شرح الفتوى الحموية [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين. وبعد:

فإن الشيخ رحمه الله استمر في بيان ضلال طريقة الخلف وخطورتها فقال رحمه الله تعالى:

[ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة] الآن الشيخ رحمه الله يبين ضلال هذه النتيجة التي وصل إليها الخلف متعددة، فأولها وأبينها وأظهرها في إبطال هذه الطريقة: أنها لا تؤدي إلى العلم والحكمة، قال رحمه الله: [كيف يكون هؤلاء المتأخرون -لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين- الذين كثر في باب الدين اضطرابهم، وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه مرامهم].

إذاً: أول استدلال استدل به الشيخ رحمه الله على إبطال هذه الطريقة هو: النظر إلى ما أوصلته طريقتهم وبدعتهم التي يقولون: إنها أعلم وأحكم، فإنها لم توصلهم إلا إلى اضطراب وضلال وحيرة، وجهل بالله سبحانه وتعالى، فإذا كانت كذلك فإنها طريقة ضالة لا توصل إلى المقصود، بخلاف طريقة السلف التي توصل إلى العلم، والحكمة، والخشية، وكمال العبادة.

نقف على إبطال هذه النتيجة التي توصلوا إليها وأول ما ذكر شيخ الإسلام هو الاستدلال بحال هؤلاء على إبطال طريقتهم، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم في الدنيا والآخرة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ وهذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة. كيف يكون هؤلاء المتأخرون -لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين- الذين كثر في باب الدين اضطرابهم، وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم حيث يقول:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم

وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم، كقول بعض رؤسائهم.

نهاية إقــدام العـقول عقــال وأكثر سعي العالمين ضـلال

وأرواحنا في وحشة من جـسومنا وحاصـل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عــمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن؛ أقرأ في الإثبات: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، وأقرأ في النفي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]،وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110]، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ].

مازال الكلام في هذه المقدمة المباركة حول تقرير صحة مذهب السلف وبيان بطلان ما سلكه الخالفون من الخلف؛ فيما غايروا فيه طريقة السلف وخالفوهم فيه في باب أسماء الله تعالى وصفاته، فذكر الشيخ رحمه الله بطلان طريقة الخلف، وأنها لا توصل إلى علم، وأن قولهم: (إن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم)، غير صحيح، وأن ما وصل إليه هؤلاء وما حصلوه من سعيهم وسبيلهم وطريقهم ضلال، فقال رحمه الله: (كيف يكون هؤلاء المتأخرون -لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين- الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم)، ثم ساق من الأقوال التي نطقوا بها وتكلموا بها واستشهدوا بها على بيان سوء حالهم، وأنهم لم يصلوا بعد سعيهم ونظرهم إلا إلى ضلال وعطب، فيكون هذا دليلاً على بطلان طريقتهم.

وأما قوله رحمه الله (من المتكلمين) فالمتكلمون: هم كل من تكلم في أسماء الله وصفاته بما يخالف الكتاب والسنة، فهذا ضابط أو تعريف ينتظم المتكلمين.

وذكر الشيخ رحمه الله نقولاً منها: النقل الأول والثاني وما سينقله أيضاً، وكلها تبين سوء حال هؤلاء وسوء عاقبتهم، فقال رحمه الله بعد ذلك: (وأقروا على أنفسهم بما قالوه) يعني بما أخبروا به مما حصلوه (متمثلين به) أي: منزلين تلك الأقوال على حالهم، (أو منشئين له) أي: إنهم قالوا قولاً مبتدعاً في بيان سوء عاقبتهم، وأنهم لم يصلوا في بحثهم وطلبهم معرفة الله عز وجل إلى شيء.

شهادة الرازي على بطلان طريقة أهل الكلام

ثم قال نقلاً عن أحدهم وهو الفخر الرازي: (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً) أي: مريضاً يطلب الشفاء (ولا تروي غليلاً) أي: طلب شفاء صدره في هذه الطرق.

(فرأيت أقرب الطرق طريقة القرآن) وطريقة القرآن طريقة واضحة فيها إثبات صفات الله عز وجل، وهو إثبات مفصل، وفيها نفي ما لا يليق بالله عز وجل، وهو نفي مجمل، ولذلك قال: (أقرأ في الإثبات: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10]، وأقرأ في النفي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110] وهذا نفي مجمل، والنفي هنا نفى إحاطة العلم به سبحانه وتعالى، وبحقائق هذه الأسماء والصفات، وبأفعاله جل وعلا، فالخلق لا يحيطون به علماً سبحانه وتعالى لا حساً ولا علماً، أي: من جهة الأخبار والإحاطة بوصفه سبحانه وتعالى بالعلم، فيوم القيامة لا تدركه الأبصار جل وعلا، وهذا فيه نفي الإحاطة الحسية، وأيضاً: فيه نفي الإحاطة الخبرية، أي: أن الأخبار لا تحيط بوصفه جل وعلا.

ولذلك كان من أسمائه ما استأثر به فلم يظهره ولم يخبر به خلقه، وكذلك من صفاته؛ لأن الأسماء تتضمن الصفات، فإذا كان من الأسماء ما لم يخبر به سبحانه وتعالى فكذلك الصفات، فإن منها ما استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه ولم يخبر بها خلقه.

ثم قال الرازي: (ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي)، ولاشك أن السعيد من اعتبر بغيره، ولا يلزم أن نسلك طريقهم حتى نرى ونقف على ما وصلوا إليه وما أصابوه، إنما يكفينا في العبرة والعظة أن نقرأ ما كتبوه وقالوه أو استشهدوا به في بيان سوء عاقبتهم وما وصلوا إليه.

شهادة الجويني على بطلان طريقة أهل الكلام

قال رحمه الله: [ويقول الآخر منهم: لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي] اهـ.

وهذا النقل نقل مهم، وهو عن إمام كبير من أئمة المتكلمين، وهو إمام الحرمين أبو المعالي الجويني فيقول: (لقد خضت البحر الخضم) وهو ما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، (وتركت أهل الإسلام وعلومهم)، يشير بذلك إلى علماء السلف من أهل القرون المفضلة ومن سار على هديهم من بعدهم، (وخضت في الذي نهوني عنه) وهو علم الكلام الذي نهى عنه السلف. (والآن) يعني: بعد هذه الجراءة بخوض هذا البحر وترك ما كان عليه سلف الأمة (إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي).

وهذا يفيدك فائدة عظيمة: أنه على طول بحث المتكلمين وعلى عظم خوضهم في هذا الباب، أنهم لا يصلون إلى شيء يصح أن يعتقد، وعلى أحسن الأحوال تنتهي بهم الأمور إلى أن يعتقدوا ما يعتقده العجائز اللواتي لم يتفقهن تفقهاً تاماً فيما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته.

إذاً: نهاية ما يصل إليه أهل الكلام في بحثهم ودراستهم ونظرهم هو أول نقطة يبتدئ منها أهل السنة والجماعة، والعلماء الذين سلكوا طريق السلف؛ فعلماء السلف يبتدئون من النقطة التي ينتهي إليها أولئك، وشتان بين من كانت خاتمته هي بداية غيره وأن يعتقد عقيدة عوام أهل الإسلام، وبين من كان ابتداؤه أن يعتقد عقيدة عوام أهل الإسلام ثم يصل إلى المعارف والعلوم التي يفتح الله بها عليه مما أدركه سلف هذه الأمة وعلموه.

شهادة الإمام الغزالي على أهلا لكلام بأنهم متشككون

قال رحمه الله: [ويقول الآخر منهم: أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام] والكلام الذي نقله الشيخ عن شك المتكلمين عن الموت هو كلام الغزالي رحمه الله.

ثم قال نقلاً عن أحدهم وهو الفخر الرازي: (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً) أي: مريضاً يطلب الشفاء (ولا تروي غليلاً) أي: طلب شفاء صدره في هذه الطرق.

(فرأيت أقرب الطرق طريقة القرآن) وطريقة القرآن طريقة واضحة فيها إثبات صفات الله عز وجل، وهو إثبات مفصل، وفيها نفي ما لا يليق بالله عز وجل، وهو نفي مجمل، ولذلك قال: (أقرأ في الإثبات: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10]، وأقرأ في النفي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110] وهذا نفي مجمل، والنفي هنا نفى إحاطة العلم به سبحانه وتعالى، وبحقائق هذه الأسماء والصفات، وبأفعاله جل وعلا، فالخلق لا يحيطون به علماً سبحانه وتعالى لا حساً ولا علماً، أي: من جهة الأخبار والإحاطة بوصفه سبحانه وتعالى بالعلم، فيوم القيامة لا تدركه الأبصار جل وعلا، وهذا فيه نفي الإحاطة الحسية، وأيضاً: فيه نفي الإحاطة الخبرية، أي: أن الأخبار لا تحيط بوصفه جل وعلا.

ولذلك كان من أسمائه ما استأثر به فلم يظهره ولم يخبر به خلقه، وكذلك من صفاته؛ لأن الأسماء تتضمن الصفات، فإذا كان من الأسماء ما لم يخبر به سبحانه وتعالى فكذلك الصفات، فإن منها ما استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه ولم يخبر بها خلقه.

ثم قال الرازي: (ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي)، ولاشك أن السعيد من اعتبر بغيره، ولا يلزم أن نسلك طريقهم حتى نرى ونقف على ما وصلوا إليه وما أصابوه، إنما يكفينا في العبرة والعظة أن نقرأ ما كتبوه وقالوه أو استشهدوا به في بيان سوء عاقبتهم وما وصلوا إليه.

قال رحمه الله: [ويقول الآخر منهم: لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي] اهـ.

وهذا النقل نقل مهم، وهو عن إمام كبير من أئمة المتكلمين، وهو إمام الحرمين أبو المعالي الجويني فيقول: (لقد خضت البحر الخضم) وهو ما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، (وتركت أهل الإسلام وعلومهم)، يشير بذلك إلى علماء السلف من أهل القرون المفضلة ومن سار على هديهم من بعدهم، (وخضت في الذي نهوني عنه) وهو علم الكلام الذي نهى عنه السلف. (والآن) يعني: بعد هذه الجراءة بخوض هذا البحر وترك ما كان عليه سلف الأمة (إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي).

وهذا يفيدك فائدة عظيمة: أنه على طول بحث المتكلمين وعلى عظم خوضهم في هذا الباب، أنهم لا يصلون إلى شيء يصح أن يعتقد، وعلى أحسن الأحوال تنتهي بهم الأمور إلى أن يعتقدوا ما يعتقده العجائز اللواتي لم يتفقهن تفقهاً تاماً فيما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته.

إذاً: نهاية ما يصل إليه أهل الكلام في بحثهم ودراستهم ونظرهم هو أول نقطة يبتدئ منها أهل السنة والجماعة، والعلماء الذين سلكوا طريق السلف؛ فعلماء السلف يبتدئون من النقطة التي ينتهي إليها أولئك، وشتان بين من كانت خاتمته هي بداية غيره وأن يعتقد عقيدة عوام أهل الإسلام، وبين من كان ابتداؤه أن يعتقد عقيدة عوام أهل الإسلام ثم يصل إلى المعارف والعلوم التي يفتح الله بها عليه مما أدركه سلف هذه الأمة وعلموه.

قال رحمه الله: [ويقول الآخر منهم: أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام] والكلام الذي نقله الشيخ عن شك المتكلمين عن الموت هو كلام الغزالي رحمه الله.