خطب ومحاضرات
وثيقة حرمات لا حدود
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:7]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، تنزه عن الزوجة والولد: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! ينبغي أن يكون الكلام موافقاً لمقتضى الحال، ونحن في هذه الأيام المباركة ينبغي علينا أن نعيش مع الحج؛ ولذلك سيتعلق الحديث بخطبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، المعروفة عند العلماء بخطبة الوداع، أبلغ خطبة عرفها التاريخ، وأجمع خطبة جمعت فأوعت على جبل عرفة، وفي يوم التاسع من ذي الحجة، وبين المسلمين بعد أن أكمل الله الدين، وأتم النعمة، وجاء الحق وزهق الباطل، وارتفعت راية التوحيد بعد أن أخرجوا من مكة أذلاء رغم إرادتهم، عادوا مرفوعي الرأس، قال تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ [الإسراء:81]، وشعارهم: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51].
شاء الله عز وجل أن يرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم جهود ثمرة الدعوة في هذه اللحظات، فإلى أذن الدنيا نقول: وثيقة حرمات لا حقوق، إن كانت منظمات العالم تدعي اليوم أن هناك منظمات لحقوق الإنسان فنحن نقول: هي وثيقة حرمات وليست حقوقاً، يصدرها نبينا صلى الله عليه وسلم للدنيا بأسرها، نعيش مع بعض ملامحها ونتم في اللقاء القادم إن شاء الله.
يقول عليه الصلاة والسلام: (اسمعوا عني فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)؛ لأنه استشعر اقتراب الأجل، والأدلة على ذلك ذكرها علماء السيرة من وجوه عديدة، فقال للناس وهو يؤدي النسك: (اسمعوا عني فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، وقال لـمعاذ بن جبل حينما أرسله إلى اليمن: (يا
ثم قال لهم: (ألا إن كل شيء من الجاهلية تحت قدمي موضوع، ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع تحت قدمي، ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضعه ربا
أيها الأحباب الكرام! وكل كلمة في هذه الخطبة تحتاج إلى لقاء، لكننا سنعيش مع اثنين من عناصرها: حرمة الدماء، وأكل الربا؛ وذلك لأننا نرى الاستهانة بأمر الدماء في هذا الزمن، ونبينا صلى الله عليه وسلم بين أن دم المسلم دم لا يجوز أن يهدر بحال فقال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
فالأول: القاتل: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179]، ويوم أن ضاع هذه المعيار من الأرض استهين بأمر الدماء، فلو علم القاتل أنه سيقتل إذا قتل لكف يده عن قتل أخيه، وأول جريمة قتل وقعت على الأرض نعيش معها من خلال سورة المائدة، ثم ننظر إلى أحوال الأمة، فكل يوم نسمع ونرى بأعيننا موت الآلاف من الموحدين في بقاع الأرض، لم؟! بأيدي من؟ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8]، القتلى أطفال صغار، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل أصحابه إلى غزوة مؤتة أمرهم: ألا يقتلوا طفلاً ولا شيخاً وألا يقتلعوا شجرة من جذورها، وألا يهدموا صومعة على عابد أو متنسك، هذا هو الإسلام، أما هؤلاء فأباحوا دماء المسلمين.
يقول ربنا في سورة المائدة: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا [المائدة:27]، الآيات تعلمنا منهجاً ألا وهو: الستر؛ لأن الأسماء لم تذكر في الآيات، فالقصص القرآني حق لا خيال كما يقول البعض، أو كما يقول أهل الكتاب: تعلمه من سابقيه، شبهات ألقوها في الآونة الأخيرة لا تصدر إلا من ضعاف العقول، يقولون: تعلم القرآن من ورقة بن نوفل ، ومن بحيرى الراهب ، وكان متزوجاً بأكثر من امرأة، وهذا يدل على أنه كان مزواجاً، هذه شبهات ركيكة لا ينبغي أن نلتفت إليها؛ لأن هؤلاء يقولون أقوالاً هم يعلمون أنها باطلة، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة وعمره لا يتجاوز خمساً وعشرين سنة، وبقيت معه خديجة رضي الله عنها، وبعث إلى الناس وعمره أربعون، وظلت معه في مكة مدة العهد المكي ثلاث عشرة سنة، إذاً: من خمس وعشرين إلى ثلاث وخمسين لم يجمع زوجة على خديجة بل ظل زوجاً لامرأة واحدة، وبعد أن هاجر تزوج لأسباب دعوية، فهل بعد ثلاث وخمسين سنة يفكر الرجل أن يكون مزواجاً؟! أين كانت القوة في حال شبابه؟ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء:78]
حتى قال أحدهم: القرآن محرف، والدليل: أنه جاء بكلمة (الصَّابِئُونَ) مرفوعة، وجاء بكلمة (الصَّابِئِينَ) منصوبة، فهذا تعارض، ثم أخذ يدلل على إلاهية من يزعم أنه إله بأدلة من وحي الخيال. يقول: قال الله: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14]، وقال عن ابن مريم عليه السلام: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ [آل عمران:49]، فاشترك في الخلق عيسى مع الله، إذاً: هو إله، الله يخلق وهو يخلق.
فيا عبد الله! أما تتوقف لحظة مع نفسك. إن الله يخلق من عدم، وابن مريم كان يخلق بأمر الله من وجود، لذلك قال: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ [آل عمران:49]، والله هو الذي خلق الطين، ثم قال: بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:49]، فلا يمكن أن نقول: إن معجزات عيسى عليه السلام التي أيده الله بها دليل على أنه الله، هل يكون هذا عاقلاً بحال؟! ومع ذلك تسربت هذه الأقوال إلى بعض شبابنا الآن وطرحوها علينا.
ولو جئنا لـورقة بن نوفل ، متى التقى به النبي صلى الله عليه وسلم؟ في أول البعثة أم في آخرها؟ لقد تمنى ورقة أن يعيش إلى أن يبعث وقال: ليتني أكون جذعاً إذ يخرجك قومك، وما لبث ورقة أن مات قبل البعثة، ويقولون: تعلم من بحيرى الراهب! كيف كان اللقاء مع بحيرى ؟ شبهات يطرحونها على شبابنا الفارغ الذي ليس له حصن حصين يحتمي به، شبهات واهية، لكننا نقول كما قال الله: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:5].
لذلك قصص القرآن الكريم قصص حق تتحدث عن أمم سابقة وعن وقائع لاحقة، هل رأيتم رجلاً يعاتب نفسه في قرآن صنفه من عند نفسه حسب زعمهم؟! يقول ربنا سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1]، ثم عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ [التوبة:43]، مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67]، عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى [عبس:1-2]، يوم أن قذفوا زوجته بالزنا هل قال: هناك قرآن أصنفه أنا، وأرد به اتهام زوجتي بالزنا؟! هل هذا من العقل؟! هل هذا من المنطق يا عباد الله؟! تمحصوا. قفوا قليلاً؛ لذلك هذا العبث وهذا الهراء الذي يطرحونه لا قيمة له، ولا وزن له، فأي شبهة منهم تسمعونها لها ردود منذ آلاف السنين عليهم، وهم -وأقسم بالله- يعلمون الحق، لكنهم يكتمونه: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]، فالعلم عندهم ثابت بين في صدق نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة:27]، أول جريمة قتل وقعت على سطح الأرض هي قتل ابن آدم لأخيه؛ لذلك في حديث البخاري : (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)، فالذي سن سنة سيئة له وزرها ووزر من عمل بها؛ لذلك نقول: الذي سن للأمة التبرج، وسن لها أن تنزع المرأة حجاب الحياء والعفاف عن رأسها، فوزر كل من على شاكلة هذه المرأة يصل إليه في ميزان سيئاته.
لكن أين العلماء الربانيون؟ يوم أن تولى محمد نجيب رئاسة مصر أصدر قراراً بتسوية الإناث بالذكور في الميراث وفي كل شيء، وهذا يخالف القرآن، وأرسل إليه شيخ الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله قائلاً: إن لم تعتذر في الصحف والإذاعة المرئية والمسموعة غداً لأخرجن إلى ميدان التحرير أنا وعلماء الأزهر وألبس كفني حتى الموت، الله أكبر! أين العلماء الربانيون؟ فجاءوا يطيبون خاطره في أمر سري، لكنه قال: لا يمكن، ولا أقبل إلا علانية، وفي اليوم الثاني على الفور نزلت الصحف تقول: نعتذر عما بدا فهو خطأ غير مقصود، والإسلام فرق بين المرأة والرجل، والأدلة كذا وكذا، وعاد الأمر إلى حقيقته وإلى نصابه، أيام أن كان هناك علماء لا يخافون إلا الله.
أما اليوم فتصنع الفتوى للطلب والأهواء، ففي عام 1998م دار الإفتاء المصرية تقول: ختان الإناث مشروع بالكتاب والسنة، وفي عام 2003م تقول: ختان الإناث غير مشروع بالكتاب والسنة، وفي عام 1998 في شهر أغسطس تقول: فوائد البنوك ربا لا شبهة فيه، وتصدر الفتوى ويوقع عليها العلماء؛ لأنه ربا واضح بين، وفي آخر العام تقول: فوائد البنوك حلال للمصالح المرسلة، فلا أدري ماذا أقول؟!
إخوتي الكرام! الله سبحانه وتعالى أنزل حكماً قاطعاً بيناً في كتابه: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:79]، هل يختلف اثنان في أن المرأة إذا اضطرت وأجبرت على ترك الفروض الشرعية أن تهجر المكان الذي تجبر فيه على ترك فروض الله؟ حينما تكون في بلد يقال لك فيها: لا تصل ماذا يجب عليك كمسلم؟ أن تهاجر: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97]، أما أن يقال: إن خلع الخمار من رأس المرأة اضطرار هذا خلط للأوراق تماماً، إن الاضطرار عند الأصوليين يتعلق بحياة الشخص حينما يعرض نفسه للموت أو الهلكة، له أن يأكل الميتة بقدر ما يسد جوعه؛ لذلك ربنا يقول: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ [المائدة:3]، أما حفظ الدين فيقدم، فإن أكرهت في بلد تترك البلد إذا فرضوا عليك أن تترك فروضاً، أما أن يقال: كل بلدة حرة في شأنها وهذا حقها فإنه من الأولى والأفضل أن نبين حكم الله سبحانه، وأن نعلن للدنيا بأسرها أننا لا نقبل أمراً غير أمر الله عز وجل.
إخوتي الكرام! في عهد العز بن عبد السلام سلطان العلماء في مصر خرج ولي الأمر يوماً في موكبه، وموكب أولياء الأمور يكون فيه ما يكون، فخرج العز بن عبد السلام وناداه: يا فلان! قال: من؟ قال: أنا العز بن عبد السلام. قال: ما تريد يا عز ؟! قال: ما تقول لربك يوم القيامة إن سألك عن خمارة كذا، وعن بيت دعارة كذا؟ وظل يعدد له أماكن اللهو والعبث في ملكه، فقال: أوذلك عندي يا عز ؟! قال: هو عندك. قال: إنا وجدنا آباءنا على أمة، تقاليد ورثناها، قال: إذاً: أنت من عبدة الأصنام الذين قلدوا الآباء والأجداد، فأصدر ولي الأمر قراراً بتتبع هذه الأماكن وإغلاقها، وعاد العز إلى حلقة تعليمه، فقام أحد تلامذته يسأله: يا إمام! أما خفت أن يبطش بك ولي الأمر وأنت تحدث على مرأى ومسمع بهذه الطريقة؟ قال: يا بني! عند حديثي معه تذكرت عظمة الله، فبدا بين عيني كأنه عصفور صغير، ولذلك: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18]، والذي نفسي بيده أن الذي يلتمس العز في غير شرع الله يذله الله سبحانه وتعالى إما آجلاً وإما عاجلاً.
أيها الإخوة الكرام! حرمة الدماء أول جريمة قتل وقعت على الأرض، والقرآن يصورها لنا: فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة:27-31].
أيها الإخوة الكرام! في شرعنا لا يجوز أن تقتل نفس بغير نفس إلا المرتد: (من بدل دينه فاقتلوه)، وبعض الناس يقول: حد الردة ليس من الإسلام في شيء؛ وذلك لأنه تجديد للخطاب الديني، وهذا من الجديد، حتى الكلمات تقلق مضاجع الآخرين، أحلوا محلها كلمة الآخر، حكم الآخر وحكم الإسلام على الآخر، من هذا الآخر؟ قالوا: القرآن جاء ليوضح الآخر، والقرآن يقول: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73]، ولم يقل القرآن: لقد كفر الآخر، يا عباد الله! الأمر واضح بين، لكن الأمور تسير كما ترون، فالإسلام في تعامله مع أصحاب النحل الأخرى أمره واضح بين لا يقبل غيره: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2]، فالمداهنة ليست من شرع الله سبحانه في شيء: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]، فكل الوسائل اتخذوها مع سيد البشر عليه الصلاة والسلام. قالوا: نعبد إلهك يوماً أو شهراً وتعبد إلهنا يوماً أو شهراً، نلتقي في وسط الطريق، اجعل ذلك وسطاً، فأنزل الله سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2].
إنَّ القرآن وضح الثوابت، ولا أدري ما معنى التجديد، فإن كان المقصود بالتجديد: هو تغيير الثوابت فلا وألف لا، وإن كان المقصود بالتجديد: هو تجديد الألفاظ لتناسب الواقع مع الحفاظ على الثوابت فنعم، فإن لكل عصر لغة، هذا هو التجديد المقصود، أما أن يكون التجديد بحذف أحكام شرعية ثابتة قطعية الثبوت والدلالة، فهذا لا يمكن أبداً أن يرضاه عاقل إلا إذا كان يرضى لنفسه الدنية في دينه.
أيها الإخوة الكرام! إن نبينا صلى الله عليه وسلم في أكبر لقاء وأجمعه بين الحرمة، فهل نحن حافظنا على حرمة دماء الموحدين؟! أم أن دماء الموحدين هي أرخص دماء على الأرض؟! الآن نسمع ونرى ولا يتحرك لنا ساكن، إبادة جماعية، ودفن للأحياء، ومجتمعات سكنية تزول بأسرها، والأمة تشجب وتستنكر، جزاكم الله خيراً فعلتم الأمر المناط بكم والموكل إليكم، تشجبون وتستنكرون، ودماء الموحدين التي تذهب هدراً في كل يوم مسئولية من يا عباد الله؟!
وفي آخر الوصية التحذير من الربا، فقد صحح علماء الحديث فيه أحاديث، منها ما صححه العلامة الألباني : (الربا أكثر من ستين باباً، أيسرها كأن ينكح الرجل أمه)، وحديث: (درهم ربا أشد من ست وثلاثين زنية) انظر -يا عبد الله- إلى حرمة الربا، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي)، وعادة البنوك أن تحارب الله ورسوله، والله يقول: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]، ونحن الآن نرفع شعار الربا، ونقبل التعامل مع الربا في بيوعنا المتعددة: بيع العينة، بيع الملابسة، بيع المنابذة، بيع النجش، أو استبدال ذهب بذهب مع سداد الفرق، وكان آخر التعاملات التي ذاعت في وسطنا منذ أيام وصرحت بها الفتوى الدينار العراقي الأمريكي الجديد، فبعض الإخوة يأتون بملايين الدينارات أو بالآلاف، ويضاربون عليها إلى الوقت الذي يكون لها فيه سعر، فهل هذا مشروع يا عباد الله؟! إن أقل حكم فيه أنه بيع غرر غير معلوم القيمة، وليس له قوة شرائية تحوله إلى سلعة، وإنما أنت الآن تضارب على سعره بعد أن يكون له قيمة، لكننا تركنا الثوابت فتخبطنا يميناً ويساراً.
تعريف الربا لغةً واصطلاحاً
المخرج من الربا والحد من انتشاره
إن من آخر الأحكام التي نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام أحكام الربا، كما قال بذلك علماء علوم القرآن، فآخر الأحكام نزولاً هي آيات الربا في سورة البقرة، والربا ذكر في سورة البقرة والروم والنساء وآل عمران، وأكثر الآيات تهييجاً وترهيباً قول ربنا سبحانه: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]. قال قتادة : آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً، علامة له على أنه آكل للربا، وجاء في البخاري في كتاب التعبير عن سمرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسبح في بحر دم؛ كلما وصل إلى شاطئ البحر ألقم حجراً في فمه فيبلع الحجر، ويعود مرة ثانية ويسبح في بحر الدم) يسبح في بحر دم لأن غالب الربا يكون في الذهب والفضة، أي: في اللون الأحمر؛ ولذلك التعاملات في سوق الذهب تحتاج إلى ضبط شرعي؛ لأن غالب التعاملات تخالف الشرع، وفي حياتنا اليوم بيع الذهب بالتقسيط دون التقابض في مجلس العقد، وتبديل القديم بالجديد مع دفع الفرق، فكلها تعاملات ربوية.
جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جيد، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى التمر وقال: (يا
أيها الإخوة الكرام! إن ربا الفضل والنسيئة والتحذير من آكل الربا وبيان عقوبته هو الأصل الثاني في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي هذا)، لكننا اليوم نصر على أن نخرج الربا من تحت قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم تعاملاتنا في بقاع الأرض.
مقارنة بين ربا الجاهلية وربا اليوم
من بعض المعاملات الحديثة نظام الفيزا بنك ونظام تمليك العمارات قبل أن تكتمل، كأن تبيع السمكة في الماء، أو الطير في الهواء، فهذا يسمى عند العلماء: بيع الغرر أو بيع الجهالة أو بيع المعدوم، ومعناه: بيع ما لا تملك، كأن تقول: أنت -إن شاء الله- ستحصل على الدور العشرين، وهو لا يزال في الدور الأرضي، فتكتب العقد على الدور العشرين، ويدفع هو ثمناً مقدماًً أو يتعاقد معك، هل عاين ما سيحصل عليه؟ هل تم البناء في الفعل؟ هل ملكت هذه السلعة حتى تتحكم أو تمتلك البيع؟ فلا يجوز أن تبيع إلا ما تملك، ولابد أن تملك قبل أن تبيع، فصور الربا تتعدد في كثير من معاملاتنا، فقد يحتاج هذا الرجل إلى سلعة، وليس معه الثمن، والآخر معه أموال، فالذي معه أموال يشتريها له ويقسطها، فيذهب الاثنان معاً إلى تاجر الجملة فيحصل على السلعة نقداً، ثم يقسطها على المشتري تقسيطاً، هل الذي باع السلعة ملكها؟ ما ملكها، كل الذي فعله أنه وسط المال ورابى، يعني: زاد على أصل المبلغ الذي حصله.
أما ربا الجاهلية في أبسط صوره فهو أنه كان الرجل يقرض الرجل مبلغاً من المال، ويحدد له أجلاً للسداد، فإذا جاء الأجل المحدد ولم يستطع المدين أن يسدد ما عليه يمهله الدائن مقابل إضافة مبلغ آخر، وكلما تأخر المدين كبل بفائدة، وقد كانوا في الجاهلية الأولى يحملون المدين مبلغاً طفيفاً، لكن ربا اليوم فوائد مركبة، كلما تأخر أكثر زاد المبلغ، والبعض يقول: في نظام الفيزا بنك يحصل العميل على مبلغ من المال، فإن سدده في المدة التي يحددها البنك فلا فوائد عليه، وإن تعسر عن السداد يتحمل فوائد، فيقول العميل: أنا سأسدد في المدة المحددة. فالجواب: أنت قبلت شرط الربا، وهو أنك إذا تأخرت ستتحمل فائدة إضافية، وهذا هو عين الربا؛ ولذلك في الحديث: (يأتي على أمتي زمان من لم يأكل فيه من الربا يصبه من غباره)، فغبار الربا قد عم الجو، وأصبح يسود العالم أجمع في التعاملات الربوية.
التدرج الشرعي في تحريم الربا
وانظر إلى التدرج في تحريم الربا، فقد حرم الربا في المدينة ولم يحرم في مكة، شأنه شأن الخمر، لكن بعض الناس يمر على آية تعتبر مرحلة من مراحل التحريم ويجعلها حكماً، فهؤلاء يتخبطون في فهم النصوص، مثلاً: الجهاد له مراحل تدرج في فرضه، فلا ينبغي أن نأتي إلى مرحلة من مراحله ونجعلها حكماً، كذلك حكم الخمر حرام، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]، وهي آخر آية نزلت في الخمر، فإن استدل مستدل بقوله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، نقول له: هذه مرحلة من مراحل التحريم؛ لأن النفوس البشرية لا تحتاج إلى قهرها مرة واحدة، بل لا بد من التدرج، وهكذا حدث التدرج في الربا في سورة الروم، ثم في سورة النساء، ثم في سورة آل عمران، ثم ختمت بسورة البقرة.
ففي سورة الروم: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [الروم:39]، وليس هذا نصاً بالتحريم، إنما هو لفت الانتباه إلى بشاعة الربا، أي: تحريك القضية في العقول.
ثم جاءت سورة النساء لتبين أن الربا حرم في شريعة اليهود، فالربا محرم في كل الشرائع السماوية، قال الله سبحانه: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ [النساء:161]، فاليهود هم أكلة الربا.
ثم جاءت بعد ذلك سورة آل عمران التي يستدل البعض بها الآن -وهو خطأ- بعمد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، فيقولون: إن الله عز وجل حرم الربا إذا كان أضعافاً مضاعفة، أما إن لم يكن أضعافاً مضاعفة فهو حلال.
يقول علماء الأصول: إذا كان الكلام يقر واقعاً فليس له مفهوم مخالفة، كقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء:31]، فرجل قال: سأقتل ولدي، لكنني لن أقتله خشية إملاق، سأقتله من غنى! فيبيح لنفسه أن يقتل، ويعلق النص على قضية خرجت مخرج الغالب، وعلى هذا المنوال فهم البعض في قوله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33]، فلا يفهم أن القانون الوضعي يحرم الزنا أكثر من القرآن؛ لأن القرآن قال: وَلا تُكْرِهُوا [النور:33]، فهو كلام خرج مخرج الغالب، وكقوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23]، قالوا: هي بنت الزوجة، فإن كانت في الحجر تحرم، وإن لم تكن في الحجر لا تحرم، نقول: بل تحرم أيضاً، لكنه ذكر ( فِي حُجُورِكُمْ )؛ لأن غالب الربائب يكن في الحجر.
فالمرحلة الثالثة في تحريم الربا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130].
فجاءت الآية الرابعة في سورة البقرة، وهي آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم الربا، يقول: الله عز وجل: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275]، ثم جاءت الآية: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276]، فحدثوني عن رجل تعامل بالربا ولم تذهب بركة تجارته، وسبحان الله، لما تحدثنا عن الربا انهالت الأسئلة في التعاملات التي سادت في معاملتنا المعاصرة.
ذكر ما تعمله البنوك الربوية مع عملائها
كذلك بنوك الائتمان الزراعي تعطي الفلاحين في القرى أسمدة بالأجل، فإن تعسر عن السداد ألزموه بفوائد مركبة، يعني: الزيادة مقابل عدم السداد، هذا هو عين الربا.
أما صندوق الزمالة في النقابات المهنية فإنهم يأخذون منك مبلغاً من المال ويضعونه في البنوك بفوائد، وعند استلامك لمرتبك أو حدوث مصيبة لك يعطونك مبلغاً إما أن يكون أكثر أو أقل من الإيداع.
كذلك مصلحة التأمينات في كل النقابات، والتأمينات التي نراها الآن: التأمين على الحياة، والتأمين ضد خطر الوفاة، بل إن بعض المطربين أمن على الحنجرة، وعلى الأحبال الصوتية، كذلك التأمين على التجارة، والتأمين ضد خطر الحريق، وعقد التأمين عقد غرر وجهالة في أصله، فالعلماء أفتوا ببطلان عقد التأمين، حيث تلتزم شركة التأمين بدفع مبلغ من المال للمؤمِّن في حال وقوع الضرر، والإسلام يلزم الذي تسبب في الضرر بالضمان، لكن في التأمين الذي تسبب لا يدفع شيئاً، والذي يدفع هو شركة التأمين، وإما أن تعطيك مبلغاً من المال أو لا تعطيك، وإما أن تعطيك أقل، فالمبلغ الذي ستأخذه مجهول، فعقد التأمين فيه أربعة عناصر حرمته: فيه عقد غرر، فيه ربا نسيئة، فيه أن الضمان على شركة التأمين وليس على المتسبب في الضرر.
معاملات حديثة كثيرة في حياتنا نقبلها وهي عين الربا، ففي سوق الذهب مثلاً يذهب الرجل أو المرأة إلى بائع الذهب ويعطيه الذهب القديم فيزنه، ثم يأخذ منه ذهباً جديداً ويدفع الفرق، وهذا ربا؛ لأن المعاملة تكون يداً بيد، ومثلاً بمثل، فأنت عليك أن تبيع الذهب القديم وتقبض ثمنه، ثم تشتري بالثمن ذهباً جديداً، هذا هو التعامل؛ فاستبدال ذهب بذهب مع دفع الفرق يسمى ربا الفضل، كما في الحديث: (الذهب بالذهب والفضل ربا، والفضة بالفضة والفضل ربا، والشعير بالشعير والفضل ربا، والتمر بالتمر والفضل ربا، والملح بالملح والفضل ربا، والبر بالبر والفضل ربا)، وإن اختلفت الأجناس فبع كيفما شئت، ولذلك اسمع إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا، ومؤكله، وشاهديه، وكاتبه)، فالجميع في اللعنة سواء، فأين نحن من شرع ربنا عز وجل في تعاملاتنا أيها الإخوة الكرام؟!
البيوع المحرمة
كذلك بيع العينة حرام، وبيع العينة مثلاً أن رجلاً يحتاج إلى مبلغ من المال، وأصحاب الأموال -كما تعلمون- يخشون أن تخرج النقود فيصابون ببرد، فلابد أن يستدفئوا بأموالهم، والمكروب يسعى إلى تفريج كربه، لكن لابد أن يعمل مشروعاً، فيقابل أحد هؤلاء الذين يحتالون على شرع الله، فيقول: أنا أعرف طريقة تحصل بها على المال دون مشقة، عليك أن تذهب إلى تاجر سيارات وتشتري منه ما تحتاج ثم تحرق السلعة ببيعها ممن اشتريتها منه بسعر أقل، يعني: يشتري منه السيارة بعشرين ألف، ويبيعها له هو بعشرة آلاف أو خمسة عشر ألف، وكأنه أخذ الخمسة عشرة ألفاً بعشرين ألفاً ووقع على إيصالات مقابل السداد لعشرين ألفاً، ثم يبيعها له، هذا هو بيع العينة، فإن باعها إلى غيره سماه العلماء التورق، وهو أن أحصل على السلعة، وأنا لا أريد سلعة وإنما أريد مالاً، ثم أبيع السلعة من تاجر آخر لا من نفس التاجر، وأقل الأقوال فيه الكراهة، لكن ابن القيم في إعلام الموقعين ذهب إلى حرمته؛ لأن الأعمال بالباعث والإرادة، وهو لم يرد سلعة، وإنما أراد مالاً.
وأساتذة الاحتيال على شرع الله حرم الله عليهم الصيد في يوم السبت، قال تعالى: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ [الأعراف:163]، واشتاقوا لأكل السمك، ورأوا السمك بأعينهم يخرج فوق سطح الماء في يوم السبت، وباقي أيام الأسبوع يختفي السمك، فربطوا الحيتان من رءوسها في يوم السبت، وجعلوا طرف الحبل عندهم في بيوتهم بحيث إذا مر السبت لم يصطادوا، حتى إذا كان يوم الأحد جذبوه، يعني: قيدوا حركة السمك في يوم السبت وقالوا: نحن لم نصطد يوم السبت، فماذا صنع الله بهم؟ مسخهم إلى قردة، يقول ربنا سبحانه: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً [البقرة:65].
لذلك داروين اليهودي الأصل نظر إلى هذه القضية في الكتب السماوية فعلم أن أجداده قد مسخوا قردة وخنازير، فوضع نظرية تسمى: نظرية النشوء والارتقاء، وفحواها أن الإنسان كان في الأصل قرداً، ثم تطور إلى أن أصبح إنساناً، فـداروين عنده عقدة من القرود؛ وذلك لأن جده قرد، فوصف البشرية بأنها كلها قرود.
فالمهم أن نتقي الله سبحانه وتعالى في شرائنا وفي بيوعنا، فإذا اشتريت قميصاً واشترط عليك البائع ألا تفتح القميص، فيعطيك إياه في الكيس دون فتح، وتدفع دون أن تنظر إليه فإن هذا لا يجوز؛ لأنه يشترط في البيع أن تعاين السلعة معاينة واضحة، فلا تشتر المجهول.
وهكذا يترتب على عدم تطبيق شرع الله المشاكل، البيع والشراء لابد أن يكون لأجل معلوم، وبسعر معلوم، ولا تشتري دون أن تحدد السعر، وأن تشتري ما يملكه البائع، فهذه كلها تعاملات في حياتنا دخلها الربا دون قصد أو بقصد، فالله الله في تعاملاتكم، عضوا على سنة رسولكم صلى الله عليه وسلم بالنواجذ، فقد قال: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي).
الربا: هو الزيادة لغة، أما اصطلاحاً: فهو الزيادة عن أصل الدين مقابل المدة، أعطيتك ألف جنيه تسدد في الموعد المحدد، فإن جاء الموعد المحدد ولم تسدد فإن أي انتظار بعد ذلك بفائدة، والبنوك لا تفعل إلا ذلك، والله يقول: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، لم يقل: إن كان ذو عسرة فحملوه بالفوائد، بل الأمر المضحك أن رجلاً اقترض مبلغاً من بنك ربوي وعجز عن السداد، فظلوا يحسبون عليه فوائد إلى أن أصبحت الفوائد أكبر من المبلغ الذي اقترضه، فهم قد يسمونها فوائد أو عائداً؛ لأن من سمات أهل الضلال أن يسموا الأشياء بغير اسمها: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275].
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
التاريخ الأسود لليهود | 2410 استماع |
الوقت وحرص الصالحين عليه | 2397 استماع |
اللحوم المسمومة | 2350 استماع |
الرحلة في طلب العلم | 2338 استماع |
فاصبر صبراً جميلاً | 2276 استماع |
استكمال تفسير سورة الحاقة 2 | 2227 استماع |
وقفة مع سورة الإنسان | 2220 استماع |
إنا بلوناهم | 2101 استماع |
ذرني ومن يكذب بهذا الحديث | 2061 استماع |
بناء البيت .. دروس وعبر | 2013 استماع |