خطب ومحاضرات
شرح الفتوى الحموية [10]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [والصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم في هذا الباب على سبيل الاستقامة.
وأما المنحرفون عن طريقهم فهم ثلاث طوائف: أهل التخييل، وأهل التأويل، وأهل التجهيل.
فأهل التخييل: هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم، ومتصوف، ومتفقه، فإنهم يقولون: إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق؛ لينتفع به الجمهور، لا أنه بين به الحق ولا هدى به الخلق ولا أوضح به الحقائق.
ثم هم على قسمين:
منهم من يقول: إن الرسول لم يعلم الحقائق على ما هي عليه، ويقولون: إن من الفلاسفة الإلهية من علمها، وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم الأولياء من علمها، ويزعمون أن من الفلاسفة والأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين، وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية: باطنية الشيعة وباطنية الصوفية.
ومنهم من يقول: بل الرسول علمها لكن لم يبينها، وإنما تكلم بما يناقضها وأراد من الخلق فهم ما يناقضها؛ لأن مصلحة الخلق في هذه الاعتقادات التي لا تطابق الحق. ويقول هؤلاء: يجب على الرسول أن يدعو الناس إلى اعتقاد التجسيم مع أنه باطل، وإلى اعتقاد معاد الأبدان مع أنه باطل، ويخبرهم بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون مع أن ذلك باطل. قالوا: لأنه لا يمكن دعوة الخلق إلا بهذه الطريقة التي تتضمن الكذب لمصلحة العباد. فهذا قول هؤلاء في نصوص الإيمان بالله واليوم الآخر.
وأما الأعمال فمنهم من يقرها ومنهم من يجريها هذا المجرى ويقول: إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض، ويؤمر بها العامة دون الخاصة، فهذه طريقة الباطنية الملاحدة الإسماعيلية ونحوهم ].
عاد الشيخ رحمه الله -بعد كلامه السابق- إلى تصنيف الطوائف المنحرفة في باب أسماء الله وصفاته أو في باب الإخبار عنه سبحانه وتعالى، وضم إليه الانحراف في باب ما أخبر به سبحانه وتعالى مما يقع في اليوم الآخر، فقال مبيناً منهج السلف: (والصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم في هذا الباب) أي: في باب ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى على سبيل الاستقامة، من غير غلو ولا تفريط.
ثم قال: (وأما المنحرفون عن طريقهم فهم ثلاث طوائف في الجملة: أهل التخييل، وأهل التأويل، وأهل التجهيل) ثم شرع رحمه الله في الكلام على كل طائفة على سبيل الإجمال؛ لأن هذه القسمة التي ذكرها الشيخ رحمه الله هي قسمة عامة تندرج فيها أكثر من فرقة، فمثلا أهل التأويل يدخل فيهم الأشاعرة، والكلابية، ويدخل فيهم المعتزلة، ويدخل فيهم الجهمية، ويدخل فيهم غلاة الجهمية أيضاً.
وكذلك أهل التخييل وأهل التجهيل مراتب، فهو يتكلم عن أصول هذه البدع، ويذكر الجامع في كل بدعة.
قول أهل التخييل فيما جاء به الرسل من الأخبار
المتفلسفة هم الذين اشتغلوا بالفلسفة وما جاء عن اليونان، وما ورثوه عن أرسطو وغيره من الضلال.
(ومن سلك سبيلهم من متكلم) يعني: ولو لم يكن مصنفاً منهم إلا أنه سلك سبيلهم في بعض ما ذهبوا إليه (ومتصوف ومتفقه).
ثم بين ما يقوله المتفلسفة فقال: (فإنهم يقولون: إن ما ذكر الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق لينتفع به الجمهور).
تخييل للحقائق، أي: تصوير وتكييف لأمر لا واقع له، فهم يخيلون حقائق لا واقع لها لينتفع بهذا التخييل الجمهور، وهم عموم الناس، (لا أنه بين به الحق) يعني: لا أنه بين بما جاء به من الإخبار عن الله عز وجل أو الإخبار عن اليوم الآخر بالحق المبين، إنما جاء بأمور تخييلية لا واقع لها، لا أنه بين به الحق، (ولا هدى به الخلق، ولا أوضح به الحقائق).
أقسام أهل التخييل في موقفهم من علم الرسل بما أخبروا به
فمن باطنية الشيعة: الإسماعيلية الذين يقولون إن ما أخبر الله سبحانه وتعالى به إنما هو تخييل لا حقيقة له، فلا بعث ولا نشور ولا صحة لما ذكر الرسل عن الله عز وجل من الأسماء والصفات وغير ذلك من الأقوال الباطلة. وباطنية الصوفية: كـابن عربي والحلاج وغيرهم من الذين ضلوا واعتقدوا الكذب من الرسل فيما أخبروا، وأنهم يتلقون عن الله عز وجل، وأن ما تخبر به الرسل ليس على الحقيقة إنما هو لأجل نفع الناس.
قال: (ومنهم من يقول) وهذا القسم الثاني: (بل الرسول علمها) يعني: علم حقائق ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه أو أخبر به سبحانه وتعالى عما يكون في اليوم الآخر، (لكن لم يبينها وإنما تكلم بما يناقضها) وهذا من أعظم الافتراء والكذب على الرسل، وهذه بدعة مغلظة، وهي أشد من الأولى؛ لأن الأولى فيها تهمة الأنبياء بعدم العلم، والثانية فيها تهمتهم بالعلم والتضليل، وهذا هو سبيل المغضوب عليهم الذين علموا وكتموا ولم يعملوا بما علموا، وأما القسم الأول فهو سبيل الضالين الذين لم يعلموا.
والأنبياء منزهون عن هذين الطريقين، فطريقهم تام العلم تام العمل؛ ولذلك شرع الله لأهل الإيمان أن يسألوه سبحانه وتعالى أن يهديهم صراطه المستقيم اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، وهم الرسل والأنبياء والصالحون والشهداء، ولتوضيح هذا السبيل استثنى طريقين، فالمغضوب عليهم: هم الذين علموا ولم يعملوا، والضالون: هم الذين عملوا بلا علم، فالفلاسفة جعلوا الأنبياء والرسل إما من المغضوب عليهم أو من الضالين، وهذا فيه أعظم التكذيب لهم والفرية عليهم، والتنقص لله جل وعلا الذي أقر هؤلاء وأيدهم ونصرهم.
تعليل أهل التخييل ما زعموه من كذب الأنبياء أنه للمصلحة
قال: (ويقول هؤلاء: يجب على الرسول أن يدعو الناس إلى اعتقاد التجسيم مع أنه باطل، وإلى اعتقاد معاد الأبدان مع أنه باطل) أي مع أنه لن يكون وأنه كذب، (ويخبرهم بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون مع أن ذلك باطل، قالوا: لأنه لا يمكن دعوة الخلق) هذا بيان للمصلحة التي زعموها (لأنه لا يمكن دعوة الخلق إلا بهذه الطريقة التي تتضمن الكذب لمصلحة العباد)، فلو جاءت الرسل تدعو إلى الله وتبين للناس حقائق الأمور على ما هي عليه دون هذه الكذبات ودون هذه الافتراءات التي زعموها؛ لما صدقهم أحد ولما تبعهم أحد، فكذب الرسل في الإخبار بأن الله يبعث الناس، وأن أهل الجنة يتنعمون بالأكل والشرب وغير ذلك؛ إنما كان لمصلحة كبرى، وهي أن ينقاد الناس إلى الخير وينصرفوا عن الشر.
قال: (فهذا قول هؤلاء في نصوص الإيمان بالله واليوم الآخر) يعني: فيما يتعلق بالعقائد.
(وأما الأعمال) أي: وأما ما جاءت به الرسل من الأعمال: كالأمر بالصلاة، والأمر بالزكاة، والصوم، والحج، وغير ذلك من العبادات، (فمنهم من يقرها) ويثبتها على ما جاءت (ومنهم من يجريها هذا المجرى) أي: مجرى الأمور الخبرية الاعتقادية فيقول فيها: إن الرسل قد ضللوا، وإنما أمروا بهذا لمصلحة العباد، وإلا فإن المقصود بالصلاة ليست الصلاة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، إنما هي أمور باطنة لا يعلمها إلا الخواص! وهذا من أعظم النقض والكذب على الشريعة.
قوله: (ويقول: إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض، يؤمر بها العوام)، أي: أما الخواص الذين يفهمون معنى هذه العبادات على حقيقتها، فيفهمون معنى الحج ومعنى الصيام ومعنى الزكاة ومعنى الصلاة الحقيقي، فلا حاجة إلى أن يصلوا ولا أن يحجوا ولا أن يصوموا ولا أن يزكوا الزكاة التي فرضت على العامة.
ثم قال: (ويؤمر بها العامة دون الخاصة، فهذه طريقة الباطنية الملاحدة: الإسماعيلية ونحوهم) وهذه الطريق مستنكرة مكذبة مكروهة، ظاهرة البطلان عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر؛ ولذلك لم يطل الشيخ رحمه الله في نقض هذه الطريق وإنما اكتفى بذكر طريقتهم دون النقض لها؛ لأنها بينة العوار لا تلتبس على من في قلبه إيمان بالله واليوم الآخر.
فذكر أولاً: أهل التخييل فقال: (فأهل التخييل: هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ومتفقه).
المتفلسفة هم الذين اشتغلوا بالفلسفة وما جاء عن اليونان، وما ورثوه عن أرسطو وغيره من الضلال.
(ومن سلك سبيلهم من متكلم) يعني: ولو لم يكن مصنفاً منهم إلا أنه سلك سبيلهم في بعض ما ذهبوا إليه (ومتصوف ومتفقه).
ثم بين ما يقوله المتفلسفة فقال: (فإنهم يقولون: إن ما ذكر الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق لينتفع به الجمهور).
تخييل للحقائق، أي: تصوير وتكييف لأمر لا واقع له، فهم يخيلون حقائق لا واقع لها لينتفع بهذا التخييل الجمهور، وهم عموم الناس، (لا أنه بين به الحق) يعني: لا أنه بين بما جاء به من الإخبار عن الله عز وجل أو الإخبار عن اليوم الآخر بالحق المبين، إنما جاء بأمور تخييلية لا واقع لها، لا أنه بين به الحق، (ولا هدى به الخلق، ولا أوضح به الحقائق).
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الفتوى الحموية [23] | 2835 استماع |
شرح الفتوى الحموية [8] | 2291 استماع |
شرح الفتوى الحموية [17] | 2163 استماع |
شرح الفتوى الحموية [27] | 2162 استماع |
شرح الفتوى الحموية [15] | 1970 استماع |
شرح الفتوى الحموية [2] | 1854 استماع |
شرح الفتوى الحموية [3] | 1844 استماع |
شرح الفتوى الحموية [6] | 1841 استماع |
شرح الفتوى الحموية [20] | 1794 استماع |
شرح الفتوى الحموية [24] | 1783 استماع |