من عادته أنه كلما جاء من صلاة الجماعة كبر في باب الدار، ثم يفتح الباب ويكبر، فترد الزوجة عليه ليعرف مكانها، فجاء يوماً وقال: الله أكبر، فلم ترد المرأة، فبحث عنها حتى وجدها في نهاية الدار، فقال لها: أما سمعت؟ قالت: سمعت، قال: لم لم تجيبي؟ قالت: يا أبا مسلم ! أعباء المنزل قد كثرت علي فأريد أن تستجلب لي خادمة، فعلم أبو مسلم أن امرأة قد أفسدت عليه امرأته، فقال: اللهم من أفسد علي زوجتي فأعمي بصره، وكانت المرأة التي أفسدتها بجوار بيته، فأعمى الله بصرها في الحال، فقالت: لقد دعا علي الآن أبو مسلم ، فذهبت إليه مع جيرانها تسأله أن يدعو الله لها أن يرد عليها بصرها، فدعا لها فعاد بصرها في الحال.
ويحكى في ترجمة أحمد بن حنبل أنه جاءته امرأة عجوز وقالت: يا ابن حنبل ! فلانة أرسلتني إليك لتدعو لها الله؛ لأن بها مرضاً أقعدها، فقال ابن حنبل للعجوز: اخرجي نحن الذين نستحق الدعاء، فقولي لها: تدعو لنا، وهذا من إخلاصه رحمه الله، فلما خرجت نأى بنفسه ورفع يده إلى السماء وسأل الله أن يشفيها، فعادت السائلة تقول له: لقد دعوت لها يا ابن حنبل ! لقد شفاها الله عز وجل في الحال. وهذا يدل على صدق الصلة بالله عز وجل.
المقصود بكلمة (الحوادث) في قولهم: حلول الحوادث
الجواب: الحادث هو التغير من حال إلى حال، وهو ما لم يكن موجوداً ثم حدث، ولذلك أهل السنة ينزهون الله عز وجل عن الحوادث، يعني: من التغير سبحانه وتعالى، فصفاته كلها غير مخلوقة، وهي أزلية؛ لأنه لو قلنا: إنها مخلوقة، وأنه كان لا يتكلم، ثم تكلم وكان لا يسمع، ثم سمع فهذا تحول، وهذا لا يجوز في حق الله تبارك وتعالى.
ما يحل للعاقد ممن عقد عليها
الجواب: أنا لا أريد ذكر الأسماء، وأن الشيخ فلاناً قال كذا، وأجبنا بخلاف ما قال الشيخ فإنه في نظر الناس ينزل درجة، وهذا غير مطلوب، وغير مطلوب أن نكشف عورات الشيوخ على الملأ، فإن زل الشيخ صححنا له بيننا وبينه، فلا تقل: قال الشيخ فلان كذا في شريط كذا، وقال الشيخ فلان كذا في شريط كذا.
أما العاقد فإن كتب الفقه تقول: له أن يفعل كل شيء إلا النكاح، ولكن هناك متغيرات تجعل هذا القول صعباً؛ لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وكذلك هناك باب سد الذرائع، فالعاقد إن قبَّل المعقود عليها فليس عليه إثم بلا خلاف، وإن أمسك بيدها فليس عليه إثم، وهذا كلام مفروغ منه، لكننا نقول: لا يجوز له أن يختلي بها؛ لأن الخلوة ربما تجر إلى مفسدة، وهي البناء، فنمنع طريق البناء؛ لأنه إذا اختلى بها وأسدل الستار وأغلق الباب فهذا مظنة الدخول، فإذا اختلى بها فإنه سيفعل كل شيء، ولذلك يقول العلماء: إذا اختلى بها وجب الصداق كاملاً؛ لأنه في حكم الدخول، وربما طلقها قبل البناء وهذا حدث، رجل عقد على امرأة وفعل بها كل شيء حتى البناء دون أن يعلم الناس، ثم اختلفوا على ثلاجة وغرفة نوم فطلقها، فأمام الناس هي مطلقة، وفي حقيقة الأمر هي مدخول بها، فعليها عدة، وبعد أن طلقها جاء آخر وعقد عليها وتزوجها فاختلطت المياه، فنسد كل باب يفضي إلى البناء في مرحلة العقد، ونغلق كل باب يؤدي إليه إلا إذا أشهرناه، وأما أن يمسك العاقد بيد المعقود عليها فلا بأس شريطة أن نأمن البناء، ولتعلم الأخت المسلمة أن العاقد إذا أخذ منها ذهبها بعد أن رأى منها ما أراد أن يراه، فلن يأتيها بالمال وسيهاجر، وقد حدث هذا، فأحدهم لما نال منها ما أراده وقالت له: الزواج، قال لها: انسي الزواج، فلما رأى منها ما أراد زهدها. وهذه نصيحة لكل أخواتي الفاضلات ألا يمكن العاقد من أنفسهن، ولا تقل: هذا أخ، لا، الأخ ليس شعاراً، الأخ سلوك وشرع والتزام بالمنهج، هذا هو الأصل، والله تعالى أعلم.
حكم وضع الستائر على الجدران
الجواب: وضع الستائر التي على النوافذ لا بأس بها، إنما الممنوع وضعها على جدار مقفل، فهذا يسمى تزيين الحوائط بالأقمشة لمجرد الزينة فقط.
وأما إغلاق الفتحة بستارة بحيث لا يكشفها الهواء فلا بأس، وأما الجدار المقفول فلا يلزم ستره، فهذا زينة، وقد نهي عن تزيين الجدران بالأقمشة. هذا حكم الشرع.
وهناك أناس مسرفون، يشتري الواحد منهم متر السراميك بعشرة آلاف دولار، وجاره لا يجد قوت يومه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث مسلم : (إذا طبحت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) . واليوم إذا ذهبت إلى مدينة في مصر وسألت شخصاً يسكن في شقة في الدور الثاني عن شخص يسكن في الدور الثامن، لقال لك: أنا أسكن في الدور الثاني ولا أعرف اسم الذي أمامي، وليس لي أية علاقة به، فهو في حاله وأنا في حالي، ويفتخر بهذا، وقد قال بعض العلماء: من يسكن معك في المدينة فهو جارك، فأهل القاهرة كلهم أجوار، واستدلوا بقوله تعالى: لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:60]. فسمى من يقيم في المدينة جار، والأوزاعي يقول: سبعون، وبعضهم يقول: أربعون، فأين حقوق الجار المهدرة؟ وهذا الكلام سنتحدث عنه إن شاء الله تعالى في اللقاءات القادمة.
حكم أخذ أرباح الودائع من البنوك الربوية
الجواب: لا يجوز، فهذا ربا.
حكم تزيين البيوت
الجواب: لا بأس، نحن لا نضيق على الناس، لكن هناك إسراف، فتجد حنفيات الماء مطلية بالذهب، وكل شيء بالأزررة، حتى إن بعض الفقراء إذا دخل إلى حمامات الأغنياء، قال: لا أريد الخروج، فحمام الغني الآن ليس حماماً، والشياطين الآن ليسوا خبثاً وخبائث فقط، بل الشياطين الآن مكيفة، فهناك شيطان مكيف، وشيطان أبيض، وآخر أسود، نسأل الله العافية. وأنا لا أحرم الزينة، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [الأعراف:32]. وإنما نقول: لا بد من التواضع وعدم الإسراف.
مقدار الستارة الجائزة
الجواب: أن تكون للمكان المفتوح، وليس للصانع سؤال المشتري أين سيضعها؟ وإنما يعمل وينصح، فاستخدام الستائر مشروع على الفتحات والنوافذ، كما أن بعض الإخوة إذا دخل أحد المساجد يسأل الإمام: أين الله؟ وما هي عقيدتك؟ وما تقول في صفة النزول، ويجلس يختبره قبل الصلاة! فلا تسل عن حاله إذا كان مستور الحال، وبعضهم إذا اشترى من جزار جلس يسأله هل تصلي؟! وما هي عقيدتك؟! مع أن الأصل في الناس الإسلام.
وتكون الستارة على قدر الضرورة، أو بزيادة نصف متر في اليمين ونصف متر في اليسار ونصف متر في الأسفل؛ حتى إذا أتى الهواء يكون هناك فاصل يمنعه من الدخول، لا أن يكون الشباك اثنين متر فتجعل الستارة خمسة عشر متراً، أما إذا كان هناك ضرورة فلا بأس. فالحق واضح في المسألة، وقصة أبي أيوب لما دخل على سالم بن عبد الله بن عمر تدل على هذا، فإنه لما وجد على جدران بيته ستائر أبى أن يجلس وأقام الحجة عليه؛ لأنه ليس هناك ضرورة، والضرورة إنما تكون في بعض الأماكن، كوضع ستارة على النساء، أو في البلكونة، أو على الشباك، أو على غرف البيت، أو على دورة المياه، أو على شباك المطبخ، فالكلام واضح، وهكذا سنخفض مشاكل الزواج، فإن الزوجين كثيراً ما يختلفان على الستائر.
نسأل الله العافية، وبارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً.
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة القلم [2] | 2214 استماع |
تفسير سورة المزمل [2] | 2194 استماع |
تفسير سورة الحاقة [1] | 2128 استماع |
تفسير سورة الحاقة [2] | 2047 استماع |
تفسير سورة المزمل [3] | 2035 استماع |
تفسير سورة القلم [10] | 1990 استماع |
تفسير سورة القلم [3] | 1909 استماع |
تفسير سورة القلم [6] | 1796 استماع |
تفسير سورة الجن [1] | 1616 استماع |
تفسير سورة القلم [1] | 1589 استماع |