خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/911"> الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/911?sub=63090"> شرح العقيدة الطحاوية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح العقيدة الطحاوية [21]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: [ وأن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة نشهد لهم بالجنة على ما شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -وقوله الحق- وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وهو أمين هذه الأمة رضي الله عنهم أجمعين، ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس؛ فقد برئ من النفاق ].
أي: أن من بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم هؤلاء العشرة.
والمؤلف رحمه الله اقتصر على العشرة؛ لأنهم أشرف وأعلى وأعظم من بشر بالجنة من هذه الأمة، وإلا فالمبشرون بالجنة من هذه الأمة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثيرون.
والبشارة بالجنة جاءت على نوعين: بشارة جنس، وبشارة عين، فبشارة الجنس كثيرة، وهي التي بشر الله بها أهل الإيمان وأهل الإحسان وأهل التقوى، وأما البشارة الخاصة بمعينين فهي المقصودة بهذا المقطع، فنشهد بالجنة لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وبشره بها، وأشهر هؤلاء وأعظمهم العشرة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: (
يقول رحمه الله: [ وقوله الحق ].
أي: الذي يجب قبوله واعتقاده والتسليم له، فإن الحق ينقاد له المؤمن ولا يعارضه.
ثم يقول في بيان هؤلاء العشرة: [ وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ]. وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون، وجاء في فضائلهم ومناقبهم الشيء الكثير.
قال: [ وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ].
هؤلاء شهد لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجنة، وشهد أيضاً لغيرهم صلى الله عليه وسلم، كـثابت بن قيس بن شماس ، وبلال ، وغيرهما، وممن شهد لهم بالجنة أزواجه صلى الله عليه وسلم؛ فإن أزواجه في الدنيا أزواجه في الآخرة، وهو في الجنة فهن في الجنة رضي الله عنهن.
قال رحمه الله: [ وهو أمين هذه الأمة ].
يشير إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وخصه بذكر هذه الخاصية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأبعثن عليكم أميناً حق أمين) يريد أبا عبيدة ، وقال: (
ولعل المؤلف ذكر هذه الخاصية له إشارة إلى أن هؤلاء قد ورد في فضائلهم ما اختص به كل واحد، أي: قد ورد الفضل خاصاً في كل واحد من هؤلاء، فلعله أراد ذلك، ولعله ختمهم بذكر خاصية آخرهم رضي الله عنهم أجمعين.
قال رحمه الله: [ ومن أحسن القول في أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم جميعهم ] أي: في كل من ثبتت له الصحبة ولو كانت لحظة، [ وأزواجه الطاهرات من كل دنس ] أي: وأحسن القول في أزواجه ووصفهن بالطاهرات؛ لأن الله جل وعلا طهرهن، قال جل وعلا: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، ولا خلاف بين أهل العلم أن المراد بهذه الآية أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهن المقصودات بقوله: (أَهْلَ الْبَيْتِ) في قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، ولا يمنع هذا أن يدخل معهن غيرهن؛ فإن علي بن أبي طالب لا إشكال ولا شك أنه من أهل البيت، وكذلك زوجته فاطمة ، وكذلك الحسن والحسين، فإنهم من أهل البيت بلا ريب ولا شك، ولكن هذا لا ينفي أن يكون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ممن وصف بهذا الوصف، بل وصفهن بهذا الوصف جاء في القرآن، وأما وصف علي رضي الله عنه وفاطمة وغيرهما من أهل البيت بهذا الوصف فقد جاء في السنة.
قال: [ وذرياته المقدسين من كل رجس ]، وهذا ليس ثابتاً لكل ذرية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما المقصود أن من عرف منهم بالتقوى والإيمان فإنه هو الذي يُحسن فيه القول، وأما من استوجب القول السيئ فإنه يثبت له، لكن من دون أن ينال من نسبه ولا من اتصاله بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ فقد بريء من النفاق ] أي: سلم من النفاق، وذلك أن من علامات النفاق ودلائله بغض من أحبه الله ورسوله، وبغض الصحابة رضي الله عنهم، فهم أعظم هذه الأمة وأجلها قدراً وأرفعها مكاناً، فمن أبغضهم فإنه منافق، وبالنظر إلى كل من وقع في قلبه بغض لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن قلبه غير سالم بل قلبه مشوب بالنفاق.
قال رحمه الله تعالى: [ وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل].
من عقائد أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم على ورثة الأنبياء، وهذا من تمام سلامة قلوب أهل السنة والجماعة، فإن المؤلف رحمه الله ذكر سلامة قلوب أهل السنة والجماعة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر محبتهم وما لهم من الفضل، ثم ثنى ذلك بذكر من لهم الفضل بعدهم، وهم علماء السلف من السابقين -أي: المتقدمين- ومن بعدهم من التابعين، أي: ومن سلك سبيلهم من التابعين، هؤلاء حقهم ألا يذكروا إلا بالجميل. فلا يذكرون بسوء، بل لا يذكرون إلا بالجميل، فلا تذكر سقطاتهم ولا زلاتهم، بل يذكر خيرهم وإحسانهم وفضلهم، وكل من وقع في هؤلاء بسوء -وذلك بالتنقيب عن أخطائهم والتفتيش عن زلاتهم والإشاعة لما خالفوا فيه الدليل- فإنه على غير السبيل؛ لأنه من كان قاصداً الحق عاملاً به داعياً إليه مجتهداً في إصابته فإنه لا وجه للإساءة إليه حتى لو أخطأ؛ فإن الخطأ لا يسلم منه أحد، وكل ابن آدم خطاء، فالخطأ في الاجتهاد واقع، وقد وقع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالوقوع في الخطأ في الاجتهاد فيما فيه الاجتهاد ليس مسوغاً لإيغار الصدور، ولا لإطلاق الألسنة في هؤلاء، بل الواجب الشفقة والرحمة، وهذا من سمات أهل السنة والجماعة؛ فإنهم يعظمون الحق ويرحمون الخلق، فيعظمون الحق بالدعوة إليه وبيانه وتوضيحه والذب عنه، ورد الشبه عنه، لكنهم مع هذا ليسوا ممن يظلمون الخلق، بل هم يرحمون الخلق، فيتطلبون للمخطئ العفو، ويبحثون عن الستر، ويطلبون العذر، ولا يطلقون ألسنتهم ولا أقلامهم في أهل الخير الذين عرفوا بالخير ولو كان منهم خطأ، لكن لا يعني هذا ألا ينبه على خطأ المخطئ، بل خطأ المخطئ من إنكار المنكر الذي يجب، لاسيما إذا كان الخطأ مما يحصل به إذلال للخلق، أما الأخطاء الخاصة كأن يخالف أو يقع في معصية صغيرة أو كبيرة فإن هذا ينصح فيه فيما بين الناصح والمخطئ، أما ما يتعلق بالخطأ العام كالخطأ في العلم أو في التأليف أو في القول فإنه ينبغي أن ينصح المخطئ، فإن رجع وإلا بين خطؤه بأسلوب ليس فيه شدة ولا غلظة، بل بأسلوب مليء بالشفقة والرحمة، وهذا من دواعي قبول النصيحة. فعلماء السلف هم السابقون ومن بعدهم من التابعين، ثم ذكر أصنافهم فقال: (أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر)، وهم المشتغلون بعلم الحديث والمشتغلون بعلم الفقه، فلا يذكرون إلا بالجميل، أي: بالجميل الحسن الذي يجمل به من ذكر، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
قال رحمه الله: [ ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام، ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء ].
المؤلف رحمه الله في هذا المقطع يرد على غلاة الصوفية الذين رفعوا مرتبة الولاية على النبوة، فيقول رحمه الله: (ولا نفضل أحداً من الأولياء) والأولياء: جمع ولي، والولي: هو من تولاه الله سبحانه وتعالى ووفقه إلى الإيمان والتقوى قال سبحانه وتعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، وكل من حقق الإيمان والتقوى نال شرف وفضل الولاية، فلا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء مهما بلغ في الولاية والتقوى؛ لأن الولاية درجة دون النبوة، فالنبوة درجة عالية يقصر دونها كل ولي. يقول: [ ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء ].
فلا إشكال أن النبي أفضل من جميع الأولياء؛ لأن الله سبحانه وتعالى رفع هؤلاء الأنبياء، وخصهم من الخصائص والفضائل بما لم يحصل للأولياء، وأول من أحدث بدعة رقي الولي على النبي ابن عربي وأشباهه الذين قالوا: مقام النبوة في منزل فويق الرسول ودون الولي.
فجعلوا الولاية فوق هذه المنازل كلها، وهم في هذا كاذبون، وإنما أرادوا هذا لأنه قطع عنهم النظر في النبوة؛ فإن الله جل وعلا قد ذكر في كتابه ختم النبوة فقال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، فلما انقطع رجاؤهم ونظرهم في حصول النبوة لهم طلبوا طريقاً آخر يحصل لهم به ما يزعمونه من سقوط التكاليف، فاخترعوا هذا المقام، وجعلوه فوق النبوة ليحصلوا به مآربهم من التسلط على الخلق وإفساد الشرائع والأديان، فهذا هو سبب هذا القول.
قال رحمه الله: [ ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم ].
هذا أيضاً مما يتعلق بالأولياء، فنؤمن بما جاء من كراماتهم، أي: من كرامات الأولياء، الكرامات: جمع كرامة، والكرامة: هي كل خارق للعادة يجري على يد متق مؤمن. فهي كل خارق للعادة مما يجريه الله على يد تقي مؤمن. وقيدنا هذا بهذا حتى نخرج ما يكون من خوارق العادات التي تجري على أيدي السحرة والكهان والمشعوذين والمبطلين؛ فإنها ليست كرامات، إنما هي خوارق للعادات، لكنها لا يمكن أن توصف أو تسمى بالكرامات.
وكذلك نخرج ما يجريه الله على يد الرسل؛ فإن هذا لا يسمى كرامة، إنما هي آيات، وهي أعلى مما يجريه الله عز وجل على أيدي الأولياء من كرامات.
فقوله: (نؤمن بما جاء من كراماتهم) أي: بما صح من إثبات ذلك، ولا يلزم الإيمان بكل كرامة ثبتت لكل شخص؛ لأنه فرع عن ثبوت هذه الكرامة، وقد لا تثبت عنه، لكن نؤمن في الجملة بأن لهم كرامات يكرمهم الله سبحانه وتعالى بها، وهذه الكرامات تنقسم إلى أنواع، منها ما هو من جنس العلم، وهي كرامات العلوم، وهو ما يسمى بـ(المكاشفات)، وذلك بأن يرى ما لا يراه غيره، أو يسمع ما لا يسمعه غيره، أو يفتح له في العلم ما لا يفتح لغيره، أو يوفق لدراسة صادقة لا يوفق لها غيره.
القسم الثاني من الكرامات ما هو من جنس القدرة، أي: ما يكون في القدرة، بأن يمكن مما لا يتمكن منه غيره، وهذا كثير جداً، والغالب في الكرامات هو من هذا النوع، وقد جرى للصحابة رضي الله عنهم والتابعين من هذا شيء كثير، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله كثيراً من هذا في كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ومن ذلك أيضاً القسم الثالث من أنواع الكرامات، وهو ما كان من جنس الاستغناء، فيستغني عن كل ما يحتاج إليه الإنسان عادة في المأكل والمشرب وغير ذلك، وهذا يندرج في الحقيقة في النوع الثاني.
فالكرامات هي كل خارق للعادة يجريه الله عز وجل على يد الولي، ومما يحصل به الفرق بين الكرامات وشعوذة المشعوذين، وباطل السحرة والكهنة والدجالين أنهما يفترقان في السبب والغاية، ففرق بين ما يجريه الله على أيدي أوليائه الصالحين، وبين ما يكون على أيدي الفسقة من السحرة والدجالين والكهان والمشعوذين، والفرق بينهما في السبب والغاية، فالسبب في الكرامة طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله، والسبب فيما يجري على أيدي الكهان والسحرة والمشعوذين تكذيب الله ورسوله، ومعصية الله ورسوله، فبقدر ما يكون معهم من معصية الله ورسوله بقدر ما يكون معهم من الخارق للعادة.
وفي الغاية والمقصد المقصود من الكرامات إقامة الحجة أو دفع الحاجة، فمقصودها تحقيق العبودية لله عز وجل والطاعة والنصر للحق، ومقصودها إظهار دين الله وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أما ما يجري على أيدي الكهان والمشعوذين والسحرة فمقصوده وغرضه الباطل من الفساد في الأرض، وانتهاك الحرمات، وكسب الأموال.
فهذا أبرز ما يفرق بين كرامات الأولياء وخوارق السحرة والمشعوذين.
ومما يفرق به بين الصنفين أن كرامات الأولياء تزداد بذكر الله عز وجل وتقوى بذكر الله جل وعلا، أما ما يجري من الخوارق على أيدي السحرة والمشعوذين يبطل عند ذكر الله جل وعلا، فإذا ذكر الله عند هؤلاء المشعوذين بطل ما عندهم من الخارق للعادة.
ورابع الفروق أن الكرامات لا يمكن أن تعارض ولا أن يؤتى بأقوى منها، بخلاف ما يكون على أيدي السحرة والمشعوذين فمعارضته ممكنة بمثلها أو بما هو أقوى منها، فهذه أربعة فروق بين ما يكون من كرامات الأولياء وشعوذة المشعوذين.
فقوله: (نؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم) أي: رواياتهم في العلم. أو رواياتهم في الكرامات.
قال رحمه الله تعالى: [ ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها ].
أشار المؤلف رحمه الله في هذا المقطع إلى أشراط الساعة، فقال: (نؤمن بأشراط الساعة)، وأشراط الساعة علاماتها، وقد ذكر الله جل وعلا ذلك في قوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18]، أي: علاماتها، والساعة المراد بها هنا القيامة الكبرى، وليست الساعة الخاصة وهي موت كل إنسان، فإن الله جل وعلا قد جعل للساعة الكبرى التي يقوم فيها الناس لله رب العالمين -وهي إيذان بانتهاء الدنيا- جعل لها علامات، وهذه العلامات أبرزها بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة، قال الله جل وعلا: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، وانشقاق القمر جرى وقت النبي صلى الله عليه وسلم آية له؛ فإن مشركي مكة طلبوا منه آية فشق الله له القمر فلقتين شهدهما الناس، لكنهم كذبوا وقالوا: سحر مستمر، وسحر ذاهب باطل، وقال بعضهم لبعض: سلوا أهل الأسفار، فإن كانوا قد رءوا ما رأيتم من انشقاق القمر فإنه حق، وإن كانوا لم يروا ذلك فإنه ليس بحق، وإنما سحر سحركم به، فسألوا المسافرين من كل وجه فكلهم أثبت رؤية الانشقاق.
ومما يدل على أن الانشقاق وقع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العيد بـ(ق) و(اقتربت الساعة)، والناس يسمعون هذا، ويسمعون قوله تعالى: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، ولم يقم واحد منهم ينكر ويكذب انشقاق القمر.
فمن علامات الساعة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والعلامات تنقسم إلى قسمين: علامات كبيرة وعظيمة، وعلامات صغرى دون ذلك، فالعلامات الصغرى كثيرة جداً، وأما العلامات الكبرى فهي التي إذا ظهرت آذن ذلك باختلال العالم، وأول هذه الآيات الكبرى العظيمة خروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، فإنها أول الآيات العظمى.
وأما خروج الدجال وخروج يأجوج ومأجوج ونزول عيسى ابن مريم من السماء فهذا ليس من الآيات الكبرى؛ لأنه من جنس ما يدركه البشر؛ لأن الدجال من البشر، ويأجوج ومأجوج من البشر، وعيسى ابن مريم من البشر، فهي آيات كبرى لكنها ليست كالآيات التي تؤذن بخروج العالم عن المألوف؛ ولذلك إذا طلعت الشمس من مغربها انقطعت التوبة، وانتهى الأمر، وكذلك الدابة تخرج وتميز المسلم من الكافر، فالأمر منته؛ ولذلك جاء في صحيح مسلم (إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة) وأيهما خرجت أولاً فالأخرى في أثرها، والمراد بهذا الحديث أول الآيات التي تخرج عن المألوف والمعتاد، وليس أول ما يجري. فالمقصود الأول الخروج عن المألوف والمعتاد، ثم بعد ذلك تتتابع الآيات التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها.
يقول المؤلف رحمه الله: (ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال) (وهو شر غائب ينتظر) كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فإنه أشد الفتن على بني آدم، ولذلك ما من نبي إلا أنذر قومه منه، والدجال رجل يبتلي الله سبحانه وتعالى به الناس، يدعي أول الأمر الصلاح، ثم النبوة، ثم الإلهية والربوبية، ويكذبه الله جل وعلا، وآيات كذبه منقولة معه؛ فإنه أعور والله جل وعلا ليس بأعور، ولو كان رب العالمين لدفع عن نفسه النقص، لكنه لا يملك أن يدفع عن نفسه النقص، فهو مربوب مخلوق نسأل الله أن يكفينا شر فتنته، لكن يمكنه الله من القدرة ما تحصل به الفتنة، ولكن هذا التمكين ليس دائماً بل هو زائل مضمحل؛ فإنه يظهر كذبه لكل مؤمن.
يقول: (ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء) أي: إنزال عيسى ابن مريم من السماء، كما جاء ذلك في قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61] أي: علم من أعلام الساعة، وذلك بنزوله في آخر الزمان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنزول عيسى ابن مريم ، وأنه ينزل ويحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، فيكسر الصليب إشارة إلى إبطال ما اعتقدته النصارى واليهود في أنه قد قتل، ويقتل الخنزير إشارة إلى إبطال ما استباحه النصارى ونسبوه إليه؛ فإن الخنزير لم يبحه عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وهذا الفعل منه إيذان منه أنه قد انتهى كل دين غير دين الإسلام؛ ولذلك لا يقبل من أحد إلا الإسلام، ويضع الجزية، أي: لا يقبل الجزية.
يقول: (ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة من موضعها).
طلوع الشمس من مغربها جاء في قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، والمشار إليه في هذه الآية خروج الشمس من مغربها، وأما الدابة ففي قوله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82]، وقد تواترت في ذلك الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي لأهل الإيمان أن يتحروا في مسائل أشراط الساعة، وألا يتعجلوا في إثبات ما جاءت به الأحاديث، أو في تنزيل ما جاءت به الأحاديث على الواقع؛ فإن هذه من الفتن التي صارت في الناس، وخاض فيها من لا علم له، فتجده يحدث بما صحت به الأحاديث من الأخبار على أعيان ووقائع وأحداث ومناطق، وهذا ليس بصحيح؛ لأن هذا يحتاج إلى علم وبصيرة وتأمل ونظر، وهذا في الغالب يفقده من يشتغلون بهذه الأمور.
قال رحمه الله تعالى: [ ولا نصدق كاهناً ولا عرافاً، ولا من يدعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة ].
يقول رحمه الله: (ولا نصدق كاهناً ولا عرافاً) لأن تصديق الكهان والعرافين مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)، وفي الرواية الثانية: (من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)، فدل ذلك على تحريم تصديق هؤلاء، وتصديقهم في الإخبار بالمستقبل كفر بالله العظيم، وتصديقهم في الإخبار بالغيب النسبي مهدد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)، فتصديقهم على درجات، فمنه ما يكون كفراً، وذلك تصديقهم بكل ما يكون في الغيب في المستقبل، كأن يقول الكاهن: سيجري لك غداً كذا أو ستتزوج فلانة ولا تتوفق معها أو سيأتيك ولد، فمن صدقه في هذا فهو كافر بالله العظيم، قال الله جل وعلا: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65]، فمن صدق الكاهن في الخبر المستقبل فهو كافر؛ لأنه مكذب بالقرآن الذي فيه أن الغيب لا يعلمه إلا الله جل وعلا.
وأما من صدقه في الخبر الذي في الغيب النسبي الذي يخفى ويعلمه بعض الناس، كالإخبار عن مكان الضالة، وكالإخبار عن مكان المسروق، وما أشبه ذلك فإن هذا لا يكفر، لكنه على خطر عظيم، ويكفي في التحذير منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)، ثم من صدقه في هذا يوشك أن يصدقه في خبر المستقبل، فيجب الحذر من هذا.
يقول رحمه الله: (ولا نصدق كاهناً ولا عرافاً) والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن هو من يخبر عن الغيب في المستقبل، والعراف من يخبر عن المغيبات بأمور يستدل بها، وقد نص شيخ الإسلام رحمه الله على أن الكاهن والعراف اثنان لمسمىً واحد، وهو كل من يخبر بالغيب، لكن الفرق بين الكاهن والعراف هو الطريق التي يتوصل بها إلى معرفة الغيب.
قال رحمه الله تعالى: (ولا من يدعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة).
لا إشكال أنه لا يجوز تصديق هذا، والجامع بينه والذي قبله في قوله: (لا نصدق كاهناً ولا عرافاً، ولا من يدعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة) هو أن الجميع مبطل، فالكاهن والعراف مبطلان، ومن ادعى شيئاً يخالف ما جاء في الكتاب والسنة فهو مبطل أيضاً، ولا يجوز تصديقه ولا قبول خبره، فلا يصدق ما خالف الكتاب، وما خالف السنة، وما خالف إجماع الأمة.
قال رحمه الله تعالى: [ ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً ].
من عقائد أهل السنة والجماعة أنهم يرون الاجتماع، وهو الاجتماع على الحق، والاجتماع مع أهل الحق، والاجتماع على من ولي أمر المسلمين، فهم ليسوا أهل فرقة وخلاف، بل هم أهل ألفة واجتماع، قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، فالآيات التي أمر الله جل وعلا فيها بالائتلاف والاتفاق والاجتماع كثيرة، والتي ذم فيها أهل الفرقة والخلاف كثيرة جداً، بل جعل من الشرع الذي أوصى به هذه الأمة: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13]، وهو ليس خاصاً بهذه الأمة بل بجميع الأمم، قال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13]، فالاجتماع على الدين والحق والهدى مما تواترت فيه النصوص، وقد نهى الله جل وعلا عن الفرقة في قوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105]، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة، والمراد بالاجتماع الاجتماع على الحق ومع أهل الحق، وأما الاختلاف فهو الخروج عن الحق وعن أهل الحق.
يقول رحمه الله: و(نرى الجماعة -أي: الاجتماع والقبول بالإجماع، والاجتماع على ولاة الأمر من المسلمين- حقاً وصواباً، والفرقة -وهي مخالفة أهل الكتاب والسنة، ومخالفة أهل الحق، ومخالفة ولاة الأمور من المسلمين- زيغاً وعذاباً).
أما الزيغ فلأنه مخالف للسنة ومخالف لما أمر الله به ورسوله، وأما قوله: (عذاباً) فهذا فيه بيان ما يئول إليه الافتراق وهو أنه عذاب، وإن كان في نظر صاحبه إصلاح، لكنه في الحقيقة عذاب.
قال رحمه الله تعالى: [ودين الله في الأرض والسماء واحد وهو دين الإسلام، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وقال تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن والإياس].
ليس هناك إشكال في أن دين الله في الأرض والسماء واحد وهو الإسلام، كما قال الله جل وعلا إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، والإسلام المقصود به الاستسلام لله جل وعلا بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة؛ فهذا هو الدين الذي جاءت به جميع الرسل، فهو دين آدم ، ودين نوح ، ودين موسى ، ودين إبراهيم ، ودين عيسى ، ودين جميع الرسل، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وهو دين أشرفهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا الدين واحد لا خلاف فيه ولا افتراق، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].
فقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] يعني: الدين المقبول الذي يحصل به للعبد النجاة والفوز، وحصول الرضا والجنة الإسلام.
وقال تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فقد رضي الله جل وعلا لهذه الأمة ما رضيه للأمم السابقة مع مزيد تخصيص وتفضيل لهذه الأمة بتكثير الشرائع. والمؤلف رحمه الله بين دين الإسلام واقتصر في البيان على دين الإسلام لأنه دين أهل السنة والجماعة ، فأهل السنة والجماعة هم أهل الإسلام الحق الصافي، وهم كما قال شيخ الإسلام : هم نقاوة المسلمين، وهم الصفوة، وهم الأخيار، وهم الذين قال الله جل وعلا فيهم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وهم الذين قال الله فيهم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، وذكر المؤلف رحمه الله وسطية هذا الدين، وهو يثبت بذلك وسطية أهل السنة والجماعة ؛ لأن أهل السنة والجماعة وسط في الفرق الإسلامية، كما أن دين الإسلام وسط بين الأديان، والوسطية ليست في جانب واحد، بل هي في جميع الجوانب، قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، فالوسطية في كل شيء، وليست فقط في الاعتقاد، بل في الاعتقاد والعمل والقول، وفي كل أمر من أمور هذه الأمة.
يقول: (وهو بين الغلو والتقصير).
الإسلام عند أهل السنة والجماعة بين الغلو والتقصير، والغلو: الزيادة، والتقصير: النقص. فأهل السنة والجماعة طريقهم وسط لا غلو فيه ولا نقص، وقد نهى الله جل وعلا عن الزيادة كما نهى عن النقص، قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو. إياكم والغلو. إياكم والغلو) وقال: (هلك المتنطعون. هلك المتنطعون)، والأحاديث والآثار في النهي عن الغلو كثيرة.
وكذلك التقصير، فالنصوص كثيرة في النهي عن المعاصي؛ فإن كل معصية في اعتقاد أو قول وعمل من التقصير الذي نهى الله عنه.
قال: (وبين التشبيه والتعطيل).
أهل الإسلام سالمون من هاتين الآفتين، فأهل السنة والجماعة سالمون من هاتين البدعتين، والتعطيل: نفي ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إما نفياً كلياً أو نفياً جزئياً، ويجمع نفي هاتين البدعتين قول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] نفي لبدعة التشبيه، وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] نفي لبدعة التعطيل.
قال: (وبين الجبر والقدر).
أي: بين الذين يقولون بأن الإنسان لا مشيئة له ولا اختيار، وهم الجبرية، والذين يقولون: الإنسان يخلق فعل نفسه، والعبد يخلق فعل نفسه، فليس لله مشيئة ولا اختيار في فعل العبد ولا قدرة في فعل العبد.
وأهل السنة والجماعة يقولون كما قال الله جل وعلا: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]، فيثبتون للعبد قدرة وكسباً ومشيئة، ويثبتون أن هذه القدرة وهذه المشيئة وهذا الكسب لا يخرج عن تقدير الله جل وعلا ومشيئته، بل الله محيط بالعبد ومشيئته وقدرته، والعبد مخلوق للرب، كما أن ذاته وصفاته مخلوقة للرب جل وعلا.
قال رحمه الله تعالى: [وبين الأمن والإياس].
هذا فيه بيان توسط أهل السنة والجماعة بين فريقين ضالين، وهم من عبد الله بالمحبة وحدها، ومن عبد الله بالخوف وحده، فأهل السنة والجماعة يعبدون الله بالمحبة والرجاء والخوف، وتقدم تقرير ذلك.
ثم قال رحمه الله تعالى: [ فهذا ديننا واعتقادنا ظاهراً وباطناً، ونحن برآء إلى الله تعالى من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه ].
قوله: (فهذا) المشار إليه ما تقدم من العقائد، وقوله: (ديننا واعتقادنا ظاهراً وباطناً)، يعني: الذي ندين الله سبحانه وتعالى به، ديننا: أي: الذي نتعبد الله جل وعلا به، واعتقادنا: أي ما طوينا عليه قلوبنا، وشددنا وربطنا عليه قلوبنا.
وقوله: (ظاهراً وباطناً)، يعني: ليس عندنا ظاهر وباطن كحال الباطنية الذين لهم ظاهر وباطن.
ثم قال: (ونحن برآء إلى الله تعالى من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه).
برآء أي: نتبرأ من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه. وهذا هو الواجب، أن يتبرأ الإنسان من كل من خالف عقيدة أهل السنة والجماعة، لكن هذه البراءة كالمحبة في الله والبغض في الله، فالبراءة تتفاوت بتفاوت المخالفة، فلو كانت مخالفته عظيمة كان نصيبه من البراءة عظيماً، ومن كانت مخالفته كبيرة كان نصيبه من البراءة يسيراً، على أن المؤلف رحمه الله ذكر في هذه العقيدة ما خرج به عن عقيدة أهل السنة والجماعة ، لاسيما في مسألة الإيمان.
قال رحمه الله تعالى: [ ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان، ويختم لنا به، ويعصمنا من الأهواء المختلفة، والآراء المتفرقة، والمذاهب الرديئة، مثل المشبهة، والمعتزلة، والجهمية، والجبرية، والقدرية، وغيرهم من الذين خالفوا السنة والجماعة، وحالفوا الضلالة، ونحن منهم برآء، وهم عندنا ضلال وأردياء، وبالله العصمة والتوفيق ].
يقول رحمه الله في ختم هذه العقيدة: [ ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به، ويعصمنا من الأهواء المختلفة، والآراء المتفرقة، والمذاهب الرديئة ]، آمين.
بعد أن قال رحمه الله: (فهذا ديننا واعتقادنا ظاهراً وباطناً)، لجأ إلى الله جل وعلا في التثبيت على الحق، وهذا هو حال المؤمن التقي الذي يرجو ما عند الله عز وجل، ولا يعتمد على نفسه في الثبات، بل يقرر الحق، ويسأل الله عز وجل الثبات عليه؛ ولذلك قال رحمه الله: (ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به) والثبات: هو الاستمرار. والختم: هو أن يكون منتهى ما نعمل به ونغادر هذه الدنيا به هو الإيمان.
قوله: (ويعصمنا من الأهواء -أي: يحفظنا ويمنع منا الأهواء- المختلفة، والآراء المتفرقة، والمذاهب الرديئة) الأهواء: جمع هوى، وهو ما تهواه الأنفس، ويطلق على ما تهواه الأنفس في الأعمال، وفي العقائد.
والآراء المتفرقة لاشك أنها الآراء المخالفة لأهل السنة والجماعة، وأما ما وافق أهل السنة والجماعة فإنه لا يفترق ولا يتفرق، بل عقيدة أهل السنة والجماعة الاجتماع، كما قال رحمه الله، والمذاهب الرديئة: أي المسالك الرديئة المخالفة، ثم مثل لذلك بالمشبهة والمعتزلة، فبدأ بالمشبهة، ويريد بـ المشبهة الممثلة؛ لأن النفوس ترفض هذه البدعة، فإن كل نفس مفطورة على أن الخالق ليس كالمخلوق، وأنه لا مماثلة بين الخالق والمخلوق، بل الله جل وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية هذه الفرق كلها من الفرق الضالة، وأنواع الضلال فيها مختلفة، فمنها ما هو في الأسماء والصفات، ومنها ما هو في القدر، ومنها ما هو في اليوم الآخر.
يقول: (وغيرهم من الذين خالفوا السنة والجماعة، وحالفوا الضلالة) أي: صالحوا الضلالة والتزموها والتحفوها، وكانت مرافقة لهم.
قوله: (ونحن منهم برآء) هذا فيه البراءة من كل من خالف أهل السنة والجماعة .
قال: (وهم عندنا ضلال أردياء) ولاشك في ذلك؛ فإن هذه الفرق من الفرق الضالة الرديئة المخالفة للكتاب والسنة.
ثم قال رحمه الله: (وبالله العصمة والتوفيق) أي: به جل وعلا تحصل العصمة للعبد من الوقوع في شيء من الضلال، والتوفيق إلى طريق أهل السنة والجماعة، وهذا ختم بديع؛ لأنه به يحصل للإنسان السعادة في الدارين، أن يعصمه الله من أهل الشر، وأن يوفقه إلى الخير والعمل به، نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وبهذا تكون قد انتهت هذه العقيدة المباركة التي نسأل الله عز وجل أن يثيب مؤلفها خيراً، وأن يغفر له ما كان فيها من خطأ، وأن ينفعنا بما فيها من علوم نافعة.