خطب ومحاضرات
فاصبر صبراً جميلاً
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه، يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلوبنا على دينك.
وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا يزال الحديث مع سورة المعارج، وتوقفنا عند قول الله سبحانه: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً [المعارج:5-7].
حديثنا اليوم عن الصبر، عن أنواعه ومعناه، وأقسامه كما بينها العلماء، ثم نتأمل في سيرة الأنبياء والمرسلين؛ للنظر كيف كانت حياتهم في الصبر على الشدائد عند نزول المكروه.
فالإيمان نصفان: نصفه صبر، ونصفه شكر.
فمن الناس من يعبد الله في حال السراء، فإن نزل به مكروه انقلب على وجهه فخسر الدنيا والآخرة، كما قال ربنا سبحانه: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [الفجر:15-16] أي: ضيّق عليه الرزق، فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلاَّ [الفجر:16-17] مقاييس فاسدة من العبد، فإنه ليس غنى الغني دليلاً على رضا الله، وليس فقر الفقير دليلاً على سخط الله، فإن الله يعطي الدنيا لمن أحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب.
لذلك إبراهيم عليه السلام دعا ربه قائلاً: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ [البقرة:126] وأتبعها بقوله: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:126] أي: لا ترزق إلا من آمن بالله واليوم الآخر، فقال الله له: وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة:126].
الصبر لغة: هو الحبس.
والصبر اصطلاحاً: هو حبس النفس، إما على طاعة، أو عن معصية، أو على مقدور الله.
وعلى هذا قسم العلماء الصبر إلى ثلاثة أقسام، والآية تقول: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً [المعارج:5]، والصبر الجميل كما يقول العلماء: أن يكون صاحب المصيبة بين الناس ولا يدرون من هو؛ لأنه لا يشكو مصيبته إلا لربه، لا ملل ولا ضجر ولا شكوى لمخلوق أبداً، يكون بيننا صاحب مصيبة لكننا لا نعرفه؛ لأن علاقته بربه سبحانه: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف:86] فهو يصبر ولا يشعر به أحد، هذا هو الصبر الجميل.
يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم آمراً إياه بالصبر في أكثر من موضع: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ [الأحقاف:35].
ويقول: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ [القلم:48].
ويقول: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28].
ويقول: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127].
الصبر على الطاعة
الأول: الصبر على الطاعة، والصبر على الطاعة مهم؛ لأن الطاعة فيها مشقة على النفس، فتحتاج إلى صبر: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].
فالذي يزيل الغطاء عن رأسه في هذا البرد، ويستيقظ قبل الفجر بساعة أو ساعتين، ويتوضأ بالماء البارد ويخرج لصلاة الفجر في هذا الجو، يصبر على الطاعة.
والذي يُخرج من خزائن ماله صدقة ماله أو زكاة ماله، وينفق على الفقراء والمساكين وطلبة العلم، ويدعم المشروعات الخيرية، فهذا يصبر.
والتي ترى نفسها في غربة حينما ترى التبرج قد ساد وعم، والولاية والرئاسة أصبحتا للهابطات السافرات، فيتقدم أهل السفه، ويتأخر أهل العلم، وحينما يشار إليها بالبنان: من هذه؟ والناس تنظر إليها لحجابها ولعفافها وتؤذى، وربما تؤذى بقول سفيه أو بكاريكاتير هابط، فهذه تصبر.
والذي يُضيّق عليه في رزقه، ويلقى من مكان إلى آخر؛ لأنه لا يريد شيئاً إلا تقوى الله، واتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فيضطهد في رزقه ويُضيّق عليه في ماله وولده، فهذا يصبر.
وحينما تكون الأولوية والقيادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في زمن انقلاب المعايير والمقاييس للكع بن لكع: (يوسد الأمر إلى الأصاغر، ويتراجع الأكابر، وينطق الرويبضة) يصبر المؤمن أو لا يصبر؟ يصبر.
قال تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [القلم:48].
وقال سبحانه: وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزمل:10].
فاصبر يا أخي! على طاعة ربك سبحانه.
الصبر عن المعصية
الصبر على مقدور الله
المقام الأول: السخط، فمن الناس من يستقبل المقدور بسخط وعدم قبول وعدم رضا، ويشكو الخالق إلى المخلوق، ويُحاسب ربه، ويسأل: يا رب! لماذا فعلت بي هذا؟ ولم اخترتني من بين العباد؟ يُحاسب ربه ولا يقبل مقدور الله في نفسه، فيتسخط على قدر الله، إما بالقلب وإما باللسان، وإما بالجوارح، فالسخط بالقلب عدم الرضا عن قضاء الله، والسخط باللسان القول، والسخط بالجوارح كشق الجيب ونتف الشعر وأفعال الجاهلية التي لا ينبغي لمسلم أبداً أن يكون عليها.
المقام الثاني بعد السخط: الصبر.
المقام الثالث: الرضا.
المقام الرابع: الشكر، وهذا حال المتقين، عند حلول المصيبة لا يصبر ويرضى فقط وإنما يشكر، كحال الصحابية التي قطع لها إصبع فإذا بها تشكر الله، وتقول: إن حلاوة الأجر أنستني مرارة الصبر. الله أكبر! شكر عند نزول المصيبة؟ نعم؛ لأنها تعلم أن المصيبة إما لرفع الدرجات وإما لتخفيف الذنوب والسيئات: وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
الصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الصبر على الطاعة، والصبر على الطاعة مهم؛ لأن الطاعة فيها مشقة على النفس، فتحتاج إلى صبر: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].
فالذي يزيل الغطاء عن رأسه في هذا البرد، ويستيقظ قبل الفجر بساعة أو ساعتين، ويتوضأ بالماء البارد ويخرج لصلاة الفجر في هذا الجو، يصبر على الطاعة.
والذي يُخرج من خزائن ماله صدقة ماله أو زكاة ماله، وينفق على الفقراء والمساكين وطلبة العلم، ويدعم المشروعات الخيرية، فهذا يصبر.
والتي ترى نفسها في غربة حينما ترى التبرج قد ساد وعم، والولاية والرئاسة أصبحتا للهابطات السافرات، فيتقدم أهل السفه، ويتأخر أهل العلم، وحينما يشار إليها بالبنان: من هذه؟ والناس تنظر إليها لحجابها ولعفافها وتؤذى، وربما تؤذى بقول سفيه أو بكاريكاتير هابط، فهذه تصبر.
والذي يُضيّق عليه في رزقه، ويلقى من مكان إلى آخر؛ لأنه لا يريد شيئاً إلا تقوى الله، واتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فيضطهد في رزقه ويُضيّق عليه في ماله وولده، فهذا يصبر.
وحينما تكون الأولوية والقيادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في زمن انقلاب المعايير والمقاييس للكع بن لكع: (يوسد الأمر إلى الأصاغر، ويتراجع الأكابر، وينطق الرويبضة) يصبر المؤمن أو لا يصبر؟ يصبر.
قال تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [القلم:48].
وقال سبحانه: وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزمل:10].
فاصبر يا أخي! على طاعة ربك سبحانه.
الثاني: الصبر عن المعصية، أي الصبر عن المحرمات والبعد عنها وعدم اقترافها، فالشهوات مع الشيطان، ومع النفس الأمارة بالسوء، ومع أصدقاء السوء، كلهم يحيطون بالإنسان، ويريدون منه أن يقترف المعصية، فبعدك عنها صبر؛ لذلك ربنا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا [آل عمران:200] أي: عن المعصية، وَصَابِرُوا [آل عمران:200] أي: على الطاعة، وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]، فأكثروا من فعل الخيرات، واصبروا وصابروا ورابطوا.
الثالث: الصبر على مقدور الله، وله عند العلماء أربع مقامات:
المقام الأول: السخط، فمن الناس من يستقبل المقدور بسخط وعدم قبول وعدم رضا، ويشكو الخالق إلى المخلوق، ويُحاسب ربه، ويسأل: يا رب! لماذا فعلت بي هذا؟ ولم اخترتني من بين العباد؟ يُحاسب ربه ولا يقبل مقدور الله في نفسه، فيتسخط على قدر الله، إما بالقلب وإما باللسان، وإما بالجوارح، فالسخط بالقلب عدم الرضا عن قضاء الله، والسخط باللسان القول، والسخط بالجوارح كشق الجيب ونتف الشعر وأفعال الجاهلية التي لا ينبغي لمسلم أبداً أن يكون عليها.
المقام الثاني بعد السخط: الصبر.
المقام الثالث: الرضا.
المقام الرابع: الشكر، وهذا حال المتقين، عند حلول المصيبة لا يصبر ويرضى فقط وإنما يشكر، كحال الصحابية التي قطع لها إصبع فإذا بها تشكر الله، وتقول: إن حلاوة الأجر أنستني مرارة الصبر. الله أكبر! شكر عند نزول المصيبة؟ نعم؛ لأنها تعلم أن المصيبة إما لرفع الدرجات وإما لتخفيف الذنوب والسيئات: وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
التاريخ الأسود لليهود | 2410 استماع |
الوقت وحرص الصالحين عليه | 2397 استماع |
اللحوم المسمومة | 2350 استماع |
الرحلة في طلب العلم | 2338 استماع |
وثيقة حرمات لا حدود | 2259 استماع |
استكمال تفسير سورة الحاقة 2 | 2228 استماع |
وقفة مع سورة الإنسان | 2220 استماع |
إنا بلوناهم | 2101 استماع |
ذرني ومن يكذب بهذا الحديث | 2061 استماع |
بناء البيت .. دروس وعبر | 2014 استماع |