الوقت وحرص الصالحين عليه


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:7-9]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:14-16].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن اغتنام الأوقات والأنفاس واللحظات والساعات فيما يقرب من رب البريات لهو عمل السعداء، والأتقياء لا يفرطون في لحظة أو في دقيقة إلا وشغلوها بذكر الله أو بطاعة الله؛ لأنهم يعلمون أن الأوقات هي رأس مال العبد، وكان الحسن البصري يقول: يا ابن آدم! إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك، ومما يبين خطورة الوقت والزمن في حياة المسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه البخاري : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، أي: أن الكثير من الناس لا يستغل نعمة الصحة ونعمة الفراغ، وعند احتضاره يندم على كل وقت مضى عليه دون أن يعمره بطاعة الله؛ ولذلك من الأسئلة التي يسأل عنها العبد يوم القيامة: (عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه).

ويتضح المعنى جلياً عند تمني الرجعة عند خروج الروح: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100]، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا [فاطر:37] في النار، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37]، يندمون على أوقاتهم التي ضيعوها في اللهو والعبث أمام مظاهر الإفك والمنكرات، ويعضون على أصابع الندم، ولكن المسلم على بصيرة من أمره.

أحبتي الكرام! انظروا إلى حال سلفنا في اغتنام الأوقات والساعات واللحظات في طاعة رب العالمين سبحانه، كان ابن عقيل -من الحنابلة- يختار سف الكعك على مضغ الطعام، فسئل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني وجدت المسافة بين السف والمضغ قدر قراءة خمسين آية من كتاب الله، لا إله إلا الله! ليس عنده وقت ليمضغ الطعام فيسفه سفاً، أين أوقاتنا يا عباد الله؟!

وقال رجل للأحنف بن قيس : قف أكلمك. قال له: أمسك الشمس حتى أتحدث معك. وقال الخليل بن أحمد : أثقل ساعة علي ساعة آكل فيها الطعام؛ لأنها تمنعني عن ذكر ربي عز وجل.

أحبتي الكرام! أرأيتم الهمم العالية؟!

وكان سفيان الثوري يطلب العلم ويتعارض طلبه للعلم مع عمله، فقال لأمه: إن عملي يشغلني عن طلب العلم كثيراً، فماذا قالت المرأة لابنها؟ يا بني! تفرغ أنت لطلب العلم، وأنا سأكفيك بمغزلي هذا، وانطلقت الأم تعمل وتنفق على ولدها طالب العلم.

وكان ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يأتي إلى أبي بن كعب رضي الله عنه ليسأله في مسألة شرعية، فينام على بابه ويقيل حتى يخرج إليه أبي ، فيسأله ابن عباس عن حاجته.

أرأيتم الهمم يا عباد الله؟!

اغتنموا الأوقات في طاعة الله حتى لا تتحسروا يوم القيامة على أي وقت لم تشغلوه بطاعة الله وذكره.

وكان حرص سلفنا الصالح على الأوقات كحرصنا نحن على الدرهم والدينار، فهذا جد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان إذا دخل إلى الخلاء ليقضي حاجته ينادي على أحد أحفاده ويقول: يا بني! اقرأ من هذا الكتاب وارفع صوتك بالقراءة؛ حتى لا تمر علي أوقات دون أن أشغلها بعلم يرضي الله.

أرأيت الهمم؟!

أحبتي الكرام! ورب العالمين سبحانه خلق الأزمنة واختار منها: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، فاختار من شهور العام شهراً، وخصه بصفات تميزه عن سائر الشهور سنبينها في العنصر الثاني، واختار من ليالي الشهر ليلة، فجعلها خيراً من ألف شهر، واختار من أيام الأسبوع يوماً وهو يوم الجمعة، واختار من أيام العام يوماً وهو يوم عرفة، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، وخلق الجنة درجات، واختار منها الفردوس، اللهم إنا نسألك الفردوس يا رب العالمين. وخلق الملائكة واختار منهم جبريل، واصطفى من البشر أنبياء ومن الأنبياء رسلاً ومن الرسل أولي العزم، ومن أولي العزم سيد البشر محمداً صلى الله عليه وسلم: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253].

إن شهر رمضان شهر اصطفاه الله، وخصه بخصائص تميزه عن سائر الشهور، منها على سبيل المثال لا الحصر: أن الله جعله محلاً للصيام ومحلاً لنزول القرآن، ومحلاً للقيام ولتفتيح أبواب الجنان، ولتغليق أبواب النيران، ولتصفيد مردة الشياطين، جعله الله محلاً لليلة هي خير من ألف شهر، إذاً: شهر له هذه الصفات حري بنا أن نشمر فيه عن ساعد العمل، ونجتهد في العبادة والطاعة لرب العالمين سبحانه، ومن ثم أحدثكم عن الأعمال التي ينبغي أن نكرس لها الجهد في هذا الشهر.

قيام الليل

الشعيرة الأولى: القيام.

وقيام الليل هو شعار الصالحين ودأب المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16]، تتباعد جنوبهم عن أمكان نومهم، هل يشاهدون أفلاماً؟ أو يسهرون على سهرة آخر الليل؟ أو يسهرون على غناء هابط؟ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16] لماذا؟ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16]، خوفاً من ناره، وطمعاً في جنته.

ولذلك -إخوتي الكرام- انظروا إلى حال نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كيف كان ليله، هل كليل البطالين والسفهاء الذين يدعون الأمة إلى النار على سهرات هابطة، انظروا إلى حال نبيكم، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (تفقدت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على فراشي فلم أجد النبي صلى الله عليه وسلم بجواري، فقمت أبحث عنه في الحجرة المظلمة فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام قد ترك الفراش وقام يصلي لربه، وقد ابتلت الأرض من دموعه وهو يقول ويناجي ربه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).

وقام يصلي بالليل فجاء حذيفة فوقف بجواره، يقول: (فقرأ النبي سورة البقرة، فقلت: لعله يركع، فقرأ النساء كاملة، فقلت: لعله يركع، فقرأ آل عمران كاملة ) كل ذلك في الركعة الأولى يا عبد الله، والحبيب قائم بين يدي ربه، ولذلك انظروا إلى حال سلفنا وإلى حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان عمر بن الخطاب يقوم بالليل يصلي لله والناس نيام، وأهل التوحيد لا يعرفون النوم بالليل إلا القليل؛ لأنهم ينفردون بربهم سبحانه، ويناجونه ويدعونه آناء الليل وأطراف النهار، وكان يقرأ في سورة يوسف -يحبها- حتى إذا وصل إلى قول الله: إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف:86] علا صوته بالبكاء حتى يسمع لبكائه صوت من خلف جدران بيته، حتى أقامت الدموع خطين أسودين تحت عينيه من كثرة البكاء من خشية الله، فهذا عمر.

أما عثمان فحدث عنه ولا حرج، قال ابن عمر في تفسير قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9]، قال: نزلت في عثمان.

وفي اليوم الذي مات فيه عثمان كان يقرأ القرآن من مصحفه، فلما طعنوه سال الدم من جسده على مصحفه، فبكت الزوجة وهي تقول: قتلتموه، وإنه ليصلي الليل بالقرآن كاملاً. رجال كانوا رهباناً بالليل لله رب العالمين، فأول شعيرة ينبغي أن نؤكد عليها في هذا الشهر الكريم شعيرة قيام الليل.

وفي صحيح البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه التراويح في أول ليلة من رمضان، وفي الليلة الثانية كثر الناس -لينال الجميع شرف الصلاة خلف النبي عليه الصلاة والسلام- فصلى بهم، وفي الليلة الثالثة ما خرج من حجرته صلى الله عليه وسلم إلا في الفجر، فقال لهم: لم يخف علي مكانكم -يعني: أعلم أنكم مكثتم في المسجد من بعد العشاء- ولكني خشيت أن تفرض عليكم)، إذاً: العلة التي منعت النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج حتى لا تفرض صلاة التراويح، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء زمن عمر رضي الله عنه اتخذ أبي بن كعب رضي الله عنه للرجال إماماً، فكان يصلي بهم قيام رمضان.

والناس فريقان: فريق يدعو إلى النار بمسلسلاته وبسهراته وبلقاءاته الهابطة، وفريق يدعو إلى الجنة بالصلاة والقيام، فكن مع الدعاة إلى الجنة، ولا تستجب لأولئك الذين قال ربنا في حقهم: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221].

أحبتي الكرام! وأول ما وطئت قدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدينة -كما قال ابن سلام - قال: (أيها الناس! اطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام).

وفي أول بعثته قال له ربه: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل:1-5]، قال ابن عمر : كان الصحابة بعد صلاة الفجر يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم ما رأوا في نومهم من رؤى فيفسر لهم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الرؤى، فقال ابن عمر : فوددت لو أني أرى رؤيا حتى أقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في نومي ملكين أخذاني من فراشي وطارا بي حتى وصلا إلى حافة جهنم، فنظرت إليها، وإذا بها أناس أعرفهم، فقالوا: لا تخف أنت لست من أهلها، وعادوا بي إلى فراشي، فقلت لـحفصة أختي ما رأيت؛ لتقص ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قصت ذلك عليه قال صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل عبد الله بن عمر لو كان يقوم الليل)، أي: أن ابن عمر كان لا يصلي بالليل، فجاءت هذه الرؤيا لتحفزه على قيام الليل، فقال: فما تركت صلاة الليل بعدها أبداً.

إذاً: القيام في رمضان شعيرة نؤكد عليها وندفع النساء إليها.

القرآن

الشعيرة الثانية: القرآن.

والحديث عن القرآن قد يطول قليلاً؛ لأننا هجرنا القرآن أياماً وشهوراً: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، وهجر القرآن أنواع، قال ابن القيم في (بدائع الفوائد): وينقسم هجر القرآن إلى ستة أقسام: من الناس من يهجر القرآن سمعاً انظر إلى حال الأمة ماذا تسمع الآن يا عبد الله! وانظر إلى حجم أشرطة الغناء الفاحش التي تباع لشبابنا! الشريط الذي حطم المليون ثم دخل على المليون الثاني، كلمات هابطة تزرع النفاق في القلب: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6]، قال ابن مسعود : والله إنه الغناء.

جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـابن مسعود : (اقرأ علي القرآن. قلت: يا رسول الله! أأقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمع القرآن من غيري) فكان ابن مسعود يقرأ والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع. يقول ابن مسعود : (فأخذت أقرأ في سورة النساء حتى وصلت إلى قول الله سبحانه: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:41-42]، فقال صلى الله عليه وسلم: حسبك يا عبد الله!) أي: توقف (فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان بالدموع) صلى الله عليه وسلم.

فانظر إلى حال النبي عليه الصلاة والسلام عند الاستماع إلى القرآن ثم إلى حالنا نحن.

إن آية واحدة كانت سبباً في توبة ابن المبارك والفضيل بن عياض.

فـابن المبارك عبد الله -وما أدراك ما ابن المبارك- من سادات التابعين وكبارهم، كان يحب ضرب العود ويدمن عليه، وفي ليلة استيقظ ليضرب العود، فلما أراد أن يضرب أبى العود أن ينطق، فإذا بالعود يتكلم بين يديه بقوله سبحانه: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:16]، قال ابن المبارك : آن الآن يا رب! وحطم العود وتاب توبة نصوحاً.

أما الفضيل بن عياض فقد أعطى موعداً لامرأة بالليل، فجاء ليتسلق الجدار إليها، وبينما هو على الجدار سمع صوتاً يرتل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:16]، فقال الفضيل : آن الآن يا رب! وسأجعل توبتي بجوار بيتك الحرام، وتاب توبة بآية واحدة.

إن الملائكة تسمع القرآن والجن كذلك؛ لذلك عند سماع الجن للقرآن قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجن:1-2].

ثانياً: هجر القرآن تلاوة، من الناس ومن يهجر القرآن تلاوة، وينبغي لكل مسلم من أتباع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون له ورد يقرؤه كل يوم لا يمنعه عن ورده شيء، كان الشافعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وكان عثمان يختم كل يوم مرة، وكان قتادة يختم كل ثلاثة أيام، وكان الأسود يختم كل سبعة أيام، هكذا كان حال سلفنا، إذا جاء شهر القرآن قالوا: جاء رمضان شهر القرآن، فأقبلوا على القرآن تلاوةً واستماعاً وحفظاً وتدبراً وتفسيراً وتحكيماً؛ لذلك يقول ابن عباس : (كان جبريل يدارس النبي القرآن في رمضان)، ولفظ المدارسة أعم من لفظ التلاوة، المدارسة تعني: القراءة جماعة مع التدبر والتفكر والتفسير، قال: (كان يدارسه القرآن في رمضان في كل عام مرة، وفي العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم دارسه القرآن مرتين)، فانظر إلى حال الأمة في تلاوتها للقرآن اليوم يا عبد الله!

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها) فمن أي الأنواع أنت يا عبد الله؟!

القسم الثالث: هجر القرآن تدبراً، وربنا يقول: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].

القسم الرابع: هجر القرآن حفظاً، فأين حفظة القرآن في شهر القرآن؟!

القسم الخامس: هجر القرآن تحكيماً؛ لأن القرآن نزل ليحكم بين الناس، لا كما يقول هؤلاء وهؤلاء: إن القرآن لا صلة له بحكم الناس أبداً، فقولهم باطل، يقول ربنا: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].

القسم السادس والأخير عند ابن القيم رحمه الله: هجر القرآن استشفاء وعلاجاً.

إذاً: أحبتي الكرام! تلك الشعيرة الثانية التي ينبغي أن نركز عليها في رمضان.

الصدقة

الشعيرة الثالثة: الصدقة.

فصدقة رمضان أجرها مضاعف، وفي ذلك يقول ابن عباس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه حبريل فيدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة)، يقول ابن حجر في الفتح: شبه جود النبي صلى الله عليه وسلم بالريح المرسلة لأن الريح المرسلة خيرها يعم، فلا تفرق بين أرض وأرض.

أحبتي الكرام! يقول عمر رضي الله عنه: (ما سبقت أبا بكر قط في أمر معروف، فحدثتني نفسي أن أسبقه يوماً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر ، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فأسرعت إلى بيتي وجئت بنصف مالي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام) قسم المال نصفين وجاء بالنصف وترك النصف، (فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام ما تركت لأهلك يا عمر ؟! قلت: تركت لهم نصف مالي يا رسول الله. فجاء أبو بكر بمال يحمله ووضعه بين يدي الحبيب عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تركت لأهلك يا أبا بكر ؟! قال: تركت لهم الله ورسوله)، وأنا أسأل الآن هل منا أحد يستطيع أن يتصدق بكل ماله؟ إن أخرج جزءاً يسيراً من ماله زين الشيطان له الفقر: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268].

ثبت في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر؛ ثم سأل أصحابه: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله! قال: من منكم اليوم أصلح بين متخاصمين؟ قال أبو بكر : أنا يا رسول الله! قال: من منكم اليوم أطعم مسكيناً؟ قال أبو بكر : أنا يا رسول الله، قال: من منكم اليوم تبع جنازة؟ قال أبو بكر : أنا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما اجتمعن في رجل إلا دخل الجنة) هذه هي صفات الخير، يقول صاحب الحلية: هو الصديق الملقب بـالعتيق، صاحب النبي في الحضر والأسفار، ورفيقه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنزل فيه من عالم الأسرار ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ [التوبة:40]، رضي الله عنه.

والصدقة تنقسم إلى أقسام:

القسم الأول: إطعام الطعام، وانظر إلى حال سلفنا، كان داود بن هند يصوم أياماً كثيرة، ويخرج من بيته في الصباح وزوجته لا تعلم أنه صائم، عبادة بينه وبين ربه، فتعطيه الطعام لغدائه، فيتصدق بالطعام ويعود إليها بالليل ليتعشى معها، هو صائم وهي لا تعلم.

وكان ابن عمر لا يتناول طعاماً في رمضان إلا مع الأيتام، فإن لم يجد يتيماً أبى أن يأكل، فإن رد من في الدار الأيتام امتنع ابن عمر عن الطعام حتى يجمع الأيتام حوله. يقول ربنا فيهم: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:8-9].

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق النار ولو بشق تمرة)، كيلو تمر واحد توزعه على الصائمين عند غروب الشمس لك فيه الأجر الكثير من رب العالمين، الصدقة بابها واسع، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً كان له من الأجر كأجر الصائم لا ينقص من أجره شيء)، فأي فضل هذا يا عباد الله؟! أجر الصائم (قالوا: يا رسول الله! كلنا لا يجد ما يفطر به صائماً، قال: على شربة ماء أو مذقة لبن أو تمر)، فإن كنت لا تملك تمرة فقدم الماء لصائم، واحتسب الأجر عند الله يا عبد الله.

فالشعيرة الثالثة في رمضان هي الصدقة، منها إطعام الطعام وإفطار الصائم، والمسح على رءوس اليتامى والإحسان إلى المساكين، فكم من بيوت مسلمة تشكو إلى الله الأغنياء، كم من بيوت مسلمة لا تجد كسرة العيش لتأكلها عند غروب الشمس، وهؤلاء المتخمون المترفون عجل الله تبارك وتعالى لهم طيباتهم في الدنيا. (دخل عمر بن الخطاب على رسول الله يوماً وهو ينام على أرض وقد أثر الحصير في جنبه) ترك أثراً في جنب رسول الله (فقال: يا رسول الله! ملوك الفرس والروم تنام في بروج مشيدة وأنت تنام على الحصير؟! قال: يا ابن الخطاب ! هؤلاء قوم عجل لهم طيباتهم في الدنيا، ونحن أجلت لنا طيباتنا إلى يوم القيامة).

انظروا إلى أبي هريرة، يقول: (خرجت يوماً في الظهيرة وما أخرجني إلا الجوع، فسألت الصديق عن سؤل وأنا آمل أن يصطحبني إلى بيته، فأجابني وانصرف، وسألت عمر فأجابني وانصرف، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ما الذي أخرجك يا رسول الله؟! قال: الذي أخرجك يا أبا هريرة !) الجوع، فيا أخي المسلم! عليك بالصدقة، فطر صائماً ولك من الأجر كأجره.

الذكر والاستغفار

الشعيرة الرابعة: الذكر والاستغفار.

الذكر والاستغفار حياة قلب المؤمن، يقول ربنا في وصفهم: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، وأؤكد على شعيرة هامة، ففي صحيح مسلم: (أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج من مصلاه في الفجر إلا بعد شروق الشمس)، شعيرة نؤكد عليها في رمضان، فعند الترمذي وحسن الألباني الحديث رحمه الله: (من صلى الفجر في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تشرق الشمس، ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) قال العلماء: وقد بين الحديث شروطاً.

الشرط الأول: صلاة الفجر في جماعة.

الشرط الثاني: أن يجلس في مصلاه.

الشرط الثالث: أن ينشغل بذكر الله عز وجل.

الدعاء

الشعيرة الخامسة: الدعاء.

فالصائم عند فطره له دعوة لا ترد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، ودعوة المظلوم، والصائم حين يفطر)، فلك دعوة وأنت صائم يا عبد الله، فاجتهد بالدعاء؛ لأن الذي يفرج الكروب هو الله.

ثم انظر إلى حال الأنبياء والمرسلين، هذا نبي أصيب بمرض في جسده، فدعا ربه كما قال تبارك وتعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، وآخر كان في ظلمات فدعا ربه: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، وآخر حرم الولد فدعا ربه: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89]، ثم انظر إلى منزلة الدعاء، فعند أبي الدنيا : أن رجلاً من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم خرج في تجارته في صحراء، فلقيه لص، فقال له: خذ المال ودعني. قال: لابد من قتلك قبل أن آخذ المال، قال: أما وقد عزمت على قتلي فدعني أصلي لربي ركعتين. فتركه اللص، فسجد الرجل بين يدي ربه وفي السجود قال: يا ودود! يا ودود! يا فعالاً لما تريد! يا ذا العرش المجيد! أسألك بملكك الذي لا يضام، وبعزك الذي لا يرام، يا مغيث! أغثني، يا مغيث أغثني. ونادى ربه، فإذا برجل يأتي على جواد يركبه وبيده سيف فتقدم إلى اللص فقتله. قال: من أنت؟ ومن الذي أرسلك؟ قال: أنا ملك من السماء الرابعة، لما قلت: يا مغيث أغثني! قلت: يا رب! عبد مكروب فوكلني به: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:62].

فيا عباد الله! لكم دعوة فادعوا لإخوانكم المستضعفين، وادعوا لإخوانكم المقهورين في بلاد أفغانستان، فإنها مستهدفة لتكون مركزاً لنشر الإلحاد والكفر في قلب آسيا، كما كانت فلسطين من قبل، ولن تكون إن شاء الله: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة:32]، فالإسلام قادم، ونحن لا نحفظ دين الله، إن الله هو الذي يحفظ دينه بنا أو بغيرنا: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].

أخي الكريم! وأنت تفطر وتتناول طعام الإفطار تذكر أن لك إخوة ألجأهم البرد إلى الجبال، والعدو أرغمهم على ترك ديارهم، وأبناؤهم فارقوا الأوطان وفارقوا الأمن، فاشعر بهم ولا تكن كهؤلاء يطبلون ويزمرون ويرقصون، فنحن كالجسد الواحد، كيف أفرح وأخي هناك يبقر بطنه، وأختي هناك ينتهك عرضها؟! كيف أفرح يا عباد الله!

يا أخي في الشرق أو في المغرب أنا منك أنت مني أنت بي

لا تسل عن عنصري عن نسبي إنه الإسلام أمي وأبي

وقلها عاليةً:

لبيك إسلام البطولة كلنا نفدى الحمى

لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما

الشعيرة الأولى: القيام.

وقيام الليل هو شعار الصالحين ودأب المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16]، تتباعد جنوبهم عن أمكان نومهم، هل يشاهدون أفلاماً؟ أو يسهرون على سهرة آخر الليل؟ أو يسهرون على غناء هابط؟ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16] لماذا؟ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16]، خوفاً من ناره، وطمعاً في جنته.

ولذلك -إخوتي الكرام- انظروا إلى حال نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كيف كان ليله، هل كليل البطالين والسفهاء الذين يدعون الأمة إلى النار على سهرات هابطة، انظروا إلى حال نبيكم، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (تفقدت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على فراشي فلم أجد النبي صلى الله عليه وسلم بجواري، فقمت أبحث عنه في الحجرة المظلمة فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام قد ترك الفراش وقام يصلي لربه، وقد ابتلت الأرض من دموعه وهو يقول ويناجي ربه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).

وقام يصلي بالليل فجاء حذيفة فوقف بجواره، يقول: (فقرأ النبي سورة البقرة، فقلت: لعله يركع، فقرأ النساء كاملة، فقلت: لعله يركع، فقرأ آل عمران كاملة ) كل ذلك في الركعة الأولى يا عبد الله، والحبيب قائم بين يدي ربه، ولذلك انظروا إلى حال سلفنا وإلى حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان عمر بن الخطاب يقوم بالليل يصلي لله والناس نيام، وأهل التوحيد لا يعرفون النوم بالليل إلا القليل؛ لأنهم ينفردون بربهم سبحانه، ويناجونه ويدعونه آناء الليل وأطراف النهار، وكان يقرأ في سورة يوسف -يحبها- حتى إذا وصل إلى قول الله: إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف:86] علا صوته بالبكاء حتى يسمع لبكائه صوت من خلف جدران بيته، حتى أقامت الدموع خطين أسودين تحت عينيه من كثرة البكاء من خشية الله، فهذا عمر.

أما عثمان فحدث عنه ولا حرج، قال ابن عمر في تفسير قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9]، قال: نزلت في عثمان.

وفي اليوم الذي مات فيه عثمان كان يقرأ القرآن من مصحفه، فلما طعنوه سال الدم من جسده على مصحفه، فبكت الزوجة وهي تقول: قتلتموه، وإنه ليصلي الليل بالقرآن كاملاً. رجال كانوا رهباناً بالليل لله رب العالمين، فأول شعيرة ينبغي أن نؤكد عليها في هذا الشهر الكريم شعيرة قيام الليل.

وفي صحيح البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه التراويح في أول ليلة من رمضان، وفي الليلة الثانية كثر الناس -لينال الجميع شرف الصلاة خلف النبي عليه الصلاة والسلام- فصلى بهم، وفي الليلة الثالثة ما خرج من حجرته صلى الله عليه وسلم إلا في الفجر، فقال لهم: لم يخف علي مكانكم -يعني: أعلم أنكم مكثتم في المسجد من بعد العشاء- ولكني خشيت أن تفرض عليكم)، إذاً: العلة التي منعت النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج حتى لا تفرض صلاة التراويح، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء زمن عمر رضي الله عنه اتخذ أبي بن كعب رضي الله عنه للرجال إماماً، فكان يصلي بهم قيام رمضان.

والناس فريقان: فريق يدعو إلى النار بمسلسلاته وبسهراته وبلقاءاته الهابطة، وفريق يدعو إلى الجنة بالصلاة والقيام، فكن مع الدعاة إلى الجنة، ولا تستجب لأولئك الذين قال ربنا في حقهم: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221].

أحبتي الكرام! وأول ما وطئت قدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدينة -كما قال ابن سلام - قال: (أيها الناس! اطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام).

وفي أول بعثته قال له ربه: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل:1-5]، قال ابن عمر : كان الصحابة بعد صلاة الفجر يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم ما رأوا في نومهم من رؤى فيفسر لهم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الرؤى، فقال ابن عمر : فوددت لو أني أرى رؤيا حتى أقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في نومي ملكين أخذاني من فراشي وطارا بي حتى وصلا إلى حافة جهنم، فنظرت إليها، وإذا بها أناس أعرفهم، فقالوا: لا تخف أنت لست من أهلها، وعادوا بي إلى فراشي، فقلت لـحفصة أختي ما رأيت؛ لتقص ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قصت ذلك عليه قال صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل عبد الله بن عمر لو كان يقوم الليل)، أي: أن ابن عمر كان لا يصلي بالليل، فجاءت هذه الرؤيا لتحفزه على قيام الليل، فقال: فما تركت صلاة الليل بعدها أبداً.

إذاً: القيام في رمضان شعيرة نؤكد عليها وندفع النساء إليها.

الشعيرة الثانية: القرآن.

والحديث عن القرآن قد يطول قليلاً؛ لأننا هجرنا القرآن أياماً وشهوراً: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، وهجر القرآن أنواع، قال ابن القيم في (بدائع الفوائد): وينقسم هجر القرآن إلى ستة أقسام: من الناس من يهجر القرآن سمعاً انظر إلى حال الأمة ماذا تسمع الآن يا عبد الله! وانظر إلى حجم أشرطة الغناء الفاحش التي تباع لشبابنا! الشريط الذي حطم المليون ثم دخل على المليون الثاني، كلمات هابطة تزرع النفاق في القلب: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6]، قال ابن مسعود : والله إنه الغناء.

جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـابن مسعود : (اقرأ علي القرآن. قلت: يا رسول الله! أأقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمع القرآن من غيري) فكان ابن مسعود يقرأ والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع. يقول ابن مسعود : (فأخذت أقرأ في سورة النساء حتى وصلت إلى قول الله سبحانه: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:41-42]، فقال صلى الله عليه وسلم: حسبك يا عبد الله!) أي: توقف (فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان بالدموع) صلى الله عليه وسلم.

فانظر إلى حال النبي عليه الصلاة والسلام عند الاستماع إلى القرآن ثم إلى حالنا نحن.

إن آية واحدة كانت سبباً في توبة ابن المبارك والفضيل بن عياض.

فـابن المبارك عبد الله -وما أدراك ما ابن المبارك- من سادات التابعين وكبارهم، كان يحب ضرب العود ويدمن عليه، وفي ليلة استيقظ ليضرب العود، فلما أراد أن يضرب أبى العود أن ينطق، فإذا بالعود يتكلم بين يديه بقوله سبحانه: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:16]، قال ابن المبارك : آن الآن يا رب! وحطم العود وتاب توبة نصوحاً.

أما الفضيل بن عياض فقد أعطى موعداً لامرأة بالليل، فجاء ليتسلق الجدار إليها، وبينما هو على الجدار سمع صوتاً يرتل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:16]، فقال الفضيل : آن الآن يا رب! وسأجعل توبتي بجوار بيتك الحرام، وتاب توبة بآية واحدة.

إن الملائكة تسمع القرآن والجن كذلك؛ لذلك عند سماع الجن للقرآن قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجن:1-2].

ثانياً: هجر القرآن تلاوة، من الناس ومن يهجر القرآن تلاوة، وينبغي لكل مسلم من أتباع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون له ورد يقرؤه كل يوم لا يمنعه عن ورده شيء، كان الشافعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وكان عثمان يختم كل يوم مرة، وكان قتادة يختم كل ثلاثة أيام، وكان الأسود يختم كل سبعة أيام، هكذا كان حال سلفنا، إذا جاء شهر القرآن قالوا: جاء رمضان شهر القرآن، فأقبلوا على القرآن تلاوةً واستماعاً وحفظاً وتدبراً وتفسيراً وتحكيماً؛ لذلك يقول ابن عباس : (كان جبريل يدارس النبي القرآن في رمضان)، ولفظ المدارسة أعم من لفظ التلاوة، المدارسة تعني: القراءة جماعة مع التدبر والتفكر والتفسير، قال: (كان يدارسه القرآن في رمضان في كل عام مرة، وفي العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم دارسه القرآن مرتين)، فانظر إلى حال الأمة في تلاوتها للقرآن اليوم يا عبد الله!

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها) فمن أي الأنواع أنت يا عبد الله؟!

القسم الثالث: هجر القرآن تدبراً، وربنا يقول: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].

القسم الرابع: هجر القرآن حفظاً، فأين حفظة القرآن في شهر القرآن؟!

القسم الخامس: هجر القرآن تحكيماً؛ لأن القرآن نزل ليحكم بين الناس، لا كما يقول هؤلاء وهؤلاء: إن القرآن لا صلة له بحكم الناس أبداً، فقولهم باطل، يقول ربنا: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].

القسم السادس والأخير عند ابن القيم رحمه الله: هجر القرآن استشفاء وعلاجاً.

إذاً: أحبتي الكرام! تلك الشعيرة الثانية التي ينبغي أن نركز عليها في رمضان.

الشعيرة الثالثة: الصدقة.

فصدقة رمضان أجرها مضاعف، وفي ذلك يقول ابن عباس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه حبريل فيدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة)، يقول ابن حجر في الفتح: شبه جود النبي صلى الله عليه وسلم بالريح المرسلة لأن الريح المرسلة خيرها يعم، فلا تفرق بين أرض وأرض.

أحبتي الكرام! يقول عمر رضي الله عنه: (ما سبقت أبا بكر قط في أمر معروف، فحدثتني نفسي أن أسبقه يوماً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر ، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فأسرعت إلى بيتي وجئت بنصف مالي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام) قسم المال نصفين وجاء بالنصف وترك النصف، (فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام ما تركت لأهلك يا عمر ؟! قلت: تركت لهم نصف مالي يا رسول الله. فجاء أبو بكر بمال يحمله ووضعه بين يدي الحبيب عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تركت لأهلك يا أبا بكر ؟! قال: تركت لهم الله ورسوله)، وأنا أسأل الآن هل منا أحد يستطيع أن يتصدق بكل ماله؟ إن أخرج جزءاً يسيراً من ماله زين الشيطان له الفقر: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268].

ثبت في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر؛ ثم سأل أصحابه: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله! قال: من منكم اليوم أصلح بين متخاصمين؟ قال أبو بكر : أنا يا رسول الله! قال: من منكم اليوم أطعم مسكيناً؟ قال أبو بكر : أنا يا رسول الله، قال: من منكم اليوم تبع جنازة؟ قال أبو بكر : أنا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما اجتمعن في رجل إلا دخل الجنة) هذه هي صفات الخير، يقول صاحب الحلية: هو الصديق الملقب بـالعتيق، صاحب النبي في الحضر والأسفار، ورفيقه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنزل فيه من عالم الأسرار ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ [التوبة:40]، رضي الله عنه.

والصدقة تنقسم إلى أقسام:

القسم الأول: إطعام الطعام، وانظر إلى حال سلفنا، كان داود بن هند يصوم أياماً كثيرة، ويخرج من بيته في الصباح وزوجته لا تعلم أنه صائم، عبادة بينه وبين ربه، فتعطيه الطعام لغدائه، فيتصدق بالطعام ويعود إليها بالليل ليتعشى معها، هو صائم وهي لا تعلم.

وكان ابن عمر لا يتناول طعاماً في رمضان إلا مع الأيتام، فإن لم يجد يتيماً أبى أن يأكل، فإن رد من في الدار الأيتام امتنع ابن عمر عن الطعام حتى يجمع الأيتام حوله. يقول ربنا فيهم: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:8-9].

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق النار ولو بشق تمرة)، كيلو تمر واحد توزعه على الصائمين عند غروب الشمس لك فيه الأجر الكثير من رب العالمين، الصدقة بابها واسع، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً كان له من الأجر كأجر الصائم لا ينقص من أجره شيء)، فأي فضل هذا يا عباد الله؟! أجر الصائم (قالوا: يا رسول الله! كلنا لا يجد ما يفطر به صائماً، قال: على شربة ماء أو مذقة لبن أو تمر)، فإن كنت لا تملك تمرة فقدم الماء لصائم، واحتسب الأجر عند الله يا عبد الله.

فالشعيرة الثالثة في رمضان هي الصدقة، منها إطعام الطعام وإفطار الصائم، والمسح على رءوس اليتامى والإحسان إلى المساكين، فكم من بيوت مسلمة تشكو إلى الله الأغنياء، كم من بيوت مسلمة لا تجد كسرة العيش لتأكلها عند غروب الشمس، وهؤلاء المتخمون المترفون عجل الله تبارك وتعالى لهم طيباتهم في الدنيا. (دخل عمر بن الخطاب على رسول الله يوماً وهو ينام على أرض وقد أثر الحصير في جنبه) ترك أثراً في جنب رسول الله (فقال: يا رسول الله! ملوك الفرس والروم تنام في بروج مشيدة وأنت تنام على الحصير؟! قال: يا ابن الخطاب ! هؤلاء قوم عجل لهم طيباتهم في الدنيا، ونحن أجلت لنا طيباتنا إلى يوم القيامة).

انظروا إلى أبي هريرة، يقول: (خرجت يوماً في الظهيرة وما أخرجني إلا الجوع، فسألت الصديق عن سؤل وأنا آمل أن يصطحبني إلى بيته، فأجابني وانصرف، وسألت عمر فأجابني وانصرف، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ما الذي أخرجك يا رسول الله؟! قال: الذي أخرجك يا أبا هريرة !) الجوع، فيا أخي المسلم! عليك بالصدقة، فطر صائماً ولك من الأجر كأجره.

الشعيرة الرابعة: الذكر والاستغفار.

الذكر والاستغفار حياة قلب المؤمن، يقول ربنا في وصفهم: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، وأؤكد على شعيرة هامة، ففي صحيح مسلم: (أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج من مصلاه في الفجر إلا بعد شروق الشمس)، شعيرة نؤكد عليها في رمضان، فعند الترمذي وحسن الألباني الحديث رحمه الله: (من صلى الفجر في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تشرق الشمس، ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) قال العلماء: وقد بين الحديث شروطاً.

الشرط الأول: صلاة الفجر في جماعة.

الشرط الثاني: أن يجلس في مصلاه.

الشرط الثالث: أن ينشغل بذكر الله عز وجل.


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
التاريخ الأسود لليهود 2410 استماع
اللحوم المسمومة 2350 استماع
الرحلة في طلب العلم 2338 استماع
فاصبر صبراً جميلاً 2276 استماع
وثيقة حرمات لا حدود 2258 استماع
استكمال تفسير سورة الحاقة 2 2227 استماع
وقفة مع سورة الإنسان 2220 استماع
إنا بلوناهم 2101 استماع
ذرني ومن يكذب بهذا الحديث 2061 استماع
بناء البيت .. دروس وعبر 2013 استماع