خطب ومحاضرات
الخطبة الجامعة يوم عرفة
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
ثم أما بعد:
أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم -بحول الله وفضله وتوفيقه- مع حجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم المعروفة بحجة الوداع، نعيش مع الخطبة الجامعة التي ألقاها النبي عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة.
والعالم إن كان يفتخر اليوم بأن له منظمات لحفظ حقوق الإنسان، فنقول لهم: لقد أصدر خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم وثيقة حرمات المسلم، أقول: وثيقة حرمات، لا حقوق، هذه الوثيقة بين فيها عليه الصلاة والسلام حرمة المسلم على أخيه المسلم.
فإلى منظمات حقوق المرأة أقول لهم: ها هو خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم يوصي بالمرأة في يوم عرفة، ثم يبين أن كل أمر من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمه عليه الصلاة والسلام.
وأبت الأمة إلا أن تخرج أمور الجاهلية من تحت قدم رسول الله؛ لتعود الجاهلية تطل برأسها، وبتبرجها السافر، وإذا كان الله سبحانه قد وصف التبرج في المجتمع الأول بأنه تبرج الجاهلية فقال: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، فما بالك بتبرج النساء اليوم؟! يظلم الجاهلية من أراد أن يقارن بين الأمرين!
إن المرأة في الجاهلية الأولى كانت تلبس جلباباً يواري جسدها، ولا تبدي إلا شيئاً من نحرها وصدرها، ووصف الله ذلك التبرج بأنه تبرج الجاهلية، فما بالنا اليوم؟ إننا نجد تبرجاً أشد بكثير من تبرج الجاهلية الأولى.
الأدلة على دنو أجل النبي عليه الصلاة والسلام
أولاً: أنه لما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن في السنة العاشرة من الهجرة، أي: قبل موته بعام صلى الله عليه وسلم أو بأشهر- قال له: (يا
ثانياً: كان جبريل يدارسه القرآن في كل سنة في رمضان مرة، وفي العام الذي مات فيه النبي عليه الصلاة والسلام دارسه القرآن مرتين.
ثالثاً: قال للناس وهو يؤدي المناسك: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) .
رابعاً: أنزل الله عليه بعد أن أتم خطبة عرفة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فسمع عمر الآيات، فأخذ يبكي، فتعجب الصحابة من بكاء عمر ، فقال: يا قوم! وهل بعد الكمال إلا النقصان؟ أي: أن الله رب العالمين يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ [المائدة:3]، فلا بد بعد الكمال من نقصان، وكان النقصان الذي توقعه عمر هو موت الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
خامساً: في أيام التشريق أنزل الله عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3]، فكان ابن عباس يقول: في هذه السورة نعي من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، واستنبط هذا المعنى من قول الله: وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]؛ لأن الاستغفار هو ختام كل شيء، فكأن الله عز وجل يأمر النبي عليه الصلاة والسلام في ختام حياته أن يختم حياته باستغفار الله.
وفي العام العاشر من الهجرة أذن في الناس: أن النبي صلى الله عليه وسلم حاج إلى بيت الله عز وجل، فجاء الناس من كل فج عميق، ليتأسوا بالحبيب عليه الصلاة والسلام، ويتعلموا منه المناسك، ويقفوا على آخر الأمور الشرعية العبادية؛ لأن الحج هو آخر ما فرض من العبادات، فقد فرض في العام (9هـ) على القول الراجح.
خرج النبي عليه الصلاة والسلام لأربع ليال بقين من ذي القعدة كما يرجح ذلك ابن حجر في الفتح، ثم ذهب إلى ذي الحليفة وبات فيها، وقبل صلاة الظهر اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم ولبس ملابس الإحرام، تقول عائشة : ووضعت المسك على رأس ولحية النبي صلى الله عليه وسلم ومفارقه، حتى إن رائحة المسك كانت تفوح من لحيته وشعره عليه الصلاة والسلام.
ثم صلى الظهر ولبى بعمرة وحج؛ لأن أرجح الأقوال أنه حج قارناً عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ساق الهدي من الحل إلى الحرم، ولذلك قال لأصحابه بعد أن أدى العمرة: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، فأمر من لم يسق الهدي بالتحلل عليه الصلاة والسلام، ثم أهل بعمرة وحج؛ لأنه حج قارناً، ودخل مكة بعد ليال ثمانية، أي: أنه قطع الطريق في ثمان ليال صلى الله عليه وسلم، وفي يوم أربعة من ذي الحجة دخل مكة -حتى نتعلم أنها رحلة جهاد- ثم دخل من باب بني شيبة إلى الحرم المكي، وطاف بالكعبة وسعى بين الصفا والمروة، ولم يتحلل؛ لأنه ساق الهدي، وأمر أصحابه أن يتحلل من لم يسق الهدي.
ثم ظل على إحرامه صلى الله عليه وسلم حتى جاء اليوم الثامن من ذي الحجة المعروف بيوم التروية، وذهب إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فصلى الرباعية قصراً دون جمع.
وفي فجر اليوم التاسع يوم عرفة -وهو خير يوم طلعت فيه الشمس- حين أشرقت الشمس ذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى عرفة، وأمر بخيمته فضربت بنمرة، ثم بعد الزوال قام يخطب في الناس عليه الصلاة والسلام، وكان مما قال عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا إن كل أمر من أمور الجاهلية تحت قدمي موضوع، ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع، وأول دم أضع دم
وقد اختلفت الروايات في خطبة الوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة، وخطب يوم النحر، وخطب في أيام التشريق، فمن الكتب من جمع بين الروايات وأتى برواية جامعة، لكننا سنقف مع عناصر خطبة الوداع للحبيب عليه الصلاة والسلام.
مجيء الإسلام بالحفاظ على مقاصد الشريعة الخمسة
ومقاصد الشريعة الإسلامية خمسة: حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض، وقد أحاط الإسلام هذه المقاصد بسياج، فكانت الحدود لحفظ النفس، كما قال عز وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179]، فمن قتل يقتل، وكان ابن عباس يقول وينفرد برأيه عن جمهور الصحابة: ليس لقاتل المسلم عمداً توبة، وطبعاً رأيه يخالف رأي جمهور الصحابة، ولكن قال ذلك لشدة الوعيد، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، ولا تجد في القرآن وعيداً أشد من هذا الوعيد، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93]، فهذا غضب ولعن في آية واحدة، ووعيد بالعذاب العظيم، فـابن عباس نظر إلى الآية وقال: ليس له توبة، لكن جمهور العلماء على أن له توبة، وابن عباس حاجه الصحابة بقول الله في سورة الفرقان: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70].
فأحاط الإسلام هذه المقاصد بالحدود، فكان لحفظ النفس القصاص، وكان لحفظ الدين حد الردة، قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، والمرتد يستتاب ثلاث مرات وإلا قتل ردة، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولحفظ العقل كان حد شرب الخمر أربعين جلدة، وعمر جعلها ثمانين: أربعين حداً وأربعين تعزيراً، ولحفظ المال كان حد السرقة، ولحفظ العرض كان حد الزنى وحد القذف، فجاءت الحدود لتحفظ مقاصد الشريعة، ولذلك يوم أن أهدرت الحدود عمت الفوضى، وساد البلاء، فلو أن حدود الله تطبق في مجتمعاتنا لتردد السارق ألف مرة قبل أن تمتد يده، ولوقف الزاني مع نفسه؛ لأنه يعلم أنه سيقف في ميدان عام ويجمع الناس لينظروا إليه وهو يجلد أو يرجم.
لذلك يقولون: الحدود زواجر وجوابر، والمقصود بكونها زواجر: أنها تزجر العاصي فيرتدع عن المعصية، والمقصود بكونها جوابر: أنها تطهره من دنس معصيته قبل لقاء الله عز وجل، فأين الحدود في مجتمع المسلمين؟ ومن الذي أهدرها؟ ولمصلحة من؟ ولحساب من؟ إنه لا يخشى من إقامة حد الزنى إلا الزاني، وأما إن كنت على الطريق المستقيم فلم تخشى من إقامة حدود الله في أرضه؟ فحدود الله في أرضه أمان وحفظ للمجتمعات، فلم تحرفون في دين الله؟ فالذي قال لكم: أَقِيمُوا الصَّلاةَ [الأنعام:72]، هو الذي قال لكم: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85]، أخبروني يا قوم! أليس هذا قرآناً؟! ثم بعد ذلك تجد من ينتسب إلى العلم زوراً وبهتاناً يحرف الكلم عن مواضعه، حتى يحافظ على مقعده وكرسيه.
مكانة الدماء في الإسلام
يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)، فكل نفس تقتل ظلماً في صحيفة ابن آدم، فانظر إلى صحيفته كم امتلأت الآن بمقتولين ظلماً، ولذلك جاء في الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، لذلك كل أوزار المتبرجات في صحيفة قاسم أمين يوم يلقى ربه، لقد كانت المرأة محتشمة مختمرة منتقبة في مصرنا إلى فترة قريبة حتى جاء تحرير المرأة، ولا أدري ما المقصود بتحريرها؟ هل هو تحريرها من الخمار والحجاب والنقاب، وتحريرها من أن تتقي الله وتطيع ربها عز وجل، وتذهب إلى السفور والتبرج والإباحية والاختلاط؟ ماذا يريدون بتحرير المرأة؟
فالإسلام حرر المرأة، ورفع شأن المرأة، فقد كانت المرأة تقتل في الجاهلية، وكانت المرأة تورث كأنها عقار، وكانت تحرم من حقوقها، فجاء الإسلام ليقول للناس جميعاً: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ [النساء:7]، جاء الإسلام ليقول لهم: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9].
فالإسلام جاء بحرمة الدماء، ولذلك جاء في الأثر: (من ساعد على قتل مسلم ولو بشطر كلمة بعث يوم القيامة مكتوب على جبهته: آيس من رحمة الله)، فالقاتل يتحمل ذنوب المقتول كاملة، أي: أن كل سيئات المقتول يتحملها القاتل، ويأتي المقتول يوم القيامة فيتعلق بكتفي القاتل ويقول: يا رب! سله فيم قتلني، ولذلك اسمع إلى قول الله: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ [المائدة:27-30].
إبطال وتحريم الإسلام للربا
فخرج الربا من تحت قدم رسول الله، وعاد إلى تعامل المسلمين في مجتمعاتهم، وفي بيعهم؛ فإن بعض أنواع البيوع الآن ربا، كبيع العينة، وهو: أن يأخذ سلعة ثم يبيعها لنفس التاجر بسعر أقل، أي: أنه يحتاج إلى مال فيوسط السلعة حيلة كما احتالت بنو إسرائيل، وهو يسمى بلغة التجار: الحرق، يقول لك: أعطني سلعة واحرقها، وهو ربا، بل عين الربا.
والربا قسمان: ربا الفضل، وربا النسيئة، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا، فـ(1000) جنيه من البنك تسددها (1200) جنيه بفائدة 13، أو 14، أو 17 بالمائة، إذاً فالفائدة محددة سلفاً وواضحة، فأي عاقل يقول: إن هذا ليس ربا؟!
ولذلك ساد الربا، ومن لم يأكل من الربا أصيب من غباره، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا إن كل ربا موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضع ربا
ومهما ادعت المجتمعات المعاصرة أنها في مدنية وتطور ورقي وثورة معلومات فأقول: إنها تعيش في عفن الجاهلية، فالتبرج تبرج الجاهلية، والحكم حكم الجاهلية، قال عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، فنحن في مجتمعات إسلامية، لكن فيها مظاهر جاهلية، لذلك تقديس الحجارة من مظاهر الجاهلية.
قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل أمر من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي) ، فيا من استقمت على شرع الله عز وجل! ضع أمور الجاهلية تحت قدمك، ولا يكفي أن تستقيم ظاهراً وتترك الباطن يغوص في عفن الجاهلية.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.
وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء في خطبة يوم عرفة
وبعد:
ثم أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء، فللمرأة حقوق قررها الشرع؛ فإن أرادت المرأة أن تضرب بأحكام الشرع عرض الحائط عادت تتخبط في الجاهلية الأولى.
فهناك دعوة للمساواة، ويضحكون على المرأة ويقولون لها: أنت كالرجل لا فرق بينكما، فإذا كان قاضياً فأنت قاضية، وإن أصبح عمدة لا بد أن تكوني عمدة، وإن كان حكماً لمباراة لابد أن تنزلي وتحكمي، وإن كان لاعباً في الملاكمة فاخلعي أنت أيضاً ولاكمي، وإنا لله وإن إليه راجعون.
وهذا أمر مضحك، فإن الذي خلق المرأة سبحانه وتعالى قال: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36]، فالمرأة لها طبيعة، ولذلك هناك أحكام شرعية كثيرة جداً تختلف فيها المرأة عن الرجل، في الميراث، وفي الشهادة، وفي العقيقة، وحتى في البول، فإذا بال الصبي على الثياب قبل أن يفطم ينضح، وإن بالت البنت يغسل؛ لحديث أم قيس عند البخاري : (جاءت
ولذلك أقول للمرأة المسلمة: أنت مستهدفة من أجل تدمير الأمة الإسلامية، فلا تستجيبي للمخططات، ولا تستجيبي للعلمانية العفنة التي تريد لك أن تخلعي النقاب، وأن تختلطي بالرجال، وأن تكوني رأساً برأس مع الرجل، بل كوني مع أوامر خالقك عز وجل، فكرامتك وعزتك في اتباع شرع الله سبحانه، فهناك أحكام كثيرة لا تجوز للمرأة، فلا يجوز للمرأة أن تؤذن، ولا يجوز للمرأة أن تخطب الجمعة، ولا يجوز للمرأة أن تكون ولي أمر للأمة؛ فإن الهدهد استنكر على الرجال أن تملكهم امرأة، قال عز وجل حاكياً عنه: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل:23]، فالهدهد يرفض هذا، وقال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34].
فأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء وقال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، وقال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) ولذلك انظر إلى حياته في بيته عليه الصلاة والسلام.
فيا أيتها الأخت الفاضلة! ما نسي النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصي بك في حجة الوداع، ومن ثم إن أردت عزة وإن أردت كرامة فلا تعبئي بهذه الشعارات التي صنعها لنا الأعداء، قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).
لذلك لويس التاسع لما أسروه في المنصورة أخذ يفكر في أمر الأمة فقال لقومه: لا قبل لنا مع المسلمين في مواجهة عسكرية، فالحرب دائماً النصر سيكون للإسلام فيها؛ لأنهم يقاتلون طلباً للنصر أو الشهادة، ونحن نحرص على الدنيا، لكن أعطوني كأساً وغانية وأنا أدمر لكم هذه الأمة.
إذاً: الحرب الآن ليست حرباً عسكرية، وإنما هي حرب أخلاقية، وحرب على الأخلاق، وحرب على القيم، وحرب على الثوابت الأخلاقية.
إكمال الله عز وجل الدين
وفي مزدلفة صلى المغرب والعشاء جمع تأخير بأذان وإقامتين، ثم نام بعد العشاء صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ لصلاة الفجر وصلى الفجر، وما انصرف من مزدلفة إلا بعد أن أسفر جداً، أي: بعد أن وضح النهار وقبل شروق الشمس، فالمبيت في مزدلفة واجب يهدر من كثير من الحجاج، وترك الواجب يجبر بفدية، وهي بدم، أو صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وبعد أن أسفر صلى الله عليه وسلم في مزدلفة توجه إلى منى فأخذ الحصيات السبع، ورمى جمرة العقبة قبل شروق الشمس في يوم النحر، ثم ذبح صلى الله عليه وسلم بيده الطاهرة ثلاثاً وستين بدنة وأعطى علياً تمام المائة.
وأريد أن تتأمل في النص؛ فقد ذبح ثلاثاً وستين ومات لثلاث وستين صلى الله عليه وسلم.
وبعد أن رمى صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة عاد إلى مكة وطاف طواف الإفاضة الذي هو ركن في الحج.
ثم بعد ذلك عاد إلى منى في أيام التشريق يرمي الجمرات، وكان آخر شيء أن ودع البيت بالطواف؛ لأنه قال: (اجعلوا آخر عهدكم بالبيت)، فطواف الوداع واجب على النحو الذي سنبينه إن شاء الله تعالى.
وبهذا تمت أعمال الحج، ووضح النبي صلى الله عليه وسلم للأمة النسك، ثم عاد بعد ذلك إلى المدينة، لا ليستريح، وإنما ليواصل رحلة الدعوة إلى الله عز وجل.
وشاء الله سبحانه أن يمكث أشهراً من حجته، ثم جاءه ملك الموت ليخيره بين لقاء ربه وبين الخلود في الدنيا، فخرج إلى أصحابه وهو يقول لهم: (إن عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار لقاء ربه، فقال
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم اكتب لنا حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً.
اللهم قدر لنا الصلاة في بيتك الحرام، اللهم قدر لنا الوقوف بعرفة.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.
اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك وموتة في مدينة نبيك.
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا.
اللهم إن أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا مبدلين يا رب العالمين.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم حرر الأقصى من الغاصبين وطهر الأقصى من نجس المشركين.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم أيد مجاهدي فلسطين بنصرك يا رب العالمين! اللهم اربط على قلوبهم، اللهم سدد رميهم، ووفق جمعهم، واجعل الدائرة على عدوهم.
اللهم زلزل اليهود، اللهم جمد الدم في عروقهم، اللهم أرنا فيهم آية؛ فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين! أنت ربنا ورب المستضعفين، إلى من تكلنا يا رب العالمين؟ أيد دينك بنصرك يا رب العالمين!
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
وقبل أن نسترسل في خطبة النبي عليه الصلاة والسلام، ونقف عند بنودها نبينها ونوضحها ونستنبط منها العبر والعظات، أقول: بعد أن تم إبلاغ الرسالة، وبناء مجتمع إسلامي في المدينة المباركة، استشعر الحبيب عليه الصلاة والسلام دنو أجله، ودليلنا ما يلي:
أولاً: أنه لما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن في السنة العاشرة من الهجرة، أي: قبل موته بعام صلى الله عليه وسلم أو بأشهر- قال له: (يا
ثانياً: كان جبريل يدارسه القرآن في كل سنة في رمضان مرة، وفي العام الذي مات فيه النبي عليه الصلاة والسلام دارسه القرآن مرتين.
ثالثاً: قال للناس وهو يؤدي المناسك: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) .
رابعاً: أنزل الله عليه بعد أن أتم خطبة عرفة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فسمع عمر الآيات، فأخذ يبكي، فتعجب الصحابة من بكاء عمر ، فقال: يا قوم! وهل بعد الكمال إلا النقصان؟ أي: أن الله رب العالمين يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ [المائدة:3]، فلا بد بعد الكمال من نقصان، وكان النقصان الذي توقعه عمر هو موت الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
خامساً: في أيام التشريق أنزل الله عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3]، فكان ابن عباس يقول: في هذه السورة نعي من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، واستنبط هذا المعنى من قول الله: وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]؛ لأن الاستغفار هو ختام كل شيء، فكأن الله عز وجل يأمر النبي عليه الصلاة والسلام في ختام حياته أن يختم حياته باستغفار الله.
وفي العام العاشر من الهجرة أذن في الناس: أن النبي صلى الله عليه وسلم حاج إلى بيت الله عز وجل، فجاء الناس من كل فج عميق، ليتأسوا بالحبيب عليه الصلاة والسلام، ويتعلموا منه المناسك، ويقفوا على آخر الأمور الشرعية العبادية؛ لأن الحج هو آخر ما فرض من العبادات، فقد فرض في العام (9هـ) على القول الراجح.
خرج النبي عليه الصلاة والسلام لأربع ليال بقين من ذي القعدة كما يرجح ذلك ابن حجر في الفتح، ثم ذهب إلى ذي الحليفة وبات فيها، وقبل صلاة الظهر اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم ولبس ملابس الإحرام، تقول عائشة : ووضعت المسك على رأس ولحية النبي صلى الله عليه وسلم ومفارقه، حتى إن رائحة المسك كانت تفوح من لحيته وشعره عليه الصلاة والسلام.
ثم صلى الظهر ولبى بعمرة وحج؛ لأن أرجح الأقوال أنه حج قارناً عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ساق الهدي من الحل إلى الحرم، ولذلك قال لأصحابه بعد أن أدى العمرة: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، فأمر من لم يسق الهدي بالتحلل عليه الصلاة والسلام، ثم أهل بعمرة وحج؛ لأنه حج قارناً، ودخل مكة بعد ليال ثمانية، أي: أنه قطع الطريق في ثمان ليال صلى الله عليه وسلم، وفي يوم أربعة من ذي الحجة دخل مكة -حتى نتعلم أنها رحلة جهاد- ثم دخل من باب بني شيبة إلى الحرم المكي، وطاف بالكعبة وسعى بين الصفا والمروة، ولم يتحلل؛ لأنه ساق الهدي، وأمر أصحابه أن يتحلل من لم يسق الهدي.
ثم ظل على إحرامه صلى الله عليه وسلم حتى جاء اليوم الثامن من ذي الحجة المعروف بيوم التروية، وذهب إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فصلى الرباعية قصراً دون جمع.
وفي فجر اليوم التاسع يوم عرفة -وهو خير يوم طلعت فيه الشمس- حين أشرقت الشمس ذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى عرفة، وأمر بخيمته فضربت بنمرة، ثم بعد الزوال قام يخطب في الناس عليه الصلاة والسلام، وكان مما قال عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا إن كل أمر من أمور الجاهلية تحت قدمي موضوع، ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع، وأول دم أضع دم
وقد اختلفت الروايات في خطبة الوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة، وخطب يوم النحر، وخطب في أيام التشريق، فمن الكتب من جمع بين الروايات وأتى برواية جامعة، لكننا سنقف مع عناصر خطبة الوداع للحبيب عليه الصلاة والسلام.
كان يستمع لرسول الله مائة وأربعة وعشرون ألفاً، وعمدتنا حديث جابر الذي انفرد به مسلم في وصف حجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يقول جابر : وقف عن يمينه وعن يساره ومن أمامه ومن خلفه بشر لا تصل العين إلى مداهم، فبعد جهد في الدعوة إلى الله، وبعد أن كان بمفرده مع نفر قليل قبل عشرين سنة بقليل، هذا الحشد الذي جاء يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم هو نتيجة جهد في الدعوة إلى الله، والإخلاص في الدعوة إلى الله، أراد الله عز وجل أن يرى الحبيب صلى الله عليه وسلم ثمرة ذلك الجهد قبل موته، فقام يقول للناس: (إن دماءكم..) ، فذكر أولاً: حرمة دم المسلم، كما قال في الحديث الآخر: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه).
ومقاصد الشريعة الإسلامية خمسة: حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض، وقد أحاط الإسلام هذه المقاصد بسياج، فكانت الحدود لحفظ النفس، كما قال عز وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179]، فمن قتل يقتل، وكان ابن عباس يقول وينفرد برأيه عن جمهور الصحابة: ليس لقاتل المسلم عمداً توبة، وطبعاً رأيه يخالف رأي جمهور الصحابة، ولكن قال ذلك لشدة الوعيد، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، ولا تجد في القرآن وعيداً أشد من هذا الوعيد، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93]، فهذا غضب ولعن في آية واحدة، ووعيد بالعذاب العظيم، فـابن عباس نظر إلى الآية وقال: ليس له توبة، لكن جمهور العلماء على أن له توبة، وابن عباس حاجه الصحابة بقول الله في سورة الفرقان: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70].
فأحاط الإسلام هذه المقاصد بالحدود، فكان لحفظ النفس القصاص، وكان لحفظ الدين حد الردة، قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، والمرتد يستتاب ثلاث مرات وإلا قتل ردة، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولحفظ العقل كان حد شرب الخمر أربعين جلدة، وعمر جعلها ثمانين: أربعين حداً وأربعين تعزيراً، ولحفظ المال كان حد السرقة، ولحفظ العرض كان حد الزنى وحد القذف، فجاءت الحدود لتحفظ مقاصد الشريعة، ولذلك يوم أن أهدرت الحدود عمت الفوضى، وساد البلاء، فلو أن حدود الله تطبق في مجتمعاتنا لتردد السارق ألف مرة قبل أن تمتد يده، ولوقف الزاني مع نفسه؛ لأنه يعلم أنه سيقف في ميدان عام ويجمع الناس لينظروا إليه وهو يجلد أو يرجم.
لذلك يقولون: الحدود زواجر وجوابر، والمقصود بكونها زواجر: أنها تزجر العاصي فيرتدع عن المعصية، والمقصود بكونها جوابر: أنها تطهره من دنس معصيته قبل لقاء الله عز وجل، فأين الحدود في مجتمع المسلمين؟ ومن الذي أهدرها؟ ولمصلحة من؟ ولحساب من؟ إنه لا يخشى من إقامة حد الزنى إلا الزاني، وأما إن كنت على الطريق المستقيم فلم تخشى من إقامة حدود الله في أرضه؟ فحدود الله في أرضه أمان وحفظ للمجتمعات، فلم تحرفون في دين الله؟ فالذي قال لكم: أَقِيمُوا الصَّلاةَ [الأنعام:72]، هو الذي قال لكم: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85]، أخبروني يا قوم! أليس هذا قرآناً؟! ثم بعد ذلك تجد من ينتسب إلى العلم زوراً وبهتاناً يحرف الكلم عن مواضعه، حتى يحافظ على مقعده وكرسيه.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم..)، وأول جريمة قتل وقعت على الأرض هي قتل ابن آدم أخاه.
يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)، فكل نفس تقتل ظلماً في صحيفة ابن آدم، فانظر إلى صحيفته كم امتلأت الآن بمقتولين ظلماً، ولذلك جاء في الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، لذلك كل أوزار المتبرجات في صحيفة قاسم أمين يوم يلقى ربه، لقد كانت المرأة محتشمة مختمرة منتقبة في مصرنا إلى فترة قريبة حتى جاء تحرير المرأة، ولا أدري ما المقصود بتحريرها؟ هل هو تحريرها من الخمار والحجاب والنقاب، وتحريرها من أن تتقي الله وتطيع ربها عز وجل، وتذهب إلى السفور والتبرج والإباحية والاختلاط؟ ماذا يريدون بتحرير المرأة؟
فالإسلام حرر المرأة، ورفع شأن المرأة، فقد كانت المرأة تقتل في الجاهلية، وكانت المرأة تورث كأنها عقار، وكانت تحرم من حقوقها، فجاء الإسلام ليقول للناس جميعاً: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ [النساء:7]، جاء الإسلام ليقول لهم: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9].
فالإسلام جاء بحرمة الدماء، ولذلك جاء في الأثر: (من ساعد على قتل مسلم ولو بشطر كلمة بعث يوم القيامة مكتوب على جبهته: آيس من رحمة الله)، فالقاتل يتحمل ذنوب المقتول كاملة، أي: أن كل سيئات المقتول يتحملها القاتل، ويأتي المقتول يوم القيامة فيتعلق بكتفي القاتل ويقول: يا رب! سله فيم قتلني، ولذلك اسمع إلى قول الله: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ [المائدة:27-30].
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي)، فانتهى ربا الجاهلية، لكنه عاد إلى واقع المجتمع الآن، فإن لم تكن فوائد البنوك ربا فما هو الربا إذاً؟! فاتق الله في دين الله يا من تحل ما حرم الله، ولا تخرق إجماع الأمة، وتختلف مع جبهة العلماء، وتنفرد برأيك لتحل ما حرم الله، فلمصلحة من؟ ولحساب من تبيع دينك بدنيا غيرك؟
فخرج الربا من تحت قدم رسول الله، وعاد إلى تعامل المسلمين في مجتمعاتهم، وفي بيعهم؛ فإن بعض أنواع البيوع الآن ربا، كبيع العينة، وهو: أن يأخذ سلعة ثم يبيعها لنفس التاجر بسعر أقل، أي: أنه يحتاج إلى مال فيوسط السلعة حيلة كما احتالت بنو إسرائيل، وهو يسمى بلغة التجار: الحرق، يقول لك: أعطني سلعة واحرقها، وهو ربا، بل عين الربا.
والربا قسمان: ربا الفضل، وربا النسيئة، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا، فـ(1000) جنيه من البنك تسددها (1200) جنيه بفائدة 13، أو 14، أو 17 بالمائة، إذاً فالفائدة محددة سلفاً وواضحة، فأي عاقل يقول: إن هذا ليس ربا؟!
ولذلك ساد الربا، ومن لم يأكل من الربا أصيب من غباره، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا إن كل ربا موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضع ربا
ومهما ادعت المجتمعات المعاصرة أنها في مدنية وتطور ورقي وثورة معلومات فأقول: إنها تعيش في عفن الجاهلية، فالتبرج تبرج الجاهلية، والحكم حكم الجاهلية، قال عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، فنحن في مجتمعات إسلامية، لكن فيها مظاهر جاهلية، لذلك تقديس الحجارة من مظاهر الجاهلية.
قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل أمر من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي) ، فيا من استقمت على شرع الله عز وجل! ضع أمور الجاهلية تحت قدمك، ولا يكفي أن تستقيم ظاهراً وتترك الباطن يغوص في عفن الجاهلية.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ثم أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء، فللمرأة حقوق قررها الشرع؛ فإن أرادت المرأة أن تضرب بأحكام الشرع عرض الحائط عادت تتخبط في الجاهلية الأولى.
فهناك دعوة للمساواة، ويضحكون على المرأة ويقولون لها: أنت كالرجل لا فرق بينكما، فإذا كان قاضياً فأنت قاضية، وإن أصبح عمدة لا بد أن تكوني عمدة، وإن كان حكماً لمباراة لابد أن تنزلي وتحكمي، وإن كان لاعباً في الملاكمة فاخلعي أنت أيضاً ولاكمي، وإنا لله وإن إليه راجعون.
وهذا أمر مضحك، فإن الذي خلق المرأة سبحانه وتعالى قال: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36]، فالمرأة لها طبيعة، ولذلك هناك أحكام شرعية كثيرة جداً تختلف فيها المرأة عن الرجل، في الميراث، وفي الشهادة، وفي العقيقة، وحتى في البول، فإذا بال الصبي على الثياب قبل أن يفطم ينضح، وإن بالت البنت يغسل؛ لحديث أم قيس عند البخاري : (جاءت
ولذلك أقول للمرأة المسلمة: أنت مستهدفة من أجل تدمير الأمة الإسلامية، فلا تستجيبي للمخططات، ولا تستجيبي للعلمانية العفنة التي تريد لك أن تخلعي النقاب، وأن تختلطي بالرجال، وأن تكوني رأساً برأس مع الرجل، بل كوني مع أوامر خالقك عز وجل، فكرامتك وعزتك في اتباع شرع الله سبحانه، فهناك أحكام كثيرة لا تجوز للمرأة، فلا يجوز للمرأة أن تؤذن، ولا يجوز للمرأة أن تخطب الجمعة، ولا يجوز للمرأة أن تكون ولي أمر للأمة؛ فإن الهدهد استنكر على الرجال أن تملكهم امرأة، قال عز وجل حاكياً عنه: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل:23]، فالهدهد يرفض هذا، وقال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34].
فأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء وقال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، وقال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) ولذلك انظر إلى حياته في بيته عليه الصلاة والسلام.
فيا أيتها الأخت الفاضلة! ما نسي النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصي بك في حجة الوداع، ومن ثم إن أردت عزة وإن أردت كرامة فلا تعبئي بهذه الشعارات التي صنعها لنا الأعداء، قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).
لذلك لويس التاسع لما أسروه في المنصورة أخذ يفكر في أمر الأمة فقال لقومه: لا قبل لنا مع المسلمين في مواجهة عسكرية، فالحرب دائماً النصر سيكون للإسلام فيها؛ لأنهم يقاتلون طلباً للنصر أو الشهادة، ونحن نحرص على الدنيا، لكن أعطوني كأساً وغانية وأنا أدمر لكم هذه الأمة.
إذاً: الحرب الآن ليست حرباً عسكرية، وإنما هي حرب أخلاقية، وحرب على الأخلاق، وحرب على القيم، وحرب على الثوابت الأخلاقية.
بعد أن ألقى النبي صلى الله عليه وسلم خطبته في عرفة أنزل الله عليه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، فأمر بلالاً أن يؤذن أذاناً واحداً للظهر والعصر ثم يقيم إقامتين، فصلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً، وبعد أن صلى الظهر والعصر وقف بعرفة في بطن الوادي يدعو الله عز وجل حتى غابت الشمس وتم غروبها، ولم يفض من عرفة إلا بعد غروبها، ثم بعد أن أتم الوقوف بعرفة أفاض إلى مزدلفة، قال عز وجل: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ [البقرة:198].
وفي مزدلفة صلى المغرب والعشاء جمع تأخير بأذان وإقامتين، ثم نام بعد العشاء صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ لصلاة الفجر وصلى الفجر، وما انصرف من مزدلفة إلا بعد أن أسفر جداً، أي: بعد أن وضح النهار وقبل شروق الشمس، فالمبيت في مزدلفة واجب يهدر من كثير من الحجاج، وترك الواجب يجبر بفدية، وهي بدم، أو صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وبعد أن أسفر صلى الله عليه وسلم في مزدلفة توجه إلى منى فأخذ الحصيات السبع، ورمى جمرة العقبة قبل شروق الشمس في يوم النحر، ثم ذبح صلى الله عليه وسلم بيده الطاهرة ثلاثاً وستين بدنة وأعطى علياً تمام المائة.
وأريد أن تتأمل في النص؛ فقد ذبح ثلاثاً وستين ومات لثلاث وستين صلى الله عليه وسلم.
وبعد أن رمى صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة عاد إلى مكة وطاف طواف الإفاضة الذي هو ركن في الحج.
ثم بعد ذلك عاد إلى منى في أيام التشريق يرمي الجمرات، وكان آخر شيء أن ودع البيت بالطواف؛ لأنه قال: (اجعلوا آخر عهدكم بالبيت)، فطواف الوداع واجب على النحو الذي سنبينه إن شاء الله تعالى.
وبهذا تمت أعمال الحج، ووضح النبي صلى الله عليه وسلم للأمة النسك، ثم عاد بعد ذلك إلى المدينة، لا ليستريح، وإنما ليواصل رحلة الدعوة إلى الله عز وجل.
وشاء الله سبحانه أن يمكث أشهراً من حجته، ثم جاءه ملك الموت ليخيره بين لقاء ربه وبين الخلود في الدنيا، فخرج إلى أصحابه وهو يقول لهم: (إن عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار لقاء ربه، فقال
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم اكتب لنا حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً.
اللهم قدر لنا الصلاة في بيتك الحرام، اللهم قدر لنا الوقوف بعرفة.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.
اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك وموتة في مدينة نبيك.
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا.
اللهم إن أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا مبدلين يا رب العالمين.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم حرر الأقصى من الغاصبين وطهر الأقصى من نجس المشركين.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم أيد مجاهدي فلسطين بنصرك يا رب العالمين! اللهم اربط على قلوبهم، اللهم سدد رميهم، ووفق جمعهم، واجعل الدائرة على عدوهم.
اللهم زلزل اليهود، اللهم جمد الدم في عروقهم، اللهم أرنا فيهم آية؛ فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين! أنت ربنا ورب المستضعفين، إلى من تكلنا يا رب العالمين؟ أيد دينك بنصرك يا رب العالمين!
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
التاريخ الأسود لليهود | 2410 استماع |
الوقت وحرص الصالحين عليه | 2397 استماع |
اللحوم المسمومة | 2350 استماع |
الرحلة في طلب العلم | 2338 استماع |
فاصبر صبراً جميلاً | 2276 استماع |
وثيقة حرمات لا حدود | 2259 استماع |
استكمال تفسير سورة الحاقة 2 | 2228 استماع |
وقفة مع سورة الإنسان | 2220 استماع |
إنا بلوناهم | 2101 استماع |
ذرني ومن يكذب بهذا الحديث | 2061 استماع |