خطب ومحاضرات
الدروس المستفادة من خطب حجة الوداع
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين القائل: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:7-9]، والقائل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، ترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد:
فحديثنا اليوم بحول الله وفضله وتوفيقه مع الدروس والفوائد المستفادة من خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأقول: خطب لا خطبة، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في أكثر من موضع في حجة الوداع، فقد خطب في يوم عرفة كما بينا في اللقاء السابق، وخطب أصحابه في أيام منى بعد رمي جمرة العقبة، وخطب أيضاً في يوم النحر، ثم خطب وهو راجع إلى المدينة.
وهذه الخطب قد استخلصت منها الفوائد والدروس ونجملها في الآتي:
الفائدة الأولى: قطع الصلة بالجاهلية.
فما هي الجاهلية؟ وما معنى كلمة الجاهلية؟ إن هذا موضوع مهم جداً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في خطبة عرفة: (ألا إن كل شيء من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي)، وقد يجمع المسلم بين إسلام وجاهلية، ففي الحديث: (أن
من صور الجاهلية: التبرج والاختلاط
قد صور القرآن الكريم تبرج النساء في المجتمع الأول بأنه تبرج جاهلي، فقال سبحانه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، فما هو تبرج الجاهلية؟
عد إلى كتب التفاسير واقرأ، فقد كانت المرأة في الجاهلية تلبس ثوباً فضفاضاً صفيقاً، لا يصف العورة، وإنما كانت تُظْهِر جزءاً من صدرها ورقبتها فقط، فسمى القرآن هذا التبرج بـ (تبرج الجاهلية)، لكن نحن سنظلم الجاهلية الأولى إن قارنا بين تبرجنا اليوم وبين تبرجها، إن كان تبرج الجاهلية الأولى هو إظهار الصدر والرقبة فقط، إذاً فماذا تقولون في إظهار العورة المغلظة؟! جاهلية مركبة؟! جاهلية وإن ادعت الحضارة، وإن ادعت التقدم والمدنية، ولذلك نجد مجتمعاً مسلماً، لكن فيه أثر من آثار الجاهلية بل أشد، والقرآن الكريم حينما أمر النساء بترك هذا التبرج إنما ذلك لحفظ عفافها وشرفها.
واسمعوا إلى ما كتبه صحفي بارع: بينما كنت أسير على الطريق الدائري، رأيت نساء وبناتاً في عمر الزهور في مراحل التعليم المختلفة، وهن يرتدين لباساً أسود، ويغطين وجوههن، فماذا حدث لنساء مصر؟ وما هذه الردة والتخلف؟ وأي سبب دعانا لهذا؟ إنها ظاهرة خطيرة تستحق أن نقف عندها!
ثم يقول: وأنا ضد الذين يقولون: إن سبب هذا الزي مسألة اقتصادية، أي: فقر الأب، وإنما لا بد أن خلفه جماعة من الدعاة الذين أتيحت لهم الفرصة ليلوثوا عقول الشباب والنساء!
فماذا حدث لنساء مصر؟ تتغطى وتتحجب وتختمر وتغطي محاسنها؟ لا، لا بد أن تكون سافرة، واضحة المعالم من كل طريق يدخل إليها!! فيا هذا! أما تستحي من نفسك!؟
ويحلل ويكتب ويقول للمفكرين وأرباب الفكر المستنير: فهيا بنا ندرس هذه الظاهرة المزعجة المقلقة! ما هي هذه الظاهرة؟ إنه الحجاب الشرعي، فبصفاته الشرعية أصبح ظاهرة تستحق الدراسة، فأين المرأة التي كانت تقف بين الرجال وتخرج بلا ضوابط ولا قيود شرعية، فهذه هي المرأة التي نطالب بها! أليس هذا ينادي بأثر من آثار الجاهلية؟
من صور الجاهلية: الربا
وانظروا إلى تعاملات المسلمين في مجتمعاتهم، فالربا ينقسم إلى قسمين: ربا نسيئة، وربا الفضل، ثم ما هو ربا النسيئة؟ باختصار شديد لنسقطه على واقعنا المعاصر لنرى هل نحن نعيش في ربا الجاهلية أم في معاملة اقتصاديه سليمة في أكثر التعاملات؟ إن ربا النسيئة كان هو الظاهر والمسيطر على الحياة في الجاهلية، كأن يقترض رجل ألف جنيه وموعد السداد أول محرم، فجاء أول محرم ولم يسدد، فإذا تأخر يوماً زاد المال عن أصله، ويسمى ذلك بالفائدة، أليس هذه هو الربا بعينه الذي يسيطر على حياتنا الآن، إن تعثرت في سداد بنك من البنوك زاد عليك فوائد مركبة، بل قد رأيت رجلاً مديناً لأحد البنوك بخمسين ألف دين عقاري وعجز عن السداد سنوات، فإذا بالفائدة تزيد عن المائة ألف، وأصل الدين كان خمسين ألفاً والفوائد مائة! فعجز عن سداد أصل الدين فقيدوه بالفوائد ورب العالمين يقول: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].
وقانون الضرائب التجاري يقول: إن كان الممول مديناً بألف جنيه، فكل شهر يتحمل فائدة 1%، يعني: أن مجموع الفوائد السنوية ستكون 12%، وأيضاً فربا النسيئة له معنى آخر، ألا وهو: أن تقرض أحداً بشرط أن يرد لك أصل المال مع زيادة معينة، كأن تقرضه ألفاً ويرد لك ألفين، فهذا ربا واضح وبين، وكذلك بيع العينة أحد أشكال ربا الجاهلية، والعينة كأن يحتاج المرء إلى مبلغ من المال ولا يجد من يقرضه، فيقولون له فتوى: اذهب وخذ سلعة، أي: اشتريها من بائع ثم بعها له بسعر أقل نقداً، فتكتب ورقة مثلاً بألف وخمسمائة، ثم يبيعها لنفس التاجر بألف فوري، فهذه صورة من صور ربا الجاهلية التي تسيطر على تعاملاتنا اليوم، فضلاً عن ربا الفضل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل والفضل ربا)، وتعاملات الذهب حدث ولا حرج، فالغالب فيها الربا، ولذا فلا يجوز أن تبيع ذهباً بذهب إلا أن يكون متماثلاً، فتبيع القديم أولاً وتقبض الثمن منه أو من غيره، هذا هو التعامل في الإسلام، (والفضة بالفضة مثلاً بمثل والفضل ربا، والتمر بالتمر مثلاً بمثل والفضل ربا)، ففي الحديث: (لما جاء
مكانة الدماء في الإسلام
وأقول: إن حد الردة ثابت عند جمهور الفقهاء، كـابن حنبل ومالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور السلف وعلماء الأمة والصحابة والتابعين وتابع التابعين، خلافاً لمن أصيب بعفن في فكره والقائل: إن الردة ليست من الإسلام حتى توافق روح الإسلام! وقبل ذلك: الرجم ليس من الإسلام! ولعل بعد مدة يأتي من يقول: إن الصلاة ليست من الإسلام، وإنما المقصود بالصلاة الدعاء! وهذا كله من دعاوى وآثار الجاهلية، أما قتل المرتد فهو قتل بحق، والمرتد يستتاب ثلاثاً، وقد استنبط الإمام علي من قول الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137] أن المرتد يستتاب ثلاثاً، وهذا فعل الصحابة وإجماع جمهور العلماء.
قد يكون المجتمع مسلماً، لكنه يعاني من آثار الجاهلية، فهيا بنا نطوف مع الجاهلية في بعض صورها:
قد صور القرآن الكريم تبرج النساء في المجتمع الأول بأنه تبرج جاهلي، فقال سبحانه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، فما هو تبرج الجاهلية؟
عد إلى كتب التفاسير واقرأ، فقد كانت المرأة في الجاهلية تلبس ثوباً فضفاضاً صفيقاً، لا يصف العورة، وإنما كانت تُظْهِر جزءاً من صدرها ورقبتها فقط، فسمى القرآن هذا التبرج بـ (تبرج الجاهلية)، لكن نحن سنظلم الجاهلية الأولى إن قارنا بين تبرجنا اليوم وبين تبرجها، إن كان تبرج الجاهلية الأولى هو إظهار الصدر والرقبة فقط، إذاً فماذا تقولون في إظهار العورة المغلظة؟! جاهلية مركبة؟! جاهلية وإن ادعت الحضارة، وإن ادعت التقدم والمدنية، ولذلك نجد مجتمعاً مسلماً، لكن فيه أثر من آثار الجاهلية بل أشد، والقرآن الكريم حينما أمر النساء بترك هذا التبرج إنما ذلك لحفظ عفافها وشرفها.
واسمعوا إلى ما كتبه صحفي بارع: بينما كنت أسير على الطريق الدائري، رأيت نساء وبناتاً في عمر الزهور في مراحل التعليم المختلفة، وهن يرتدين لباساً أسود، ويغطين وجوههن، فماذا حدث لنساء مصر؟ وما هذه الردة والتخلف؟ وأي سبب دعانا لهذا؟ إنها ظاهرة خطيرة تستحق أن نقف عندها!
ثم يقول: وأنا ضد الذين يقولون: إن سبب هذا الزي مسألة اقتصادية، أي: فقر الأب، وإنما لا بد أن خلفه جماعة من الدعاة الذين أتيحت لهم الفرصة ليلوثوا عقول الشباب والنساء!
فماذا حدث لنساء مصر؟ تتغطى وتتحجب وتختمر وتغطي محاسنها؟ لا، لا بد أن تكون سافرة، واضحة المعالم من كل طريق يدخل إليها!! فيا هذا! أما تستحي من نفسك!؟
ويحلل ويكتب ويقول للمفكرين وأرباب الفكر المستنير: فهيا بنا ندرس هذه الظاهرة المزعجة المقلقة! ما هي هذه الظاهرة؟ إنه الحجاب الشرعي، فبصفاته الشرعية أصبح ظاهرة تستحق الدراسة، فأين المرأة التي كانت تقف بين الرجال وتخرج بلا ضوابط ولا قيود شرعية، فهذه هي المرأة التي نطالب بها! أليس هذا ينادي بأثر من آثار الجاهلية؟
ثم يقول النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً في خطبة عرفة: (ألا إن كل رباً من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي).
وانظروا إلى تعاملات المسلمين في مجتمعاتهم، فالربا ينقسم إلى قسمين: ربا نسيئة، وربا الفضل، ثم ما هو ربا النسيئة؟ باختصار شديد لنسقطه على واقعنا المعاصر لنرى هل نحن نعيش في ربا الجاهلية أم في معاملة اقتصاديه سليمة في أكثر التعاملات؟ إن ربا النسيئة كان هو الظاهر والمسيطر على الحياة في الجاهلية، كأن يقترض رجل ألف جنيه وموعد السداد أول محرم، فجاء أول محرم ولم يسدد، فإذا تأخر يوماً زاد المال عن أصله، ويسمى ذلك بالفائدة، أليس هذه هو الربا بعينه الذي يسيطر على حياتنا الآن، إن تعثرت في سداد بنك من البنوك زاد عليك فوائد مركبة، بل قد رأيت رجلاً مديناً لأحد البنوك بخمسين ألف دين عقاري وعجز عن السداد سنوات، فإذا بالفائدة تزيد عن المائة ألف، وأصل الدين كان خمسين ألفاً والفوائد مائة! فعجز عن سداد أصل الدين فقيدوه بالفوائد ورب العالمين يقول: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].
وقانون الضرائب التجاري يقول: إن كان الممول مديناً بألف جنيه، فكل شهر يتحمل فائدة 1%، يعني: أن مجموع الفوائد السنوية ستكون 12%، وأيضاً فربا النسيئة له معنى آخر، ألا وهو: أن تقرض أحداً بشرط أن يرد لك أصل المال مع زيادة معينة، كأن تقرضه ألفاً ويرد لك ألفين، فهذا ربا واضح وبين، وكذلك بيع العينة أحد أشكال ربا الجاهلية، والعينة كأن يحتاج المرء إلى مبلغ من المال ولا يجد من يقرضه، فيقولون له فتوى: اذهب وخذ سلعة، أي: اشتريها من بائع ثم بعها له بسعر أقل نقداً، فتكتب ورقة مثلاً بألف وخمسمائة، ثم يبيعها لنفس التاجر بألف فوري، فهذه صورة من صور ربا الجاهلية التي تسيطر على تعاملاتنا اليوم، فضلاً عن ربا الفضل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل والفضل ربا)، وتعاملات الذهب حدث ولا حرج، فالغالب فيها الربا، ولذا فلا يجوز أن تبيع ذهباً بذهب إلا أن يكون متماثلاً، فتبيع القديم أولاً وتقبض الثمن منه أو من غيره، هذا هو التعامل في الإسلام، (والفضة بالفضة مثلاً بمثل والفضل ربا، والتمر بالتمر مثلاً بمثل والفضل ربا)، ففي الحديث: (لما جاء
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع تحت قدمي)، فالقتل عصبية، والقتل بغير وجه حق كل ذلك من الجاهلية، وقد يعجب المرء عندما يستمع إلى فتوى مجمع البحوث قسم الفلسفة والعقيدة في خطوة جريئة أفتت بها: بأن المرتد عن الإسلام لا يقتل، بل يظل مستتاباً حتى نهاية عمره، فخرجت الفتوى متفقة مع روح الإسلام التي تستند إلى القرآن كمصدر من مصادر التشريع، وهذا حسب زعمهم، أما السنة فلا يعترفون بها كمصدر من مصادر التشريع، ثم يعلق كاتب المقال قائلاً: ومن هنا فإن حد الردة المزعوم من مخلفات التراث السياسي الإرهابي في الإسلام، وهو نتاج الصراعات السياسية، ولا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد! وما علم هذا المغفل أن في صحيح البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قتل في زمنه من ارتد، وأيضاً في حديث أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل لما كانا على أرض اليمن في خلافة واحدة، فجاء معاذ يزور أبا موسى في الله فوجد عنده رجلاً مربوطاً فقال: من هذا؟ فقال: رجل ارتد عن دينه، فقال معاذ : لن أجلس حتى يقتل، حكم الله ورسوله، وما جلس رضي الله عنه حتى قتل، فهذه أحاديث واضحة كوضوح الشمس، لكنهم أخفوها وضيعوها وجعلوها وراء ظهورهم، ومن ذلك أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة، والنفس بالنفس)، فقوله: (التارك لدينه المفارق للجماعة)، أي: المرتد، وحديث آخر: أن رجلاً كان يعمل أجيراً عند رجل آخر، فوقع على زوجته، أي: زنا بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: (اغد يا
وأقول: إن حد الردة ثابت عند جمهور الفقهاء، كـابن حنبل ومالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور السلف وعلماء الأمة والصحابة والتابعين وتابع التابعين، خلافاً لمن أصيب بعفن في فكره والقائل: إن الردة ليست من الإسلام حتى توافق روح الإسلام! وقبل ذلك: الرجم ليس من الإسلام! ولعل بعد مدة يأتي من يقول: إن الصلاة ليست من الإسلام، وإنما المقصود بالصلاة الدعاء! وهذا كله من دعاوى وآثار الجاهلية، أما قتل المرتد فهو قتل بحق، والمرتد يستتاب ثلاثاً، وقد استنبط الإمام علي من قول الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137] أن المرتد يستتاب ثلاثاً، وهذا فعل الصحابة وإجماع جمهور العلماء.
الفائدة الثانية: التحذير من الذنوب والمعاصي، ففي إحدى خطبه عليه الصلاة والسلام حذر من الذنوب والمعاصي، لأن الذنوب والمعاصي هي سبب كل وباء نعيش فيه على المستوى الخاص أو المستوى العام، فعدم بركة الوقت سببه المعاصي، وعدم بركة الرزق وتسلط اليهود علينا، وضيق الصدور، وتقطيع الأرحام، ونشوز الزوجات، وكل ما نحن فيه من هم وغم ونكد سببه المعاصي، وقد سخروا منا يوم أن وقع الزلزال وخرجت بعض الأقلام الإسلامية تكتب وتقول: إن سبب ذلك هو المعاصي، واستهزءوا وسخروا، وقالوا: إنما هي كوارث طبيعية وظروف مناخية، ونسي القوم قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (لا ينزل بلاء إلا بمعصية)، وتقول أيضاً أمنا عائشة : إذا شربت الخمور وعزفت المعازف وفشا الزنا -المعصية عمت- غار الله في سمائه، فأمر الأرض أن تتزلزل بهم. إذاً فالزلزلة استعتاب من الله للخلق، وإنذار لهم من بطشه عز وجل.
فهذا رجل من السلف كان يسير في الطريق فقابله رجلاً سيء الخلق فسبه ولعنه وتطاول عليه، فقال له: انتظر، ثم دخل إلى مسجد بجواره فتوضأ وصلى ركعتين ثم خرج يقول له: ما سلطك الله علي إلا بذنب ارتكبته، نعم فالله تبارك وتعالى لا يسلط هذا السفيه على الصالح إلا بسبب ذنب، فعاد الرجل يصلي ويستغفر، وكان السلف يقولون: كنا نعرف المعصية في خلق الزوجة والدابة، بمعنى: أن الزوجة لا تطيع، فإن وجدت ذلك فراجع نفسك إن كنت تقياً، ولا ترتكب المعاصي والذنوب، وكذلك الدابة، وتأمل يا مسلم ماذا فعلت المعاصي بالأقوام السابقة، ما الذي أغرق فرعون؛ إنها المعصية، ما الذي خسف بـقارون الأرض؛ إنها المعصية، ما الذي أرسل على ثمود الريح؛ إنها المعصية فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:5-7]، والخلاصة: أن سبب البلاء الذي نعيش فيه المعاصي التي نقترفها ونجاهر بها ليل نهار.
الفائدة الثالثة: الإخوة في الله التي ندرت في زمننا هذا، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ومعيار الإخوة في الله هو: (أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك)، فهل منا من يحب لأخيه ما يحب لنفسه، أم منا من يخطط لدمار أخيه؟ أهدى رجل من السلف ذراع شاة لأخيه، فأخذ الرجل الذراع وقال: من هو أحوج مني إليه؟ لي أخ يحتاج إليه فأعطاه له، والثالث أخذ الذراع وقال: من أحوج إليه مني؟ لي أخ فأعطاه له، وظل الذراع يدور بينهم حتى عاد إلى الأول، إنه الإيثار الذي عدم هذه الأيام، وأنتم أيضاً تقرءون عن الذين احتضروا في معركة من المعارك، فجاء الساقي إلى الأول ليسقيه، فرفض وقال: اذهب إلى أخي الذي بجواري فإنه أشد حاجة مني إلى الماء، وهذا عند الاحتضار! والثاني يقول له: اذهب إلى من بجواري فإنه أحوج إلى الماء مني، وظل يدور بينهم حتى وصل إلى الأخير، ثم قال: عد به إلى الأول، فجاء إلى الأول فوجده قد فارق الحياة، وكذلك الثاني والثالث، فماتوا جميعاً دون أن يشربوا شيئاً، إنه الإيثار والأخوة الصادقة، فأين هي الآن؟ نسأل الله العفو والعافية.
الفائدة الرابعة: الوصية بالمرأة، يقول عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، فهذه وصية بالنساء، وقد كانت المرأة في الجاهلية الأولى تورث كالعقار، بل وتقتل ولا حق لها في الحياة، قال تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9]، كانت المرأة في الجاهلية الأولى لا حقوق لها مطلقاً، فجاء الإسلام وكرمها، وأعطاها حقوقاً وواجبات، وألزم الرجل أن يتقي الله فيها، لكن الآن نلحظ قلباً للموازين، فخرجت المرأة عن وظيفتها وعن طبيعتها التي خلقها الله لأجلها، وأضعنا قول الله عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، ووصفوا بقاء المرأة في بيتها رجعية! وعدم خروجها تخلف، ولا بد عليها أن تخالط الرجال، وأن تكون سواء بسواء، وتتولى المناصب القيادية، فلها أن تكون قاضية، وأن تكون مديرة، وأخيراً أن تكون مأذونة تعقد العقد في المساجد، وبعد ذلك تؤم الناس في صلاة الجمعة والجماعات، لا بد للمرأة أن تأخذ كامل الحقوق، حتى قالت إحداهن: لقد ظلم الإسلام المرأة بأن جعل لها نصف نصيب الرجل، وكان هذا في أول التشريع، أما الآن فلا بد أن نعيد النظر في ذلك النص القرآني: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، فهذا النص ما عاد ينفع في زمننا هذا، لا بد أن تستوي فيه المرأة مع الرجل، وبإذن الله سنسمع قريباً فتوى جريئة لمجمع البحوث أيضاً تقتضي مساواة المرأة بالرجل! من يخطط لهذا المنكر العظيم؟ إن النصوص واضحة وبينة تماماً، فالقرآن والسنة لا يفترقا حتى يردا على حوض رسول الله، إن هؤلاء واهمون إذا أرادوا أن يستقوا الأحكام من القرآن مع إهدار السنة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لأن النبي قال: (أوتيت القرآن ومثله معه)، والله قال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].
الفائدة الخامسة: العلاقة بين الحاكم والمحكوم، قال عليه الصلاة والسلام: (اسموا وأطيعوا) علاقة السمع والطاعة، متى يا رسول الله؟ (ما كانوا يحكمون فيكم بالكتاب والسنة)، فشرط الطاعة أن يكون الحاكم ملتزماً بكتاب الله وبسنة نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم حدد في خطبته أيضاً مصدر التلقي، ألا وهو من القرآن والسنة، فقال عليه الصلاة والسلام: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي) .
الفائدة السادسة: أن يبلغ الحاضر الغائب، أو الشاهد الغائب، قال عليه الصلاة والسلام: (فرب مبلغ أوعى من سامع)، وهذه مهمة كل الحضور، فإن حضرت درساً فبلغ، لأن مهمة الأمة الأولى: البلاغ، (والدال على الخير كفاعله)، ويقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهناك أيضاً بعض الدروس الفقهية المستفادة من خطب حجة الوداع، والعلامة الألباني في كتاب حجة النبي صلى الله عليه وسلم قد استنبط ما يقرب من اثنين وسبعين درساً، فأنصح بقراءة هذا الكتاب للعلامة المجدد الألباني رحمه الله تعالى.
أولاً: عدم صيام يوم عرفة للحاج، ففي البخاري: (أن
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
التاريخ الأسود لليهود | 2410 استماع |
الوقت وحرص الصالحين عليه | 2397 استماع |
اللحوم المسمومة | 2350 استماع |
الرحلة في طلب العلم | 2338 استماع |
فاصبر صبراً جميلاً | 2277 استماع |
وثيقة حرمات لا حدود | 2259 استماع |
استكمال تفسير سورة الحاقة 2 | 2228 استماع |
وقفة مع سورة الإنسان | 2220 استماع |
إنا بلوناهم | 2101 استماع |
ذرني ومن يكذب بهذا الحديث | 2061 استماع |