خطب ومحاضرات
تفريج الكربات
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فدرس اليوم سيكون في علم الأخلاق وفي تفريج الكربات، وقبل أن نبدأ أريد أن أضع بعض النقاط على ما أثير في الفضائيات بشأن خلق آدم عليه السلام.
تبدأ القصة بكتاب للدكتور عبد الصبور شاهين يسمى: (أبي آدم قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة)، والناشر: (الروافد الثقافية)، هذا الكتاب الذي ألفه الدكتور شاهين هو ما أعاد ذكره في القنوات الفضائية، وقد صنف الكتاب قبل خمس سنوات تقريباً أو تزيد، وطبع في عام 98م.
خلاصة هذا الكتاب تدور على فكرة واحدة وهي: أن آدم عليه السلام هو أبو الإنسان وليس أبو البشر، وفرق بين الإنسان والبشر، جنس البشر كما يقول: هو الجنس المخلوق من طين، وآدم آخر ذرية البشر، وله أب وأم من البشر، ثم بعد ذلك جاء آدم وجاء الإنسان من بعد آدم، فآدم هو أبو الإنسان؛ لأن البشر سابق على آدم، فآدم له أب وله أم من البشر!
إذاً: الكتاب من أوله إلى آخره يدندن حول معنى أن البشر سابق على الإنسان، وأن آدم هو أبو الإنسان وليس أبا البشر، وأن البشر انقرض وجاء آدم من ذرية البشر من أب وأم، فيقول: آدم له أب وله أم ولم يخلق من تراب.
وجاء على هذا بأدلة من الحفريات، وأجهض اللغة العربية كما يقول الدكتور المطعني في كتابه الذي بين يدي الآن؛ لأن هذا القول خرج به قائلة عن إجماع الأمة وأقوال السلف، وقال: إن اعتماد السلف على الإسرائيليات في قضية خلق آدم! وليس كل ما قاله السلف من الإسرائيليات كما قال الدكتور عبد العظيم المطعني في رده: (أبي آدم قصة الخليقة بين الخيال الجامح والتأويل المرفوض)، ويقصد بالخيال الجامح: أن الرجل اعتمد على خياله في فهم النصوص الشرعية.
وأول حديث استدل به الدكتور في مطلع مقدمة الكتاب حديث لا أصل له، يقول: إن الله عز وجل يقول: (كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني)، وهذا الحديث موضوع مكذوب، وكان من الأحرى أن يتحقق من الأحاديث التي يوردها في الكتاب قبل أن يذكر ما ذكر.
عموماً معي الآن ردود على هذا الخيال القائل: بأن آدم ليس أبا البشر، وإنما هو أبو الإنسان، وأنه خلق من أب وأم، حتى تجاوز الخطوط الحمراء، فقال: وقبر أبيه وأمه معروف أيضاً عند الناس، ولا أدري أين قبر أبيه وأين قبر أمه!
أيضاً رد عليه أحد علماء مكة وهو الأخ عبد الله بن حسين المرجان في كتاب (آدم أبو البشر)، وجاء بأدلة من السنة صحيحة ومن القرآن بينة في أن آدم خلق من تراب، وأنه ليس له أب ولا أم، وأن البشر المقصودون في القرآن هم الإنسان، ولا فرق بين تعبير الإنسان وتعبير البشر.
إنما كتاب الدكتور شاهين اعتمد على أشياء منها: أن كثيراً من المفسرين استقى قصة الخليقة من الإسرائيليات، فقال: ننحي هذه النصوص جانباً، وذهب يستنبط، حتى إن الدكتور المطعني أستاذ اللغة العربية الذي أبدع فيها قال: لقد انحرف عن قواعد اللغة انحرافاً تاماً؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ [ص:71]، فهنا كلام لغوي ألخصه، يقول الدكتور المطعني : أجمع علماء اللغة على أن اسم الفاعل (خالق) إذا نصب ما بعده أريد به المستقبل، وإذا رفع ما بعده أريد به الماضي، والآية هنا: (إني خالق بشراً) إذاً: (خالق) أريد بها سأخلق بشراً، قال: أجهض اللغة العربية وأجرم في حقها؛ لأنه بإجماع أهل اللغة إذا نصب ما بعد اسم الفاعل يشير إلى المستقبل، إذاً: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ يعني: إني سأخلق بشراً لم يخلق بعد، على اعتبار أن ما بعدها نصب ولم يرفع، وهو يعلم ذلك أستاذنا علم اليقين؛ لأنه أستاذ لغة عربية في دار العلوم، فكان ينبغي عليه الأمانة في العرض، وأن يقول: إن اللفظ نصب على اعتبار أن اسم الفاعل يعبر عن المستقبل.
ثم قال الله سبحانه: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ، فحدد أن الخلق سيبدأ من طين.
وسأقرأ بعض الردود سريعاً؛ لأن هذا العرض سيطول بنا إن أردنا أن نقف على الردود الشرعية في هذه القضية؛ لأن البعض لبس عليه الموضوع، ولا يلبس إلا على من كان مبتعداً عن القرآن الكريم؛ لأن القرآن الكريم جلى القضية.
والشيخ عبد الله بن حسين المرجان من مكة أعد هذا الرد في قصة خلق آدم فقال: إلى كل باحث عن الحقيقة، إلى كل ملتزم بالكتاب والسنة، إلى كل من استضاء بنور الإيمان، إلى من لم تغره أحافير ولا أساطير؛ لأنه استدل على قوله بالحفريات، لكن المسلم يعتمد على فهم الكتاب والسنة بالقرآن والسنة وليس بالحفريات، وانظروا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في مسلم : (خلق الجان من نار، وخلقت الملائكة من نور، وخلق آدم مما وصف لكم)، فهذا يقتضي أنه خلق من تراب، وربنا يقول في سورة آل عمران: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [آل عمران:59]، إذاً: المثلية هنا في الخلق، أي: أن عيسى خلق من أم بغير أب، وآدم خلق من غير أم ولا أب، فجاءت المثلية في هذا، وليست المثلية في أن عيسى عليه السلام له أم بغير أب كما يقول: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ .
وسأقرأ عليكم النصوص الشرعية في قضية الخلق، والتعبيرات التي جاء بها أستاذنا تدل على أنه لا يعبأ بكلام السلف، وهذا حقيقة؛ فليس كل ما قاله السلف من الإسرائيليات.
أول سورة تعرضت في القرآن للخلق سورة البقرة، قال الله فيها: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30]، إذاً: الأرض في هذه الحالة فارغة ليس عليها بشر ولا إنس، فالله عز وجل أخبر الملائكة أنه سيخلق على الأرض خليفة، يعني: جيل يخلف بعضه بعضاً، ثم جاءت الآيات في خلق آدم عليه السلام: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31]، إلى أن قال الله: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا [البقرة:35]، ومن قبلها: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة:34]، والنصوص النبوية تبين أن الله لما خلق آدم أمر الملائكة أن تسجد له، إذاً: لم يكن على الأرض بشر ولا إنس، إنما كما يقول الدكتور المطعني : إن جنس البشر هذا الذي يذكره الدكتور شاهين السابق على خلق الإنس كأنها مقدمة لخلق الإنس، أي: أن الله سبحانه وتعالى يجرب؟! حاشا لله عز وجل!
وهنا يقول في سورة آل عمران: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [آل عمران:59]، وفي سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1]، (خلق منها)، أي: من النفس، ففي هذا إشارة إلى أن حواء خلقت من آدم، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13]، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189]، وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:11-12]، نص واضح على أن آدم خلق من طين وليس له أب أو أم، وقال تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ [طه:55] أي: من الأرض، مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، فكلمة (منها) تشير إلى أن آدم خلق من طين الأرض وليس له أب أو أم، وقال الله في سورة الحجر: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:26]، فهنا ذكر الإنسان وليس البشر، وهو يقول: بأن البشر خلق من طين، أما آدم فخلق من أب وأم على اعتبار أنه أبو الإنسان وليس أبو البشر، إذاً: ماذا تقول في هذه الآية: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ ؟ والمقصود بالإنسان آدم، مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:26-28]، فعبر عن آدم بأنه بشر، فهو أبو البشرية لا أبو الإنسانية، فهذا خيال فاضح وتأويل مذموم، وهذا دخل على بعض السطحيين الذين لا علم لهم ممن لا يسمعون إلا الفضائيات، أفلا تسمع لمثل هذه الآيات الواضحات البينات؟
يقول ربنا عز وجل: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [الإسراء:61]، ويقول في سورة الكهف: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50]، وفي سورة طه: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه:115]، ثم قال الله سبحانه: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص:71-72]، الآيات واضحة بينة على أن آدم أبو البشر وليس أبو الإنسانية.
ثم إن خلق آدم غيب، ومصدرنا في معرفة الغيب الكتاب والسنة الصحيحة لا الحفريات ولا اللغة العربية، طالما أنه غيب نتعرف عليه من الكتاب والسنة، أي: أن : ابن كثير والطبري والسيوطي والزمخشري والرازي والقاسمي -رغم اختلافنا مع بعضهم في أمر الاعتقاد- وكل علماء التفسير قد خفي عليهم أن آدم هو أبو البشر! وجاء أستاذنا في عام 2004 ليكتشف أنهم أخطئوا، علماء الأمة ضاعوا ولم يستطيعوا، لابد أن يكون لكلامك سلف في الفهم، أما أن تأتي بقول ما فهمه أحد من الناس على الإطلاق من سلف الأمة، فهذا تأويل مرفوض.
يقول ربنا سبحانه وتعالى: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [ص:76] هذا قول إبليس في سورة ص: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص:76]، فالشيطان يعرف أن آدم خلق من تراب الأرض، ومن يجادل الشيطان في هذا القول؟!
هذه بعض الآيات التي وردت في قضية الخلق، ثم بعد ذلك جاء المصنف بالأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة؛ لأننا كما قال أستاذنا لا نعتمد على الإسرائيليات، فالإسرائيليات فيها موضوع، لكن فيها صحيح، والإسرائيليات هي ما ثبت عند أهل الكتاب في توراتهم وإنجيلهم، ومنه الصادق ومنه الكاذب، وهي عند علماء التفسير تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: ما وافق شرعنا، فهذا لا شبهة في قبوله.
ثانياً: ما عارض شرعنا، وهذا أيضاً لا شبهة في رده.
ثالثاً: ما سكت عنه عندنا، فلا نصدقه ولا نكذبه، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، فالتحديث عن أهل الكتاب لا حرج فيه طالما كان بالضوابط الشرعية، ولذلك لما أسلم من الصحابة من كان من أهل الكتاب أكثر من الحديث من الكتب السابقة من كتبه هو، فالصحابة كانوا يضبطون هذه المسائل بضوابط الشرع.
أقول: إن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي صحت عنه تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن آدم عليه السلام خلق من طين، ففي الحديث المرفوع عن عبد الله بن عمر : (يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة -إلى أن قال صلى الله عليه وسلم:- إن آدم يقول لذريته يوم القيامة: وهل أخرجكم من الجنة إلا أنا)، يعني: آدم يقال له في أرض المحشر: اشفع لنا عند ربك إما أن يدخلنا الجنة أو النار، فيقول: وهل أخرجكم منها إلا أنا ويشير إلى الجنة، وهذا معناه: أن آدم بعد خلقه أسكنه الله الجنة.
ختاماً: الموضوع طويل، لكن هذه الكتب التي ألفت في الموضوع، فالدكتور المطعني كتابه قيم والطابع مكتبة وهبة، ولعله نشر مع الباعة بعد أن صدر هذا الكتاب، أما الدكتور شاهين فقد أراد بعض أساتذة دار العلوم والأزهر أن يناظروه في هذه القضية، لكنه ما زال على رأيه إلى الآن، فالأولى به أن يعود إلى الكتاب والسنة، فهو يريد أن يقول: إن آدم ليس أبا البشر، ويريد أن يدعي بأننا اعتمدنا في قصة الخلق على الإسرائيليات، وأننا لا نفهم الكتاب والسنة فهماً صحيحاً، فهذا هو الفهم الصحيح لقضية خلق آدم!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).
والفرج هو الخلل بين الشيئين، وفاتحات الأصابع يقال لها: التفاريج.
أما ابن منظور فقد عرف تفريج الكربات بأنه: كشف الهم وإذهاب الغم ودفع الضرر. أخوك مهموم وأنت تفرج همه وتذهب غمه وترفع عنه هذا الضرر، والكربات جمع كربة، وهي تدل على الشدة والقسوة، والكرب هو الحزن والغم، لذلك قال ربنا عز وجل: قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام:64]، وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الأنبياء:76]، وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ [الصافات:75-76]، وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الصافات:114-115].
إذاً: تفريج كربات المسلمين: أنك ترى مسلماً في شدة وضيق وحزن وغم فتأخذ بيده فتفرج همه وتحل مشكلته، هذا هو الذي غاب عن مجتمع المسلمين، ولذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلق.
فعن عبد الله بن أبي قتادة : (أن أبا قتادة طلب غريماً له)، أي: رجلاً عليه دين لـأبي قتادة، فتوارى المدين من الدائن، (ثم وجده فقال له: إني معسر)، أي: أن المدين يقول لـأبي قتادة : إني معسر، فقال: (آلله!)، يعني: أستحلفك بالله أنك معسر، قال: (آلله، فقال أبو قتادة : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه.
فـأبو قتادة له دين على رجل، فقابل الرجل فهرب منه، فلما أمسك به قال له: إني معسر، وربنا يقول: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، فإمهال المعسر أمر مطلوب، فلما استحلفه أبو قتادة على أنه معسر، قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر)، ومعناه: كأن نَفَسَ المعسر محبوس بصاحب الدين، وإن يسر له وأمهله في السداد فكأنه أعطاه نفساً، (فلينفس عن معسر أو يضع عنه)، أي: يضع عنه الدين.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم). رواه البخاري ومسلم .
وعن طلحة بن عبيد الله : (أن عمر رضي الله عنه رآه كئيباً، فقال: ما لك يا أبا محمد لعله ساءتك امرأتك، قال: لا، وأثنى على أبيها أبو بكر خيراً، ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا فرج الله عنه كربته وأشرق لونه، فما منعني أن أسأله عنها إلا القدرة عليها حتى مات، قال عمر إني لأعلمها: هي قول العبد: لا إله إلا الله)، أي: (من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي ويقول: (أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يفرج كربات المحتاجين، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه جبريل في غار حراء وعاد إلى زوجته خديجة قالت له: والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل -الكل هو المعدم، والمعنى: أنك تعين المعدم- وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق. هذا خلق النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، كذلك أبو بكر -كما في البخاري - لما أراد أن يهاجر من مكة ويتركها قابله على مشارفها ابن الدغنة وهو رجل من المشركين، فقال: أين تذهب يا أبا بكر ؟ قال: أريد أن أترك مكة؛ لأنكم آذيتموني وضيقتم علي، قال: مثلك لا يخرج ولا يُخرج، أي: مثلك في أخلاقه لا يخرج بإرادته ولا يُخرج من بلاده، فعاد به إلى الكعبة ومسك بيده وقال للمشركين: إن أبا بكر في جواري، وكان العرب يعرفون للجوار حقه، فقبل المشركون جوار أبي بكر ، لكنهم اشترطوا على هذا الرجل المشرك أن يصلي أبو بكر في بيته وألا يرفع صوته بالقرآن؛ لأنه يفتن النساء والأولاد وبعض الرجال، فلما عاد الصديق إلى بيته في جوار هذا الرجل المشرك بدا له أن يبني مسجداً في فناء داره، والذي نسميه مسجد الصديق ، والبخاري يضع على هذا باباً في صحيحه، باب: من بنى مسجداً في فناء داره، فيجوز أن تبني مسجداً في فناء الدار، شريطة أن تجعل بابها على الشارع، يعني: الباب على الطريق، فبدا لـأبي بكر أن يبني مسجداً، فبنى مسجداً في فناء داره، وقام يصلي فيه، وكان أبو بكر إذا قرأ القرآن بكى، فلما قام يصلي اجتمع عليه النساء والصبية لينظروا إليه وهو يصلي ويقرأ القرآن ويبكي، حتى جاء في رواية: أنهم ازدحموا وكاد بعضهم أن يقتل بعضاً، زحام شديد على أبي بكر لرؤيته وهو في صلاته، فهال المشركون ذلك، فقالوا لـابن الدغنة : إن صاحبك سيفسد علينا أبناءنا ونساءنا، فمره أن يصلي في بيته، وإلا فليرد عليك جوارك حتى نقتص منه ونمنعه، فجاء الرجل إلى الصديق وقال له: دخلت في جواري بشرط أن تصلي في بيتك، أما الآن فأنت قد نقضت الشرط، فإما أن ترد علي جواري وإما أن تصلي في بيتك، فقال أبو بكر : رددت عليك جوارك، وقبلت جوار ربي عز وجل.
ووجه الشاهد في الحديث هو: قول الرجل المشرك لـأبي بكر : مثلك لا يخرج ولا يُخرج، لأنه مسلم في سلوكه، ليس سمتاً خارجياً فقط، المسلم سلوك، الناس تشهد له بحسن السلوك وبحسن الخلق: إنك تقري الضيف، تصل الرحم، تكسب المعدوم، تعين على نوائب الدهر، حينما ترى مكروهاً في الطريق لا تتركه، أما أن تتمثل قول القائل: إن جاءك الطوفان ضع ابنك تحت رجليك! وإذا نزلت إلى بلد يعبدون عجلاً فانزع من الأرض وابذل له! نسأل الله العافية! فهذا هو الذي يعلموه لأبنائنا الصغار، فلا يعلموهم تفريج الكربات، وأن يأخذ المسلم بيد أخيه، وأن يفرج كربه، وأن ينظر إلى حاله.
أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي إلى الحسن البصري يطلبه ليقتله، فقال الحسن البصري : لا إله إلا الله الكريم، سبحان الله، وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين، ولما جاء إلى الحجاج قال له: لقد أرسلت إليك وأنا أريد أن أقتلك، أما اليوم فلأنت أحب إلي من كذا وكذا! من صاحب القلوب؟!! لا إله إلا الله، إن هذا يعلمنا صدق التوكل على الله.
ويقص علينا ابن القيم في أحد كتبه قصة رجل بحراني سجن في زنزانة، وكانت الزنزانة كاملة العدد لا مكان له فيها لينام، فقال للمساجين: اقبلوني، فقالوا: لا مكان لك بيننا، إنك أتيت وعليك حكم سنوات، فقال: اقبلوني هذه الليلة وفي الليلة المقبلة سأترككم إن شاء الله، فبات الرجل ساجداً بين يدي الله، والناس نيام، وبعد أن صلى الفجر في زنزانته جاء السجان وفتح له الباب، وقال: يا بحراني اخرج فقد جاءك العفو من الأمير الآن، فوقف الرجل على باب السجن، يقول: أيها الناس! أطيعوا الله فإنه لا يضيعكم. إنه حسن التوكل على الله، وحسن الثقة في الله.
ويروي علينا ابن أبي الدنيا في كتاب اسمه مستجابوا الدعوة: أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان في تجارة له في صحراء، فخرج عليه لص في الصحراء، فقال الرجل للص: خذ المال واتركني، قال: حاجتي إلى دمك أكثر من حاجتي إلى مالك، قال: أما وقد عزمت على قتلي -انظروا إلى تفريج الكربات- فدعني أصلي لربي ركعتين، ولأن اللص لا يعلم قدر الصلاة ولا قدر الدعاء تركه، فسجد الرجل بين يدي ربه وقال وهو ساجد: يا ودود يا ودود، يا فعال لما تريد، يا ذا العرش المجيد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وبنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات والأرض، يا مغيث أغثني، يا مغيب أغثني، ولما انتهى من صلاته قام إلى اللص ينتظر أمر قتله، فجاء رجل ثالث يركب جواداً فنادى على اللص، ثم تقدم إليه وضرب عنقه، وهذا يستقيم مع النصوص الشرعية، فقال العبد التقي لهذا الرجل: من أنت؟ ومن الذي أرسلك؟ ومن أي البلاد جئت؟ قال: أنا ملك من السماء الرابعة، لما قلت: يا مغيث أغثني. قلت: يا رب! عبد مكروب فوكلني به.
وهذا ما حدث في قصة يونس عليه السلام، يقول ربنا في سورة الصافات: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [الصافات:139-140]، العبد الآبق هو الهارب من سيده: إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات:140-141]، أي: أنه ركب السفينة وخرج من قومه دون أن يأذن له ربه، ومعنى (ساهم): اقترعوا، (فكان من المدحضين) أي: من المغرقين.
سؤال فقهي: متى تجوز القرعة في الفقه؟ في أحوال: أولاً: في الأذان، وذلك لو لم يكن للمسجد مؤذن راتب وتساووا في حسن الصوت استهموا عليه.
ثانياً: المساهمة بين النساء عند الخروج إلى الجهاد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه عند الخروج إلى الغزو.
ثالثاً: الوقوف في الصف الأول.
رابعاً: عند تحرير العبيد: رجل عنده ستة من العبيد، وليس عنده إلا هم، وهم رأس ماله، وما يملك من الدنيا إلا هم، وقبل أن يموت أوصى بتحرير الستة، فهل هذا يجوز؟ لا يجوز؛ لأن الوصية لا تتجاوز الثلث، إذاً: اثنين من ستة، فإذا أعتق الستة فنعمل قرعة بين الستة، فقال الفقه: الاقتراع عند تحرير العبيد جميعاً وليس له إلا هم.
خامساً: رجل متزوج بامرأتين، وقال: طلقت امرأة من نسائي، وعزم على الطلاق وتلفظ به، لكنه لم يعين، قال بعض الفقهاء: نسهم بينهن؛ لأنه عزم على طلاق واحدة، لكنه لم يحدد.
كذلك كانت القرعة أيضاً في شريعة زكريا: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ [آل عمران:44]، لما ولدت مريم وأرادوا أن يكفلوها -الكفالة يعني: الضم- قام علماء بني إسرائيل ومعهم زكريا عليه السلام يقترعون عليها، مع العلم أنه أحق بكفالة مريم، فهو زوج خالتها، لكن بني إسرائيل أرادوا الجدل، فاتفقوا على أن يقيموا قرعة، كل يأتي بقلمه الذي يكتب به التوراة ويلقوه في البحر، فالقلم الذي يقف صاحبه يكفل مريم، والقلم الذي يسير في التيار لا حق لصاحبه في كفالة مريم، فجاءوا بأقلامهم ثم ألقوها في البحر، وكل الأقلام مضت إلا قلم زكريا وقف، يقول ربنا سبحانه: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44].
ثم يقول ربنا عز وجل: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات:142]، أي: ملام، فكان في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الحوت، فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144]، (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)؛ في حال الرخاء كان طائعاً عابداً مسبحاً، وهنا أنجاه الله عز وجل، يقول ربنا: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ [الصافات:145]، فهناك نبذه الحوت بأمر الله، فتارة يسند الفعل للحوت وتارة يسند الفعل إلى ذاته سبحانه وتعالى، كشأن ملك الموت، يقول ربنا: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ [السجدة:11]، وفي آية أخرى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42]، فنسبت الوفاة إلى الله عز وجل، قال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61]، فنسب الوفاة إلى الرسل الذين مع ملك الموت، فتارة ينسب الوفاة إلى نفسه سبحانه وتعالى، وتارة إلى ملك الموت، فهل هناك تعارض؟ لا، فالذي يقبض النفوس هو الله، والذي ينفذ الأمر هو ملك الموت، وله أعوان يساعدونه، وعلى هذا فليس معناه أن الآيات تتناقض، فقصار النظر يظنون إلى أن الآيات تتناقض ولا تناقض في كتاب الله، حتى سورة القلم يظنون أنها تتناقض مع سورة الصافات، يقول ربنا: وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القلم:48-50]، وفي سورة الصافات: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ [الصافات:145]، أي: نبذ بالعراء وهو سقيم، ونبذه الحوت مريضاً، لكنه مرضي عنه عند الله، فليس هناك تعارض.
يقول الله عز وجل: وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ [الصافات:146]، واليقطين هو: كل نبات ليس له ساق، مثل: البطيخ والشمام والقرع، ومعناه في الآية: أنه يزحف على وجهه، ولماذا أنبت الله عليه القرع؟ لأسباب عديدة:
أولاً: ورق القرع يمتد فيظله، ولا يصاب بشمس ولا أذى.
ثانياً: القرع من صفاته أنه يؤكل مطبوخاً ونيئاً.
ثالثاً: أن الحشرات لا تقف عليه.
رابعاً: أنه سريع الإنبات.
ولذلك خص الله القرع بالذكر لأسباب: وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات:146-147]، أي: بل يزيدون: فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:148].
ففي هذا تفريج الكرب، كما قال ربنا في سورة الأنبياء: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (دعوة أخي يونس ما دعا بها من مكروب إلا فرج الله كربه: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، يقول ربنا في سورة الأنبياء: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:87-88].
فإن كنت في غم فطريق ذهاب الغم والهم أن تثني على ربك عز وجل.
ختاماً: باب تفريج الكربات أمر مهم جداً في صفات المسلم لأخيه المسلم، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرج كربنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
حكم مؤخر الصداق ووقت أخذه
الجواب: مؤخر الصداق دين على الزوج، فإذا مات الزوج ينبغي أن يستقطع من التركة قبل توزيعها، فهو دين للزوجة يستحق بموت الزوج، أو بطلاق الزوجة، أو بمطالبتها، ويجوز للزوجة الآن وهي معك أن تطلب مؤخر الصداق؛ لأن هذا دين عليك يستحق عند المطالبة.
حكم الشبكة
الجواب: ينظر إليها على أنها جزء من المهر في واقع الناس فتكتب في القائمة، إذاً هي من المهر، فإن قدم الشبكة قبل عقد الزواج فهذه هدية، وإن قدمها مع العقد فهي مهر، فإن طلقها قبل البناء تنصف كما ينصف المهر، وإن طلقها بعد الخطوبة وقبل العقد فتعد الشبكة من الهدية، وأرجح الأقوال فيها أقوال المالكية: إن كان النكول من الزوج فلا حق له في الشبكة، وإن كان النكول من الزوجة فترد عليه.
حكم اعتبار قائمة الأثاث من المهر
الجواب: أيها الإخوة! بعض الإخوة يتشبث بآراء لا أدري من أين استقاها، الزواج في الإسلام الأصل فيه أن يدفع الرجل المهر للمرأة: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4]، وصداق المرأة إما أن يكون معجلاً، وإما أن يكون مؤخراً، وإما أن يكون جزء منه معجل وجزء مؤخر، فإذا تقدمت للزواج من فتاة فالمفروض أن أدفع لها مهراً، وأنا لا أدفع المهر إنما أشتري أثاثاً، ثم أتنازل عن ملكية الأثاث لها عن طريق القائمة، إذاً: القائمة الآن تحل بدلاً من المهر، قد يقول أحد: القائمة ليست في الدين، فهو لا يريد أن يدفع مهراً، ولا يكتب قائمة، بل يريد أن يأخذها بدون مقابل.
ثم إن دفع لابد أن يحدد، يقول لأبيها: أدفع مهراً أم أكتب قائمة؟ ومهرها على ما اتفق عليه، كأن يكون عشرون ألفاً أو خمسة عشر أو ثلاثون ألفاً، فإن أعطيته خمسة بقي عليك خمسة عشر، هذه غرفة نوم بخمسة عشر سأكتبها لك، إذاً: المهر هنا خمسة زائد خمسة عشر، إذاً: اعلم كم مهرك أولاً، أما أن يعطيهم مبلغاً يسيراً ثم يعتقد أنه المهر، فلا؛ لأنهم يعتقدون أن الشبكة جزء من المهر لا كل المهر، فإن أردت أن تحسم القضية فحدد المهر أولاً، ثم بعد ذلك إما أن تدفع نقداً، وإما أن يكون في هيئة أثاث.
ولا يأخذه في شرعنا ولي الزوجة، إنما تأخذ المهر الزوجة: وَآتُوا النِّسَاءَ [النساء:4]، في شرع موسى: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي [القصص:27]، ففي شرع موسى عليه السلام كان الصداق لولي الأمر، أما في شرعنا فالصداق للزوجة، وعليه فهنا أكتب في القائمة: استلمت أنا الموقع أدناه محمد أحمد إبراهيم قائمة المنقولات الخاصة بزوجتي عائشة محمد أحمد، والموضح بيانها كما يلي: صنف مسلسل، صنف قيمة، حجرة نوم... إلخ، وكل شيء في المواصفات بعشرة آلاف جنيه، ثانياً: سبعين جرام ذهب عيار واحد وعشرين، وهكذا يكون مجموع القائمة بثلاثين ألفاً، فهو مهرها، ولذا أنت لم تدفع شيئاً، وكل ما جئت به في القائمة، إذاً مهرها القائمة، فإذا طلقت فمن حقها أن تطالب بمهرها، أما إن كنت لا تريد أن تكتب قائمة فادفع، إن كان مهرها عشرة فتقول لها: هذه هي العشرة لا مؤخر ولا غيره.
ولو أنه دفع عشرة وكتب قائمة، إذاً مهرها العشرة زائد القائمة، إذاً أنت أقريت بهذا، أو قل له: مهر ابنتك عشرة، فهذه العشرة فلا داعي للقائمة، أما إذا أعطيته خمسة فتبقى خمسة تكتب في القائمة.
ألا تعلم أن الزوجة يحق لها أن تأخذ القائمة ولا حق لك وهي معك، أي: زوجاتنا الآن يمكن أن تأخذ القائمة وننام نحن على البلاط!
فمن الذي ينام على السرير؟ أنت، ومن الذي يستهلك؟ أنت، إذاً: قيمة القائمة تأخذها الزوجة، إنما أن يقول شخص: أحضر لها غرفة نوم وهي بخمسة عشر فلا، سوف أحضر لها غرفة نوم بخمسة وأضعها في الشرطة وأقول لها ها هي الغرفة، أو أضع ماء النار على الغرفة قبل أن تأخذها؛ لأن هناك أناساً أعوذ بالله: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21]، إن هناك إخوة يفجرون، يعاشر المرأة عشر سنوات ويريد أن يخرجها بلا شيء، أتريدين الطلاق؟ فتقول: نعم، اكتبي التنازل! وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ كيف تقبل هذا يا ظالم! أخذتها بكراً ورددتها ثيباً بأبناء، تريد أن تستمتع بها بدون مقابل؟ عشر سنوات استمتاع بامرأة بدون مقابل؟! بعض الناس ترى فيه العجب العجاب، تجد فيه انفصام في الشخصية، قل لها: حقك هذا وزيادة؛ لأنك الآن تريد أن تطلق، إن كانت ناشز معيبة أتت الفاحشة فهذه مسألة أخرى سنحقق فيها، إنما أنا أتكلم على الوضع العام؛ لأن الذي يحدث المشاكل هو عدم الاتفاق على الأسس الشرعية.
وقبل أن تدخل بها لابد من تحديد المهر، والتيسير أمر مطلوب: (أقلهن مهراً أكثرهن بركة)، (التمس ولو خاتماً من حديد)، ليس المهر عشرة وعشرين وثلاثين، المهر يمكن أن يكون قرآناً يحفظه الزوج، أو سروالاً، أو خاتماً، أو حذاء، وليس شرطاً أن يكون المهر كثيراً.
ثم ليعلم أن العفش قد تنازلت لك عن استعماله بمحض إرادتها، إذاً العفش بقيمته، غرفة النوم قد تكون أحضرتها سنة تسعين بخمسة عشرة، واليوم قد استعملت عشرين سنة، فهي تأخذ العفش حقها في الأعيان ليس في الأموال، لكن بما يرضي الله، لا تعطها حجرة رديئة فتقول: هذه مكان تلك.
وانتبه أيها الأخ الفاضل! لا تكتب في القائمة إلا ما جاء، من البداية لتكن رجلاً ثابتاً فحلاً لك رأي، أنا أكتب ما جاء وألتزم به، وأما أن أكتب ما لم يأت على اعتبار أنه إلزام فهذا تنازل من البداية.
وأولياء الأمور يفجرون، استدعوني قبل أسبوع في مشكلة كان ليلة البناء وغداً الدخلة، فأبو العروس كتب في القائمة: خمسة حبل بلاستك، دستتين مشابك غسيل! خمسة عشر ملعقة كوسة! ماذا الذي تكتبه يا أخي! اكتب ما زادت قيمة، أتكتب الأشياء التافهة؟! مشابك الغسيل تكتبها في القائمة على الرجل؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. هذا استفزاز، فيا عبد الله! اكتب الحجرات والذهب، أما الأشياء التي تقبل التلف والأشياء الميسورة فلا مشكلة، وتضحك أكثر عندما يكتب: واحد إيريال طبق طاشر! ويكتب الدش في القائمة! مصيبة ما بعدها مصيبة.
وانتبه أيضاً أن الأصل: أنه يعطيها المهر ويعد مسكن الزوجية على طاقته، حتى لو حصيرة ودولاب، إنما الآن نحن نلزم أبا الزوجة أن يأتي لها بما تحتاجه، والشرع أن تدفع المهر، وأن تعد بيت الزوجية على طاقتك، إنما الآن الذي عنده بنت يضع عليها، فيأتي العريس يقول له: كم ستضع؟! وهل هو ملزم أن يضع؟ هو سيعطيك ابنته فقط، وأنت على قدر الطاقة ادفع المهر وأثث البيت، فهذا هو الإسلام.
حكم كتابة الآيات على السيارات والمحلات التجارية
الجواب: لا أفهم، لكن هذا استهزاء بآيات الله، وقبل أسبوع رأيت سيارة تمشي ومكتوب وراءها: فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9]! وصاحب السيارة النقل هذا في سوق المواشي يركب فيها مواشي، فعندما يصعد الحيوان يضع رجله على الآية، هذا امتهان للقرآن، لا يكتب على الحوائط ولا على السيارات، بعض الناس يستهزئ بآيات الله ويتخذها هزواً، ولا يلذ ولا يطيب له إلا أن يكتب آية على المحل، فيكتب الترزي: وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [الإسراء:12]، والجزار: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:21]، ومحل للصور يكتب: ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ [الأعراف:11]! وكل شيء يستشهد له من القرآن، وهذا استهزاء وتعريض بآيات الله سبحانه وتعالى.
تقييم كتاب (الوجيز في أصول الفقه) للدكتور زيدان
الجواب: كتاب الشيخ عبد الكريم زيدان في أصول الفقه كتاب طيب، وهو الآن متاح في السوق، واسمه: الوجيز في أصول الفقه، وعبد الكريم زيدان أصله عراقي، وكتابه هذا ليس كتاباً مذهبياً، ومثله: كتاب الدكتور خلاف، إذ أنه كتاب حنفي، ومعظم المصنفات في أصول الفقه مصنفات أحناف فانتبه.
تغريم العامل لما يكسر أثناء عمله
الجواب: أنت تدفع لصاحبها العوض طالما انكسرت منك بقصد أو بغير قصد.
حكم من طلق زوجته ثم تزوجت غيره ثم تزوجها
الجواب: الرجل طلق، وبعد أن يطلق الطلاق الرجعي له أن يراجع المرأة في ثلاث حيضات، دون اختيار منها ولا إرادة أو موافقة، ولا تخرج من بيتها طالما أن الطلاق رجعي، فإن لم يراجعها في الثلاث حيضات فقد بانت منه، ولا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، فإن بانت منه وتزوجها غيره من الأزواج ثم طلقها، ثم عادت إلى الأول، هل ترجع بطلقتين أم بثلاث؟ خلاف بين العلماء، قالوا: ترجع بثلاث؛ لأنها ترجع بثلاث إن تزوجها بعد ثلاث، فمن باب أولى بعد الأولى ترجع بثلاث، وهذا رأي الجمهور، والله تعالى أعلم.
حكم إعمار المساجد من الزكاة
الجواب: لا يجوز، بناء المساجد من الصدقات وليس من الزكاة.
وجوب التحذير ممن يطعن في العلماء
الجواب: هذا جاهل فحذر الناس منه، وليس جاهلاً فحسب بل جاهل جهلاً مركباً، أتقارن ابن تيمية بـابن عربي ؟! هذا رجل لا يعرف الماء من اللبن.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، نسألك رضاك والجنة، نعوذ بك من سخطك والنار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
التاريخ الأسود لليهود | 2409 استماع |
الوقت وحرص الصالحين عليه | 2395 استماع |
اللحوم المسمومة | 2348 استماع |
الرحلة في طلب العلم | 2337 استماع |
فاصبر صبراً جميلاً | 2275 استماع |
وثيقة حرمات لا حدود | 2257 استماع |
استكمال تفسير سورة الحاقة 2 | 2226 استماع |
وقفة مع سورة الإنسان | 2219 استماع |
إنا بلوناهم | 2099 استماع |
ذرني ومن يكذب بهذا الحديث | 2059 استماع |