خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/975"> الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/975?sub=4846"> سلسلة المحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
خشية الله
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فإن من قيم الإيمان التي ينبغي أن يتحلى بها كل مؤمن: خشية الله سبحانه وتعالى، فهو أهل للخشية، ومن حقوقه على عباده أن يخافوه وأن لا يشركوا به شيئاً، وذلك مقتض لتمام معرفته، فمن عرف الله تعالى خافه، وقد بين الله سبحانه وتعالى سر هذه الخشية، فربطه بالعلم، فقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[فاطر:28] ، والمقصود بذلك معرفة الله، فمن كان أعرف بالله تعالى كان له أخشى.
ومن هنا قال أهل العلم: ما عصي الله إلا عن جهل به أو بشرعه، فالمعصية لا تكون إلا عن جهل:
إما عن جهل بالله تعالى، فتجعل الناس يتجاسرون على الله لجهلهم به، فيأمنون مكره سبحانه وتعالى، ويجهلون ما لديه من الأخذ الوبيل والأخذ السريع، فيكون ذلك سبباً لتجاسرهم على المعصية.
وإما لجهل بشرعه بأن لا يعرف الإنسان أن الشارع قد حرم هذا الأمر أو أوجبه، فيهون عليه ذلك الأمر لظنه أن الشارع لم يعلق به تكليفاً.
فلا بد إذاً من إحداث هذه الخشية لدى الإنسان، وهذه الخشية لها أمارات، فمن أماراتها:
من أمارات عدم الخشية من الله: غفلة العبد
أولاً: عدم الغفلة.
بأن يكون الإنسان منتبهاً لما يحيط به من الآيات، فالإنسان في هذه الحياة يحيط به كثير من الآيات البينات الدالة على قدرة الله ووحدانيته وتصريفه للكون:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
ومن آيات الله سبحانه وتعالى هذا الليل وهذا النهار، وهذه الأرواح، ومن آياته الموت والحياة، ومن آياته تصريف الريح، ومن آياته إنزال المطر، ومن آياته إنبات النبات، ومن آياته الأمراض وشفاؤها، ومن آياته الأرزاق وتقسيمها، كل ذلك من آيات الله البينات التي تدل على تمام تصرفه وقدرته وإرادته، وأنه المدبر لهذا الكون وحده، فمن جهل هذه الآيات أو لم ينتبه لها، ولم ينظر إلى ما يحيط به من عجائب هذا الكون كان من الذين لا يخافون الله سبحانه وتعالى ولا يخشونه حق خشيته.
وهذه الغفلة من صفات المنافقين، ويكتبها الله في قلوب من لا يرتضيهم من عباده، فيشغلهم بأمور الدنيا الفانية، فيبقون كالذي ينظر إلى قفاه وهو يصيح، فيتخبط في الظلام ولا يدري أن يضع قدمه، فكل متصف بالغفلة هو كالذي ينظر إلى الوراء وهو يظن أنه يسير إلى الإمام؛ لأنه لا يتدبر ما يحيط به، ولا ينتبه لما هو فيه، وهو في خطر داهم، وفي خطر عظيم، لما يواجهه من الغفلة عن الله سبحانه وتعالى وأوامره ونواهيه، وما من ساعة تمر ولا وقت ولو كان يسيراً، إلا ولله فيه خطاب يوجهه إلى عباده، فالغفلة عن هذا الخطاب، هي غفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى، واشتغال عنه بما دونه.
وكذلك من علامات الغفلة: عدم إتقان العبادة:
فالإنسان الذي لا يتقن العبادة إذا صلى لا يحضر في صلاته إلا لنشوة ضئيلة، ويأتيها بالتكاسل والتهاون، ولا يتقن طهارتها ولا أداءها، ولا ينتبه لما يقرأ فيها، ولا ينتبه لمعنى الركوع والانحناء، ولا معنى السجود بين يدي الله والتذلل، ولا لمعنى الدعاء، ولا لمعنى ما يقرؤه فيها من القرآن، كل هذا دليل على غفلته؛ ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه قال: (ولا يزال الله مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه، وقال: يا ابن آدم! إلام تلتفت، أنا خير مما التفت إليه؟)، لذلك فإن من علامات الغفلة أن يلتفت الإنسان في الصلاة، وأن يلتفت قلبه فيها أيضاً إلى أمور الدنيا، وأن يشتغل بأي شيء من المشاغل عن مناجاة الله عز وجل.
كذلك من علامات الغفلة: قسوة القلب وعدم الرحمة:
فالإنسان الذي لا يرحم لا يرحمه الله تعالى، وليس أهلاً للرحمة، ورحمة الله واسعة قد وسعت السماوات السبع والأرضين السبع، وقال فيها: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[الأعراف:156] ، ولكنّ كثيراً من الناس لا يستحقها، ولا تسعه رحمة الله بل هو مطرود عنها، نسأل الله السلامة والعافية؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لا يرَحم لا يُرحم)، فالذي لا يرحم ولا يجد في قلبه رقة، ولا إقبالاً على الخير؛ لا يمكن أن يكون أهلاً لرحمة الله سبحانه وتعالى، وهذا دليل على عدم خشيته لله.
من أمارات عدم الخشية من الله: عدم ازدياد الإنسان يقيناً
كذلك من أمارات عدم الخشية: عدم ازدياد الإنسان يقيناً:
فالإنسان الذي رباه أبواه على أصل الإيمان، ثم بقي كذلك لا يزداد إيمانه ولا يقينه ولا تزداد السكينة في قلبه، بل هو على ما تعود من العقيدة في صباه، وعلى ما عوده والداه بمجرد التلقين في صباه أن الله واحد، وأنه إليه ترجع الأمور، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رسول، وأن القرآن كلام الله، فعرف هذه الأمور بالتقليد في صباه، ولم يزدد بعد ذلك إيمانا ويقيناً، ولم يزدد من الله قرباً ولا فهماً عنه، هذا دليل على عدم خشيته لله، ولو كان ممن يخشى الله لزادته الخشية قرباً، فقد قال الله تعالى فيما رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة).
من أمارات عدم الخشية من الله: الإسراع إلى المعاصي
كذلك من علامات عدم الخشية، الإسراع إلى المعصية:
فالإنسان الذي يجد نفسه مطيعة لداعي الشهوة، ومقبلة على المعصية، ليس بينها وبينها حاجز ولا حجاب، بل كلما لاحت له بروق المعاصي وجد نفسه منقادة إليها منجذبة نحوها، فهذا دليل على عدم خشيته لله، ولو كان يخشى الله تعالى لخاف معصيته، وقد قال الشافعي رحمه الله:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا محال في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
فلذلك إذا كان الإنسان منساقاً وراء الشهوة، لا يجد حاجزاً في نفسه يحول بينه وبين المعصية، فهذا دليل على أنه لا يخاف الله تعالى.
من أمارات عدم الخشية من الله: ألا يزداد الإنسان علماً وتثبتاً
كذلك من علامات عدم الخشية أو نقصها، ألا يزداد الإنسان علماً، وأن لا يحرص على التثبت في الأمور وفي معرفة أحكامها:
فالإنسان المعرض عما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، يكون قد تعلم عندما كان صغيراً تحت كنف والديه، لكن بعد كبره وبلوغه، وبعد أن أصبح مسئول نفسه، لم يزدد علماً ولم يقبل على تعلم شيء، كان يدرس في أيام الصبا في الألواح، وكان والداه يعلمانه، فلما أصبح مسئولاً عن نفسه، انقطع عن تعلم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه بالكلية، وهذا دليل على عدم خشيته لله تعالى.
من أمارات عدم الخشية من الله: عدم الإحساس بلذة المناجاة لله سبحانه
كذلك من أمارات عدم الخشية، عدم إحساس الإنسان بلذة المناجاة والتقريب، وعدم أنسه بالله تعالى:
فالإنسان المحب لله خائف منه، يأنس به ويحب الاتصال به، ويأنس للخلوة إذا خلا بربه: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، يقبل على الله بخلواته، ويحمد الله هذا على هذا الوقت الذي انقطع فيه عن المخلوقين، وانفرد فيه لخدمة الخالق سبحانه وتعالى، فلا يجد وحشة في ذلك الانقطاع، وإذا انقطع عنه الناس جميعاً وهجروه كان ذلك نعمة لديه وإحساساً بالتقريب، فيقبل على الله سبحانه وتعالى بقلب سليم، ويجد لذة للتقرب والدعاء والذكر والشكر وحسن العبادة، ولا يمكن أن يجدها الإنسان ما دام منغمساً غارقاً في مخالطة الناس وأمور هذه الدنيا ومشاغلها؛ ولهذا يتمثل من يجد ذلك صادقاً بقول الشاعر:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
من أمارات عدم الخشية من الله: الكبر والعجب
وكذلك من علامات عدم الخشية: تصرف الإنسان بالكبرياء والبطر والعجب:
الإنسان الذي يخشى الله سبحانه وتعالى لا يكون في قلبه ذرة من عجب، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، فالكبر هو الذي أخرج إبليس من رحمة الله تعالى، وأوصله إلى لعنة الله عز وجل، ومن كان يخشى الله لا يمكن أن يستكبر ولا أن يعجب بنفسه، لعلمه بسرعة أخذ الله سبحانه وتعالى وعاجل مكره وعقوبته؛ ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى قص علينا قصة قارون الذي آتاه الله من أنواع المال والتمكين والجاه والسلطان ما آتاه؛ ولكنه كفر بنعمة الله، ولم يشكر هذه النعمة لله تعالى وقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي[القصص:78] ؛ قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ[القصص:78] ، وبيَّن الله تعالى عاقبته في هذه الحياة، فقال: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[القصص:81-82] .
ثم بين الله النتيجة الأخروية المترتبة على ذلك فقال: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[القصص:83] ، إذا رأينا الإنسان يتجاسر على الظلم، ويتجاسر على الطغيان، فهذا دليل على عدم خشيته؛ لأنه انشغل قلبه بما كبر في نفسه من أمور الدنيا من سلطانه أو جاهه أو ماله أو مكانته، فأدى ذلك به إلى هذا المستوى، وقد أخرج البخاري في الصحيح عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: (كنت أضرب غلاماً لي بالطريق، فسمعت صوتاً من ورائي يقول: اعلم أبا مسعود ، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، قلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله، قال: أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار).
لا بد أن يتذكر الإنسان -إذا تذكر قوته وبطشه وأراد أن يوقع بالآخرين- قوة أخذ الله سبحانه وتعالى وسريع عقوبته، وأنه إن استطاع أن يعذب إنساناً في الدنيا بضربه أو شتم أو كلام قبيح، فإنه لا يقدر على شيء من عذاب الآخرة، فالله تعالى هو الذي بيده عذاب الآخرة الذي لا انقطاع له، فهو الذي يستحق أن يخشى وحده.
أولاً: عدم الغفلة.
بأن يكون الإنسان منتبهاً لما يحيط به من الآيات، فالإنسان في هذه الحياة يحيط به كثير من الآيات البينات الدالة على قدرة الله ووحدانيته وتصريفه للكون:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
ومن آيات الله سبحانه وتعالى هذا الليل وهذا النهار، وهذه الأرواح، ومن آياته الموت والحياة، ومن آياته تصريف الريح، ومن آياته إنزال المطر، ومن آياته إنبات النبات، ومن آياته الأمراض وشفاؤها، ومن آياته الأرزاق وتقسيمها، كل ذلك من آيات الله البينات التي تدل على تمام تصرفه وقدرته وإرادته، وأنه المدبر لهذا الكون وحده، فمن جهل هذه الآيات أو لم ينتبه لها، ولم ينظر إلى ما يحيط به من عجائب هذا الكون كان من الذين لا يخافون الله سبحانه وتعالى ولا يخشونه حق خشيته.
وهذه الغفلة من صفات المنافقين، ويكتبها الله في قلوب من لا يرتضيهم من عباده، فيشغلهم بأمور الدنيا الفانية، فيبقون كالذي ينظر إلى قفاه وهو يصيح، فيتخبط في الظلام ولا يدري أن يضع قدمه، فكل متصف بالغفلة هو كالذي ينظر إلى الوراء وهو يظن أنه يسير إلى الإمام؛ لأنه لا يتدبر ما يحيط به، ولا ينتبه لما هو فيه، وهو في خطر داهم، وفي خطر عظيم، لما يواجهه من الغفلة عن الله سبحانه وتعالى وأوامره ونواهيه، وما من ساعة تمر ولا وقت ولو كان يسيراً، إلا ولله فيه خطاب يوجهه إلى عباده، فالغفلة عن هذا الخطاب، هي غفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى، واشتغال عنه بما دونه.
وكذلك من علامات الغفلة: عدم إتقان العبادة:
فالإنسان الذي لا يتقن العبادة إذا صلى لا يحضر في صلاته إلا لنشوة ضئيلة، ويأتيها بالتكاسل والتهاون، ولا يتقن طهارتها ولا أداءها، ولا ينتبه لما يقرأ فيها، ولا ينتبه لمعنى الركوع والانحناء، ولا معنى السجود بين يدي الله والتذلل، ولا لمعنى الدعاء، ولا لمعنى ما يقرؤه فيها من القرآن، كل هذا دليل على غفلته؛ ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه قال: (ولا يزال الله مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه، وقال: يا ابن آدم! إلام تلتفت، أنا خير مما التفت إليه؟)، لذلك فإن من علامات الغفلة أن يلتفت الإنسان في الصلاة، وأن يلتفت قلبه فيها أيضاً إلى أمور الدنيا، وأن يشتغل بأي شيء من المشاغل عن مناجاة الله عز وجل.
كذلك من علامات الغفلة: قسوة القلب وعدم الرحمة:
فالإنسان الذي لا يرحم لا يرحمه الله تعالى، وليس أهلاً للرحمة، ورحمة الله واسعة قد وسعت السماوات السبع والأرضين السبع، وقال فيها: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[الأعراف:156] ، ولكنّ كثيراً من الناس لا يستحقها، ولا تسعه رحمة الله بل هو مطرود عنها، نسأل الله السلامة والعافية؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لا يرَحم لا يُرحم)، فالذي لا يرحم ولا يجد في قلبه رقة، ولا إقبالاً على الخير؛ لا يمكن أن يكون أهلاً لرحمة الله سبحانه وتعالى، وهذا دليل على عدم خشيته لله.
كذلك من أمارات عدم الخشية: عدم ازدياد الإنسان يقيناً:
فالإنسان الذي رباه أبواه على أصل الإيمان، ثم بقي كذلك لا يزداد إيمانه ولا يقينه ولا تزداد السكينة في قلبه، بل هو على ما تعود من العقيدة في صباه، وعلى ما عوده والداه بمجرد التلقين في صباه أن الله واحد، وأنه إليه ترجع الأمور، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رسول، وأن القرآن كلام الله، فعرف هذه الأمور بالتقليد في صباه، ولم يزدد بعد ذلك إيمانا ويقيناً، ولم يزدد من الله قرباً ولا فهماً عنه، هذا دليل على عدم خشيته لله، ولو كان ممن يخشى الله لزادته الخشية قرباً، فقد قال الله تعالى فيما رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة).
كذلك من علامات عدم الخشية، الإسراع إلى المعصية:
فالإنسان الذي يجد نفسه مطيعة لداعي الشهوة، ومقبلة على المعصية، ليس بينها وبينها حاجز ولا حجاب، بل كلما لاحت له بروق المعاصي وجد نفسه منقادة إليها منجذبة نحوها، فهذا دليل على عدم خشيته لله، ولو كان يخشى الله تعالى لخاف معصيته، وقد قال الشافعي رحمه الله:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا محال في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
فلذلك إذا كان الإنسان منساقاً وراء الشهوة، لا يجد حاجزاً في نفسه يحول بينه وبين المعصية، فهذا دليل على أنه لا يخاف الله تعالى.
كذلك من علامات عدم الخشية أو نقصها، ألا يزداد الإنسان علماً، وأن لا يحرص على التثبت في الأمور وفي معرفة أحكامها:
فالإنسان المعرض عما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، يكون قد تعلم عندما كان صغيراً تحت كنف والديه، لكن بعد كبره وبلوغه، وبعد أن أصبح مسئول نفسه، لم يزدد علماً ولم يقبل على تعلم شيء، كان يدرس في أيام الصبا في الألواح، وكان والداه يعلمانه، فلما أصبح مسئولاً عن نفسه، انقطع عن تعلم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه بالكلية، وهذا دليل على عدم خشيته لله تعالى.
كذلك من أمارات عدم الخشية، عدم إحساس الإنسان بلذة المناجاة والتقريب، وعدم أنسه بالله تعالى:
فالإنسان المحب لله خائف منه، يأنس به ويحب الاتصال به، ويأنس للخلوة إذا خلا بربه: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، يقبل على الله بخلواته، ويحمد الله هذا على هذا الوقت الذي انقطع فيه عن المخلوقين، وانفرد فيه لخدمة الخالق سبحانه وتعالى، فلا يجد وحشة في ذلك الانقطاع، وإذا انقطع عنه الناس جميعاً وهجروه كان ذلك نعمة لديه وإحساساً بالتقريب، فيقبل على الله سبحانه وتعالى بقلب سليم، ويجد لذة للتقرب والدعاء والذكر والشكر وحسن العبادة، ولا يمكن أن يجدها الإنسان ما دام منغمساً غارقاً في مخالطة الناس وأمور هذه الدنيا ومشاغلها؛ ولهذا يتمثل من يجد ذلك صادقاً بقول الشاعر:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
وكذلك من علامات عدم الخشية: تصرف الإنسان بالكبرياء والبطر والعجب:
الإنسان الذي يخشى الله سبحانه وتعالى لا يكون في قلبه ذرة من عجب، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، فالكبر هو الذي أخرج إبليس من رحمة الله تعالى، وأوصله إلى لعنة الله عز وجل، ومن كان يخشى الله لا يمكن أن يستكبر ولا أن يعجب بنفسه، لعلمه بسرعة أخذ الله سبحانه وتعالى وعاجل مكره وعقوبته؛ ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى قص علينا قصة قارون الذي آتاه الله من أنواع المال والتمكين والجاه والسلطان ما آتاه؛ ولكنه كفر بنعمة الله، ولم يشكر هذه النعمة لله تعالى وقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي[القصص:78] ؛ قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ[القصص:78] ، وبيَّن الله تعالى عاقبته في هذه الحياة، فقال: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[القصص:81-82] .
ثم بين الله النتيجة الأخروية المترتبة على ذلك فقال: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[القصص:83] ، إذا رأينا الإنسان يتجاسر على الظلم، ويتجاسر على الطغيان، فهذا دليل على عدم خشيته؛ لأنه انشغل قلبه بما كبر في نفسه من أمور الدنيا من سلطانه أو جاهه أو ماله أو مكانته، فأدى ذلك به إلى هذا المستوى، وقد أخرج البخاري في الصحيح عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: (كنت أضرب غلاماً لي بالطريق، فسمعت صوتاً من ورائي يقول: اعلم أبا مسعود ، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، قلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله، قال: أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار).
لا بد أن يتذكر الإنسان -إذا تذكر قوته وبطشه وأراد أن يوقع بالآخرين- قوة أخذ الله سبحانه وتعالى وسريع عقوبته، وأنه إن استطاع أن يعذب إنساناً في الدنيا بضربه أو شتم أو كلام قبيح، فإنه لا يقدر على شيء من عذاب الآخرة، فالله تعالى هو الذي بيده عذاب الآخرة الذي لا انقطاع له، فهو الذي يستحق أن يخشى وحده.