لا تخرج قبل أن تقول: سبحان الله
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
لا تخرج قبل أن تقول: سبحان اللهرجلٌ أمريكي - في العقد السابع من عمره - تعرَّض لحادث ونُقِل على أَثَره إلى أقرب مستشفى، لم يكن بحوزته ما يُثبِتُ شخصيَّته، على سرير المستشفى والأجهزة والخراطيم تحُوطُه من كل جنب، أفاق لدقائق ونطَقَ كلماتٍ باللغة العربية، وبعدها فاَرق الحياة، جهاز رسم القلب المجاور له لم يُعْطِ الخطَّ الأخضر المعتاد، بل ظهرت على الشاشة الخطوطُ في تعرُّجات غريبة، وكأنها جملةٌ بلُغةٍ غريبة أيضًا، أحد العاملين بالمستشفى كانت له دِراية باللغة العربية، قرأها لهم، وكانت واضحةً بلون أخضر مبين: "لا إله إلا الله".
قصةٌ تأسِر القلوب وتُرقِّقها، أليس كذلك؟ وتزيد المؤمن إيمانًا، وتُقيم على الكافر حـُجَّةً وبيانًا، لكن هذه الحبكة صِيغت في أحد منتديات الملحدين منذ سنوات عديدة، راقبتُها بعيني في مراحل سَبْكها، وتابعت حوارهم حولها، حتى ألقى هؤلاء تلك القصة المختلقة للسُّذَّج - على حدِّ وصْفِهم - في مواقع التواصُل الاجتماعي والمنتديات وغيرها، ومنهم مَنْ تَطوَّع وصمَّم فيديو مدعومًا بصور تزيد السَّرْدَ إبهارًا، وطبقًا لإحصاءات المنتدى، فقد تابعها وشاركها وعلَّق عليها في أول 48 ساعة، ما يقرُب من 2 مليون شخص مشدوهين، مُكبِّرين، مُسبِّحين، وحامدين اللهَ على نعمة الإسلام، هناك على الطرف الآخر من يُقهقه، ويُفكِّر في تَكرار مُتعته هذه، فيَحْبُك غيرها وهكذا.
أرسل لي أحد الأصدقاء منذ أيام إشارةً على موقع الفيس بوك لمشاهدة فيديو من هذه النوعية؛ إذ يدور فيه النمل عكس عقارب الساعة حول تليفون محمول تنبعث منه نغمة "لبيك اللهم لبَّيك"، مشهد مهيب، ولكني تعلَّمْتُ الدرس جيدًا، فجُلُّ ما يتناقله الناس على مواقع التواصل من فيديوهات وصور، أجد لها في الكواليس قصةً مغايرةً، فقمتُ بالبحث عن الفيديو على موقع اليوتيوب، وعلمتُ أن الأمر يتعلَّق بظواهر تخصُّ حياة النمل، لا علاقة لها بسماعه للنغمات.
رحم الله العقَّاد صاحب كتاب "التفكير فريضة إسلامية" حين قال: يكفينا عبادةُ التفكُّر في خلق الله لنقول: سبحان الله في كل وقت، وفي كل مكان.
والإسلام يحثُّنا أن نستعمل عقولنا بكامل طاقتها، وألا نُعطِّلَها حتى نُغربل ما يدخلها ويستقرُّ فيها في وقت طفَت فيه الأكاذيبُ في عالم الإنترنت، بهدف جمع المتابعين فقط دون تدقيقٍ في المحتوى.
قد يَحرمك حديثي هذا من مُتعة تلقِّي الخُرافات والغوص فيها، ومَصمصة الشفاه تأثُّرًا، كما قال القاصُّ الفرنسي جان دي موباسان: "يبكي أحدُنا أحيانًا على فِقدان أوهامه بنفس الحُرقة التي يبكي فيها على فِقدان حبيب"؛ لكن ما أكثرَ الفَسَقةَ صُنَّاعَ الوَهْم في شبكات التواصل! وأنا لا أطلب منكم إلا الأمر القرآني الكريم ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [النساء: 94] قبل أن تُشاركوا هذه النوعية من المنشورات الماكرة.