شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب الأذان - حديث 190


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

في هذه الليلة ليلة الأربعاء الثاني عشر من شهر رجب لعام (1410) للهجرة ينعقد هذا المجلس وهو الثاني والسبعون من مجالس شرح بلوغ المرام، بعد انقطاع بمناسبة الامتحانات ثم إجازة الربيع.

ونسأل الله تعالى أن يكون عودنا حميداً وأن يسددنا في أقوالنا وأعمالنا إنه على كل شيء قدير.

وموضوع هذه الحلقة هو باب الأذان، فسأبدأ بمقدمة تتعلق بالأذان وما يتعلق به، ثم أنتقل إلى شرح الحديث الأول وهو حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأذان ].

تعريف الأذان لغة

الأذان في اللغة مشتق من (الأذن) بفتح الهمزة والذال، والأذن -كما يقول ابن فارس في معجم المقاييس - يدل أو يرجع إلى أصلين:

أولهما: العلم، الأذن يطلق بمعنى العلم، تقول: أذنت بالشيء علمت به، وتأذن أي: أعلم، كما في قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7] أي: أعلم خلقه بذلك.

ومنه: آذن أي: أعلم، كما في قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ [الأنبياء:109] أي: أعلمتكم بهذا الأمر حتى صرت وإياكم في العلم سواء فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ [الأنبياء:109].

ومنه قوله تعالى في آية الربا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] قرئت بالوجهين: (فأذنوا) وقرئت بالمد (فآذنوا)، فأما على الوجه الأول (فأذنوا) فالمعنى: اعلموا وتبلغوا، وأما على الوجه الثاني (فآذنوا بحرب من الله ورسوله) فالمعنى أعلموا، يعني: أعلموا من أصر على تعاطي الربا وأكله والمتاجرة به، ومنه قوله تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ [التوبة:3] أي: إعلام منه تعالى لهم بهذا الحكم، وهو أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:3].

ومنْه أيضاً قوله تعالى: قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ [فصلت:47] أي: أعلمناك.

ويجوز أن يكون منه قوله في سورة يوسف: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [يوسف:70] أي: أعلم معلم ونادى مناد.

فالمعنى الأول للفظ الأذن هو: العلم.

والمعنى الثاني للفظ الأذن هو: السمع، تقول: أذن فلان لهذا الشيء يعنى: استمع له وأنصت، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أذن الله لشيء أذنه لنبي يتغنى بالقرآن ), ( ما أذن الله لشيء أذنه لنبي ) في رواية ( حسن الصوت يتغنى بالقرآن ).

قال أبو عبيد معنى (ما أذن) أي: ما استمع. ما استمع لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن.

وبالنسبة للفظ الأذان الشرعي المعروف -وهو النداء- يجوز أن يكون مشتقاً من المعنى الأول، ويجوز أن يكون مشتقاً من المعنى الثاني؛ لأن المعنيين متقاربان؛ وذلك -أي: تقاربهما- لأن السمع مصدر للعلم بجميع المسموعات، ولذلك فبين المعنيين تقارب شديد، فيجوز أن يكون الأذان المعروف مشتقاً من العلم؛ لأن الأذان -كما هو معروف- إعلام بالصلاة، فيكون قولنا: الأذان، أي: الإعلام بالصلاة، وهذا ما اختاره ابن فارس وجمع من أئمة اللغة.

ويجوز أن يكون الأذان المعروف مشتقاً من المعنى الثاني وهو السمع؛ وذلك لأنه يسمع الناس، وهذا ما رجحه جماعة من الفقهاء والمحدثين كـابن حجر والنووي وغيرهما.

وكما أسلفت فالمعنيان متقاربان، ولذلك لا يضير الأمر وليس فيه كبير فرق.

تعريف الأذان اصطلاحاً

فيما يتعلق بالمعنى الاصطلاحي للأذان فأكثر الفقهاء يعرفون الأذان بأنه: إعلام بدخول وقت الصلاة على وجه مخصوص.

ويقصدون بالوجه المخصوص الألفاظ التي وردت في الأذان، أي: أنه لا يجوز الإعلام العام بدخول وقت الصلاة إلا بالألفاظ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن يشكل على هذا التعريف بعض المسائل, يشكل عليه -مثلاً- كون الأذان أحياناً يكون بعد دخول الوقت بزمن، فليس الأذان مرتبطاً بدخول الوقت بل هو مرتبط بالصلاة، فقد يؤذن مؤذن بعدما يمضي من الوقت جزء قل أو كثر، بل قد لا يؤذن مؤذن إلا بعد خروج الوقت المعتاد، وذلك كما إذا كان يؤذن لصلاة فائتة.

والصحيح الذي عليه الجمهور -بما في ذلك الأئمة الأربعة في المشهور عنهم- أن الصلاة الفائتة يؤذن لها، فإذا قلنا: إن وقتها خرج فمعناه أن الأذان كان للصلاة لا للوقت، وإن كان يحتمل أن نقول: إن الوقت الذي أوقعنا فيه الصلاة الفائتة هو وقتها ما دام أنه معذور في تفويتها؛ لحديث: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك )، وفي لفظ: ( فإن ذلك وقتها ) وقد سبق مَعَنا هذا.

كما أن الأذان -خاصة أذان الفجر الأول- يقع قبل الوقت كما هو معروف ( لينبه نائمكم ويرجع قائمكم ), فأذان الفجر الأول يقع قبل الوقت، ومع ذلك هو أذان شرعي.

ولذلك فلو قلنا في تعريف الأذان: إنه الدعاء أو النداء إلى الصلاة بصفة مخصوصة لكان هذا التعريف سالماً من الاعتراضات.

هذا ومما ينبغي فهمه جيداً أن الأذان لا يكون إلا بعد دخول الوقت، هذا هو الأصل في الأذان، فهذه قضية مفروغ منها ومسلمة، أنه لا يجوز أن يؤذن المؤذن إلا إذا دخل وقت الصلاة.

إنما في مجال التعريفات يراعى دائماً الدقة، كما يقول أهل المنطق: إن التعريف لابد أن يكون جامعاً مانعاً, فيراعى فيه الدقة الكاملة، ولهذا اخترت التعريف الثاني: (النداء إلى الصلاة بصفة مخصوصة) حتى يدخل فيه أذان الفجر الأول مثلاً، ويدخل فيه النداء للفائتة، ويدخل فيه الأذان الأول لصلاة الجمعة أيضاً وهو قبل الوقت وما أشبه ذلك.

الأذان في اللغة مشتق من (الأذن) بفتح الهمزة والذال، والأذن -كما يقول ابن فارس في معجم المقاييس - يدل أو يرجع إلى أصلين:

أولهما: العلم، الأذن يطلق بمعنى العلم، تقول: أذنت بالشيء علمت به، وتأذن أي: أعلم، كما في قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7] أي: أعلم خلقه بذلك.

ومنه: آذن أي: أعلم، كما في قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ [الأنبياء:109] أي: أعلمتكم بهذا الأمر حتى صرت وإياكم في العلم سواء فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ [الأنبياء:109].

ومنه قوله تعالى في آية الربا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] قرئت بالوجهين: (فأذنوا) وقرئت بالمد (فآذنوا)، فأما على الوجه الأول (فأذنوا) فالمعنى: اعلموا وتبلغوا، وأما على الوجه الثاني (فآذنوا بحرب من الله ورسوله) فالمعنى أعلموا، يعني: أعلموا من أصر على تعاطي الربا وأكله والمتاجرة به، ومنه قوله تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ [التوبة:3] أي: إعلام منه تعالى لهم بهذا الحكم، وهو أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:3].

ومنْه أيضاً قوله تعالى: قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ [فصلت:47] أي: أعلمناك.

ويجوز أن يكون منه قوله في سورة يوسف: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [يوسف:70] أي: أعلم معلم ونادى مناد.

فالمعنى الأول للفظ الأذن هو: العلم.

والمعنى الثاني للفظ الأذن هو: السمع، تقول: أذن فلان لهذا الشيء يعنى: استمع له وأنصت، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أذن الله لشيء أذنه لنبي يتغنى بالقرآن ), ( ما أذن الله لشيء أذنه لنبي ) في رواية ( حسن الصوت يتغنى بالقرآن ).

قال أبو عبيد معنى (ما أذن) أي: ما استمع. ما استمع لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن.

وبالنسبة للفظ الأذان الشرعي المعروف -وهو النداء- يجوز أن يكون مشتقاً من المعنى الأول، ويجوز أن يكون مشتقاً من المعنى الثاني؛ لأن المعنيين متقاربان؛ وذلك -أي: تقاربهما- لأن السمع مصدر للعلم بجميع المسموعات، ولذلك فبين المعنيين تقارب شديد، فيجوز أن يكون الأذان المعروف مشتقاً من العلم؛ لأن الأذان -كما هو معروف- إعلام بالصلاة، فيكون قولنا: الأذان، أي: الإعلام بالصلاة، وهذا ما اختاره ابن فارس وجمع من أئمة اللغة.

ويجوز أن يكون الأذان المعروف مشتقاً من المعنى الثاني وهو السمع؛ وذلك لأنه يسمع الناس، وهذا ما رجحه جماعة من الفقهاء والمحدثين كـابن حجر والنووي وغيرهما.

وكما أسلفت فالمعنيان متقاربان، ولذلك لا يضير الأمر وليس فيه كبير فرق.

فيما يتعلق بالمعنى الاصطلاحي للأذان فأكثر الفقهاء يعرفون الأذان بأنه: إعلام بدخول وقت الصلاة على وجه مخصوص.

ويقصدون بالوجه المخصوص الألفاظ التي وردت في الأذان، أي: أنه لا يجوز الإعلام العام بدخول وقت الصلاة إلا بالألفاظ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن يشكل على هذا التعريف بعض المسائل, يشكل عليه -مثلاً- كون الأذان أحياناً يكون بعد دخول الوقت بزمن، فليس الأذان مرتبطاً بدخول الوقت بل هو مرتبط بالصلاة، فقد يؤذن مؤذن بعدما يمضي من الوقت جزء قل أو كثر، بل قد لا يؤذن مؤذن إلا بعد خروج الوقت المعتاد، وذلك كما إذا كان يؤذن لصلاة فائتة.

والصحيح الذي عليه الجمهور -بما في ذلك الأئمة الأربعة في المشهور عنهم- أن الصلاة الفائتة يؤذن لها، فإذا قلنا: إن وقتها خرج فمعناه أن الأذان كان للصلاة لا للوقت، وإن كان يحتمل أن نقول: إن الوقت الذي أوقعنا فيه الصلاة الفائتة هو وقتها ما دام أنه معذور في تفويتها؛ لحديث: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك )، وفي لفظ: ( فإن ذلك وقتها ) وقد سبق مَعَنا هذا.

كما أن الأذان -خاصة أذان الفجر الأول- يقع قبل الوقت كما هو معروف ( لينبه نائمكم ويرجع قائمكم ), فأذان الفجر الأول يقع قبل الوقت، ومع ذلك هو أذان شرعي.

ولذلك فلو قلنا في تعريف الأذان: إنه الدعاء أو النداء إلى الصلاة بصفة مخصوصة لكان هذا التعريف سالماً من الاعتراضات.

هذا ومما ينبغي فهمه جيداً أن الأذان لا يكون إلا بعد دخول الوقت، هذا هو الأصل في الأذان، فهذه قضية مفروغ منها ومسلمة، أنه لا يجوز أن يؤذن المؤذن إلا إذا دخل وقت الصلاة.

إنما في مجال التعريفات يراعى دائماً الدقة، كما يقول أهل المنطق: إن التعريف لابد أن يكون جامعاً مانعاً, فيراعى فيه الدقة الكاملة، ولهذا اخترت التعريف الثاني: (النداء إلى الصلاة بصفة مخصوصة) حتى يدخل فيه أذان الفجر الأول مثلاً، ويدخل فيه النداء للفائتة، ويدخل فيه الأذان الأول لصلاة الجمعة أيضاً وهو قبل الوقت وما أشبه ذلك.

أما بالنسبة للإقامة فهي مشتقة من (أقام)، والأصل من القاف والواو والميم: قوم، وهي أيضاً تطلق على معنيين:

المعنى الأول هو: المداومة، والمعنى الثاني هو: المكث والبقاء.

ومعنى الإقامة مأخوذ من قول المؤذن: قد قامت الصلاة، وكأن المعنى: قد حضرت الصلاة وجاء وقتها، معنى: (قد قامت الصلاة) كأنه ضمن معنى: قد حضرت الصلاة فقوموا إليها.

وتسمى الإقامة أذاناً أيضاً، إما على سبيل التغليب حيث يسمى الأذان والإقامة أذانين كما نقول بالنسبة لـأبي بكر وعمر نسميهما العمرين من باب التغليب، وكما يقال: الأسودان ويقصد بهما التمر والماء، مع أن الماء ليس له لون..

هذا يوقعنا في مشكلة ما لون الماء، لكننا متفقون على أنه ليس بأسود, فهذا يحتمل أن يكون على سبيل التغليب.

ويحتمل أن تكون تسمية الإقامة أذاناً على سبيل الحقيقة، وهذا أقرب، بمعنى أنه يمكن أن نسمي الإقامة أذاناً ولو لم يكن الأذان معها، بمعنى: لو قلنا: إنه على سبيل التغليب لا نسمي الإقامة أذاناً، إنما نقول: الأذانين، أي: الأذان والإقامة، وإذا كانت الإقامة منفردة نسميها إقامة فقط ولا نقول: أذان، إنما إذا قلنا: إن الإقامة حقيقة هي أذان جاز لنا أن نسميها أذاناً، فإذا جاء الإمام -مثلاً- ودخل وأراد أن يقيم الصلاة، قال للمؤذن: أذن بالصلاة، يعني: أقم، باعتبار أن لفظ الأذان يطلق على الإقامة حقيقة وليس على سبيل التغليب كما ذكره الخطابي وغيره .

وقد ورد في الحديث الصحيح المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، قال في الثالثة: لمن شاء )، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين) أي: بين كل أذان وإقامة.

أدلة مشروعية الأذان من القرآن الكريم

الأصل في مشروعية الأذان والإقامة الكتاب والسنة والإجماع.

فأما الكتاب فقد ورد ذكر الأذان في موضعين من القران الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ [الجمعة:9] هذا الموضع الثاني إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] والموضع الآخر وهو الأول: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:58] هذه في سورة المائدة.

فهاتان الآيتان نص على التأذين والنداء للصلاة، فهما أصل في مشروعية الأذان.

وقد ورد في سبب نزول الآية الأولى -آية سورة المائدة- كما ذكر بعض أهل التفسير: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالأذان المعروف جاءه اليهود وقالوا: ( يا محمد! إنك قد ابتدعت أمراً لم يفعله الأنبياء من قبلك )، فنزل قول الله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:58].

أدلة مشروعية الأذان من السنة

وأما السنة فقد ورد ذكر التأذين والأمر به في أحاديث كثيرة جداً، أذكر منها على سبيل المثال ما رواه السبعة من حديث مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم )، وهذا فيه أمر بالأذان: (فليؤذن).

ومثله حديث أبي قلابة وهو في الصحيح أيضاً، ومثله حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه في قصة رؤيا الأذان وهو الحديث الأول في هذا الباب، وإن شاء الله تعالى نبدأ بشرحه بعد نهاية هذه المقدمة.

ومن النصوص الواردة أيضاً في السنة في موضوع التأذين حديث أبي الدرداء الذي رواه أحمد وأصحاب السنن، وقال عنه ابن حبان : إسناده صحيح، حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )، والشاهد من هذا الحديث قوله: (لا يؤذنون)، ضع تحت كلمة (لا يؤذنون) خطاً، لماذا؟

لأن هذه الكلمة ليست موجودة -فيما أعلم- في السنن، إنما هي في مسند الإمام أحمد، وأكثر الروايات: ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة ) بدون ذكر التأذين، وإن كان التأذين من لوازم إقامة الصلاة، ولذلك حكم بعض الباحثين بأن هذه اللفظة -لفظة: (لا يؤذنون)- شاذة ولا تثبت في هذا الحديث .

والحديث على كل حال كما ذكرت لكم أن ابن حبان قال: إسناده صحيح.

وأيضاً مما يدل على الأذان في السنة النبوية مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الأذان، فمنذ أن شرع الله تبارك وتعالى الأذان في السنة الأولى من الهجرة -كما سيأتي- إلى أن قبض سبحانه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم والنبي عليه السلام وأصحابه محافظون على الأذان محافظة تامة، حتى إنه لا يكاد يثبت أنهم أخلوا به مرة واحدة في حضر ولا سفر، في أمن ولا حرب.

ومثل هذه المحافظة تدل دلالة قاطعة على مشروعية الأذان؛ لأن مثل هذه الشعائر الظاهرة مما يتواتر نقلها ويتعالم ويتسامع الناس بها، فينقلها الكافة عن الكافة نقلاً مستفيضاً، بل متواتراً يستحيل معه الكذب.

وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر أن الأذان علامة للإسلام وشعار للإيمان، فكان إذا بعث سراياه يأمرهم أن ينتظروا، ألا يغيروا ليلاً بل ينتظروا، فإذا سمعوا أذاناً كفوا وإلا أغاروا، فدل على أن من الفوارق بين القرية المسلمة والقرية الكافرة، والدولة المسلمة والدولة الكافرة، والأمة المسلمة والأمة الكافرة: أن الأمة المسلمة والقرية المسلمة والدولة المسلمة ترفع الأذان، وينادى فيها للصلاة وتقام فيها شعائر الدين، وهذا ليس مطرداً على طول الطريق، فقد ينادى للصلاة في بعض البلاد الكافرة، وعلى سبيل المثال في أمريكا في واشنطن يؤذنون للصلاة في المركز الإسلامي، لكن لا يؤذنون في الليل، يؤذنون في الصلوات النهارية في الظهر والعصر والمغرب، أما العشاء والفجر فلا يؤذنون؛ لأنهم يقولون: نزعج الحي المجاور للمسجد، إنما رفع الأذان من شعائر الإسلام ومن علامات الإيمان، فإذا حافظ قوم على رفعه دل على أنهم -إن شاء الله- مؤمنون، هذا هو الأصل، إلا إذا ظهر خلاف ذلك فهذا أمر آخر.

إذاً: فالسنة النبوية مليئة بالأخبار والآثار والأدلة على مشروعية الأذان.

الإجماع على مشروعية الأذان

أما الإجماع فكيف نقول في الإجماع؟

أقول -وأرجو أن تتنبهوا لهذه الكلمة لئلا يقع فيها خلط-: إن العلماء أجمعوا على مشروعية الأذان، وحين أقول: على مشروعية الأذان، كلمة (مشروعية) ماذا تعني؟ هل تعني وجوب الأذان أم استحبابه؟

لما نقول: دليل على مشروعية هذا الشيء، مشروعيته معناه أنه مطلوب شرعاً، لكن ليس بلازم أن يكون طلبه على سبيل الإلزام فيكون واجباً، أو على سبيل الندب فيكون مستحباً، أوسع من ذلك أعم من ذلك، بمعنى أنه لما نقول: هذا العمل مشروع يحتمل أن يكون واجباً ويحتمل أن يكون مستحباً.

والحقيقة: أنا أستخدم هذه العبارة، أقول: هذا العمل مشروع بالإجماع لتعزيز جانب بعض الأحكام التي يتلاعب بها الناس، وقد سبق أن استخدمت هذه الكلمة في كتاب: حوار مع الغزالي في موضوع حجاب المرأة، فقلت: إن الحجاب حجاب المرأة -يعني: نقاب الوجه- مشروع بالإجماع، وأعني بأنه مشروع بالإجماع أن العلماء متفقون على أنه مطلوب، لكن بعضهم يقول: واجب وبعضهم يقول: مستحب، لكن ليس هناك -مثلاً- من يقول: إن الحجاب مباح فقط، لا أعلم أحداً من أهل العلم قال بذلك، فضلاً عن أن يقول: إنه بدعة أو مكروه، وقد رأيت أحد فضلاء إخواننا من الدكاترة انتقد هذه الكلمة، كلمة: أنه (مشروع بالإجماع)، وقال: إنه يحتمل أن الكاتب له رأي في موضوع الحجاب ولكنه لا يجرؤ على التصريح به، فجاء بهذه العبارة الغامضة.

والواقع أنه ليس الأمر كذلك، وإنما كان مرادي أن أبين أن مسألة مشروعية الأمر ثابتة، بمعنى أنه مطلوب عند جميع العلماء، فالمرأة -مثلاً- التي تنتقب، العلماء كافة يحمدونها، بعضهم يقول: فعلت واجباً وبعضهم يقول: فعلت سنة، لكن ليس منهم من يقول: ما فعلته مباح لا تؤجرين عليه قط، ليس من أهل العلم من يقول ذلك، وهذا الاستعمال موجود عند الفقهاء، وأذكر له مثالاً واحداً في موضوع الباب: النووي رحمه الله في المجموع لما تكلم على الأذان قال: الأذان والإقامة للصلوات الخمس مشروعان بإجماع العلماء. هذا كلام النووي، وهو حين يقول: مشروعان -رحمه الله- ماذا يعني؟ هل يعني الوجوب؟

لا، لا يعني الوجوب؛ لأن الشافعية أنفسهم -فضلاً عن جميع العلماء- الشافعية مختلفون في حكم الأذان، والمشهور عند الشافعية أنه سنة كما سيأتي بعد قليل، المشهور عند الشافعية أن الأذان والإقامة سنة.

إذاً: قول النووي : (مشروعان بالإجماع). لا يعني أنهما واجبان بالإجماع، كلا، إنما يعني أنهما مطلوبان طلباً أعم من كونه جازماً أو غير جازم، ثم إذا دخلنا في التفصيل هنا يأتي الكلام.

فإذا قلنا: هذا العمل مشروع فالمعنى أنه مطلوب إما وجوباً أو استحباباً، وهذا الاستخدام والاستعمال شائع جداً في ألسنة الفقهاء، وإنما أحببت التنبيه عليه حتى لا يلتبس الأمر على أحد، خاصة أنه ربما لم أكن وضحت هذا الموضوع بصورة كافية فيما سبق وكنت أظنه واضحاً.

الأصل في مشروعية الأذان والإقامة الكتاب والسنة والإجماع.

فأما الكتاب فقد ورد ذكر الأذان في موضعين من القران الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ [الجمعة:9] هذا الموضع الثاني إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] والموضع الآخر وهو الأول: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:58] هذه في سورة المائدة.

فهاتان الآيتان نص على التأذين والنداء للصلاة، فهما أصل في مشروعية الأذان.

وقد ورد في سبب نزول الآية الأولى -آية سورة المائدة- كما ذكر بعض أهل التفسير: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالأذان المعروف جاءه اليهود وقالوا: ( يا محمد! إنك قد ابتدعت أمراً لم يفعله الأنبياء من قبلك )، فنزل قول الله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:58].

وأما السنة فقد ورد ذكر التأذين والأمر به في أحاديث كثيرة جداً، أذكر منها على سبيل المثال ما رواه السبعة من حديث مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم )، وهذا فيه أمر بالأذان: (فليؤذن).

ومثله حديث أبي قلابة وهو في الصحيح أيضاً، ومثله حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه في قصة رؤيا الأذان وهو الحديث الأول في هذا الباب، وإن شاء الله تعالى نبدأ بشرحه بعد نهاية هذه المقدمة.

ومن النصوص الواردة أيضاً في السنة في موضوع التأذين حديث أبي الدرداء الذي رواه أحمد وأصحاب السنن، وقال عنه ابن حبان : إسناده صحيح، حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )، والشاهد من هذا الحديث قوله: (لا يؤذنون)، ضع تحت كلمة (لا يؤذنون) خطاً، لماذا؟

لأن هذه الكلمة ليست موجودة -فيما أعلم- في السنن، إنما هي في مسند الإمام أحمد، وأكثر الروايات: ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة ) بدون ذكر التأذين، وإن كان التأذين من لوازم إقامة الصلاة، ولذلك حكم بعض الباحثين بأن هذه اللفظة -لفظة: (لا يؤذنون)- شاذة ولا تثبت في هذا الحديث .

والحديث على كل حال كما ذكرت لكم أن ابن حبان قال: إسناده صحيح.

وأيضاً مما يدل على الأذان في السنة النبوية مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الأذان، فمنذ أن شرع الله تبارك وتعالى الأذان في السنة الأولى من الهجرة -كما سيأتي- إلى أن قبض سبحانه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم والنبي عليه السلام وأصحابه محافظون على الأذان محافظة تامة، حتى إنه لا يكاد يثبت أنهم أخلوا به مرة واحدة في حضر ولا سفر، في أمن ولا حرب.

ومثل هذه المحافظة تدل دلالة قاطعة على مشروعية الأذان؛ لأن مثل هذه الشعائر الظاهرة مما يتواتر نقلها ويتعالم ويتسامع الناس بها، فينقلها الكافة عن الكافة نقلاً مستفيضاً، بل متواتراً يستحيل معه الكذب.

وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر أن الأذان علامة للإسلام وشعار للإيمان، فكان إذا بعث سراياه يأمرهم أن ينتظروا، ألا يغيروا ليلاً بل ينتظروا، فإذا سمعوا أذاناً كفوا وإلا أغاروا، فدل على أن من الفوارق بين القرية المسلمة والقرية الكافرة، والدولة المسلمة والدولة الكافرة، والأمة المسلمة والأمة الكافرة: أن الأمة المسلمة والقرية المسلمة والدولة المسلمة ترفع الأذان، وينادى فيها للصلاة وتقام فيها شعائر الدين، وهذا ليس مطرداً على طول الطريق، فقد ينادى للصلاة في بعض البلاد الكافرة، وعلى سبيل المثال في أمريكا في واشنطن يؤذنون للصلاة في المركز الإسلامي، لكن لا يؤذنون في الليل، يؤذنون في الصلوات النهارية في الظهر والعصر والمغرب، أما العشاء والفجر فلا يؤذنون؛ لأنهم يقولون: نزعج الحي المجاور للمسجد، إنما رفع الأذان من شعائر الإسلام ومن علامات الإيمان، فإذا حافظ قوم على رفعه دل على أنهم -إن شاء الله- مؤمنون، هذا هو الأصل، إلا إذا ظهر خلاف ذلك فهذا أمر آخر.

إذاً: فالسنة النبوية مليئة بالأخبار والآثار والأدلة على مشروعية الأذان.

أما الإجماع فكيف نقول في الإجماع؟

أقول -وأرجو أن تتنبهوا لهذه الكلمة لئلا يقع فيها خلط-: إن العلماء أجمعوا على مشروعية الأذان، وحين أقول: على مشروعية الأذان، كلمة (مشروعية) ماذا تعني؟ هل تعني وجوب الأذان أم استحبابه؟

لما نقول: دليل على مشروعية هذا الشيء، مشروعيته معناه أنه مطلوب شرعاً، لكن ليس بلازم أن يكون طلبه على سبيل الإلزام فيكون واجباً، أو على سبيل الندب فيكون مستحباً، أوسع من ذلك أعم من ذلك، بمعنى أنه لما نقول: هذا العمل مشروع يحتمل أن يكون واجباً ويحتمل أن يكون مستحباً.

والحقيقة: أنا أستخدم هذه العبارة، أقول: هذا العمل مشروع بالإجماع لتعزيز جانب بعض الأحكام التي يتلاعب بها الناس، وقد سبق أن استخدمت هذه الكلمة في كتاب: حوار مع الغزالي في موضوع حجاب المرأة، فقلت: إن الحجاب حجاب المرأة -يعني: نقاب الوجه- مشروع بالإجماع، وأعني بأنه مشروع بالإجماع أن العلماء متفقون على أنه مطلوب، لكن بعضهم يقول: واجب وبعضهم يقول: مستحب، لكن ليس هناك -مثلاً- من يقول: إن الحجاب مباح فقط، لا أعلم أحداً من أهل العلم قال بذلك، فضلاً عن أن يقول: إنه بدعة أو مكروه، وقد رأيت أحد فضلاء إخواننا من الدكاترة انتقد هذه الكلمة، كلمة: أنه (مشروع بالإجماع)، وقال: إنه يحتمل أن الكاتب له رأي في موضوع الحجاب ولكنه لا يجرؤ على التصريح به، فجاء بهذه العبارة الغامضة.

والواقع أنه ليس الأمر كذلك، وإنما كان مرادي أن أبين أن مسألة مشروعية الأمر ثابتة، بمعنى أنه مطلوب عند جميع العلماء، فالمرأة -مثلاً- التي تنتقب، العلماء كافة يحمدونها، بعضهم يقول: فعلت واجباً وبعضهم يقول: فعلت سنة، لكن ليس منهم من يقول: ما فعلته مباح لا تؤجرين عليه قط، ليس من أهل العلم من يقول ذلك، وهذا الاستعمال موجود عند الفقهاء، وأذكر له مثالاً واحداً في موضوع الباب: النووي رحمه الله في المجموع لما تكلم على الأذان قال: الأذان والإقامة للصلوات الخمس مشروعان بإجماع العلماء. هذا كلام النووي، وهو حين يقول: مشروعان -رحمه الله- ماذا يعني؟ هل يعني الوجوب؟

لا، لا يعني الوجوب؛ لأن الشافعية أنفسهم -فضلاً عن جميع العلماء- الشافعية مختلفون في حكم الأذان، والمشهور عند الشافعية أنه سنة كما سيأتي بعد قليل، المشهور عند الشافعية أن الأذان والإقامة سنة.

إذاً: قول النووي : (مشروعان بالإجماع). لا يعني أنهما واجبان بالإجماع، كلا، إنما يعني أنهما مطلوبان طلباً أعم من كونه جازماً أو غير جازم، ثم إذا دخلنا في التفصيل هنا يأتي الكلام.

فإذا قلنا: هذا العمل مشروع فالمعنى أنه مطلوب إما وجوباً أو استحباباً، وهذا الاستخدام والاستعمال شائع جداً في ألسنة الفقهاء، وإنما أحببت التنبيه عليه حتى لا يلتبس الأمر على أحد، خاصة أنه ربما لم أكن وضحت هذا الموضوع بصورة كافية فيما سبق وكنت أظنه واضحاً.

ابن المنذر رحمه الله في كتاب الإشراف نقل الإجماع على أن من ترك الأذان والإقامة يقاتل على تركهما، أن أهل القرية -مثلاً- لو تركوا الأذان والإقامة يقاتلون على تركهما، وهذا الإجماع الذي نقله ابن المنذر ونقله عنه القونوي في كتابه أنيس الفقهاء هذا الإجماع فيه نظر، وأيضاً -هذه انتبهوا لها لا يلتبس الأمر عليكم- ابن المنذر والقونوي يقولان: إذا ترك أهل قرية الأذان والإقامة قوتلوا على تركهما بالإجماع، والواقع أن هذه المسألة ليس فيها إجماع، بل مختلف فيها، وإنما الإجماع من العلماء كافة واقع على أن من ترك أمراً واجباً لا يعذر بجهل وجوبه معروف الوجوب فإنه يقاتل على تركه، كمن ترك فريضة من الفرائض، ترك الجهاد في سبيل الله وأبطله وعطله، أو ترك تحريم الربا، أو ترك تحريم نكاح ذوات المحارم، أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعطله وأبطله، وما أشبه ذلك من الشرائع الظاهرة المجمع على وجوبها، أو أقر الشرائع الباطلة المجمع على تحريمها وإنكارها من شرائع الجاهلية والوثنية وعوائد الأعراب وغير ذلك، أو إذا أقر وتواطأ قوم وأظهروا وامتنعوا على فعل المحرم أو ترك الواجب فهنا يقاتلون على هذا، يقاتلون عليه، وهذا بإجماع العلماء كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع كثيرة جداً من الفتاوى، أذكر منها في المجلد الثامن والعشرين -وهو المجلد الخاص بالجهاد- حين تكلم عن الطوائف المختلفة كـالنصيرية، وحين تكلم عن التتر، وحين تكلم عن الرافضة صرح بهذا، أن أي طائفة، قبيلة، أمة، قرية، دولة امتنعت واجتمعت على فعل المحرم واستباحته أو على ترك الواجب والامتناع منه فإنها تقاتل على ذلك.

أما الأمور التي ليست واجبة أو مختلف في وجوبها فإن الفقهاء مختلفون في القتال عليها، أنا لا أقول: لا يقاتلون، أقول: فيه خلاف، مثلما لو تواطئوا على ترك سنة الفجر، سنة الفجر مستحبة بإجماع العلماء، لكن ما أحد قال بأنها واجبة.

من الفقهاء من قال: إذا أصروا وتواطئوا جميعاً على ترك ركعتي الفجر يقاتلون على ذلك، ومن الفقهاء من يقول: لا يقاتلون على هذا، وهذا ما رجحه الجويني وانتصر له وقال: إن ما عداه فهو باطل.

وكذلك الأذان والإقامة إذا قلنا بأنهما سنة لا نقول بقتال من تركهما، وإذا قلنا بأنهما واجبان فعلى القول بوجوبهما يقاتل من تركهما إذا لم يكن متأولاً، ومعنى كونه متأولاً يعني: لو تركها وهو يقول: ليس بواجب لا يقاتل على ذلك -والله تعالى أعلم- عند من لا يرون القتال على ترك السنة.

إذاً: خلاصة الكلام الذي أريد أن أوضحه لكم في موضوع قتال تارك الأذان: أن ابن المنذر نقل الإجماع على أن تارك الأذان والإقامة يقاتل عليهما.

والصواب: أن هذه المسالة فيها خلاف، ليس فيها إجماع، فيها خلاف، منهم من يقول: يقاتل على ترك الأذان والإقامة، ومنهم من يقول: لا يقاتل على ترك الأذان والإقامة؛ لأن الأذان والإقامة مختلف في حكمهما كما سوف يأتي.

الأذان والإقامة جاءا بوحي من عند الله تعالى، ولم يكن تشريع الأذان والإقامة بسبب رؤيا أو مشورة من أحد، وإنما الأصل في ذلك أنه تشريع، إما تشريع ابتداء أو إقرار من الله تبارك وتعالى لما اجتهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم.

تلحظ أن الأذان والإقامة جامعان لأصول الدين وأهم مقاصده ومبانيه، فتجد في الأذان -مثلاً- توحيد الربوبية، الإيمان بوجود الله تعالى وربوبيته، كما تجد فيه توحيد الألوهية وأنه المستحق للعبادة وحده دون سواه، كما تجد فيه الإيمان بالنبوات والشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل والأنبياء بأنه رسول من عند الله، وهذا يتضمن الإيمان بغيره من الرسل.

وفيه الإيماء إلى قضية البعث والمعاد والجزاء والحساب والجنة والنار، وذلك في أي موضع من الأذان؟ الإيمان بهذه الأشياء في أي موضع؟

في قوله: حي على الفلاح؛ لأن المقصود بالفلاح: هو حصول المطلوب ودفع المرهوب في أمور الدين والدنيا، في الدنيا وفي الآخرة، فمن الفلاح -مثلاً- السعادة في الدنيا، ومن الفلاح النجاة من النار في الآخرة والفوز بالجنة، ففي قوله: (حي على الفلاح) إيماء إلى البعث والجزاء والحساب والجنة والنار.

كما أن في الأذان والإقامة دعاء إلى الصلاة، وهي آكد أركان الإسلام العملية، وأمراً بها بقوله: (حي على الصلاة)، ثم تجد في الإقامة وألفاظها دعوة لتجديد الإيمان في القلب وحضور القلب عند الصلاة والإقبال عليها، والانصراف عن شواغل الدنيا وصوارفها وملهياتها، والإقبال على الله سبحانه وتعالى وعلى طاعته وعبادته، ولهذا شرع النداء بهذه الألفاظ المعروفة عند دخول وقت الصلاة وعند الإقامة لها كما هو معروف.