أسماء الله الحسنى - السلام


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى جميع المرسلين.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين!

الاسم الثامن من أسماء ربنا الحسنى، هو (السلام), وهذا الاسم الحسن لم يرد في القرآن إلا مرة واحدة في خواتيم سورة الحشر، قال تعالى: هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ[الحشر:23].

وكلمة السلام والسلامة، معناها: البراءة والعافية؛ ولذلك الجنة تسمى: دار السلام, كما قال ربنا جل جلاله: لَهمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ[الأنعام:127]؛ لأن سكانها نسأل الله أن يجعلنا منهم! هم سالمون من جميع الآفات والأمراض والأوجاع, وكذلك حين يقول المسلم لأخيه المسلم: السلام عليكم, فكأنما يدعو له بالسلامة من الآفات والأوجاع كلها, ويؤمنه من شره وغائلته.

وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انفتل من صلاته بعدما يستغفر الله ثلاثاً يقول: ( اللهم أنت السلام, ومنك السلام, تباركت يا ذا الجلال والإكرام! )، وهذا هو الذكر المسنون.

وأكثر الناس يزيدون: اللهم أنت السلام, ومنك السلام, وإليك يرجع السلام, فحينا ربنا بالسلام, وأدخلنا الجنة دار السلام. ويجعله طويلاً.

والإنسان الموفق هو الذي يقتصر على ما ثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم أنت السلام، ومنك السلام, تباركت يا ذا الجلال والإكرام! ).

كل مسلم يؤمن بهذا الاسم الحسن من أسماء ربنا جل جلاله, وهذا الإيمان ينبغي أن تكون له آثار, فنحن نؤمن بأن الله عز وجل سالم من كل عيب, سالم من كل نقص, (لا ينام ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار, وعمل النهار قبل الليل) نؤمن بأن الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة, وإن تلك حسنة يضاعفها, وهو سالم من كل نقص جل جلاله, وهو المسلم على عباده وأوليائه في الجنة, كما قال: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهمْ أَجْرًا كَرِيمًا[الأحزاب:44].

وهو جل جلاله المسلم على أنبيائه ورسله, كما قال في سورة الصافات: سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ[الصافات:109]، وقال: سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ[الصافات:79]، وقال أيضاً: سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ[الصافات:120]، وقال أيضاً: سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ[الصافات:130], وكما قال سبحانه: قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى[النمل:59].

وقال عن نبيه عيسى عليه السلام متحدثاً بلسان نفسه: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا[مريم:33].

قال سفيان بن عيينة رحمه الله: أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن, حين يخرج من بطن أمه إلى عالم لم يعرفه, وحين ينزل به الموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم, ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم, فأكرم الله عز وجل يحيى عليه السلام فخصه بالسلام في تلك المواطن فقال سبحانه: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا[مريم:15], وعيسى قال عن نفسه: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا[مريم:33].

وهذه الكلمة -كلمة السلام- تقولها الملائكة للمؤمن عند الموت, كما قال الله عز وجل: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[النحل:32].

وللإيمان بهذا الاسم آثار منها: أن نفشيه فيما بيننا، قال صلى الله عليه وسلم: ( ألق السلام على من عرفت ومن لم تعرف ), وقال عليه الصلاة والسلام: ( أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلوا بالليل والناس نيام ), وهذه الكلمات هي أول ما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة.

قال الإمام النووي رحمه الله: وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام, وبذله للمسلمين كلهم على من عرفت ومن لم تعرف.

قال: والسلام أول أسباب التآلف, ومفتاح استجلاب المودة, وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض, وإظهار شعارهم المميز لهم عن غيرهم من أهل الملل, مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع, وإعظام حرمات المسلمين.

ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم (كان يسلم على الصبيان)، أي إذا مر بالصغار كان عليه الصلاة والسلام يسلم عليهم.

وعلمنا صلوات ربي وسلامه عليه إذا جلسنا في الصلاة قبل السلام أن يقول أحدنا: ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين, تكون بذلك سلمت على كل عبد صالح في السماء والأرض ).

ومن آثار الإيمان بهذا الاسم: أن تعتقد يقيناً أنك لو أردت السلامة في نفسك وفي أهلك، وفي بيتك وفي مجتمعك، فإن هذا السلام لا يتحقق إلا بالإيمان بالله عز وجل والأنس به, والالتزام بأحكامه وشرائعه ظاهراً وباطناً.

ثم السلامة التامة لا تكون إلا في الجنة, ففي الجنة بقاء بلا فناء, وغنى بلا فقر, وعز بلا ذل, وشباب بلا هرم, وصحة بلا سقم. الجنة ليس فيها شيء من الآفات ولا من العيوب, ولا من النقائص, قال الله عز وجل: وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[يونس:25].

ويتحقق السلام في أنفسنا بالدعاء, ندعو الله عز وجل بأن يسلمنا, فدائماً يدعو الإنسان بهذا الدعاء, ويطلب السلام من الله ويحقق الإيمان، كما قال الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[الأنعام:82].

ثم الإكثار من ذكر الله عز وجل في هذه الدار, دار الكد والتعب والنكد والنصب, فالإنسان يكثر من ذكر الله فيشعر بالسلامة؛ كما قال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[الرعد:28].

أسأل الله أن يجعلنا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذا الاسم (السلام) ما معناه في حق ربنا جل جلاله؟

قال ابن كثير رحمه الله: معناه السلامة من جميع العيوب والنقائص لكماله, في ذاته وصفاته وأفعاله, فهو جل جلاله موصوف بالسلامة من جميع النقائص, لا نقص في ذاته، ولا في صفاته, ولا في أفعاله.

وقال البيهقي رحمه الله: السلام هو الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل آفة. وهو نفس معنى كلام ابن كثير رحمه الله.

وقال ابن العربي المالكي رحمه الله: معناه ذو السلام, أي: المسلم على عباده في الجنة, كما قال سبحانه: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ[يس:58].

أيها الإخوة الكرام! الله جل جلاله سلام من كل وجه, فهو السلام من الصاحبة والولد, والأنداد, والمثيل, والكفء, والنظير والشريك, وكل صفة من صفاته سلام مما يضاد كمالها, فحياته سلام من الموت, سلام من السنة, سلام من النوم, وقيوميته سلام من التعب, سلام من اللغو, وعلمه سلام من النسيان, سلام من التذكر والتفكر, سلام من أن يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء, وكلماته سلام من الكذب والظلم, وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون أو شافع عنده بغير إذنه جل جلاله.