شرح العقيدة الواسطية [9]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] في سبعة مواضع في سورة الأعراف في قوله: إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، وقال في سورة يونس عليه السلام: إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس:3]، وقال في سورة الرعد: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2]، وقال في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وقال في سورة الفرقان: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الفرقان:59]، وقال في سورة (آلم السجدة): اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [السجدة:4]، وقال في سورة الحديد: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4] ].

هذه الآيات كلها لإثبات صفة عظيمة لله جل وعلا تواتر النقل بإثباتها، وهي صفة الاستواء لله سبحانه وتعالى، وصفة الاستواء صفة ثابتة بالكتاب وبالسنة، وأجمع عليها سلف الأمة، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (أجمع عليها المؤمنون الأولون والآخرون.. بل هي ثابتة في كل كتاب أنزله الله عز وجل على كل نبي مرسل)، وعلى كل حال نحن يكفينا في إثباتها أنها صفة أثبتها الله سبحانه وتعالى لنفسه في كتابه، وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم فيما ورد من سنته، وأجمع عليها سلف الأمة، فهذا يكفي في إثبات هذه الصفة ولو لم يتقدم لها ذكر في الكتب المتقدمة، وهذه الصفة صفة سمعية خبرية، أي: أن طريق إثباتها هو السمع (الكتاب والسنة)، فليس لأحد أن يقول: استدل على إثبات صفة الاستواء بالعقل؛ لأنه لو لم يرد الخبر عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الله جل وعلا مستو على عرشه لم يمكن لنا أن نهتدي إلى ذلك ولا أن نتوصل إليه.

ومما يقال في هذه الصفة أيضاً: إنها صفة فعلية؛ لأنها صفة كانت بعد عدم، فإنه سبحانه وتعالى اتصف بها بعد خلق السماوات والأرض كما دلت على ذلك الأدلة: إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، فالاستواء على العرش إنما كان بعد خلق السماوات والأرض، فهو صفة فعلية خبرية سمعية.

الاستواء علو خاص بالعرش

ومن المهم في بحث الاستواء: أن نعلم أنه علو خاص، فالله سبحانه وتعالى موصوف بالعلو العام، كما قال: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، فعلوه سبحانه وتعالى عام على كل الخلق، وسيأتي هذا إن شاء الله تعالى في كلام المؤلف رحمه الله، ولكن علوه على العرش علو خاص بالعرش، ووجه الخصوصية: أن الاستواء المضاف إلى الله سبحانه وتعالى الموصوف به لم يضفه إلى غير العرش، فليس في الكتاب أنه استوى على السماء أو البحر أو الأرض، إنما الاستواء مضاف إلى العرش دون غيره من المخلوقات، ومن هذا نفهم: أن الاستواء علو خاص، وهو من الألفاظ المختصة بالعرش دون غيره، فلا يضاف إلى غيره لا على وجه الخصوص ولا على وجه العموم، فلا تقل: استوى الله على كل شيء، هذا لم يرد في الكتاب ولا في السنة، ولا تضيفه أيضاً إلى شيء مقيد كالاستواء على الأرض، أو السماء، أو غير ذلك من المخلوقات، وبه نعلم أن الاستواء أمر اختص به الله سبحانه وتعالى على عرشه دون غيره من مخلوقاته.

معاني الاستواء عند السلف

هذه الصفة -أيها الإخوان- صفة عظيمة، تكرر ذكرها في كتاب الله عز وجل في سبعة مواضع، وجاء ذكرها في السنة في أحاديث كثيرة، وهي من الصفات الفعلية التي يجري فيها أهل السنة والجماعة على الصراط المستقيم؛ كغيرها من الصفات، فيثبتونها من غير تحرف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فما معنى الاستواء الذي يثبته أهل السنة والجماعة، أهل الفرقة الناجية لله سبحانه وتعالى؟

الاستواء الذي يثبتونه دار كلام السلف في معناه على أربعة معاني، وفسروه بأربع كلمات: فسر الاستواء بالعلو، وبالارتفاع، وبالصعود، وبالاستقرار. فهذه الكلمات الأربع عليها مدار ما نقل عن السلف في تفسير الاستواء، وقد جمعها ابن القيم رحمه الله في نونيته فقال:

فلهم عبارات عليها أربع

عليها يعني: الاستواء.

قد حُصِّلت للفارس الطعان

وهي استقر وقد علا وكذلك ار تفع الذي ما فيه من نكران

وكذاك قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني

يعني: رابع المعاني التي ورد تفسير السلف فيها للاستواء.

يختار هذا القول في تفسيره أدرى من الجهمي بالقرآن

إذاً: تحصل لنا أربعة معان من معاني الاستواء: العلو والارتفاع والصعود والاستقرار، واعلم أنه مهما قيل من تفسيرهم بأي نوع من التفاسير التي وردت عن السلف -وهي محصورة في هذه الأربع معاني- فإننا نثبت ذلك على القاعدة من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

ومن المهم في بحث الاستواء: أن نعلم أنه علو خاص، فالله سبحانه وتعالى موصوف بالعلو العام، كما قال: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، فعلوه سبحانه وتعالى عام على كل الخلق، وسيأتي هذا إن شاء الله تعالى في كلام المؤلف رحمه الله، ولكن علوه على العرش علو خاص بالعرش، ووجه الخصوصية: أن الاستواء المضاف إلى الله سبحانه وتعالى الموصوف به لم يضفه إلى غير العرش، فليس في الكتاب أنه استوى على السماء أو البحر أو الأرض، إنما الاستواء مضاف إلى العرش دون غيره من المخلوقات، ومن هذا نفهم: أن الاستواء علو خاص، وهو من الألفاظ المختصة بالعرش دون غيره، فلا يضاف إلى غيره لا على وجه الخصوص ولا على وجه العموم، فلا تقل: استوى الله على كل شيء، هذا لم يرد في الكتاب ولا في السنة، ولا تضيفه أيضاً إلى شيء مقيد كالاستواء على الأرض، أو السماء، أو غير ذلك من المخلوقات، وبه نعلم أن الاستواء أمر اختص به الله سبحانه وتعالى على عرشه دون غيره من مخلوقاته.

هذه الصفة -أيها الإخوان- صفة عظيمة، تكرر ذكرها في كتاب الله عز وجل في سبعة مواضع، وجاء ذكرها في السنة في أحاديث كثيرة، وهي من الصفات الفعلية التي يجري فيها أهل السنة والجماعة على الصراط المستقيم؛ كغيرها من الصفات، فيثبتونها من غير تحرف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فما معنى الاستواء الذي يثبته أهل السنة والجماعة، أهل الفرقة الناجية لله سبحانه وتعالى؟

الاستواء الذي يثبتونه دار كلام السلف في معناه على أربعة معاني، وفسروه بأربع كلمات: فسر الاستواء بالعلو، وبالارتفاع، وبالصعود، وبالاستقرار. فهذه الكلمات الأربع عليها مدار ما نقل عن السلف في تفسير الاستواء، وقد جمعها ابن القيم رحمه الله في نونيته فقال:

فلهم عبارات عليها أربع

عليها يعني: الاستواء.

قد حُصِّلت للفارس الطعان

وهي استقر وقد علا وكذلك ار تفع الذي ما فيه من نكران

وكذاك قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني

يعني: رابع المعاني التي ورد تفسير السلف فيها للاستواء.

يختار هذا القول في تفسيره أدرى من الجهمي بالقرآن

إذاً: تحصل لنا أربعة معان من معاني الاستواء: العلو والارتفاع والصعود والاستقرار، واعلم أنه مهما قيل من تفسيرهم بأي نوع من التفاسير التي وردت عن السلف -وهي محصورة في هذه الأربع معاني- فإننا نثبت ذلك على القاعدة من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.