حديث: استأذن ربه في الزرع
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
حديث: استأذن ربه في الزرعالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا إلَهَ سِوَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي اصْطَفَاهُ وَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ: ((أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى؛ وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا بْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ))، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا؛ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ؛ (البخاري، حديث: 7519).
♦ قَوْلُهُ: ((بَذَرَ)): أَلْقَى البذْرَ.♦ قَوْلُهُ: ((فَتَبَادَرَ)): أسرع.♦ قَوْلُهُ: ((الطَّرْف)): جَفْنُ الْعَيْنِ.♦ قَوْلُهُ: ((اسْتِوَاؤُهُ)): قيامه على ساقه قويًّا شديدًا.♦ قَوْلُهُ: ((اسْتِحْصَادُهُ)): أسرعَ يبسه، وصارَ وقتَ جَمْعِهِ.♦ قَوْلُهُ: ((تَكْوِيرُه)): جَمْعُهُ.♦ قَوْلُهُ: ((دُونَكَ)): خُذْهُ.
♦ قَوْلُهُ: ((اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ))؛ أَيْ: فِي أَنْ يُبَاشِرَ الزِّرَاعَةَ.
♦ قَوْلُهُ: ((فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ))؛ أَيْ: يَمْتَدُّ الزرعُ إِلَى أَقْصَى مَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ، وَيُطْلَقُ الطَّرْف أَيْضًا عَلَى حَرَكَةِ جَفْنِ الْعَيْنِ، وَكَأَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا.
♦ قَوْلُهُ: ((اسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ))؛ الْمُرَادُ بِهِ: أَنَّهُ لَمَّا بَذَرَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ اسْتِوَاءِ الزَّرْعِ وَنَجَازِ أَمْرِهِ كُلِّهِ مِنَ الْقَلْعِ وَالْحَصْدِ وَالتَّذْرِيَةِ وَالْجَمْعِ وَالتَّكْوِيمِ، إِلَّا قَدْرَ لَمْحَةِ الْبَصَرِ؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 5، صـ 27).
♦ قَوْلُهُ: ((دُونَكَ يَا بْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ)): قال الإمامُ ابنُ بطال رحمه الله: يدلُّ على فَضْلِ الْقَنَاعَةِ، والاقتصار على البُلْغَة، وذمِّ الشَّره؛ (شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال، جـ 6، صـ 489).
فوائد الحديث:
(1) قَالَ الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني رحمه الله: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ: وذَكَرَ منها: أَنَّ النُّفُوسَ جُبِلَتْ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الدُّنْيَا؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 5، صـ 27).
(2) قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ رحمه الله: هذا الحديثُ دَليلٌ على أَنَّ كُلَّ مَا اشْتُهِيَ فِي الْجَنَّةِ مِنْ أَعْمَالِ الدُّنْيَا ولذَّاتِها مُمْكِنٌ فِيهَا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71]؛ (شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال، جـ 6، صـ 489:488).
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأنْ ينفعَ بِهِ طُلَّابَ العِلْمِ الكِرَامِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.